اللاجئون في أراضي فلسطين المحتلة عام 1948
مأمون كيوان (كاتب فلسطيني مقيم في سوريا)
تعتبر قضية اللاجئين إحدى القضايا السياسية
الإنسانية المعاصرة والأكثر تعقيدا وتداخلا مع رزمة من القضايا
والعوامل المتداخلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد حظيت
هذه القضية باهتمام عالمي تمثل في تطبيق معاهدة اللاجئين لعام
1951 التي تهدف إلى حماية اللاجئين، والتي تشتمل بنودها على
تقديم المساعدة القانونية والمادية للاجئين فضلا عن العمل من أجل
إيجاد حلول لمشكلة اللاجئين. وهذه الحلول كان لها ثلاثة مداخل
رئيسية هي: إعادة اللاجئين إلى بلدانهم، وإدماجهم في أول دولة
استضافتهم، أو إعادة توطينهم في دولة ثالثة.
وفي إطار هذه الحلول تعتبر المفوضية العليا للاجئين
التابعة للأمم المتحدة أن إعادة اللاجئين إلى أوطانهم الأصلية هو
الحل المفضل، إذ أنه على مدار عقدين من الزمن نجحت المفوضية في
إعادة 25 مليون شخص على الأقل إلى دول مثل: غواتيمالا وناميبيا
وكمبوديا وكوسوفو والعديد من الدول الأخرى.
ووقفت المفوضية العليا للاجئين إزاء قضية اللاجئين
الفلسطينيين عاجزة طوال أكثر من نصف قرن من الزمن عن تكريس حلها
المفضل لقضية اللاجئين المتمثل بعودة اللاجئين إلى ديارهم. وهذا
العجز الدولي ضاعف من معاناة اللاجئين الفلسطينيين الذين أصبحوا
من نهاية العام 2002 يشكلون أكثر من نصف العدد الإجمالي
للفلسطينيين الذي يقدر حسب ما أعلنه الجهاز المركزي للإحصاء
الفلسطيني في الثامن من شهر كانون الثاني 2003 بنحو 9,3 ملايين
نسمة يقيم منهم في فلسطين الانتدابية نحو 4,6 ملايين نسمة، أي في
الضفة الغربية وقطاع غزة وداخل ما يسمى "الخط الأخضر".
وبطبيعة الحال تشتمل قضية اللاجئين الفلسطينيين على
تعقيدات كثيرة بل وفي بعض الأحيان على مفارقات كبيرة، يأتي في
مقدمتها ما هو متجسد في قضية معاناة اللاجئين الفلسطينيين داخل
الكيان الصهيوني. وبالمعنى الأشمل والأدق، اللاجئون في وطنهم، أي
الفلسطينيون الذين ما زالوا متواجدين داخل حدود فلسطين
الانتدابية ويعانون من تبعات حالة اللجوء جراء تهجيرهم وطردهم من
مدنهم وقراهم الأصلية.
يطلق على اللاجئين الفلسطينيين في الكيان الصهيوني
الذين لم تشمل غالبيتهم الخدمات التي تقدمها المفوضية العليا
للاجئين ممثلة بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا)
والذين لا تقدم لهم السلطات الرسمية في الكيان الصهيوني أية
خدمات، يطلق عليهم اسم "المهجرون" وهم الفلسطينيين الذين هجرتهم
المنظمات الإرهابية الصهيونية وبعدها منحتهم حكومة العدو الجنسية
إلا أنها لم تمنحهم كافة حقوقهم كما تنص الأعراف والمواثيق
الدولية التي شملت حق العودة أيضا أو حقوق المواطنة في الكيان
الصهيوني.
وهؤلاء تعود بدايات معاناتهم إلى المرحلة التي أعقبت حرب 1948 إذ
أنه وتحت وطأة عملية التهجير/الطرد أو "الترانسفير" التي نفذتها
القوات الصهيونية التي طرد خلالها 800 ألف فلسطيني وهدم أكثر من
500 قرية فلسطينية لم يبق منهم داخل حدود الأراضي الفلسطينية
المحتلة عام 1948 إلا نحو 150 ألف فلسطيني من بينهم نحو 30-40
ألفا مهجرين من قراهم.
