حسام خضر ونصر يوسف والوطن
د. فايز صلاح أبو شمالة
سنوات خلت قبل أن تنجلي الحقائق، وتفضح ممارسات البعض على الأرض،
وتكشف ما ظل مستوراً تحت جبل الشعار البراق، سنوات خلت قبل أن
يفقأ مخرز الواقع كل عين تكابر، وتتنكر للأسباب التي أوردتنا
التهلكة، وأغرقت شعبنا في وهم التقديس والتكديس لبعض الأسماء،
أسماء لطالما حال الوهم دون تشخيصها، وتمحيص تصرفاتها، والتعرف
على محدود تفكيرها، وبهتان ولائها للشعب، أسماء أسلمنا لها أمرنا
فأسلمتنا للجحيم، قبل أن يبان لنا هيكلهم العظمي الذي جردته
التجربة من الأساطير، وبعد أن تنزلوا عن شجرة الملائكة التي
تعلقوا عليها، واضطرهم الواقع على إزالة التعتيم عن زجاج السياسة
التي يتنقلون بها، لقد سمح لنا الواقع أن نُرَكِّبَ ما تفرق من
تصريحاتهم على ما نتلمسه من ممارساتهم، فظهرت الفاجعة، وظهر
التمزق في نفوس الشرفاء بين الولاء لما آمنوا به، وصدقوه،
وأخلصوا له الانتماء، وبين التحسر على ما تطاير من أكفهم، وما
يحط على رؤوسهم من البلاء.
لقد أدرك شعبنا العربي الفلسطيني قبل إعلان السيد نصر يوسف وزير
الداخلية، وقبل حديث السجين حسام خضر عضو المجلس التشريعي: أن في
قيادته السياسية والعسكرية من له علاقة مشبوهة مع الأعداء، لأن
الممارسات السلبية التي اقترفها البعض بحق المواطنين لا يمكن أن
يقترفها سوى مشبوه، ومدسوس، ومبرمج على الوقيعة والفساد، لقد
تأكد لشعبنا بالفعل أن هناك من باع دماءنا وجراحنا وسنوات سجننا،
قبل سنوات من قول السيد نصر يوسف: (أنّ مراكز قويّة كثيرة تعيق
عمله، وأنّ هناك من يتاجر بكلّ شيء بدءاً من الدماء حتى
المخدرات) إن شعبنا يعرفهم بالاسم يا سيد الوزير، ولكل من أراد
قراءة الأسماء بشكل صحيح، عليه أن يقف على قارعة الطريق، ويسأل
سائق السيارة، وبائع الخضار، وعابر السبيل، والعجوز التي تعبر
الشارع، ستسمع بعض الأسماء تتردد بصوت عالٍ، ويشار إليها بوضوح،
ستكتشف إن الناس تعرف تفاصيل التفاصيل التي يصعب أن يصل إليها
محقق.
كان النائب حسام خصر الذي يقبع في السجون الإسرائيلية على حق
عندما استخدم جملة: (أخجل من التطرق لهذا الموضوع، وبخاصة أن
أُناساً رسميين ومتنفذين في السلطة كانوا سبباً مباشراً
لاعتقالي، وعندي وعند المحامين ما يثبت ذلك)
وهل لدى النائب السجين مروان البرغوثي ما يثبت ذلك أيضاً، وهل
لدى الشهداء الذين كممت أفواههم ما يثبت ذلك، وهل لدى الجرحى
وشجر الزيتون والأرض التي حاصرها جدار الفصل العنصري ما يثبت
ذلك، وهل لدى الأسرى في السجون، ولدى المعابر وصفقات الأسمنت ما
يثبت ذلك، وهل لدى المدن المستباحة، والمسجد الأقصى ما يثبت
ذلك!!!!
واقعنا مخجل، يضيف حسام خضر، قضاؤنا فاسد يضيف وزير الداخلية،
وحالنا بالويل يضيف المواطن الذي حلم ذات يومٍ بتحرير كامل تراب
فلسطين، على يد من احتلوا مراكز قيادية في بعض الأجهزة الأمنية،
والمدنية، فإذا بهم غير مؤتمنين على رزق وأمن الشعب، يسحقون
وفاءه تحت نعال أسيادهم، وكل ذلك باسم الوطن، والحرية، ودم
الشهداء، وباسم السلطة الفلسطينية التي يقول عنها السجين حسام
خضر لم تقم بما هو مطلوب منها حتى الآن، سلطتنا تبنَّت خططاً
عشوائية وألزمت نفسها بشروط أمنية على حساب عملية التنمية
السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ما يلفت النظر في المأثورات السابقة، والاعترافات الصريحة؛ أن
أولئك الذين يشار إليهم بالفساد، والتدمير، والاتجار بالوطن،
والتخابر مع الأعداء، قد اقترفوا إثمهم تحت سمع وبصر السلطة
الفلسطينية، وباسمها، وتحت حمايتها، ولكنهم في الحقيقة حملوا وزر
جريمتهم على ظهر تنظيم فتح، الذي بات من مهماته الآن لا تحرير
التراب فحسب، بل وتحرير أنف المجتمع من الرائحة الكريهة التي
أزكمه بها أولئك المارقون.
آن الآنُ لشرفاء تنظيم فتح اختراق الصفوف، وإثبات أن تنظيم فتح
ما هو إلا جيش من الشرفاء سعى لبعثرة صفوفه، وهزيمة معنوياته
حفنة من العملاء، وأن تنظيم فتح الذي داس البعض بأحذية الوحل على
ثوبه النقي، هو نفسه تنظيم فتح الذي مدّ، ويمد عظام الرقبة
للمقاومة كي تنهض، وللكرامة كي تصعد.
آن الآنُ للجيل النقي الطاهر في تنظيم فتح، الجيل الذي حمل
الأمانة، وما أكثرهم!!! ـ أقصد تلك النخبة من الشرفاء التي نبتت
بين صخور المقاومة مع شقائق النعمان، وعركت التجربة، وكظمت
الغيظ، وذاقت مرارة قيد الانتظار، ومرارة قيد القرار، وهي تحمحم
للمواجهة ـ على تلك النخبة النقية أن تتحمل المسئولية، وأن تتقدم
لإنقاذ مستقبل البلاد بعد أن أغرقها في وحل الخلاف من ركبوا على
ظهر فتح، ومارسوا كل فاحشة باسم تنظيم فتح، لقد جاء زمن التطهير،
والمحاسبة، وتنقية السيرة والسريرة، وتعليق كل شاهٍ من عرقوبها،
لقد جاء الزمن الذي يتوجب فيه أن ينتفض تنظيم فتح، وينفض جناحيه،
وأن ينزع ريشه الذابل المكسور، الذي يعيق تحليق التنظيم في فضاء
الريادة والحرية.
|