فلسفة الضغط النفسي
كأسلوب حديث تستخدمه المخابرات الإسرائيلية لانتزاع الاعترافات
بقلم عيسى قراقع
تحطيم الأسير وكسر إرادته
استخدم رجال المخابرات الإسرائيليون وسيلة الضغط النفسي بحق
المعتقلين الفلسطينيين منذ الاحتلال الاسرائيلي عام 1967
كوسيلة من وسائل الحرب على المقاومة الفلسطينية ورجالها بهدف
الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات أولاً، ولتحطيم الأسير
الفلسطيني معنوياً وجسدياً ثانياً.
وشهدت أقبية التحقيق الإسرائيلية صراعاً قاسياً ومريراً بين
الأسير والمحقق استخدم خلالها شتى الأساليب النفسية الضاغطة في
محاولة لكسر الأسير نفسياً وتطويعه للإستجابة لإرادة المحققين
والكشف عن معلومات تؤدي إلى مزيد من الاعتقالات وضرب البنى
الثورية للمقاتلين.
ولا ريب أن جهاز الأمن الإسرائيلي جنّد رجالاً متخصصين يتقنون
اللغة العربية وعلى دراية تامّة بتقاليد ومفاهيم المجتمع
الفلسطيني وخصوصياته، وطبيعة علاقاته الانسانية والسلوكية وذلك
لتسهيل عمله في محاربة المعتقلين وتحقيق أهدافه في جني
المعلومات والقضاء على خلايا ومجموعات العمل الفدائية
ومحاصرتها.
إن
الفلسفة التي يقوم عليها استخدام الضغط النفسي كوسيلة من وسائل
التحقيق ترمي إلى كسر صمود وكبرياء المقاتل الفلسطيني وإذلاله
وإجباره على الإعتراف بما قام به والاعتراف على غيره وتحويله
إلى إنسان ضعيف ومهزوز وسبباً في إحداث الضرر بالآخرين
وبالتالي تجريده من عقائديته النضالية وقناعاته الوطنية ليتحول
من إنسانٍ مناضلٍ وقوي ذي عزيمة إلى إنسان محطّم فاقد الثقة
بذاته وبقضيته مزعزع الشخصية.
وقد تطورت أساليب الضغط النفسي التي يستخدمها رجال المخابرات
الاسرائيليون وتعددت فنون ذلك وفق تطور وتنامي المقاومة
الفلسطينية للاحتلال. وظلّ الصراع قائماً ومحتدماً حتى اليوم
معتمداً على مدى ومستوى وعي المناضلين في مواجهة المحققين
وأساليبهم.
ولا شكّ أن أسلوب الضغط النفسي يعتبر من أكثر الأساليب
استخداماً في التحقيق ويعتمد عليه جهاز الأمن الإسرائيلي بدرجة
رئيسية لأن هذا الأسلوب لا يترك أثراً مباشراً على جسد الأسير
وبالتالي يوفّر الحماية لرجال المخابرات من ملاحقة مؤسسات حقوق
الإنسان ومن إلصاق تهمة التعذيب بحقّ الأسرى، إضافة إلى تجربة
المعتقلين الفلسطينيين تشير إلى أن الأسير الذي يعترف تحت
الضغط النفسي يدلي بمعلومات كاملة وتفصيليّة مفيدة أكثر لجهاز
المخابرات وأكثر نجاعة من الحصول عليها بالعنف أو الضرب
الجسدي.
ومن الأهمية أن نؤكّد هنا أنه لا يمكن أن ينجح أسلوب الضغط
النفسي دون إرهاق جسد المعتقل عضوياً وعصبياً ونفسياً،
وبالتالي لا يمكن الفصل بين مدى نجاعة الضغط النفسي في تحقيق
نتائج معينة وبين ما يتعرّض له جسد الأسير من ضغوطات وإجراءات
قد تكون أشدّ من الضرب المباشر.
وكذلك من الأهمية الإشارة أن أسلوب الضغط النفسي يعتمد بالأساس
على العقل والوعي والثقافة وطبيعة الحوار الذي يدور بين المحقق
والأسير أثناء استجوابه.
ومن خلال قراءة لتجربة الأسرى الفلسطينيين فإن المحققين
الإسرائيليين استخدموا وسيلة الضغط النفسي مع الأسرى دون
تمييزٍ بين كبيرٍ أو صغير، أو رجل وامرأة، فالهدف هو الحصول
على المعلومات دون مراعاة أي اعتبار آخر.
الضغط النفسي وسيلة من وسائل التعذيب:
يخطئ من يرى أن أسلوب الضغط النفسي أثناء التحقيق مع المعتقلين
ليس تعذيباً، فالبعض يعتبر أن التعذيب ينحصر فقط في الإعتداء
المباشر على الأسير واستخدام العنف معه، وإذا ما عدنا إلى
تعريف التعذيب حسب ما ورد في (إعلان حماية الأشخاص من التعذيب)
الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 9 كانون الأول
عام 1975 وكذلك ما ورد في اتفاقية مناهضة التعذيب نجد أنه (أي
عمل ينتج عنه ألم أو عناء شديد جسدياً ونفسياً يتم إلحاقه
عمداً بشخصٍ ما من قبل أحد الموظفين الرسميين أو بتحريض منه
لأغراض مثل الحصول من هذا الشخص أو من شخص آخر على معلومات أو
اعتراف أو معاقبته على عملٍ ارتكبه أو يشتبه به في أنه ارتكبه
أو تخويفه أو تخويف أشخاص آخرين…)
ومن هذا التعريف الذي أجمعت عليه مؤسسات حقوق الإنسان نجد أن
الضغط النفسي هو تعذيب يحاسب عليه القانون الدولي الإنساني
ويعتبر جريمة حرب وانتهاكاً لمبادئ حقوق الإنسان…
ولعلّ التجربة الفلسطينية مليئة بالحالات التي أصيبت بعاهات
نفسية وعقلية بسبب التعذيب بوسيلة الضغط النفسي أثناء
استجوابها، فالكثير من المعتقلين أصيبوا بأمراض عصابية وترك
هذا الأسلوب آثاراً على حياتهم ومستقبلهم، بل دمرت وسحقت حياة
الكثيرين وقضي على مستقبلهم وأصبحوا معاقين نفسياً وعقلياً
بسبب ما تعرضوا له من تعذيب نفسيّ أثناء اعتقالهم.