واتسعت قضية المهجرين بعد انتهاء حرب 1948 إذ عمدت
السلطات الصهيونية إلى استئناف مسلسل التهجير من خلال النقل
القسري للفلسطينيين من قراهم القائمة إلى قرى أخرى وذلك لتدعيم
الاستيطان الصهيوني في هذه المناطق. ومن هذه القرى: اقرث وكفر
برعم والغابسية وكراد البقارة وكراد الغنامة. إذ نقل سكان هذه
القرى إلى قرى فلسطينية قائمة في مناطق أخرى داخل أراضي 1948، أو
هجروا إلى سورية ولبنان وتم هدم قراهم في وقت لاحق.
وقد خضع المهجرون الفلسطينيون مع أشقائهم
الفلسطينيين الذين صمدوا ولم يغادروا مدنهم وقراهم عام 1948 إلى
نظام الحكم العسكري الصهيوني بين الأعوام 1948-1966. وفي أثناء
ذلك أغلقت السلطات الصهيونية مناطق القرى المهجرة بهدف منع
القرويين/المهجرين من العودة إليها إضافة إلى تعطيل تنفيذ قرارات
محكمة العدل العليا في الكيان الصهيوني فضلا عن القرارات
الدولية. ومن قرارات تلك المحكمة تلك القرارات التي قضت بعودة
مهجري اقرث وكفر برعم والغابسية إلى قراهم.
ويذكر أنه في عقد الخمسينات من القرن الماضي هدمت
السلطات الصهيونية جميع القرى الفلسطينية التي طرد سكانها
باستثناء ست قرى تم تحويلها إلى مناطق استيطانية.
ورغم تعمد المصادر الأكاديمية والحكومية في الكيان
الصهيوني التقليل من أعداد المهجرين لأسباب سياسية وأمنية إلا أن
تقديرات الصليب الأحمر الدولي ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين التي نشطت داخل الكيان الصهيوني بين أعوام 1950-1952
فقط تشير إلى بقاء 30 ألف مهجر فلسطيني ضمن حدود الكيان بعد
انتهاء حرب 1948. أما اليوم فتصل أعداد المهجرين إلى نحو 40 ألف
مهجر، أو ما يشكل قرابة ربع تعداد الفلسطينيين من حاملي الجنسية
الإسرائيلية أي 250 ألف نسمة. وهذا إذا تم إضافة أعداد قطاعات من
البدو في النقب الذين تم تهجيرهم على مدار أكثر من 50 عاما،
والقرويين الذين بقوا في أراضيهم لكنهم سلبوا ملكيتها، والمدنيين
المهجرين في عكا وحيفا –على سبيل المثال- الذين بقيت مدنهم قائمة
بعد حرب 1948 واستطاعوا العودة إليها ولكن السلطات الصهيونية
منعتهم من استعادة ممتلكاتهم أو حقوقهم. وتفيد تقديرات أخرى أن
عددهم هو 258750 نسمة وذلك في العام 2000 واستنادا إلى معدلات
التزايد السكاني الطبيعية لدى الفلسطينيين ونسبتها 3,5 بالمائة.
ينتشر المهجرون الفلسطينيون تقريبا على معظم
التجمعات السكانية الفلسطينية داخل الكيان الصهيوني. فمن بين 69
قرية فلسطينية بقيت قائمة بعد النكبة فإن 47 قرية استوعبت مهجرين
بداخلها إضافة إلى اللد ويافا وأبو غوش. كما يشكل المهجرون في
عدد من القرى خاصة في الجليل الغالبية السكانية، إضافة إلى
انتشار هم في المدن الفلسطينية الخاصة والمختلطة كالناصرة وحيفا.
