قضية
الأسرى : ورقة مهملة في أجندة المفاوضين الفلسطينيين
مع الحديث عن اتفاقيات بين السلطة الفلسطينية
و دولة الاحتلال تبرز قضية الأسرى كأحد أبرز القضايا التي تشغل الرأي
العام الفلسطيني الذي كان له تجارب غير مشجعة ، بل و كارثية في تعامل
الاتفاقات السابقة مع هذه القضية .
و الأبرز هنا في قضية الأسرى ، هو ما يتعلق
بعدد الأسرى الذي ارتفع من ألفي أسير إلى أكثر من ثمانية آلاف و
العدد مرشح للازدياد يومياً حيث تشن حملات اعتقال بشكلٍ يومي و مستمر
..
و في داخل المعتقلات الصهيونية يحتجز عددٌ من
أبرز قادة انتفاضة الأقصى من السياسيين و الميدانيين أمثال : حسن
يوسف ، جمال الطويل ، مروان البرغوثي ،
حسام خضر ، جمال أبو الهيجا ، حسين أبو كويك ، ناصر أبو حميد
، عبد الله البرغوثي ، و غيرهم ..
و في رأي معظم المراقبين فإن السلطة
الفلسطينية لم تحسن أبداً التعامل مع قضية الأسرى ، و كانت البداية
في اتفاقات أوسلو ، عندما اعتمد المفاوض الرسمي الفلسطيني على حسن
نوايا المفاوض الصهيوني فلم تدرج قضية الأسرى في تلك الاتفاقات ، و
كانت بداية الصدمات في هذا الشأن .
و حاول المفاوض الفلسطيني ، و بعد ثورة الرأي
العام الفلسطيني ضده تعديل موقفه في اتفاق القاهرة بتاريخ 4/5/1994 ،
و كان عدد الأسرى آنذاك 10546 أسيراً و أسيرة ، و لكن لم يتم الإفراج
إلا عن 3800 أسير فقط (من بينهم السجناء الجنائيين) و ضمن شروط مجحفة
مثل التوقيع على تعهد و استثني من الأسرى المفرج عنهم مواطنو الأراضي
المحتلة عام 1948 ، و تم إجبار الأسرى على المكوث في مدينة أريحا و
عدم مغادرتها و من يغادرها يعرض نفسه للاعتقال ، و لم يفرج عن أي
أسير متهم بقتل صهاينة ، و الأهم من كلّ ذلك أنه تم في هذا الاتفاق
استثناء أسرى حركتي حماس و الجهاد الإسلامي . و أدّى ذلك كما هو
متوقع إلى غضب في السجون و في أوساط الرأي العام و كيّلت الاتهامات
للوفد المفاوض الذي أخفق أيضاً هذه المرة ..
و بتاريخ 28/9/1995 وقع الجانبان اتفاقاً
جديداً عرف باتفاق (طابا) ، و تم إدراج موضوع الأسرى في بند (إجراءات
بناء الثقة) ، و من بين ستة آلاف أسير في السجون بقوا وقتذاك ، تم
الإفراج عن 882 بينهم 507 أسيراً سياسياً و الباقي من الجنائيين . و
لم يسمح للجانب الفلسطيني بالمشاركة في وضع أسماء المفرج عنهم . و
وصف الأسرى و المهتمون عملية الإفراج تلك بأنها عملية تضليل و خداع .
و بتاريخ 23/10/1988 وقعت اتفاقية جديدة تلك
التي عرفت باتفاقية (واي ريفر) و نتيجة للضغط الجماهيري غير المسبوق
و الانتفاضات التي سقط فيها شهداء من أجل الأسرى و التي شهدتها
الأراضي المحتلة ، ألقى وجود 3000 أسير بظله على تلك المحادثات التي
جرت في واي ريفر ..
و رغم هذا الضغط فإن المفاجأة أن تلك
الاتفاقات لم تتضمن أي مادة بشأن الإفراج عن الأسرى ، و أعلن
المفاوضون الفلسطينيون أنه تم الاتفاق على إطلاق سراح 750 أسيراً
خلال ثلاثة شهور ، تقوم حكومة الاحتلال بتحديد الأسماء . و ما حدث
بالفعل هو إطلاق سراح 94 أسيراً سياسياً و 165 سجيناً جنائياً ، و
أدّى ذلك إلى غضب شديد شعبياً و رسمياً و أخذ مسؤولون في السلطة
نفسها يكيلون الاتهامات لزملائهم المفاوضين الذين وقعوا في الشرك
الصهيوني مرة جديدة .
خاطب الأسرى المفاوضين بغضب "لقد اشتريتم
الكلام المعسول و بعتم نضالات الأسرى باتفاقكم الهزيل و أثبتم أنكم
عاجزون عن إنقاذ أسمى و أرقى قيمة لدى الإنسان المناضل" ..
و مرة أخرى جديدة وقّع الجانبان اتفاقاً
جديداً بتاريخ 4/9/1999 في شرم الشيخ و هو الاتفاق الذي عرف باسم
(مذكرة شرم الشيخ) ، و تم فيه الاتفاق على الإفراج عن 350 أسيراً على
مرحلتين ..
و لم يشمل الأسرى المفرج عنهم : أسرى متهمين
بقتل صهاينة ، و أسرى اعتقلوا بعد كانون أول 1995 ، و أسرى من حماس و
الجهاد و أسرى من القدس و فلسطين المحتلة عام 1948. و تم إلزام
الأسرى المفرج عنهم بالتوقيع على تعهد بتأييد السلام و نبذ الإرهاب
..
و هكذا كانت مسيرة قضية الأسرى في التفاوض
الفلسطيني الرسمي ، و لكن ربما كان الأصعب هو تعامل السلطة مع
الانتفاضات التي شهدتها الأراضي المحتلة تضامناً مع الأسرى و سقط
فيها شهداء ، حيث قامت السلطة بطرق مختلفة بإجهاض هذه الانتفاضات و
هي في أوجها ، بناء على مطالب من حكومة الاحتلال و لإرضائها ، و هذه
قصة تحتاج إلى وقفة أطول مستقبلاً ..