قضية اللاجئين جوهر الصراع
كارم الغرابلي وعبدالرحمن ابوالعطا
فهل يتجاوزها المفاوضون في قمة "كامب ديفيد" العار ام يعود
اللاجئون إلى ارضهم؟
منذ عام 1948 الذي تشرد فيه الشعب الفلسطيني في اصقاع الارض
المختلفة واللاجئون يحلمون بالعودة إلى ارض الوطن وينتظرون ذلك
اليوم بفارغ الصبر غير ان الاوضاع اختلفت ودخل على القضية عنصر
جديد وهو قبول القيادة المتحكمة بالشعب الفلسطيني بالتفاوض على
القضايا المصيرية والحساسة له مع الكيان الغاصب المصطنع.
ولا تزال قضية اللاجئين محرك الصراع في المنطقة والمخيمات
المنتشرة في دول عربية مجاورة وداخل فلسطين شاهدا على الجرائم
الصهيونية والتخاذل الاخوي بين العرب والمسلمين وتعد جوهر قضية
فلسطين والمحك الذي يتبين عنده صدق ما يطلق عليه المجتمع الدولي
من كذبه والعنوان الذي يتجمع حوله المجاهدون والمناضلون الشرفاء.
الاهداف الصهيونية
ومن المثير للتساؤلات ان هيئة الامم المتحدة التقت قراراتها مع
اهداف الصهيونية العالمية في تحويل قضية اللاجئين من سياسية إلى
انسانية واجتماعية وحتى القرار 194 الذي يتمسك البعض بتطبيقه
لانه ينص على "حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم
والتعويض لمن لا يرغب في العودة" يحمل في طياته رغبة دولية في
استبدال التعويض مكن العودة بما يخدم مصالح الغرباء الذين اقاموا
لهم وطنا على ارض فلسطين.
ولا تزال "اسرائيل" تماطل في تنفيذ القرار منذ عام 1948 في الوقت
الذي يحيا فيه الفلسطينيون في المخيمات والشتات اوضاعا صعبة على
اصعدة مختلفة ليقبل هؤلاء في ظل المعيشة السيئة التي يعيشونها
باحد حلين اما التعويض حسب القرار الدولي او التوطين في البلاد
التي لجأوا اليها.
وقد ركزت الحكومات "الاسرائيلية" المتعاقبة جهودها من اجل فرض
احد هذين الحلين لقضية اللاجئين وطي هذه الصفحة لصالح الغزاة على
حساب اصحاب الارض الحقيقيين ويوضح ذلك الاساس الذي وضعه وزير
خارجية الكيان الصهيوني عام 1949 "موشيه شاريت" وهو : منع العرب
الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم، وتوسيع المساعدة لهم ليتم
استيعابهم في اماكن اخرى مع اقامة مستوطنات صهيونية في القرى
العربية المدمرة للحيلولة دون عودة محتملة للغائبين عن ارضهم.
وبقيت مشكلة اللاجئين تراوح مكانها منذ نشأتها وظل الصراع مع
المحتلين على اشده والعودة حلما يلوح في الافق خاصة بعد اندلاع
الانتفاضة في قطاع غزة والضفة الغربية وتصاعد الاصوات المطالبة
بالعودة في مخيمات الشتات ومختلف اماكن تواجد الفلسطينيين إلى ان
جاءت اتفاقية اوسلو سيئة الذكر وبددت الآمال في العودة وحطمت
الصلابة الشعبية والوطنية في وجه الغزاة الذين تمنوا غرق غزة في
البحر من شدة حجارة المتعطشين للعودة وحر رصاصهم.
ومن المثير للدهشة ان هذه الاتفاقية اوقفت الكفاح المسلح وغدرت
بالمنتفضين قبل ان يبدي المحتل اية استعدادات للجلاء عن ارضهم
التي استولى عليها بالقوة واجلت التفاوض على قضية اللاجئين
وقضايا مصيرية اخرى إلى مفاوضات الحل النهائي دون ان يكمن لدى
المتفاوضين عن الشعب الفلسطيني اية ضمانات لحل القضية على الاقل
وفق القرارات الدولية التي تكرس الاحتلال غير انها تصادر منه
الكثير من الاراضي التي يحتلها عنوة.