وهناك عدد قليل من المهجرين قام ببناء تجمعات سكانية خارج نطاق
قراهم الأصلية، والمثال الأبرز على ذلك هو قرية عين حوض في
الكرمل. ففيما تحولت البيوت الأصلية للسكان في عين حوض إلى بيوت
للفنانين ورجال الأدب في الكيان الصهيوني، قام المهجرون من هذه
القرية ببناء بيوتهم الجديدة على بعد مئات الأمتار من قريتهم
الأصلية، بدون تراخيص بناء لعلمهم أن السلطات الصهيونية لن
تمنحهم إياها. وكذلك الأمر لتجمع "المنصورة" في منطقة المثلث،
وتجمعات بدوية في الشمال والجنوب. وعموما فإن معظم المهجرين
موجودون في شمال الكيان الصهيوني حيث قراهم الأصلية التي هجروا
منها. إلا أنه من أصل 162 قرية هجر سكانها كليا في منطقة الجليل
والشمال فقد بقي مهجرون في 44 قرية داخل الكيان الصهيوني، ومنها
11 قرية ممن بقي أغلب سكانها ضمن حدود الكيان.
وقامت السلطات الصهيونية بسلب أراضي وممتلكات
المهجرين داخل الكيان واللاجئين خارج حدوده استنادا إلى قوانين
الطوارئ البريطانية الانتدابية، وأنظمة الطوارئ بشأن أملاك
الغائبين لسنة 1948، وقانون أملاك الغائبين لسنة 1950، وقانون
استملاك الأراضي لسنة 1953. وكان قد تم في العام 1952 نقل صلاحية
معالجة قضايا المهجرين من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين
إلى الحكومة الصهيونية التي حققت من وراء هذه الخطوة هدفها
الرئيسي المتمثل في طمس قضية المهجرين بشكل شبه نهائي. وذلك على
خلفية اعتبارها أن التدخل الدولي الإنساني في معالجة قضية
المهجرين يساهم في استمرار طرح القضية على جدول الأعمال، وفي
تحريض المهجرين على العودة.
وعموما يواجه المهجرون في الكيان الصهيوني مشكلات
كثيرة ناجمة في الأساس عن فقدانهم لأراضيهم وهي مصدر رزقهم
الرئيسي وممتلكاتهم وتحولهم من فلاحين إلى عمال غير مهرة في
السوق الصهيونية، إضافة إلى بناء أو إعادة بناء حياتهم في أماكن
لجوئهم. كما يعانون من حالات متطرفة من التمييز العنصري الصهيوني
في الخدمات المقدمة من قبل الحكومة الصهيونية إلى الفلسطينيين
حاملي الجنسية "الإسرائيلية" ومن ضمنهم المهجرون في مجالات
التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية وسائر
المجالات مقارنة مع المواطنين اليهود في الكيان الصهيوني. وتأتي
البطالة في أعلى سلم معاناة المهجرين وكذلك غير المهجرين من
الفلسطينيين في هذا الكيان والتي تتجاوز نسبتها، أي البطالة، 10%
في 21 قرية فلسطينية من أصل 25 قرية. كما يعاني المهجرون من
فجوات كبيرة في سائر مجالات الخدمات الضرورية لتحسين نوعية
الحياة.
