|
|
|
|
|
اللاجئون الفلسطينيون في العراق يستعيدون مشاهد النكبة الأولى
|
|
وصفت دوائر إعلامية غربية الاعتداءات على
اللاجئين الفلسطينيين في العراق، وطردهم من منازلهم
وإعادتهم إلى الخيم والأرصفة، بأنها عمليات انتقام
على يد العراقيين لأن الفلسطينيين كانوا يتمتعون، في
زمن نظام صدام حسين بامتيازات حرم منها حتى
المواطنون العراقيون. كما وصف بعض قادة «المؤتمر
الوطني العراقي» اللاجئين الفلسطينيين في العراق
بأنهم يشكلون طابوراً خامساً وكريهاً للنظام السابق.
وذلك كله في معرض تبرير الأعمال العدوانية التي
يتعرض لها اللاجئون الفلسطينيون، بما في ذلك العمل
على طردهم خارج البلاد إلى الحدود الأردنية.
|
|
اللجوء
ينتمي اللاجئون الفلسطينيون في العراق، من حيث
الأصول في غالبيتهم إلى قرى قضاء حيفا الساحلي كعين
غزال واجزم والطيرة والطنطورة وجبع وأم الزينات
وغيرها. وهي قرى كما يفتخر أصحابها ساهمت في
التحركات الفلسطينية ضد الانتداب البريطاني وموجات
الهجرة الصهيونية إلى فلسطين، خصوصاً في ثورة 1936
حين شهدت تلك المنطقة صدامات دموية بين العرب وبين
اليهود والجنود البريطانيين.
ويؤكد كبار السن من اللاجئين في العراق أن معظم
أبناء قراهم ممن استطاعوا حمل السلاح وأجادوا
استعماله شاركوا في جيش الإنقاذ في الحرب العربية ــ
اليهودية عام 1948 الأمر الذي دفع اليهود للتفكير
بضرورة إفراغ المنطقة من أصحابها العرب بشن حملات
عسكرية عليها دفعت معظم سكانها، أمام اختلال التوازن
العسكري لصالح اليهود وانحياز بريطانيا لهم إلى
النزوح إلى منطقة جنين وليس إلى أي من الدول العربية
المجاورة. كما يؤكد كبار السن من الفلسطينيين في
العراق أنهم نقلوا إلى بغداد في شاحنات للجيش
العراقي تنفيذاً لمؤامرة كان طرفاها الحركة
الصهيونية وحكومة نوري السعيد.
لكن أعداداً من الشباب القادر على حمل السلاح بقي
يقاتل في المنطقة، إلى أن سقطت البلاد بيد دولة
إسرائيل فالتحق قسم منهم بعائلاتهم في العراق، وبقي
البعض الآخر في لبنان أو سورية أو الأردن، وهو ما
يفسر حالة التشتت التي يعيشها أبناء العائلة الواحدة
من سكان هذه القرى في الوقت الحالي.
التشرد في المعسكرات
ويقول من بقي على قيد الحياة من كبار السن أن عددهم
كان آنذاك حوالي 5 آلاف نسمة. وأنهم جمعوا بداية في
معسكر للجيش العراقي في البصرة وتوفرت لهم فيه وسائل
العيش من طعم وملبس ورعاية صحية وغيرها. وكن يمنع
عليهم مغادرة المعسكر والتجوال خارجه. ثم نقلوا بعد
ذلك، وبإشراف وزارة الدفاع، وتحت قيادة عقيد يدعى
عبد الباقي إلى بغداد فأقاموا بشكل مؤقت في منطقة
تدعى «تحت التكي» في العاصمة العراقية وهي حي سكني
لليهود العراقيين الذين هاجروا إلى إسرائيل في ظل
تداعيات الحرب العربية ــ الإسرائيلية.
في مطلع الخمسينات بدأت وكالة الغوث (الأونروا)
نشاطها الخدمي في صفوف اللاجئين الفلسطينيين مستثنية
بذلك المقيمين منهم في العراق، وذلك بطلب من الحكومة
العراقية التي تعهدت توفير كل احتياجات اللاجئين
الفلسطينيين المقيمين على أرضها مقابل عدم مساهمتها
في تمويل وكالة الغوث وأنشطتها. ويقول اللاجئون في
العراق أنه، ولهذا السبب لم تدرج أسماؤهم في سجلات
اللاجئين الفلسطينيين الخاصة بوكالة الغوث ويطالبون
بإصلاح هذا «الخطأ التاريخي» الذي ارتكبته الحكومة
العراقية ووكالة الغوث دون استشارتهم وأخذ رأيهم.