ومما يثير مخاوف اللاجئين من المفاوضات التي تجري في كامب ديفيد
وغيرها هو الخبرة السابقة لديهم بالتنازل مسبقا والدخول بسقف
منخفض جدا، اضافة إلى القنوات السرية التي تخرج بخباياها بين
الحين والاخر والتي كانت على الدوام في مصلحة الطرف الاقوى
"الكيان الصهيوني" الذي يدعمه المتغطرسون في العالم والجبابرة
على حساب الطرف "الفلسطيني" الضعيف الذي يصدق باكذوبة الشرعية
الدولية.
التوطين
وفي الوقت الذي يعلن فيه المفاوضون الفلسطينيون تمسكهم بحق
العودة والتعويض يصر الصهاينة على مشاريع التوطين والتعويض بدلا
عن العودة اضافة إلى عدم اعترافهم بمسؤولية العصابات
"الاسرائيلية" عما جرى للفلسطينيين ابان حرب عام 1948 والسنوات
المظلمة اللاحقة التي عاشها هؤلاء داخل المخيمات وخارجها على
السواء. فقد ترددت تقارير صحفية "اسرائيلية" ان رئيس الوزراء
"الاسرائيلي" ايهود باراك قد يقبل اقتراحا بان تقبل "اسرائيل"
عدة آلاف من اللاجئين الفلسطينيين في اطار برنامج لجمع الشمل
وتوطين الباقي واتخاذ بعض اجراءات الاغاثة للاجئين في كل من
لبنان وسوريا والاردن وقطاع غزة والضفة الغربية.
في حين يشير داني ياتوم احد مستشاري رئيس الوزراء "الاسرائيلي"
إلى ان باراك لم يغير مقاربته المبدئية لمشكلة اللاجئين وقال "لن
نعترف بالمسؤولية المعنوية او القانونية ازاء اللاجئين ولن نسمح
لهم بالعودة إلى "اسرائيل" سوى بالنسبة لعدد محدود جدا ولاسباب
انسانية".
وفي المقابل يتمسك العديد من اللاجئين الذين يقطنون المخيمات في
قطاع غزة بحقهم في العودة إلى ارضهم التي احتلت عام 48 وعدم
قبولهم لاي اتفاق يتنازل فيه المفاوضون عن هذا الحق حيث اصر
الحاج ابومحمود بالقسم بالله على عدم تخليه عن حقه الذي حافظ
عليه منذ 52 عاما ويورثه لاجياله من بعده في حين اعتقد ابوعاصم
انه سيتم التنازل عن حق العودة مؤكدا على رفضه وانه سيقاوم أي
مشروع من هذا القبيل.
وفي تصريحات صحفية اكد اسعد عبدالرحمن المكلف بملف اللاجئين في
السلطة الفلسطينية وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير
الفلسطينية رفضه الشديد لمشاريع التوطين في أي مكان لان ذلك يلغي
جوهر القضية ويتناقض مع القرارات الدولية وهي الان مطروحة على
طاولة المفاوضات الجارية بين منظمة التحرير وحكومة الكيان
الصهيوني.
الا ان جريدة شيحان الاردنية نقلت عنه تصريحات مثيرة للقلق في
نيسان الماضي مفادها ان السلطة الفلسطينية توصلت إلى اتفاق مع
الحكومة الاردنية يقضي باعتبار اللاجئين الفلسطينيين المتواجدين
على الارض الاردنية اردنيين، وهذه التصريحات ان صحت فانها مؤشر
خطير على مصير اللاجئين في الاردن وعلامة مخيفة على مصائر
الآخرين في بلدان مغايرة.
ويبدو ان المسؤول الفلسطيني لا يعلم ان التعامل مع اللاجئين
الفلسطينيين في أي مكان من العالم على انهم مواطنون يعطي ذريعة
للصهاينة لعدم القبول (في اطار مفاوضات التصفية الجارية) بعودتهم
إلى ارض فلسطين لانهم ليسوا فلسطينيين وذلك عندما قال: نسعى في
علاقتنا مع الاردن إلى عدم ضياع الحق الفلسطيني في العودة لانهم
مواطنون اردنيون.
ومن المؤسف ان مشاريع لحصر املاك اللاجئين والبلاد التي خرجوا
منها والطرق الكفيلة باعادتهم إلى اراضيهم سالمين لم يتم اجراء
أي منها على ارض الواقع في حين ان "الاسرائيليين" يطالعوننا بين
الحين والاخر بحلول وتصورات لم ا ستكون عليه الاوضاع خلال
السنوات القادمة ومشاريع للتوطين واخرى للتعويض بهدف انهاء
القضية إلى الابد.
