قضية اللاجئين الفلسطينيين.. التصورات والحلول المطروحة
بقلم/ عيسى قراقع
رئيس نادي الأسير الفلسطيني
أولاً: التصور الإسرائيلي
قدمت إسرائيل منذ قيامها مقترحات عدة لحل قضية اللاجئين
الفلسطينيين وتستند معظم الاقتراحات إلى العناصر التالية:
1-
الرفض المطلق لتحمل تبعات اقتلاع الفلسطينيين من أراضيهم وإلقاء
اللوم على الدول العربية التي (حرضتهم) على الخروج من فلسطين ثم
رفضت عملية إدماجهم وتوطينهم.
2-
رفض الاعتراف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين ورفض عودة أي
مجموعة منهم إلى إسرائيل.
3-
عدم تحمل مسؤولية التعويض عن ممتلكات الفلسطينيين وتحمل هذه
المسؤولية لسلطة دولية تؤسس صندوقاً تدعمه البلدان العربية إضافة
إلى إسرائيل والبلدان الصناعية الكبرى.
4-
التمييز بين اللاجئين الفلسطينيين عام 1948 والنازحين عام 1967
بما في ذلك الاستعداد للسماح بعودة أعداد من هؤلاء إلى الضفة
والقطاع بشمل متدرج وفي إطار خطة تنمية إقليمية.
5-
السعي لتفكيك المخيمات وإلغاء المكانة القانونية والسياسية
والمعنوية للاجئ بما في ذلك إلغاء وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين
(الأنروا).
6-
العمل على توطين اللاجئين الفلسطينيين في البلدان العربية وبعض
البلدان الأجنبية.
7-
استعداد أوساط إسرائيلية إلى الاعتراف بحق العودة كحق رمزي
أخلاقي خالٍ من أي بنود عملية وخالٍ من أي بنود ممكن أن يفهم
منها أن إسرائيل تعترف بمسؤوليتها عن محنة الفلسطينيين.
ومن
أهم المقاربات الإسرائيلية حول ذلك، مشروع رعنان فايتس، ومشروع
الون، ومشروع أبا ايبان، ومقاربة شلومو غازيت، مقترحات شمعون
بيرس، مقترحات بلين- عباس، وبيلين – ايتان، ورسالة براك للشعب
الفلسطيني.
ثانياً: التصور الفلسطيني
1-
إن المفاوضات والاتفاقيات السياسية بين إسرائيل و م.ت.ف برعاية
الولايات المتحدة لا تبطل مفعول القوانين الدولية وقرارات الأمم
المتحدة.
2-
إن قرار الأمم المتحدة رقم 194 لا يمكن إبطاله بالإعلان الذي
ستصدره السلطة الوطنية الفلسطينية عن قيام الدولة الفلسطينية على
أية بقعة من الأرض، إن قرار الأمم المتحدة 194 يقرر حق اللاجئين
بالعودة إلى بيوتهم في ديارهم وتقع هذه البيوت في منطقة الدولة
الإسرائيلية، إن قرار الأمم المتحدة رقم 181 (قرار التقسيم)
والذي قامت دولة إسرائيل أيضاً على أساسه نص على وجود هويتين
آمنتين في ديارهما بدون تمييز.
3-
إن عودة اللاجئين ممكنة خلافاً للحجج والذرائع الإسرائيلية إذا
ما تم فحص التوزيع السكاني النسبي لليهود والفلسطينيين في
إسرائيل حيث أظهر بحث الدكتور سلمان أبو ستة إن معظم اليهود
(78%) يتمركزون في 15% من فلسطين المحتلة عام 1948 (إسرائيل
اليوم) بينما 85% من الأرض والتي هي مسقط راس معظم اللاجئين
تسكنها نسبة صغيرة من اليهود، إذ أن الأرض الفلسطينية ما زالت
فارغة بشكل كبير، فأراضي اللاجئين يسيطر عليها الآن 154 ألف
يهودي ريفي فقط، أما في غزة فإن كثافة السكان تبلغ 4400 نسمة
للميل المربع الواحد وهذا بالمقارنة مع 82 نسمة للميل المربع
الواحد في 85% من مساحة إسرائيل وإذا عاد اللاجئون الفلسطينيون
إلى أراضيهم فإن معدل كثافة السكان في الميل المربع الواحد
سيرتفع ارتفاعاً طفيفاً ولن يحدث خللاً ديمغرافياً خطيراً.
