New Page 1
الصهيونية حركة عنصرية في الاطار والمضمون/ الباحث منيب شبيب
25/02/2012 10:40:00
تعرف الصهيونية(1 من الزاوية التي ينظر إليها منها، فهناك من يعرفها من منطلق قومي، واخرون يعرفونها من منطلق سياسي.
فالصهيونية كعقيده قوميه تعرف بأنها "الإيمان بالوحدة القومية لجميع اليهود المنحدرين من اصول يهوديه "(2فالسلالة أو العرق هي أساس الوحدة القومية بين اليهود؛ أي الحقيقه البيولوجيه المحضه هي التي تجعل من الشخص يهودياً في نظر الصهيونيه . اما سياسياً فتعرف الصهيونيه بأنها " حركة الشعب اليهودي في طريقه إلى فلسطين) "(3. ارض الاباء والاجداد .
تعود بدايات الصهيونيه – كحركه قوميه يهوديه – الى نهايات القرن التاسع عشر ، حينما ظهرت بين اوساط يهود أوروبا المتأثرين بفكرة القوميه التي كانت تجتاح أوروبا خلال تلك الفتره، والقاضيه باحقية كل امه بأن يكون لها وطن خاص بها .
نادت الصهيونيه انذاك بايجاد حل للمسأله اليهوديه في أوروبا ، يقوم هذا الحل على ايجاد وطن خاص باليهود ، شأنهم في ذلك شأن الامم الاخرى ، يكون ملاذاً ومستقراً لجميع يهود العالم. وبعد نقاش وجدال بين مختلف تيارات الحركه الصهيونيه(4 تمكنت الصهيونيه السياسيه بزعامة هيرتزل* من تمرير رؤيتها الخاصه داخل الحركه ، والقائله بأن حل المسأله اليهوديه يتم من خلال ايجاد وطن خاص باليهود . واستقر الرأي ، فيما بعد ، أن يكون هذا الوطن في فلسطين . وطنهم القديم وارض الميعاد .
ومن اجل تجسيد تلك الرؤيه الى واقع ، إتخذت الحركه الصهيونه من الانغلاق على الذات منهجاً لها ومن العنف والتوسع مسلكاً لها .
أولاً- الانغلاق على الذات :
إن الحافز الأقوى للحركه الصهيونية ( كما يتضح مما سبق ) هو تمكين الأمة اليهودية من تحقيق ذاتهاعن طريق تجميع اليهود في دولة خاصة بهم كما يقول وايزمن " إن هدف الصهيونية بناء قومية تكون يهودية بقدر ما هي الأمة الفرنسية فرنسية وبقدر ما هي الأمة البريطانية بريطانية"(1.
وحتى تستطيع الأمة اليهودية تحقيق ذاتها يجب عليها: الانغلاق على ذاتها، والتميز عن غيرها، والتفوق على غيرها(2).
فالانغلاق على الذات يحول دون اندماج اليهود في المجتمعات الأخرى، وبهذا يشكلون أمة واحدة لها خصائص قومية مشتركة. فاندماج اليهود في المجتمعات الأخرى –وفقاً للعقيدة الصهيونية- يعني فقدان الهوية اليهودية وبالتالي الاتجاه نحو الزوال.
وللحيلولة دون ذلك، ينبغي على الأمة اليهودية أن تتميز عن غيرها حتى تتمكن من تحقيق ذاتها وخلاصها القومي، وهذا يتطلب: انتقال جميع اليهود من أرض الشتات (المنفى) إلى الوطن الأم ( فلسطين ) ، ورحيل كل من هو غير يهودي عن التجمع اليهودي. عندها يبدأ التفوق اليهودي في الظهور، فالشعب المختار لا يستطيع تحقيق ذاته إلا عندما يتم تجميعه في وطن خاص به لا يقيم فيه سواه.
من الملاحظ، أن الصهاينة يركزون على مفهوم الخصوصية لدى اليهود، وحجتهم الرئيسة أن اليهود يشكلون عنصراً منفصلاً وبالتالي فليس من الممكن أن تزدهر موهبتهم القومية إلا إذا تجمعوا في وطن خاص بهم.
من البديهي أن ليس لهذه المفاهيم التي يتبناها الصهاينة أية روابط بالعلم؛ فانطلاقاً من الدراسات العرقية والسيكولوجية، توصل العلم إلى حقيقة واحدة وهي أن جميع الأجناس البشرية
متكافئة من حيث التركيب العضوي (الفسيولوجي)، كما أنها كلها قادرة على خلق قيم ثقافية وتراث فكري.
