الأسير حسام خضر... الملف المنسي
*بقلم
تيسير نصر الله
لم يكن
يعلم النائب الأسير حسام خضر أن ابنه الصغير احمد البالغ من العمر 6
سنوات,على فراش المرض في المستشفى,حيث كان يجري عملية جراحية,حينما
كان ينادي على والده وهو تحت تأثير المخدر...كنت حينذاك قريبا منه
وهو يتألم جراء العملية..يصرخ بأعلى صوته ظنا منه أن أباه
بجانبه...وهو الذي يعلم جيدا انه لم ير والده المعتقل في سجون
الاحتلال منذ خمسة شهور,فمنذ أن اختطفته قوات الاحتلال بتاريخ
17/3/2003 من منزله في مخيم بلاطه بعد اقتحامه وإطلاق النار في كل
زاوية من زوايا البيت اقتادت والده إلى جهة لا يعلمها هو..وكان احمد
يظن أن والده سيأتي,إلا انه لم يأت بعد,وكان من الصعوبة بمكان تفسير
سبب تأخيره حتى الآن..فبراءة الطفولة لا تستوعب تفسيرات الكبار حول
ظروف الاحتلال والاعتقال والأغلال!
وهاهو
العام الدراسي الجديد يأتي واحمد يبحث عن أبيه ليشتري له حقيبة وكتب
ومستلزمات المدرسة,فهو سيدخل الصف الأول, نعم أبناء الأسرى يبحثون عن
آبائهم,مئات الأطفال هم احمد..صور مؤلمة تمزق القلب,ولا احد يلتفت
لمعاناة هؤلاء الأطفال الذين يكبرون مع الألم وغياب الآباء.
ولعل سوء
الطالع الذي أصاب النائب حسام خضر لحظة اعتقاله ظل يرافقه طيلة فترة
الاعتقال,ففي شهر آذار الماضي كان الإعلام يتجه في تركيزه على الحرب
القادمة باتجاه العراق,ورغم أن النائب خضر هو صديق دائم للإعلام
المقروء والمسموع والمرئي,ودائم الحضور على الفضائيات إلا أن كل ذلك
لم يسعفه لحظة اعتقاله لانشغال الإعلام بأمور أخرى كثيرة غير قصة
اعتقاله..فبالكاد ذكرت بعض وسائل الإعلام خبر اعتقاله.
وكونه
عضو في أول برلمان فلسطيني منتخب فكان يتوقع أن يتم إدراج ملفه في
سلم اولويات المجلس التشريعي..فليس كل أعضاء المجلس رهائن في أيدي
الجيش الإسرائيلي..بل هناك عضو آخر غير حسام هو النائب مروان
البرغوثي..أما البقية الباقية فهي منهمكة في أعمالها,وفي حضور جلسات
المجلس التي كان يفضل تعليقها لحين الإفراج عن عضوي المجلس التشريعي
المعتقلين,أو على اقل تقدير نصب خيم اعتصام للتضامن معهما أمام مقر
المجلس في رام الله,أو بدرجة اقل من ذلك إعلان الإضراب عن الطعام
لمدة يوم واحد تضامنا معهما أو إطلاق حملة إعلامية واسعة مع كل
برلمانات العالم لفضح السياسة الإسرائيلية لتقوم بدورها في الضغط على
الحكومة الإسرائيلية من اجل الإفراج عن ممثلي الشعب الفلسطيني
المعتقلين في سجون إسرائيل .
ولا
أبالغ إن قلت أن حملة التحريض التي مورست ضد النائب حسام خضر من قبل
بعض الأوساط قد بلغت حدا غير معقول,سواء كانت هذه الجهات إسرائيلية
أو فلسطينية,فالبعض يأخذ على النائب خضر جرأته العالية في طرح مواقفه
السياسية وإتهامه بعض المسئولين بالتقصير والفساد الإداري
والمالي,وهذه الجرأة جعلت منه خصما للكثيرين,الذين غالوا في إطلاق
حملات تشكيك به وبمواقفه.
وكانت
الأوساط الإسرائيلية في المقابل تشن حملة تحريض بالاتجاه الآخر ضد
النائب المناضل حسام خضر بأنه يخفي وراء مواقفه المتشددة ضد الفساد
في السلطة مواقف متطرفة ضد إسرائيل,وانه يقف خلف كتائب شهداء الاقصى
الجناح العسكري لحركة فتح,وبقيت المخابرات الإسرائيلية تروج
الاتهامات بحقه حتى قامت باعتقاله والزج به في أقبية التحقيق في سجون
عكا وبتاح تكفا والجلمة ومركز التحقيق السري لتمارس بحقه أبشع أساليب
التعذيب لمدة تسعين يوما متواصلة مع حرمانه من النوم والطعام
والعلاج,ولكن صموده الأسطوري كان نموذجا يحتذى في رفضه كل التهم
الموجهة إليه,مما زاد في أسهمه لدى زملائه الأسرى وبين أبناء
شعبه,حيث يتذكر كل الذين عاشوا معه في حملته الانتخابية سنة 1996 بأن
شعاره الذي أهله للفوز كان تحت عنوان "صوت جريء في الدفاع عن حقوق
الشعب",وها هو يحافظ على هذا الشعار رغم الثمن الباهظ الذي دفعه جراء
ذلك.
إن
السيرة النضالية للنائب خضر مليئة بالصفحات المشرقة,منذ كان شبلا في
أزقة مخيم بلاطة,أو طالبا جامعيا في جامعة النجاح الوطنية,أو أسيرا
لأكثر من 23 مره في سجون الاحتلال,أو مبعدا خارج الوطن,يجوب عواصم
العالم ناطقا رسميا باسم الانتفاضة,أو عائدا إلى ارض الوطن عام 1994
مع أولى قوافل العائدين ليشكل مع مجموعة من نشطاء اللاجئين أول لجنة
للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين,الذين تناساهم الخطاب الرسمي
الفلسطيني,لدرجة انه لم يذكرهم بكلمة واحدة على الأقل,وهاهو الآن
يقبع خلف قضبان السجن من جديد متنقلا بين السجون الإسرائيلية,ضاربا
المثل بالصمود والتحدي,شامخا كجبال عيبال وجرزيم,وصلبا كفلسطين.
ولقد
علمتنا التجارب أن أبواب السجن لن تبقى مغلقة على أحد إلى الأبد.
*عضو
المجلس الوطني الفلسطيني |