إن
أعراض التعذيب النفسي خطيرة جداً، والمئات من الأسرى لا زالوا
يعانون من اضطرابات نفسية، وتوترات، وانفصام شخصية، وقلق، وعدم
الثقة، والخوف، وقلّة النوم وغير ذلك.
لقد خسر العديد من الأسرى مستقبلهم الإجتماعي بسبب ما تركه في
أجسادهم وذواتهم رجال المخابرات الإسرائيليين باستخدام وسائل
وطرائق الضغط النفسي، وشمل ذلك الأطفال القاصرين خاصة خلال
انتفاضة الأقصى، حيث اعتقل الآلاف من الصغار وواجهوا أساليباً
تحطيمية ونفسية، ورعب وجزع وخوف أثناء اعتقالهم واستجوابهم، ما
زال العديد منهم وحسب شهادات الأطفال أنفسهم غير قادرين على
الانخراط في المجتمع أو الذهاب إلى المدرسة. وتحدثت عائلات
الأطفال عن ظواهر قلة النوم، والصراخ، والتبول اللاإرادي الذي
أصاب أطفالهم الذين اعتقلوا.
تشريع أسلوب الضغط النفسي:
إن
دولة إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي جعلت من
التعذيب بكل أشكاله العنيفة والنفسية قانوناً وشرّعته في
مؤسساتها الأمنية والقضائية. وكان قرار لجنة (لنداو)
الإسرائيلية عام 1987 والتي كلّفت في ذلك الوقت بالتحقيق في
الأساليب التي يستخدمها جهاز الأمن العام الإسرائيلي تجاه
المعتقلين يقضي بتوصية رجال المخابرات بالتركيز على وسائل
الضغط النفسي أثناء التحقيق مع المعتقلين. وقررت الكنيست
الإسرائيلي بتاريخ 8/11/1987 قبول توصيات اللجنة والعمل
بمقتضاها. ويعتبر تقرير (لجنة لنداو) أنه وضع الأساس القانوني
الفعلي للسماح باستخدام التعذيب بحق الأسرى الفلسطينيين
واعتبار كل أسير فلسطيني إرهابي (وقنبلة موقوتة) حسب زعمهم يجب
أن يمارس عليه كل الضغط لإجباره على الاعتراف.
وفي السنوات التي أعقبت اتفاق أوسلو عام 1993 أعطت الحكومة
الإسرائيلية الضوء الأخضر لمحققي الشاباك باستخدام وسائل
التعذيب بما فيها الضغط النفسي ملتزمة هذه الحكومة بتوفير
الحماية القانونية اللازمة من حيث أنه لم يتم تقديم المحقق
للمحاكمة في حالة وفاة أحد الأسرى أثناء التحقيق أو إذا ما رفع
الأسير شكوى على المحقق.
لقد سقط 30 شهيداً أسيراً ما بين أعوام 1988-1999 بسبب التعذيب
أو الضغط النفسي أثناء الإعتقال.
وتصاعد بشكلٍ كبير استخدام أساليب الضغط النفسي خلال انتفاضة
الأقصى إلى درجة استخدام وسائل ضغط لا أخلاقية وتمسّ بالكرامة
الإنسانية. وأدلى كثير من الأطفال باعترافات كاذبة لدى
المحققين في سبيل الخلاص من التعذيب النفسي وأجواء الإرهاب
والتهديد التي يتعرضون لها.
ويتصرف رجال المخابرات الإسرائيليون بحماية تامّة ودون ملاحقة
أو مراقبة على أعمالهم التعسفية مع المعتقلين بعد أن سمحت
محكمة العدل العليا والمستشار القضائي الإسرائيلي بإعطاء
تصاريح وأذونات لرجال المخابرات باستخدام وسائل التعذيب مع
المعتقلين الفلسطينيين. ولقد حاول عدد من الأسرى الانتحار أو
حرق أنفسهم بسبب الضغوطات النفسية القاسية جداً التي يتعرضون
لها في زنازين التحقيق.
أساليب التعذيب النفسي:
إن
أساليب التعذيب النفسي التي استخدمها المحققون الإسرائيليون
كثيرة وعديدة ومتنوعة نذكر منها:
1.
الشبح مدة طويلة وفي أوضاع مختلفة.
2.
الحرمان من النوم ومن قضاء الحاجة.
3.
التهديد بهدم المنزل أو النفي للخارج.
4.
العزل في زنزانة قذرة مدة طويلة.
5.
اعتقال الزوجة أو الأخت أو الأم.
6.
الموسيقى الصاخبة.
7.
الشتائم البذيئة أو النابية.
8.
التحرش الجنسي والتهديد بالاغتصاب.
9.
محاولة تجنيد المعتقل للتعاون مع المخابرات.
10.
التشكيك بالآخرين وبالمقربين.
11.
منع المحامين والأهل من لقاء الأسير مدة طويلة.
12.
زجّ الأسير في غرف العملاء (العصافير).
13.
ترك الأسير مدة طويلة دون استحمام وبلا وسائل نظافة.
14.
عدم تقديم العلاج للأسير المريض أو الجريح