ويذهب البروفيسور جوان كوماس –الأستاذ بجامعة مكسيكو والمتخصص في علم الأصول العرقية للإنسان- إلى أبعد من ذلك حين يقول "من الغريب أن اليهود الصهيونيين يتحدثون دوماً عما يسمونه (شعباً يهودياً) ذا مميزات خاصة يبالغون في خصوصيتها، بيد أن الحقيقة العرقية هي أن اليهود هم من الناحية العنصرية ذوو أصول وخواص متغايرة، وليس هنالك أساس للادعاء بوجود عنصر يهودي خاص بالفعل، ذلك أن هجراتهم المستمرة عبر التاريخ وعلاقاتهم –طوعاً أو كرهاً- بعدد كبير جداً من الشعوب قد عرضهم لقدر كبير جداً من التهجين، أي التزاوج مع سلالات مختلفة، بحيث يمكن القول بأن ما يسمى شعب إسرائيل يتشكل من فئات ذات سمات وخصائص كمختلف الشعوب"(1).
ويقدم البروفيسور كوماس دليلاً يثبت فيه صحة أقواله، فيقول "كان من بين كل 100 عقد زواج يهودي في ألمانيا خلال الفترة الواقعة بين عامي 1921-1925، 58 عقداً بين أزواج من اليهود فقط والباقي مختلط"(2).
ومع هذا، فقد طبق الصهاينة في التجمعات الاستيطانية التعاليم الصهيونية –سابقة الذكر- تجاه عرب فلسطين، من عزل أنفسهم عن عرب فلسطين إلى مقاطعة المنتوجات والأيدي العاملة العربية كخطوة أولى باتجاه طردهم من وطنهم حينما يتمكنون من ذلك، كما يقول هيرتزل في مذكراته "يجب دفع السكان الأصليين المعدمين إلى النزوح عبر الحدود، وذلك عن طريق حرمانهم من العمل"(3).
وفي عام 1948 تحقق للحركة الصهيونية ما تصبو إليه، حينما تمكنت المنظمات الصهيونية شبه العسكرية من هزيمة الجيوش العربية في فلسطين، واستيلائها على 78% من أرض فلسطين، وإعلانها إقامة دولة إسرائيل في الرابع عشر من أيار 1948.
تصاعدت وتيرة التمييز ضد العرب الفلسطينيين داخل الكيان الإسرائيلي بعد العام 1948 في محاولة لتهجيرهم والسيطرة عليهم في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، حيث يقول إسرائيل شاحاك –رئيس الرابطة الإسرائيلية للحقوق الإنسانية والمدنية- في هذا المجال "أن دولة إسرائيل هي دولة عنصرية بكل ما في الكلمة من معنى، فالتمييز العنصري في هذه الدولة مطبق بأقصى حد من الديمومة والشرعية وفي أهم قطاعات الحياة، وذلك على أولئك الناس الذين ينحدرون من أصل غير يهودي "(1).
لقد طْبق نظام الحكم العسكري على المواطنين الفلسطينيين الذين بقوا في قراهم ومدنهم، وصدر " قانون العودة " لليهود عام 1950 " وقانون الجنسية " بعد أربع سنوات من إنشاء دولة إسرائيل وينص هذان القانونان على حق كل يهودي في التوجه إلى إسرائيل للإقامة فيها واكتساب المواطنة الإسرائيلية تلقائياً . واليهودي – بحسب القانون الإسرائيلي - هو كل من كانت والدته او جدته ، او جدته لامه ، او جدته لجدته يهوديه في ديانتها ، او اذا اعتنق اليهودية طبقاً لتعاليم الدين اليهودي(2).
يقول إيليا زريق حول ذلك: "إن التصور الصهيوني للدولة يخلق تناقضات في تطبيق الحقوق للمواطنة عندما يعبر عن هذه الحقوق بمصطلح عرقي أو قومي من ذلك قانون العودة سنة 1950 وقانون الجنسية سنة 1952، والسياسة التربوية التي وضعت سنة 1953 تهدف إلى تأسيس التربية الابتدائية في دولة إسرائيل على قيم الثقافة اليهودية، وحب الوطن والولاء للدولة والشعب اليهودي "(3
عاش العرب الفلسطينيون في مناطق 1948 في عزلة عن إخوانهم في الضفة الغربية وقطاع غزة وعن البلدان العربية حتى نكسة 1967، ولم يتمكنوا من الاحتكاك بالعرب أو إخوانهم الفلسطينيين أو معرفة أخبارهم إلا من خلال وسائل الإعلام كالإذاعة أو التلفزيون(4).
