أقلام حره: هدى الحسيني : الفشل ينتظر مهمة
قريع
غزه برس (11/9)- الشرق الاوسط - من المستبعد
ان ينجح احمد قريع (ابو علاء) في مهمته
الجديدة كرئيس للوزراء، ذلك ان واشنطن التي
اختارت محمود عباس (ابو مازن) ولم تدعمه، لا
بل تخلت عنه، تتوقع ايضا فشل احمد قريع.
ويرى احد المسؤولين فيها، ان الحل بين
اسرائيل والفلسطينيين لن يأتي على يد احد
المخضرمين من القادة الفلسطينيين، بل على يد
جيل الشباب وابرزهم: مروان برغوثي، المسجون
داخل احد السجون الاسرائيلية، واذا لم ينجح
برغوثي او لم يطلق سراحه، فان التوقعات
تتطلع الى حسام خضر.
مروان برغوثي ساهم في هندسة وقف اطلاق النار
الذي استمر سبعة اسابيع زمن وزارة محمود
عباس، وهو كما ذكر باراك بارفي ـ الباحث في
الجامعة العبرية في القدس ـ في مقال في
الـ«واشنطن بوست» مؤخرا، من ابرز
البرغماتيين الفلسطينيين، زعيم مقاتل وصاحب
رؤية ديبلوماسية، ويقدر عدد من الاسرائيليين
الدور الذي قد يلعبه، كما زاره في السجن افي
ديشتر، رئيس منظمة الامن الداخلي، وجدعون
عزرا، احد وزراء الليكود في الحكومة
الحالية. ويعتقد محدثي الاميركي ان خطأ
محمود عباس ووزير الشؤون الامنية السابق
محمد دحلان انهما لم يستمرا في الاتصال مع
برغوثي، وانه كان الاولى بدحلان ان يعمل على
اطلاق سراحه من السجن الاسرائيلي كما فاوض
على اطلاق سراح المسؤول الامني السابق في
غزة سليمان ابو مطلق. ويضيف محدثي: ان ياسر
عرفات رئيس السلطة الفلسطينية لا يمكن،
ولاسباب معروفة، ان ينجح في اطلاق سراح
برغوثي، رغم ان الاخير حليفه نوعا ما، لذلك،
عندما سيخرج برغوثي من السجن لن يكون عليه
دين لاحد من الجانب الفلسطيني، كقيادة. لكن
ماذا عن المرحلة الحالية، يقول محدثي: ان
استقالة محمود عباس وحكومته في السادس من
الشهر الجاري اضافة الى محاولة اسرائيل
اغتيال الشيخ احمد ياسين وقادة آخرين في
حماس، يشيران الى الانهيار الاخير لـ«خريطة
الطريق نحو السلام»، الامر الذي سينهي جهودا
دولية تم تخطيطها بعناية لم يسبق لها مثيل
منذ قمة كامب ديفيد عام 2000، لوضع نهاية
للصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي. غير ان
تطبيق خريطة الطريق لم يبدأ اصلا وبشكل
فعال، رغم ان الولايات المتحدة كانت واضحة
في التأكيد بان رجلها المفضل هو محمود عباس
الا انه، ومع هذا الدعم، نجح وبمساعدة مروان
برغوثي في تحقيق وقف لاطلاق النار طال سبعة
اسابيع، وانهار فعليا في العملية الانتحارية
ضد باص اسرائيلي في القدس اودت بحياة 20
شخصا وتبنتها حماس، وانهار رسميا بعد يومين
على تلك العملية عندما اغتالت اسرائيل زعيما
سياسيا في حماس، اسماعيل ابو شنب، وهو ايضا
اعتبره باراك بارفي، «البراغماتي» اخطأت
اسرائيل في اغتياله. في كلمته امام البرلمان
الفلسطيني اعطى محمود عباس عدة اسباب
لاستقالته، ابرزها: عدم رغبة اسرائيل في
تطبيق التزاماتها بخريطة الطريق، وانتقد
واشنطن لانها لم تمارس اي نفوذ على اسرائيل
وتدفعها الى تطبيق التزاماتها تلك او وضع حد
للعمليات العسكرية. ان اكثر ما كلف ابو
مازن، في الشارع الفلسطيني كان عدم تعاون
اسرائيل، فهي وخلال وقف اطلاق النار اطلقت
سراح عدة مئات من السجناء من اصل 6 آلاف،
واعادت نشر قواتها في بيت لحم واجزاء من
قطاع غزة الا انها لم تخفف من قبضتها
العسكرية في الاراضي المحتلة، او توقف توسيع
المستوطنات لا بل استمرت في بناء الجدار
