التنازل عن حق العودة مقدمة
لشلال من التنازلات
*أنور حمام
إثارة اللغط الكثير وغير المبرر حول قضية اللاجئين الفلسطينيين
تدعو وعلى نحو مريع الى التوجس والخوف وإعادة التفكير بكل ما
يقال ويتردد ويسوق بشكل ممنهج ومتواتر، فتارة نسمع عن توقيعات
تجمع لتأييد وثيقة تنادي علنا بالتنازل عن حق العودة، وتحاول
تشويه حق العودة باعتباره عودة للدولة الفلسطينية، وهي محاولة
للالتفاف
على قدسية الحق والتاريخ والألم الذي عاشه اللاجئين منذ العام
1948، وتارة أخرى نسمع أن اللاجئين ونتيجة "لاستطلاع ما" لا
يريدون العودة، ولا أدري أين تم إجراء هذا الاستطلاع ومن الذين
شاركوا في صياغته وما هي شكل الأسئلة والعينة كيف تم اختيارها
ومن الجهة الممولة لهذا الاستطلاع، وكيف يمكن أكاديميا الاعتماد
على نتائج استطلاع في هذه المرحلة التي تعيش تحولات على كافة
المستويات والتي بالضرورة قد تؤثر على نوعية الإجابة سلبا أو
إيجابا، ولماذا لا يتم الترويج للكثير من الاستطلاعات والدراسات
الأكاديمية التي جرت في العديد من تجمعات اللاجئين وكانت النسب
عالية جدا في رفض التوطين أو التعويض كبديل للعودة، وبالتالي
التمسك بالعودة كحق.
وأخاف أن تتطور الأمور بأن ينادي أصحاب هذا التوجه -الذين
لا أحد يعلم من يلهمهم أفكارهم- بضرورة التنازل عن التعويض أيضا،
والخطير بالموضوع أن دعاة التنازل المخلصين هم أكاديميين ومن
أوساط غير لاجئة ويقررون وباسم اللاجئين بضرورة أن ننسى وان لا
نكون كثيري غلبة ونتنازل عن حقنا الذين هو حق مستمد من كل مصادر
الشرعية التاريخية والدينية والقانونية والإنسانية، نعم " دعاة
الوثيقة والاستطلاع الموهومين “ لم يسمعوا عن "وثائق الشرف
العائلية" التي يقسم فيها اللاجئ على عدم التفريط أو التنازل أو
مقايضة حق العودة الذي هو حق فردي وجماعي تاريخي وإنساني
وقانوني، هذه الوثيقة وقعها اللاجئون بدمائهم في كافة تجمعاتهم،
بالتأكيد أصحاب العد التنازلي لم يسمعوا عن القوى الفاعلة في
إطار اللاجئين والذين يسعون على نحو مجد لصيانة هذا الحق، وهذه
القوى هي التي أشرفت على صياغة وتعميم وتنظيم حملات لوثيقة الشرف
العائلية في الوطن والشتات، حتى أصبحت بمثابة استفتاء خاص
باللاجئين حول مستقبلهم رغم أننا لا نميل إلى ضرورة وجود استفتاء
لأن الأرض والحق والتاريخ ليست ملكا للمستفتى فقط بل هي ملك
للأجيال الفلسطينية اللاجئة الأموات والأحياء والذين سيولدون
وسيكبرون، ولماذا لا يذهب هؤلاء المتهافتون
ليطرحوا وجهات نظرهم داخل المخيمات، نعلم بأن هناك الكثير من
الخوف والتردد والرعب لديهم لأنهم يعلموا أن " لا ورود في
انتظارهم "، ولماذا لا يستشيرون القوى والهياكل الفاعلة في إطار
الصراع وخصوصا تلك الموجودة في مجتمع اللاجئين، سمعت أحدهم قبل
مدة يقول على إحدى محطات التلفزة المحلية ما نصه " الحمد لله أنا
لست لاجئ " ولكن أسفه الشديد وحرصه على مستقبل أجيالنا يدعوه
للتفكير بحل يرفع المعاناة عنهم، وسبحان الله قلبه الرءوف قاده
من غير شعور إلى ضرورة أن نتنازل عن حقنا الذي هو حلمنا
التاريخي.
لا
أدري لماذا هذه الهدايا المجانية التي يقدمها " فلاسفة التهافت "
ومنظري "واقعية الوهم "، وما ذنب اللاجئين أن يتجرعوا السم،
نتيجة الإحباط الإيديولوجي والإقصاء الذي يعيشه هؤلاء القلة،
ولماذا هذا الاستباق لنتائج مفاوضات كان من المفترض أن تكون
عنيدة ويجب أن يلقى المفاوض الفلسطيني فيها كل الدعم اللازم
شعبيا من أجل التمسك بالحق بدل أن يستند إلى جدار متهافت قبل أن
يبدأ، حتى في "منطق التجارة " فان عملية البيع لا تتم بهذه
الطريقة فالذي "يبيع" يحاول أن يحصل على الربح الأعلى، ولكن
الحاصل أسوء من البيع، حيث تم استبدال " البيع على قبحه " بمنطق
الهدايا المجانية، وغداً فلاسفة " التهافت " يناشدوننا باسم
العقل أن لا إمكانية لإزالة المستوطنات وسيدعوننا للتفكير بحل
واقعي، وبعدها تطرح مسألة المياه الموجودة في الضفة الغربية
فيدعوننا مجددا للتفكير بأن " سقاية الغريب صدقة " والمياه كثيرة
يا جماعة الخير، وعند الحديث عن القدس ربما يدعوننا لنصلي سوية
مع الحاخامات كحل عملي، وربما ُيطالب أحدهم بهدم " الحرم" من أجل
التأكد إذا كان هناك هيكل أم لا، ويأتي دور التربية فيدعوننا أن
لا نذكر (بسم الله الرحمن الرحيم) في بداية كلامنا " لأننا مجتمع
" اللائكية " المنشود، وعند نقاش الحدود سيقولون طبعا لا داعي
للحدود ما دام هناك طيران جوي، وعند نقاش الدولة سيقولون لنا بأن
مفهوم الدولة تغير وعبقريتهم ستقول لنا نحن سنطبق المفهوم الحديث
للدولة ألم تسمعوا بدولة " ما بعد العولمة "، هؤلاء الفلاسفة
تماما مثل “السحرة" لديهم دواء لكل داء، ولكن دوائهم من أجل
إيجاد الراحة الأبدية لنا تحت الأرض لا فوقها.
.............................................
*
باحث بموضوع اللاجئين. |