ومع هذا، تزايد تعداد السكان الفلسطينيين في مناطق 1948 من 160 ألفاً بقوا في قراهم ومدنهم إلى 300 ألف نسمة عام 1960، ووصل إلى 400 ألف نسمة عام 1967، و500 ألف مواطن عام 1978(1)، وحوالي 1.100.000 مواطن عام 2002 ويشكل هؤلاء 17% من مجموع الناخبين لعام 2002(2).
يستدل مما تقدم أن الحركة الصهيونية تسعى إلى إقامة دولة يهودية ضمن المنطلقات التالية:
1- لا يستطيع اليهود بفطرتهم أن يتعايشوا مع غير اليهود.
2- لكي يحافظ اليهود على أنفسهم لابد لهم من التجمع في وطن خاص بهم دون سواهم.
3- العناصر غير اليهودية يجب أن تستبعد من الدولة اليهودية أو أن تعيش منعزلة عن اليهود بحيث تفصل بين الجانبين حواجز قانونية وسيكولوجية.
ثانياً- العنف :
تحت شعار " بالدم والنارسقطت يهودا وبالدم والنارستقوم يهودا "(3) مارست المنظمات الصهيونية شبه العسكرية سياسية العنف ضد العرب الفلسطينيين في المدن والقرى الفلسطينية، فعمدت إلى القيام بالعديد من المجازر لإرهاب الفلسطينيين ودفعهم إلى ترك قراهم ومدنهم، ومن هذه المجازر على سبيل المثال، مجزرة دير ياسين ومجزرة صلاح الدين(4).
وبعد قيام الدولة العبرية، قامت بطرد أغلبية العرب المتواجدين داخل المناطق التي استولت عليها ودمرت منازلهم، والوقائع القليلة التالية المستقاه من مصادر إسرائيليه لدليل على ذلك(5):
ففي: 5/11/1948 سكان قرية إفرت في الجليل الغربي طردوا بالقوة.
15/11/1948 سكان قرية كفر حيرام طردوا بالقوة.
4/2/1949 أغلبية سكان كفر عنان طردوا بالقوة ودمر الجيش منازلهم.
24/1/1950 حوالي ألفي عربي ممن يقطنون مدينة المجدل وعسقلان طردوا بالقوة من منازلهم.
1/10/1951 سكان 13 قرية عربية صغيرة في وادي عربة طردوا بالقوة من أراضيهم.
29/1/1956 ارتكبت القوات الإسرائيلية مجزرة في كفر قاسم وهكذا دواليك.
ثالثاً- النزعة التوسعية:
تدل وثائق الحركة الصهيونية ومذكرات قادتها بوضوح على أن الصهيونية تسعى ومنذ نشأتها –في أعقاب مؤتمر بازل عام 1897- لإقامة الدولة اليهودية على عموم أرض فلسطين.
ففي المذكرة التي قدمتها المنظمة الصهيونية العالمية عام 1919 إلى مؤتمر الصلح المنعقد في باريس، حددت فيها تعريفاً للحد الأدنى لامتداد فلسطين، وبموجب هذا التعريف فإن فلسطين تشمل بالإضافة إلى فلسطين الأردن وجنوب لبنان وجنوب غرب سوريا(1).
لا تقتصر الأدلة على الوثائق فقط بل تتعداها إلى التصريحات الرسمية لقادتها والتي تفصح عن رغبة الحركة الصهيونية في الاستيلاء على أراضٍ جديدة، تقع ضمن حدود ما تسميه بأرض الأجداد عندما يحين الوقت لذلك. يقول بن غوريون بهذا الخصوص "إن الدولة الصهيونية أقيمت في جزء صغير من أرض إسرائيل"(2).
في الواقع، نجد أن جوهر الصهيونية هو الطابع العرقي والتوسع الإقليمي، فعملية الاستيطان الصهيوني التي قام بها شعب الله المختار على أرض فلسطين العربية جرت منذ بدايتها الأولى تحت شعار باطل مفاده "أرض بلا شعب لشعب بدون أرض"، وبوسائل اتبعت فيها أشرس أساليب التمييز العنصري ضد العرب، ومن هذه الوسائل مقاطعة العمال العرب والمنتوجات العربية، ووضع القوانين والتشريعات التي تساعد على نقل ملكية الأراضي من أصحابها العرب إلى المهاجرين اليهود، وعندما كانت وسائل الضغط الاقتصادي تعجز عن تحقيق النتائج المرجوة، كان الصهيونيون يلجأون إلى استخدام القوة والعنف تجاه العرب الفلسطينيين، وهكذا استطاعوا أن يغيروا الطابع الديموغرافي للسكان الأصليين لمصلحة المهاجرين اليهود.
الباحث : منيب شبيب
فلسطين
|