وإزاء حالة التمييز العنصري الصهيوني واصل المهجرون
منذ العام 1948 مطالبتهم للحكومات الصهيونية المتعاقبة والسلطات
والفعاليات العربية في الأحزاب الصهيونية السماح لهم بالعودة
إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها، وقدموا التماسات إلى الجهات
القضائية في الكيان الصهيوني وفي مقدمتها محكمة العدل العليا
التي اتخذت في بعض الحالات قرارات وأحكام تقضي بعودة بعض
المهجرين وخاصة مهجري "إقرث" و"كفر برعم" لكن السلطات الصهيونية
ماطلت وامتنعت عن تنفيذ تلك الأحكام تحت حجج وذرائع كثيرة. وهذا
الرفض الصهيوني لإعادة المهجرين لم يمنع المهجرون وخاصة أبناء
الجيل الثاني منهم من تنظيم أوضاعهم عبر إقامة لجان محلية خاصة
بقراهم. وشكلوا في العام 1992 لجنة المبادرة للدفاع عن حقوق
المهجرين التي تحولت في العام 1995 إلى اللجنة القطرية للدفاع عن
حقوق المهجرين تضم ممثلين عن القرى المهجر سكانها وتعتبر الممثل
الشرعي لهم، ومعترف بهذه اللجنة القطرية من قبل لجنة المتابعة
العليا لشؤون المواطنين العرب في الكيان الصهيوني. كما تنشط في
مجال الدفاع عن قضية المهجرين لجان وجمعيات أخرى فلسطينية داخل
"الخط الأخضر" منها: جمعية الأقصى للمقدسات الإسلامية، ولجنة
الأربعين للقرى غير المعترف بها، واتحاد الجمعيات الأهلية
الفلسطينية داخل الكيان الصهيوني. وتضع الأحزاب السياسية العربية
داخل "الخط الأخضر" قضية المهجرين ضمن أبرز اهتمامات برامجها
السياسية فمن أهداف الحركة العربية للتغيير التي يرأسها عضو
الكنيست أحمد الطيبي "النضال من أجل إلغاء ضريبة الأملاك
والاعتراف بالقرى غير المعترف بها و حل قضية "إقرث" و"كفر برعم"
وقضايا المهجرين في الداخل". ومن مبادئ حزب التجمع الوطني
الديمقراطي الذي يتزعمه عضو الكنيست عزمي بشارة "العمل على وقف
مصادرة الأراضي والاعتراف بالتجمعات العربية غير المعترف بها،
وحل قضية المهجرين داخل الكيان، بما في ذلك حقهم في العودة إلى
قراهم ومدنهم والمبادرة لإقامة قرى ومدن عربية جديدة على ما يسمى
أراضي الدولة.
ووجود قضية المهجرين على برامج الأحزاب السياسية
العربية المشاركة في تركيبة الكنيست الصهيوني منذ الكنيست الأول
وحتى الآن لم يفضِ إلى حل قضية هؤلاء اللاجئين في وطنهم الذين
لا تحل قضيتهم إلا في إطار عملية حل الصراع العربي-الصهيوني
برمته أي عبر تحرير الوطن من الاستعمار الاستيطاني الصهيوني.
عانى
هؤلاء اللاجئون خلال العقود الماضية من عمر الصراع
العربي–الصهيوني وتحديدا منذ العام 1948 لنكبتين: تمثلت الأولى
في تهجيرهم من مدنهم وقراهم إلى مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة،
والثانية تهجيرهم من المناطق السابقة إلى مناطق أخرى في الضفة
والقطاع أو إلى خارج الضفة الغربية مع قسم من سكان الضفة الذين
أصبحوا نازحين.
ولقد قدم هؤلاء تضحيات كبيرة خلال عقود مقاومة
الاحتلال الصهيوني وكانوا البنية الاجتماعية الرئيسية لانتفاضة
العام 1987 وللانتفاضة الراهنة. وهذا ما دلت عليه مجريات
الانتفاضتين لجهة درجة المقاومة الباسلة التي أبداها لاجئو
مخيمات الضفة والقطاع لكافة عمليات القمع والتنكيل التي نفذها
ضدهم الجيش الصهيوني، ولعل نموذج صمود مخيمي جنين وبلاطة –على
سبيل المثال لا الحصر– خلال ما سمي بعملية "السور الواقي" هو
برهان واضح على موقع اللاجئين في الصراع ودرجة تمسكهم بقضيتهم
الوطنية.
وفق معطيات التعداد الفلسطيني الشامل الأول الذي جرى
عام 1997 ينتشر الفلسطينيون في الضفة الغربية و قطاع غزة في 656
تجمعا سكانيا تتراوح ما بين تجمعات حضرية (مدن) 54 تجمعا وريفية
(قرى) 573 تجمعا، و29 مخيما عشرون منها في الضفة الغربية قرب أو
داخل المدن التالية: جنين (مخيم واحد)، منطقة طوباس (مخيم واحد)،
طولكرم (مخيمين)، نابلس (ثلاثة مخيمات)، رام الله والبيرة (خمسة
مخيمات)،أريحا (مخيمين)، القدس (مخيم واحد)، بيت لحم (ثلاثة
مخيمات)، والخليل (مخيمين)، وتسع عشر مخيما في قطاع غزة واحد منه
في شمال غزة وآخر في غزة وأربعة مخيمات في المنطقة الوسطى (دير
البلح، النصيرات، المغازي والبريج) ومخيم واحد في خانيونس
ومخيمان في رفح. ومن تلك المخيمات: العروب، بيت جبرين، عايدة،
شعفاط، الدهيشة، عقبة جبر، ديرعمار، عين السلطان، بلاطة،
الجلزون، عسكر، طولكرم، جنين ونور شمس في الضفة الغربية والبريج،
جباليا، النصيرات، الِشاطىء، دير البلح، رفح، خان يونس والمغازي
في قطاع غزة.
