نشيد مقاوم: مخيم ومدينة ومسجد ومهد نبي
محمد
نعيم فرحات
لطالما ارتبط المخيم بتاريخ من الازدحام والالام والاوجاع
والرهانات ضمتها ازقة وبيوت بنتها النكبات والكوارث والحاجة،
وخاضت بها نفوس كابدت كل ما هو مر وعلقم في الوجود. ان المخيم
صورة كونية للبؤس بشكل لا يضاهي، بيد انه بؤس ولد من ثناياه بأسا
شديدا، وانبثقت منه
صرخات المقاومة التي شقت غبار عالم يترنح من هول ما يسكنه من خوف
واستسلام ورداءة وجبن وانهيار.
صرخات دكت صباحات عالم غاشم ومغفل ورسمت افقا لاعادة تشكيله علي
اساس قيم اكثر عدلا وانصافا والي هناك نادت جموع المظلومين.
وفي
جنين التي ترث تاريخا مجيدا من المقاومة بشهادة الماضي وحاضر
الايام، يقوم مخيم قدم اسهامه في بحر العذاب الفلسطيني المديد.
مخيم ها هو يوبخ عالما بأكمله ويلقي بواحدة من اعظم المواعظ في
تاريخ بني البشر، علي مسامع من يهمهم الامر او من لا يهمهم، وها
هو يشتق المقاومة كنشيد يدوي في ارجاء الارض وعنان السماء. لا لم
يكن نداء استغاثة بل دعوة للقتال.
وفي
هذا النشيد غنت مدينة عتيقة كما لم تغن مدن، ورتل مسجد كما اعتاد
صوت الحق مجلجلا، ورددت كنيسة ولد فيها نبي الله ومعجزاته ترنيمة
الصبر والمكابدة واريج المقاومة كما ليس بمقدور جيوش ان تفعل.
مخيم ومدينة ومسجد ومهد نبي، بيوت للبشر ولله يحولها غزاة لمقابر
وركام وحرائق ومجالا قيد التهديد يلف البشر والشجر والارض
والسماء، غير انها امكنة تقاتل، حرفيا تقاتل.
ان
الصاعدين من وسط المخيم والمدينة والمسجد ومهد النبي لهم افق
يعرفونه، ويعرفه الناس والذكري الجليلة، والتاريخ المهيب والمعني
الذي يولد من الدماء الزكية. وان لهم منذ امد كل ما يليق
بالابطال العظام الي ان يرث الله الارض ومن عليها، ولطالما كان
للدم المسفوك غيلة وغدرا راياته التي تقاتل بعد سفكه.
ولكن
بماذا سيعود الجنرال وجنوده من غبار المعركة وركام الامكنة التي
غزاها وسواها؟ بالنصر قطعا لا؟! لان النصر سليل الحق والعدل،
بينما يحلم الجنرال هنا بنصر ستولد من ثناياه اعتي المقاومات،
ولن ينال سوي اللعنة بأثر رجعي وقادم.
وهنا
يتحدد المهزوم حاليا ولاحقا، واذا كان صحيحا بأن العدة والعتاد
قد كسرت الحق مرارا في نزالات تفتقد للمروءة والنزاهة والبطولة
والنبل، الا ان الحق المحمول علي ارادة، قد هزم الظلم المدجج بكل
انواع العدة والعتاد دائما وابدا، وبنبل ومروءة وبطولة، وجعلته
اثرا بعد عين. والمسألة هنا ليست تمرينا ذهنيا في المنطق، انها
وقائع وحوادث تولد لتوها من رحم واقع وتصوغ منطقها المجلجل
ببساطة وشفافية تدعونا دائما الي الدهشة.
مخيم
باسل يقاتل بروح الحسين العظيمة، ومدينة عتيقة ومسجد تكابد حتي
اخر حجر ومهد نبي، تقود بلادا وامة وجموع بشر تبحث عن معني شهم
للحياة في نشيد مقاوم، عال الصوت بعيد المدي، يطرق ابواب عالم
ظالم وبأس وفقير وجاهل، يفتقد للقيم العالية وايما ايمان ومخيم
كلف نفسه
بدعوة للخلاص تعيد صياغة دعوات انبياء.
تري،
اي خطاب بمقدوره ان يطاول علو المخيم والمدينة العتيقة والمسجد
ومهد النبي، واي نص بمقدوره ان يجاري تصاعد الارواح الباسلة
الطهور يبالغ الاختيار والرضي نحو بارئها في السماوات العليا،
وصوت الحق وترنيمة الصبر وانين جرحي واستغاثة اطفال وامهات
وامكنة تقاتل وهي تشق الارض وتدك الوعي والضمير وعنان السماء معا.
طوبي
لمخيم ومدينة عتيقة ومسجد ومهد نبي، وطوبي لانصاب تقوم من بين
الارواح والركام والحرائق والترانيم تشير لدرب لا لبس فيه وذاكرة
قادمة يحفها بها الجلال.
اما
البغاة الظالمون، فان لهم ما ينتظرهم في الارض وفي السماء، اهوال
صنعوها بأيديهم وآثامهم.
كاتب
من فلسطين |