4-
إن إعادة اللاجئين الفلسطينيين الذين شردتهم رحلة الصراع
الفلسطيني الصهيوني حق تدعمه وتحفظه لهم الشرائع الدولية ومقررات
الأمم المتحدة- وخاصة قرار الأمم المتحدة 194 الذي ينص على (إن
اللاجئين الذين يرغبون في العودة والعيش بسلام مع جيرانهم يجب
السماح لهم بذلك في أقرب موعد ممكن بينما يجب أن يتم دفع التعويض
مقابل ممتلكات اللاجئين الذين اختاروا عدم العودة ومقابل فقدان
أو خراب الممتلكات...).
ثالثاً: أفكار فلسطينية – إسرائيلية (لحلول وسط) لقضية اللاجئين
طرحت حتى الآن الكثير من الأفكار من أكاديميين وسياسيين من كل
الأطراف تركز في جوهرها على التعويض وليس العودة نذكر منها:
1-
الوقائع الراهنة التي يجري في ضوءها البحث في حق العودة من غير
الممكن تصور عودة اللاجئين إلى الأراضي أو البيوت نفسها التي
هجروا منها لأن إسرائيل عملت طوال العقود الخمس الماضية على
تغيير معالم المدن والأراضي فهدمت أكثر من 400 قرية والعديد من
الأحياء في المدن.. لذلك من البديهي أن يجري التركيز أولاً على
قضية حق العودة إلى المناطق التي هجر منها الفلسطينيون قسراً
باعتبارها مسألة حق لشعب لا يمكن التصرف بها أما بالنسبة لمكان
العودة لكل فرد ومتطلباته المادية وغيرها فهذه تفاصيل يمكن إيجاد
حلول معينة لها: (ماجد كيالي).
2-
من الناحية الديمغرافية تبرز مسألة وجود 18% من الفلسطينيين في
إسرائيل (أكثر من مليون) وبسبب الطابع العنصري اليهودي لإسرائيل
قد تبرز حجة تتعلق بعدم قدرة إسرائيل على استيعاب المزيد من
الفلسطينيين لأن هذا الأمر قد يغير من هويتها وكمخرج يمكن
التركيز على حق العودة بغض النظر عن الجنسية (ماجد كيالي).
3-
الحل الحقيقي والجذري لقضية الصراع الفلسطيني والإسرائيلي إنما
يكمن في قيام دولة ديمقراطية علمانية في فلسطين (وليد سالم).
4-
عضو الكنيست أحمد الطيبي اقترح العودة تحت اسم جمع شمل العائلات
من اجل العيش في إسرائيل والحصول على جنسية إسرائيلية.
5-
الحل الواقعي والممكن هو عودة اللاجئين الذين يشاؤون إلى دولتهم
الجديدة فلسطين وذلك بدعم عملي من الولايات المتحدة- الاتحاد
الأوروبي ودولة إسرائيل وحل مشكلة اللاجئين هو مصلحة الدولة
الفلسطينية (الصحفي الإسرائيلي رؤوبين ميران) يديعوت.
6-
ايليا زريق اقترح عودة تدريجية للاجئين إلى مناطق الخط الأخضر مع
أولوية للتجمعات السكانية الأكثر معاناة كلبنان مثلاً..
7-
زئيف شيف خبير استراتيجي إسرائيلي (على ممثلي إسرائيل أن يحذروا
عند كل حرف في الصياغات التي تعبر عن الندم والاعتراف بحقوق
اللاجئين فثمة فرق جوهري بين الاعتراف بالحاجة إلى العمل
بالتعاون مع الآخرين في سبيل حل مشكلة اللاجئين في إطار تصفية
النزاع التاريخي وبين الموافقة على تحمل مسؤولية مبدئية من نشوء
المشكلة في الحرب التي فرضت على إسرائيل، وانتصرت فيها.. فحذار
أن نعتذر عن فشل الفلسطينيين والعرب في حربي 48 و67 والتي أدت
إلى موجات من المهاجرين...).