بلغ
التعداد الإجمالي للفلسطينيين من المقيمين واللاجئين في الضفة
والقطاع 2.597.616نسمة منهم 1.579.099 نسمة في الضفة الغربية
ينقسمون إلى لاجئين 423.147 نسمة وغير لاجئين 1.161.980 نسمة،أي
أن نسبة اللاجئين إلى سكان الضفة هي 26,5 %. أما سكان قطاع غزة
فبلغ عددهم وفق التعداد المذكور 1.000.517 نسمة منهم 651.571
لاجئا يشكلون نسبة 65,1% من إجمالي عدد سكان القطاع. وبمعنى دقيق
يشكل اللاجئون نسبة 41,4% من سكان الضفة والقطاع.
وأشارت التقديرات الواردة في كتاب فلسطين الإحصائي
السنوي الثاني الصادر في رام الله أواخر العام 2001 إلى أن عدد
اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في الضفة والقطاع هو 1.409.631
نسمة، وعدد اللاجئين المسجلين في مخيمات الضفة والقطاع هو
608.862 نسمة.
وتحت تأثير ارتفاع المعدل الطبيعي للولادات لدى
الفلسطينيين فقد أعلن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في أوائل
العام 2003 أن إجمالي تعداد الفلسطينيين هو 9.3 ملايين نسمة منهم
3.6 يقيمون في الضفة الغربية وقطاع غز. وإذا حافظ اللاجئون في
الضفة والقطاع على نسبتهم من إجمالي السكان في هاتين المنطقتين
يكون تعدادهم الحالي هو 1.150.000 نسمة وهو رقم أدنى من تقديرات
تعود إلى أواخر العام 2000 التي قدرت عدد اللاجئين في الضفة
والقطاع بنحو 1.520.044 نسمة.
ويعاني اللاجئون في الضفة الغربية وقطاع غزة من
طائفة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية تزداد في عمقها عن
الأزمات المشابهة التي يعاني تحت وطأتها عموم الفلسطينيين في مدن
وقرى الضفة الغربية وقطاع غزة الناجمة بصورة رئيسية عن الاحتلال
الصهيوني وممارسات واعتداءات الجيش الصهيوني والمستوطنين. ففي
المجال السكني تعاني المخيمات من حالات اكتظاظ سكاني نظرا لضيق
المساحة الجغرافية للمخيمات فمجموع المساحة المبنية في مخيمات
الضفة والقطاع هي:19.629,3 دونما من نحو318.580,8 دونما هي
إجمالي المسلحة المبنية في مدن وقرى الضفة الغربية وقطاع غزة.
وفي ما يتعلق بالقطاع السكني تفيد المؤشرات الإحصائية الفلسطينية
المنشورة عامي 1997 و1998 إلى أن نحو 79% من الأسر الفلسطينية
تعيش في مساكن تمتلكها وكالة الغوث الدولية (الأنروا) ويعيش نحو
10% من الأسر في مساكن مستأجرة. ويبلغ معدل عدد الغرف في المسكن
في المجتمع الفلسطيني 3.6 غرفة. ويعيش أكثر من 29 % من الأسر في
الضفة في مساكن تحتوي على غرفة أو غرفتين، مقابل 14% من أسر قطاع
غزة. ويبلغ معدل عدد الأفراد في الغرفة الواحدة في الضفة والقطاع
2.18 للغرفة، ويعيش نحو 23% من الأسر في مساكن ذات كثافة سكنية
بمعدل 3 أفراد أو أكثر في الغرفة الواحدة. ومن حيث الخدمات: فـ
40% من الأسر تعيش في مساكن موصولة بشبكة مجاري عامة (34% في
الضفة و 53.5 في القطاع).