مشروع غازيت
ومن هذه المشاريع الصهيونية دراسة اعدها المدعو شلومو غازيت رئيس
الاستخبارات "الاسرائيلية" السباق والمحاضر في جامعة "تل ابيب"
في تل الربيع جنوب مدينة يافا يرى من خلالها ان حل قضية اللاجئين
تقتضي عودة بعض لاجئي عام 1948 ونازحي عام 1967 ولكن إلى مناطق
الحكم الذاتي المحدود وفقا للاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير
الفلسطينية وحكومة الكيان الصهيوني ويتم استيعاب الباقين في
الدول العربية المضيفة.
وفي تصوره يجب ان تحل وكالة الغوث الدولية وتنقل صلاحياتها إلى
السلطة الفلسطينية والدول المضيفة ويحذر القادة الصهاينة
والمفاوضين من السماح للسلطة بالتهرب من بحث هذه القضية.
ويقسم غازيت التعويضات البديلة عن حق العودة إلى: جماعية وشخصية
وتستهدف الاولى تنفيذ تطوير ودمج اللاجئين في اماكن اقامتهم،
تصرف الثانية التي تقدر بعشرة آلاف دولار للعائلة الواحدة بغض
النظر عن قيمة الممتلكات التي فقدها العرب.
من جانبه اعلن د.عبدالله الحوراني مسؤول ملف اللاجئين السابق
والمهتم بالقضية عن رفضه الشديد لمقترحات غازيت وابدى اصراره على
العودة معتبرا ان التعويض يعد تنازلا عن الارض والحق وضربا من
البيع الجماعي للارض في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها اللاجئون.
وحذر الحوراني من ان الموافقة على التعويض لن تمنحهم شيئا من ذلك
لان "اسرائيل" بدأت تتحدث عن تعويض اليهود الذين غادروا الدول
العربية ويحاولون مقايضة الفلسطينيين بتعويضات اليهود، اضافة إلى
ان الدول العربية ذاتها شرعت في الحديث عن نفقات صرفتها على
اللاجئين الفلسطينيين خلال السنوات الماضية الذي يقدر بمبالغ
مرتفعة.
واكد على ضرورة التمسك بتعويض اللاجئين العائدين إلى اراضيهم عن
استثمار الصهاينة فيها واستغلالها لمصالحهم الخاصة عبر السنين
الماضية اضافة إلى المعاناة والآلام التي حلت بالفلسطينيين من
جراء طردهم من ارضهم وبقائهم في الشتات وعيشهم في اماكن لا تصلح
للمعيشة الآدمية والاوضاع الاقتصادية الصعبة التي عاشوها في حين
يتمتع غيرهم بخير اراضيهم وممتلكاتهم.
ومن الملفت للنظر ان مشروع غازيت الذي يرفضه الشرفاء تنفذه وكالة
الغوث الدولية تدريجيا من خلال تقليص خدماتها المقدمة
للفلسطينيين في مخيمات اللاجئين وتعلن بين الحين والاخر عن عجز
مالي يصيب موازنتها وبدأت تفرض قرارات جديدة توحي بأنها تستعد
لمغادرة البلاد وتسليم المسؤولية عن اللاجئين والمخيمات للسلطة
الفلسطينية وحكومات الدول وفقا لتوصيات غازيت.
ومن هذه القرارات التي قوبلت بالرفض الفلسطيني فرض رسوم مدرسية
على الطلبة، وتجميد تعويضات الاستشفاء والاحالات إلى المستشفيات،
ووقف المنح الدراسية للمتفوقين من ابناء اللاجئين والغاء وظائف
معلمين، وزيادة عدد الطلبة في الفصول الدراسية وامور اخرى من
شانها ان تزيد من تعقيد المشاكل التي يعاني منها اللاجئون.