كما يطالبون في هذا السياق بمساواتهم بإخوانهم
المقيمين في باقي الأقطار العربية المضيفة حيث تمارس
الوكالة أنشطتها الخدمية.
تحت سقف شهادة «فقر حال»
ويذكر اللاجئون في العراق أن سجلاتهم وقيودهم نقلت
منذ العام 1950 من وزارة الدفاع العراقية إلى قسم
خاص استحدث في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية صار
هو المعني بقضاياهم. ومنحهم هذا القسم بطاقات هوية
خاصة هي عبارة عن مطوية كرتونية بقياس 36سم خاصة
بـ«اللاجئين الفلسطينيين في العراق». كما أصدرت
وزارة العمل قرارات إيجابية، عملاً منها بمقررات
مجلس جامعة الدول العربية أعفتهم من دفع رسوم
التسجيل في المدارس ــ على سبيل المثال ــ مقابل
إبراز شهادة «فقر حال» يحصلون عليها من القسم الخاص
بهم في الوزارة. كما أخذت الوزارة تصرف لهم مساعدات
نقدية بدلاً من المساعدات العينية التي كانت تمنح
لهم عند نزوحهم إلى العراق. وكانت المساعدة النقدية
تساوي آنذاك الحد الأدنى لدخل العائلة العراقية. كما
منحت عوائل اللاجئين سكناً مجانياً كان عبارة عن
غرفة واحدة لكل عائلة. وقضى نظام المساعدات المالية
بوقفها عند بلوغ الشخص 18 عاماً. وفي العام 1975
توقفت المساعدات المالية نهائياً خاصة وأن قيمتها
صارت شبه رمزية إذ لم تكن تتجاوز العشرين ديناراً
عراقياً، بينما كان الحد الأدنى للأجور لا يقل عن
150 ديناراً عراقياً. وكم أسلفنا فإنهم بقوا محرومين
من خدمات الوكالة التي تقدم لإخوانهم في مناطق
عملياتها الأخرى، كلبنان وسورية والأردن والضفة
الفلسطينية وقطاع غزة.
إجراءات إيجابية
في العام 1973 شهد وضع اللاجئين الفلسطينيين في
العراق بعض الخطوات الإيجابية حين أصدر مجلس قيادة
الثورة قرارا نص على مساواة اللاجئ الفلسطيني
بالمواطن العراقي في حقوقه الاجتماعية والإنسانية ما
عدا الحقوق السياسية ومترتباتها. وبذلك صار من حق
اللاجئ الفلسطيني المسجل في وزارة العمل أن يشغل
وظيفة في القطاع العام ومزاولة باقي المهن الحرة.
واستبدلت الوثائق الخاصة بالفلسطينيين وشطبت عنها
كلمة «لاجئ» بدعوى أنها تمس من كرامةز صاحبها، وأن
الفلسطينيين «عائدون وليسوا لاجئين»، فصاروا يحملون
بطاقات هوية ووثائق سفر عراقية «خاصة بالفلسطينيين».
ظلت أوضاع اللاجئين الفلسطينيين على ما هي عليه إلى
أن وقعت حرب الخليج الثانية وتداعياتها المأساوية
فأصابهم ما أصاب الشعب العراقي من كوارث بفعل ما لحق
بالعراق من دمار وخراب، وبفعل الحصار الخانق الذي
فرض عليه. فساءت أحوالهم المعيشية ولم تتبرع أي من
المنظمات الإنسانية، بما في ذلك وكالة الغوث
(الأونروا) لمد يد العون إليهم.
العودة إلى الوراء
في العام 1993 أصدرت الحكومة العراقية سلسلة قرارات
حمائية تتعلق باقتصاد البلاد الخاضع للحصار فقضت
بمنع غير العراقيين من مزاولة كل أنواع الأنشطة
التجارية على الأرض العراقية أو امتلاك عقار أو
سيارة أو اشتراك هاتف في محاولة منها للحد من هيمنة
أموال التجار والمستثمرين غير العراقيين على اقتصاد
البلاد، خاصة بعد أن تدهورت قيمة العملة العراقية
وارتفعت قيمة الدولار الأميركي والدينار الأردني
بشكل جنوني.