رغم الموقف الوطني العملي الواضح الذي يتمسك به
لاجئو الضفة والقطاع إلا أنه من المفيد سبر مواقفهم من عملية
التسوية الجارية على المسار الفلسطيني–"الإسرائيلي"، وذلك
استنادا إلى بعض الدراسات المتوفرة، وهي قليلة، ومنها: الدراسة
التي قام بها مركز الأبحاث الفلسطينية في نابلس
CPRS
في أيار 1995. وقد شملت هذه الدراسة عينة من 1.271 فردا كانوا في
سن الثامنة عشرة وما فوق، في الضفة الغربية 856 فردا وفي القطاع
415 فردا، سئلوا عن آرائهم في مستقبل المخيمات. وقال 47% منهم
إنه يجب بقاء المخيمات حيث هي، لكن من الضروري تحسين الأوضاع
المعيشية فيها. ورأى نحو 20% أن من الأفضل بقاء المخيمات كما هي،
بينما اقترح 25% نقل سكان المخيمات إلى أماكن أخرى، ولم يكن لنحو
6% رأي في الموضوع. ومن اللافت للنظر أن 75% تقريبا من العينة
فضلوا بقاء المخيمات حيث هي، في حين دعت الأكثرية إلى إجراء
تحسينات في الأوضاع العمرانية للمخيمات. وبخلاف هذه الدراسة لم
تتضح مواقف اللاجئين في الضفة والقطاع من عملية التسوية وقضايا
التسوية النهائية ومن بينها قضية اللاجئين، وكانت جملة المواقف
الرسمية السلطوية والمعارضة لها هي السائدة ومن أبرز الأمثلة
عليها: الموقف الذي عبر عنه الدكتور حيدر عبد الشافي في وثيقة
صادرة عن وزارة الإعلام الفلسطينية في العام 1995 والذي ارتكز
على حق العودة والإشارة إلى عجز الدول العربية عجزا اقتصاديا عن
استيعاب اللاجئين من جهة، و من جهة أخرى كون غالبية اللاجئين بمن
فيهم اللاجئون في الضفة والقطاع تفضل العودة إلى مدنها وقراها
الأصلية داخل ما يسمى فلسطين المحتلة عام 1948. وبتكثيف شديد
اشتمل الموقف الرسمي الفلسطيني من مسألة "التأقلم" التي طرحت في
اجتماعات مجموعة العمل الخاصة باللاجئين في إطار المفاوضات
المتعددة الأطراف لتجسير الفجوة بين الفلسطينيين الذين يرفضون
التوطين والصهاينة الذين يرفضون صيغة دمج اللاجئين مع سكان
الكيان الصهيوني، اشتمل على فهمين: أولهما حصره في الضفة
الغربية، ووجوب توجيهه في المقام الأول إلى العائدين من لاجئي
سنة 1967 ثم من لاجئي سنة 1948، وثانيهما ألا يعني تغيير الوضع
القانوني للاجئين كما ورد في القرار رقم 194.
وقد مثلت مفاوضات كامب ديفيد الثانية التي جرت
برعاية أميركية في الفترة ما بين 11 و25 تموز/يوليو 2000
ومفاوضات طابا التي أعقبتها بعدة شهور، من خلال البحث فيهما في
قضايا التسوية النهائية ومن بينها قضيتي اللاجئين والدولة السياق
العام لاستشراف مستقبل اللاجئين في الضفة والقطاع على وجه
التحديد وسائر اللاجئين الفلسطينيين على وجه العموم. وقبل عقد
مفاوضات كامب ديفيد الثانية وطابا كان ملخص المواقف الفلسطينية
على الشكل التالي:
1.
المطالبة بانسحاب "إسرائيلي" كامل من شرق القدس بما في ذلك
الأحياء اليهودية.
2.
انسحاب "إسرائيلي" إلى حدود الرابع من حزيران 1967، وتطبيق قرار
مجلس الأمن الدولي 242 بحذافيره.