وتعد هذه الاجراءات التي يرى مراقبون انها مقدمة لانهاء عمليات
"الاونروا" في المنطقة تخل واضح من المؤسسة الدولية التي لا بد
ان تتعامل بحياد مع قضية اللاجئين خاصة في المناطق الخاضعة للحكم
الذاتي الفلسطيني وتمهد لاسقاط حق العودة من حسابات هيئة الامم
المتحدة كما سقط القرار رقم 181 على ظلمه للشعب الفلسطيني. وتسود
في هذه الايام الحرجة في تاريخ قضيتنا الوطنية اجواء من القلق
والتوتر البالغين في الاوساط الفلسطينية خوفا من ضياع القضية
وتصفيتها على طريقة مفاوضات الوضع الانتقالي "وقع ثم فاوض" ويخشى
هؤلاء من انهاء مشكلة اللاجئين وفقا للتصور "الاسرائيلي"
بالتعويض او التوطين او حتى بدونهما. فقد اكد رمزي رباح عضو
المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية في تصريحات "للاستقلال" ان
حجم مخاوف اللاجئين يتزايد مع المخاطر المترتبة على المفاوضات في
ظل جريانها وفق شروط مجحفة واختلال ميزان القوى لغير صالح
الفلسطينيين وغياب قاعدة قانونية يتم الاستناد اليها خاصة وان
باراك اعلن ان قرارات الامم المتحدة لا تنطبق على الاراضي
الفلسطينية. واشار إلى مخاوف حقيقة من المخاطر المترتبة على طرح
قضية اللاجئين في مفاوضات التسوية الحالية الذي يتطلب جهدا
جماهيريا لمنع أي تنازل في القضية حتى تعد لب الصراع العربي
"الاسرائيلي" في المنطقة.
وحذر من امكانية مقايضة الدولة باسقاط حق اللاجئين في العودة
الامر الذي اعتبره في منتهى الخطورة لانه سيبقى معركة حق لعودة
مفتوحة اذ ان الطرف الفلسطيني ليس الوحيد في قضية اللاجئين حيث
ان هناك 5.4 مليون فلسطيني في الدول العربية واي موقف فلسطيني
مهلهل يدفع دولا عربية إلى التسابق لتحسين وضعها ومصالحها على
حساب قضية اللاجئين.
واكد ان كل ما يصدر من سيناريوهات وتصريحات عما يدور في
المفاوضات تدل على سير الامور باتجاه تجاوز القرار 194 في العودة
مشيرا إلى ان التوطين مطروح ضمن القضايا والحلول التي يجري
الحديث عنها الامر الذي يعني تجاوز المرجعية السياسية والقانونية
للقضية باعتماد صيغ ناقصة وغير واضحة في اتفاق الاطار.
واعرب عن اعتقاده من امكانية حدوث عودة رمزية لبعض كبار السن إلى
الاراضي المحتلة 48 وتوطين جزء كبير مع تعويضات مناسبة فيما قد
تجري عودة اخرى إلى مناطق الدولة الفلسطينية. اما وليد العوض
مدير دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية واكد ان
كل مشاريع التوطين تقابل بالرفض الفلسطيني على مختلف المستويات
حتى الان وهناك بعض التصريحات التي تدعو "اسرائيل" إلى الاعتراف
فقط بمسؤليتها الاخلاقية عن قضية اللاجئين دون ربط هذا الاعتراف
بحق العودة وممارسته على ارض الواقع في الوقت الذي نقترب فيه من
مرحلة الحسم.
وشدد على ضرورة ان تكون العودة إلى المدن والقرى والخرب التي طرد
منها اهلها عام 48 وليس إلى أي مكان آخر خاصة وان العودة احد
الاهداف الرئيسية لـ م.ت.ف واي حديث عن قرارات اخرى وتمرير صيغة
للتسوية فهي مرفوضة.
من جانبه اعتبر اسماعيل هنية احد قادة حركة حماس ان قضية
اللاجئين تمثل ظاهرة الصراع المفتوح مع الصهيونية واي اتفاق لا
يضمن حق العودة لن يصمد امام حركة الشعب الفلسطيني لان أي انسان
لا يمكنه ان يشطب حلم اللاجئ الذي مكث 50 عاما يحلم ببيته فهل
يشطب هذا الحلم بجرة قلم. واشار هنية إلى خوف الشعب الفلسطيني في
الخارج من التوطين داعيا القوى الفلسطينية وطنية واسلامية
للمساهمة في تثبيت اللاجئين في اماكنهم والعمل على الا يتم
تهجيرهم لاي مكان سوى فلسطين. وتعلن دول عربية عديدة عن رفضها
القاطع لتوطين اللاجئين على اراضيها وتدعو إلى عودتهم إلى وطنهم
للمحافظة على التوازنات الداخلية من جهة وللدفع باتجاه المطالبة
بعودة اللاجئين إلى وطنهم من جهة اخرى، وتلك مواقف تحسب لصالحها
رغم خذلانها للقضية على مدى السنوات الخالية ومن هذه الدول
الاردن حيث اعلن رئيس الوزراء الاردني علي ابو الراغب ان بلاده
متمسكة بموقفها الذي يرفض "بحزم" استقبال أي لاجئين فلسطينيين
جدد على اراضيها موضحا ان قبول لاجئين جدد يتناقض مع حق العودة
كما ان الاردن استنفذ كافة طاقاته.