ولأسباب بقيت غامضة طبقت هذه القرارات أيضاً على
اللاجئين الفلسطينيين كما طبقت على غيرهم من العرب
والأجانب. وبعد شكاوى استدركت الحكومة العراقية
الأمر فأصدرت قراراً استثنت بموجبه اللاجئين
الفلسطينيين إلى العراق ما بين عامي 1948 ــ 1950 من
إجراءاتها الاقتصادية وقضت بمعاملتهم معاملة المواطن
العراقي وإعادة الوضع إلى ما كان عليه سابقاً. لكن
قرار الاستثناء هذا لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ. إذ
لم تكف بطاقة الهوية التي بحوزة الفلسطيني لتثبت أنه
لاجئ إلى العراق.
في الفترة الزمنية المذكورة وينطبق عليه نظام
الاستثناء. كما أن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية
لم تمنح اللاجئين ما يثبت أنهم يستثنون من تطبيق
القرارات الاقتصادية الخاصة بالأجانب والوافدين
العرب. وهو ما زاد حياتهم صعوبة. إذ حرموا من كل
الحقوق الاجتماعية والإنسانية التي كانوا يتمتعون
بها منذ العام 1973. أضف إلى ذلك فرضت عليهم
الإجراءات التي فرضت على باقي الوافدين العرب كأن
يسددوا على سبيل المثال الرسوم المدرسية والجامعية
بالدولار الأميركي علماً أنهم مقيمون على الأرض
العراقية منذ النكبة، وأن الدخل الشهري للعائلة
الواحدة، وبالعملة العراقية ولا يساوي في أحسن
الأحوال أكثر من 20 دولاراً بعد أن تدهور سعر العملة
العراقية تحت تأثير الحصار وتدمير مقومات اقتصاد
البلاد. ولم يبق، والحال هكذا، من «امتياز» سوى
السكن المجاني على حساب وزارة العمل، وهو سكن، في كل
الأحوال لا يتمتع بالاستقرار.
خطوة إيجابية محدودة
وبقي الأمر على هذه الحال. وتحت إلحاح فصائل م.ت.ف.
واللاجئين أنفسهم، أعلن في العراق في مطلع آذار
(مارس) 2000 أن مجلس قيادة الثورة أصدر قراراً سمح
بموجبه للاجئين الفلسطينيين المقيمين في العراق
بتملك البيوت والأراضي وأوضح المصدر صاحب الخبر أنه
مضى حوالي شهر ونصف على صدور القرار أي أنه صدر
منتصف شهر كانون الثاني (يناير) من العام 2000. وفي
تصريح لمجلة «الإعلام» العراقية أوضح المدير العام
لدائرة التسجيل العقاري في وزارة العدل في بغداد خلف
زيدان الطائي أن القرار المذكور منح اللاجئين
الفلسطينيين المقيمين في العراق، والذين خضعوا
للتعداد السكاني آنذاك حق تملك قطعة أرض أو دار
سكنية أو سيارة. لكن القرار يمنع في الوقت نفسه على
صاحب الملكية نقلها أو تسجيلها باسم أحد أبنائه أو
ورثته، أي أن للقرار قيوداً على ملكية اللاجئين
الفلسطينيين وهي ليست مطلقة تنتهي بوفاة صاحب
الملكية فتعود بعدها إلى الدولة.
3 أطواق من الحصار
ليست هناك إحصائية دقيقة لعدد اللاجئين في العراق.
والرقم المتداول يتراوح بين 35 و45 ألف لاجئ
فلسطيني، وإن كانت بعض الدوائر العراقية الرسمية تصر
على أن عددهم، وإن بشكل غير رسمي، لا يتجاوز 17 ــ
18 ألف لاجئ. عاشوا خلف ثلاثة أطواق من الحصار.
الأول، وهو الحصار الغربي الذي فرض على العراق
لسنوات طوال، فعاشوا الجوع الذي عاشه شعب العراق
الشقيق. والثاني هو طوق البيروقراطية التي حرمتهم
طويلاً من حقوق إنسانية أقرتها لهم جامعة الدول
العربية، والطوق الثالث وهو طوق عربي إذ لا تمنح
الدول العربية، الفلسطيني اللاجئ من حملة الوثائق
العراقية تأشيرة دخول إلى أراضيها بما في ذلك
تأشيرات الزيارة العائلية لذلك يعيش الفلسطينيون في
العراق حالاً من الانقطاع عن إخوانهم المقيمين في
الدول العربية المجاورة.