3.
سيطرة فلسطينية على معابر الحدود مع كل من الأردن ومصر.
4.
إخلاء جميع المستوطنات، دون نفي إمكانية إبداء المرونة في هذا
المجال.
ورغم
التحفظات الفلسطينية والصهيونية التي سجلت على ورقة "التجسير"
التي قدمها الرئيس الأميركي (السابق) بيل كلنتون وتعالج المواطن
الخمسة المحتملة للاجئين وهي: دولة فلسطين، ومناطق من الكيان
الصهيوني ستنقل إلى فلسطين ضمن تبادل الأراضي، وإعادة تأهيل في
الدول المضيفة، وإعادة التوطين في دولة ثالثة، والإدخال إلى
الكيان. فقد تبادل المفاوضون الفلسطينيون والصهاينة في مفاوضات
طابا عددا من المقترحات بشأن قضية اللاجئين الفلسطينيين تمحورت
حول عدد من النقاط منها:
1.
يقر الطرفان بأن الحل العادل والشامل لمشكلة اللاجئين ضروري
للتوصل إلى سلام عادل وشامل ودائم.
2.
يقر الكيان الصهيوني بمسئوليته الأخلاقية والقانونية عن تشريد
السكان الفلسطينيين في أثناء حرب 1948 وطردهم بالقوة. وعن منع
اللاجئين من العودة إلى ديارهم وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم
المتحدة رقم 194.
3.
يتحمل الكيان المسؤولية عن حل مشكلة اللاجئين.
4.
إن الحل العادل لمشكلة اللاجئين وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 242
يجب أن يقود إلى تطبيق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم
194.
5.
انسجاما مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 (الدورة
الثالثة) يحق لكل اللاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم في
"إسرائيل" والعيش بسلام مع جيرانهم أن يفعلوا ذلك وسوف يمارس كل
لاجئ حق العودة وفقا للشكليات التي تحددها الاتفاقية. ومنها:
أ-
اللاجئ الفلسطيني هو أي فلسطيني منع من العودة إلى بيته بعد 29
تشرين الثاني / نوفمبر 1947.
ب-
من دون تقييد عمومية مصطلح "لاجئ" يشمل "اللاجئ" في هذه
الاتفاقية نسل اللاجئ وزوجته.
ت-
من دون تقييد عمومية مصطلح "لاجئ" يعتبر كل الأشخاص المسجلين
لدى الأونروا لاجئين انسجاما مع هذه المادة.
هذا
وقد أشارت بعض نقاط اتفاق طابا إلى أن مناطق السلطة الفلسطينية
(الدولة) هي من الدول المضيفة للاجئين. كما أشار مشروع دولة
فلسطين إليهم بالقول في المادة الرابعة عشرة منه: “للفلسطيني
الذي خرج من فلسطين بعد العام 1948 ومنع من العودة إليها حق
العودة إلى الدولة الفلسطينية وحمل جنسيتها، وهو حق دائم غير
قابل للسقوط أو التقادم. وتعمل الدولة الفلسطينية على متابعة
السعي لتنفيذ الحق المشروع للاجئين الفلسطينيين في العودة
لديارهم وقراهم والتعويض من خلال المفاوضات والسبل السياسية
والقضائية وفقا لقرار الأمم المتحدة 194 لسنة 1948 ولمبادئ
القانون الدولي”.
ومن هنا يبدو أن مصير اللاجئين الفلسطينيين ومن
ضمنهم لاجئو الضفة الغربية وقطاع غزة يتراوح ما بين نصف مواطن
ومقيم في الدولة الفلسطينية الموعودة التي يفترض أن يؤدي قيامها
إلى تحسن شامل في أداء مختلف القطاعان الاجتماعية والاقتصادية
والمؤسساتية لكن حجم الدمار الذي أصاب تلك القطاعات نتيجة
لاحتياجات الجيش الصهيوني لمناطق الدولة الموعودة يشير إلى أن
تلك الدولة ما زالت بعيدة المنال فضلا عن أن مقومات استقلاليتها
وسيادتها لم تتبلور بعد. |