وشدد ابو الراغب على انه في الوقت الذي يؤيد فيه الاردن حق ما
يقرب من 1.4 مليون لأجئ فلسطيني على اراضيه في العودة إلى
اراضيهم او في التعويض فانه يطالب ايضا حقه في تعويض الدولة
الاردنية عما تحملته من كفة استيعاب اللاجئين والتخفيف من
معاناتهم مؤكدا على موقف بلاده الذي يعتبر ان اللاجئين
الفلسطينيين على اراضيه "مواطنين اردنيين" ويترك لهم حرية
الاختيار بين حق العودة والتعويض دون ان يؤثر ذلك الخيار على
حقوقهم كمواطنين اردنيين. وتشير مصادر برلمانية اردنية إلى ان
العراق خاصة من بين الدول العربية يتعرض إلى مساومات لرفع الحصار
عنه مقابل توطين اعداد كبيرة من اللاجئين وتسعى في ذلك جهات
عربية بايعاز من دول غربية، الا ان العراق اعلن على لسان الرئيس
صدام حسين انه على استعداد لتوطين كافة العرب المقيمين على
اراضيه باستثناء الفلسطينيين حفاظا على حقهم في العودة إلى ارض
الوطن.
اجراءات تصفية للاجئين
ومن الدول التي اتخذت اجراءات فعلية لتحريك قضية اللاجئين
والتأكيد على ضرورة عودتهم إلى وطنهم ليبيا التي قامت بترحيل
اعداد من الفلسطينيين في اعقاب توقيع اتفاق بين منظمة التحرير
الفلسطينية وحكومة الكيان المصطنع غير ان مصر رفضت السماح لهم
بعبور اراضيها نحو وطنهم الذي يعني ان ايا من الدول العربية غير
معنية بوضع نفسها موضع الشبهة والتواطؤ لتصفية قضية اللاجئين او
حرصها على حل القضية بصورة سليمة وعادلة.
وتظهر المشكلة بوضوح في لبنان التي تخشى ان تنقلب الموازين
الطائفية بداخلها وتتحمل عبئا كبيرا في استضافة اللاجئين
الفلسطينيين خاصة بعد الحروب التي تعرضت لها والاوضاع الاقتصادية
السيئة التي خلفتها تلك الحروب وحساسية العلاقة بين الطرفين
الناتجة عن روابط سيئة بين قادة منظمة التحرير والقادة
اللبنانيين.
ومن المثير للقلق ان مصير اللاجئين في لبنان يكتنفه الغموض
الشديد في ظل تردي اوضاعهم الاقتصادية والمعيشية من ناحية ورفض
الحكومة اللبنانية اعمار المخيمات الفلسطينية من ناحية اخرى حث
اقدمت الاجهزة الامنية اللبنانية المختصة على منع دخل مواد
البناء إلى ثلاث مخيمات ومراقبة منافذها وخارجها، بل ان التضييق
على الفلسطينيين لم يقتصر على شيء محدد بل تجاوز كل مناحي الحياة
حيث اشار مركز فلسطيني في دراسة اعدها عن اللاجئين في لبنان إلى
ان البيوت في المخيمات تكتظ بسكانها وخصوصا الاطفال والشباب غير
القادرين على الزواج بسبب منع استقدام مواد البناء إلى جانب
التحريض والتعبئة التي يمارسها بعض الاطراف ضد الفلسطينيين بحجة
منع التوطين وبالتأكيد فان هذه التضييقات وغيرها من الاجراءات
التي تمس صميم الحاجات الانسانية الطبيعية للاجئين لا يمكن ان
تخدم تنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان ومنع التوطين لا يكون
بالتضييق بل بالحفاظ على كرامة الانسان.
وهنا تؤكد قيادة المنظمة على السنة عدد من المسؤولين بها ضرورة
تحسين ظروف المخيمات المعيشية في لبنان ورفع القيود المفروضة على
الفلسطينيين، وارسلوا إلى الحكومة اللبنانية لطمأنتها بان احدا
من اللاجئين الفلسطينيين لن يوطن في لبنان او أي مكان آخر.