يتوزع معظم اللاجئين في بغداد على أحياء «البلديات»
و«الدورة» و«الزعفرانية» و«مدينة الحرية» و«حي
السلام». ويوجد نفر قليل جداً منهم في البصرة، وفي
الموصل، لكنهم لا يشكلون تجمعات سكانية خاصة بهم.
أين السفير؟
في بغداد سفارة لفلسطين، وإن كان السفير متغيباً
عنها بشكل دائم لانشغاله بمنصبه الوزاري في السلطة
الفلسطينية (الوزير عزام الأحمد). وتنشط في صفوف
اللاجئين فصائل م.ت.ف كحركة فتح والجبهة الديمقراطية
والشعبية والتحرير العربية والتحرير الفلسطينية
وجبهة النضال. ومع ذلك يفتقد الفلسطينيون إلى مرجعية
فلسطينية موحدة. وهناك فروع لعدد من الاتحادات
الشعبية الفلسطينية في العراق كاتحاد العمال،
والطلبة، والمرأة والمعلمين، والمهندسين، والكتاب
والصحافيين، وهو ما يدلل على حيوية المجتمع
الفلسطيني في العراق.
وهم يحيون المناسبات الوطنية الفلسطينية، من أمثلتها
التظاهرة الحاشدة التي نظموها في شوارع بغداد لمرور
50 عاماً على النكبة، المهرجان الذي أقاموه مؤخراً
في ذكرى النكبة، في «مخيم حيفا للاجئين» في نادي
حيفا، حيث نصبت خيام الفلسطينيين الذين طردوا من
مساكنهم في حي السلام ومنطقة البلديات، وقد ألقيت في
المهرجان كلمات أكدت تمسك اللاجئين بحقهم في العودة
إلى ديارهم في فلسطين. وسبق لهم وأن رفعوا العديد من
المذكرات إلى ممثلي الأمم المتحدة في العراق أكدوا
فيها تمسكهم بحقهم في العودة كما طالبوا بتصحيح
سجلات اللاجئين في وكالة الغوث وإضافة أسمائهم إليها
باعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الفلسطيني في
الشتات ويملكون وثائق تثبت ملكيتهم لأراضيهم في
فلسطين التي أرغموا على تركها بالقوة. كما يؤكدون أن
وثائق ملكيتهم لأراضيهم وبيوتهم وديارهم في فلسطين
موجودة بحوزة الحكومة البريطانية في لندن، وتوجد
عنها نسخ في عمان وقبرص وإسرائيل. ويتمنون لو أن
إمكانياتهم المالية ستسمح لهم بتوكيل محامين دوليين
لنبش هذه الوثائق واستعادتها.
بعد دخول قوات الاحتلال الأميركي إلى بغداد، وانهيار
النظام السابق، تعرض اللاجئون الفلسطينيون إلى أعمال
عدوانية شنها ضدها المسلحون، فأخرجوهم من منازلهم،
وأعادوهم مرة أخرى إلى «الخيام»، ودارت دورة
التاريخ، لتستعيد النكبة الفلسطينية بعضاً من
وجوهها، بعد 55 عاماً على ولادة النكبة الأولى.. فمن
يمد يد الغوث والإعانة للاجئين الفلسطينيين في
العراق في هذا الوقت العصيب؟
تصحيح قرار أم حملة عنصري؟
اتخذ مجلس شورى الدولة في لبنان قراراً بقبول مراجعة
الطعن بمرسوم التجنيس الذي صدر في عهد الرئيس السابق
الياس الهراوي، وإحالته إلى وزارة الداخلية للتحقيق
في كل ملف على حدة وسحب الجنسية اللبنانية ممن لا
يستحقها.
بعض السياسيين اللبنانيين استغل الحدث وأدلى بدلوه
وكأن القضية تتمحور فقط حول منح الجنسية لبعض
الفلسطينيين وضرورة إعادة سحبها. حتى أن البعض حول
القضية إلى حملة عنصرية ضد الفلسطينيين. الأمر الذي
وجد صداه في الصحف البيروتية.
|
|
|
|
|
|
|
|
|