8-
ورقة مقدمة من الدكتور أسعد عبد الرحمن حول الحلول المتداولة في
الساحة اشارة إلى عودة اللاجئين في غزة إلى المناطق الجنوبية
محددة ذلك بالمناطق الفارغة في بئر السبع، اسدود، المجدل،
عسقلان، وإلى عودة اللاجئين في لبنان إلى المناطق الشمالية وعودة
اللاجئين إلى دولة مستقلة في الضفة الغربية.
9-
أوساط أكاديمية فلسطينية – إسرائيلية وضعت تصوراً لاعتراف رمزي
أخلاقي بحق العودة للاجئين دون ترجمة ذلك عملياً والعودة مقتصرة
إلى الدولة الفلسطينية المزمع الإعلان عنها (هارتس).
يلاحظ من العرض السابق أن هذه المقترحات والأفكار تحمل تناقضاتها
الداخلية، ولا تعبر عن موقف شعبي للجماهير اللاجئة وتحاول
باستمرار قراءة القصة من خلال عيون إسرائيلية.
خلاصة
1-
في الوقت الذي نتحدث فيه عن عقد مصالحة تاريخية لصراع تاريخي في
المنطقة، فان إحلال السلام والمصالحة التاريخية يتحقق فقط من
خلال حل عادل ومقبول على 70% من أبناء الشعب الفلسطيني اللاجئين.
2-
إن فرض أي حل لا يضمن للاجئين حقهم العودة إلى ديارهم وتعويضهم
عن خسائرهم المادية والمعنوية لن يكون حلاً دائماً يحقق السلام
والأمن في المنطقة.
3-
طالما بقيت إسرائيل تتنكر لحق اللاجئين في العودة والتعويض
وتتحدى الشرعية الدولية ومبادئ حقوق الإنسان ومقررات الأمم
المتحدة وفي مقدمتها قراري 181 و194 فإن من السابق لأوانه الحديث
عن تصورات لحلول لقضية اللاجئين، فالموضوع الأساس هو اعتراف
إسرائيل بمبدأ حق العودة ومن ثم يمكن الولوج إلى تفاصيل التصورات
والحلول وليس العكس.
4-
إن أي إضعاف للقيادة الفلسطينية من قبيل فرض حلول استسلامية
عليها ومطالبتها بفرض تلك الحلول سيؤدي إلى رفع الشرعية
التمثيلية لتلك القيادة عن قضية اللاجئين.
5-
قد تنجح إسرائيل في فرض حلول للتسوية على الوضع الدائم فيما
يتعلق باللاجئين ضمن رؤيتها، لكن تلك الحلول تكون بمثابة الهدنة
التي تؤسس لدور جديدة من النضال الفلسطيني يخوضه اللاجئون الذي
تحمي حقهم في ديارهم الشرعية الدولية.
لذا
فإن الحل العادل والشامل للصراع في المنطقة بكاملها يتحقق فقط من
خلال الاعتراف الإسرائيلي بحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم
وممتلكاتهم وإلغاء طابعها العرقي العنصري الذي يقوم على أساس حق
عودة اليهود أينما كانوا إلى إسرائيل بكامل الحقوق وكذلك غير
يهود، حيث أشارت آخر إحصائية رسمية إسرائيلية إلى أن 40% من
المهاجرين الروس ليسوا يهوداً، فما المبرر في استمرار رفض
إسرائيل عودة من هم أصحاب تلك الأرض.
وعلينا أن نبرر موقف إسرائيل التي تنتهك الأعراف الدولية
والإنسانية والأخلاقية، فيما يتعلق بعلاقتها مع الفلسطينيين
وأن نكيل بمكيال ومعيار كوني واحد لا بشريعة الغاب. |