ولا تدل اعمال البناء الجارية داخل مدن وقرى فلسطين المحتل على
نية لدى حكومة الكيان الصهيوني في الموافقة على اتفاقات تقضي
بعودة ولو عدد محدود من اللاجئين إلى اراضيهم التي هاجروا منها
مرغمين تحت ضربات العصابات الصهيونية التي تساندها قوى البغي
العالمية وفي مقدمتها بريطانيا في حين لا يجد الفلسطيني بندقية
تقليدية يدافع بها عن ارضه ونفسه.
ويبدو ان الدول الغربية تسعى إلى تنفيذ مخطط جديد في المنطقة
بعدما تمكنت من السيطرة على انماط السلوك في العالم، ولذلك فانها
تلقي بثقلها لانهاء القضية الفلسطينية التي هي ارض وشعب، الارض
تصادر والشعب مشتت وتبدي استعدادها لتوفير اموال طائلة للتعويض
وهبات غير منقطعة للدمج والتوطين في الوقت الذي تعاني فيه وكالة
الغوث الدولية من عجز بسيط في موازنتها السنوية.
وللاسراع في ذلك فانها تنشيط دبلوماسيا وتقدم مقترحاتها للحلول
وتسعى جاهدة لتقريب وجهات النظر، فقد تقدمت الحكومة الامريكية
رديفة الكيان الصهيوني بمقترحات على لسان فيليس اوكلي مساعدة
وزير الخارجية السابقة لشؤون السكان واللاجئين تنطوي على ثلاثة
حلول هي: عودة اللاجئين إلى وطنهم وهو الحل المفضل الذي استخدم
اكثر من غيره من الحلول، او الاندماج محليا او توطين اللاجئين في
البلد الذي لجأوا اليه في البداية واعادة التوطين في بلد ثالث
مثلما اعيد توطين المجرمين في الولايات المتحدة عام 1956 او
الذين شردوا في نهاية الحرب العالمية الثانية. في الوقت الذي
اكدت فيه لجنة المتابعة لفعاليات ذكرى النكبة في مخيمات اللاجئين
عن رفضها ومقاومتها لكافة مشاريع التوطين والدمج والاذابة
للاجئين في جميع مناطق الشتات. واعربت عن رفضها لمبدأ تعويض
اللاجئين كبديل لحق العودة واسقاط اية مشاريع تقايض حق العودة
للاجئين واي مكتسبات سياسية اخرى معتبرة ان أي حل للقضية او أي
معاهدة سلام دائمة توقعها م.ت.ف مع "اسرائيل" لا تتضمن تنفيذا
واضحا وكاملا لحق العودة وفق القرار 194 هو حل غير عادل وغير
ملزم.
كما يؤكد العارفون بالقوانين الدولية فيما يخص قضية التعويض ان
التعويض يعود إلى اللاجئ نفسه كحق فردي وليس لاي سلطة او حكومة
حق استلامه بالنيابة عنه، ولو استلمت جهة ما التعويض عن اللاجئ
بدون توقيعه الفردي على ذلك لما سقط حقه هذا في المطالبة به اذ
ان اية اتفاقية سياسية او معاهدة لا تسقط حقوق الافراد.
وبالمحصلة، فان الصراع طويل لا يمكن غلقه بتسويات ظالمة مسقوفة
"بحق القوة" وحق اللاجئين في العودة عنوان اساسي في الصراع
العربي والفلسطيني ـ "الاسرائيلي" لا يمكن التنازل عنه، فهذا
الحق بحد ذاته اخلاقي، انساني، وطني، فضلا عن كونه حقا محفوظا في
اطار قرارات الشرعية الدولية، فهل يتجاوز عنه المفاوضون في قمة
كامب ديفيد العار ام يعود اللاجئون إلى وطنهم مكرمين. ان خطوات
ملموسة ضرورية لابقاء قضية اللاجئين وحق العودة حين تتمثل في
اعادة الاعتبار لوحدة الشعب الفلسطيني ومقاومة مشاريع انهاء
المخيمات حيث ان بقاء المخيم الفلسطيني يعني تجسيدا محددا لقضية
اللاجئين وحق العودة، ورفض كافة اشكال التوطين التي تمارس على
اللاجئين وتخفيف معاناتهم فيكفي ما هم فيه من الم ومعاناة استمرت
منذ اكثر من خمسين عاما ولتبقى قضية اللاجئين حية في قلوبنا
وضمائرنا جنبا إلى جنب مع قضية تحرير الاسرى والقدس والمياه. |