الامني الذي قضم اراضي فلسطينية شمال الضفة
الغربية وداخل القدس الشرقية المحتلة، وقد
اعتصم طلاب جامعة القدس يوم الاحد الماضي
وعلى رأسهم الدكتور سري نسيبة لان الجدار
سيمر داخل الحرم الجامعي. كما ان اسرائيل
واصلت عمليات الاعتقال والاغتيالات التي
حصدت مدنيين ومقاتلين، وفي ظل تلك الظروف،
راهنت قلة من المسؤولين الفلسطينيين على
استمرار وقف اطلاق النار، والاغلبية تأكدت
من صعوبة اتخاذ اي خطوة ضد حماس او الجهاد
الاسلامي. بالنسبة الى الولايات المتحدة فقد
اكتشف الشارع الفلسطيني ان «نفوذ» ابو مازن
على واشنطن، ليس اقوى من «نفوذ» ياسر عرفات،
اذ بدا واضحا بعد زيارته الى العاصمة
الاميركية، ان الرئيس جورج دبليو بوش يتفق
مع الرأي الاسرائيلي بان كل تحرك في خريطة
الطريق معلق اولا واساسا، على قيام السلطة
الفلسطينية بعمل ضد المليشيات المسلحة وخاصة
حماس والجهاد. هذا لا يعني عدم وجود اسباب
محلية لسقوط حكومة محمود عباس، خاصة صراعه
مع عرفات حول السلطة وحول صلاحيات
واستقلالية رئيس الوزراء، لا سيما على
الصعيد الامني واختيار اعضاء الحكومة. وحسب
مصدر عربي وانطلاقا مما وصفه عباس في بيانه،
بالتحريض الخطير والقاسي ضد حكومته، فان
عرفات وضع هذه السياسة الخطيرة وطبقتها علنا
ميليشيات فتح مثل كتائب الاقصى ولجان
المقاومة الشعبية «وقد رأينا هجوم هؤلاء على
مدخل مبنى البرلمان الفلسطيني وتحطيمهم
بالعصي، زجاج المدخل، من دون ان يتجاوزوا
العتبة، وكانت الصورة بشعة وعرفنا كلنا
الحدود التي وضعها الختيار لهؤلاء». ويضيف
محدثي «ان صراع عرفات ـ عباس صُوِّر لدى
الرأي العام الفلسطيني على انه جزء من مخطط
اميركي ـ اسرائيلي للاطاحة بالزعيم التاريخي
المنتخب، وقد رفض الرأي العام التضحية
بعرفات لصالح عباس». في حديثي مع المصدر
الاميركي لفتني الى شروط احمد قريع لتولي
مسؤولية رئاسة الوزراء، وابرزها: عودة
اسرائيل للاعتراف بياسر عرفات باعتباره
الزعيم الوحيد للشعب الفلسطيني، «وهذا ليس
بالامر المقبول». واضاف: ان احمد قريع ربما
حسب تعليمات عرفات طالب ايضا بضمانات
اوروبية واميركية، لكن من المستبعد ان يتلقى
مثل هذه الضمانات، وان كان من غير المستبعد
ان يرفض المنصب. المجموعة الاوروبية وافقت
على احمد قريع كرئيس محتمل للوزراء، في حين
اصرت اميركا على شروطها بان تكون اوليات
رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد محاربة
الارهاب والسيطرة الضرورية على اجهزة الامن
الفلسطينية، وهذه احد اسباب الخلاف بين
عرفات وعباس. لكن، يمكن القول، ان عقبة
أزيحت من طريق احمد قريع، اذ مع استقالة
حكومة ابو مازن، قال محمد دحلان انه هو
الآخر يستقيل من الحكومة! وكان ابو مازن
وتحت الضغوط الاميركية، اصر على ان يكون
دحلان وزيرا للداخلية في حكومته، غير ان
عرفات والمقربين منه عملوا على التخلص من
عباس ودحلان معا. ويقول محدثي الاميركي: ان
دحلان رجل ذكي وقد يعود ليجد موطئ قدم له في
المستقبل القريب. لقد قال احمد قريع انه لن
يكون قادرا على الحكم من دون عرفات ويريد
وقف اطلاق نار متبادل مع اسرائيل، غير ان
رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون لن
يكون في عجلة من امره لاحياء عملية السلام،
ذلك ان الوضع القائم، اي نهاية خريطة الطريق
واتهام واشنطن للسلطة الفلسطينية بانها
السبب، يناسبه تماما. ولان واشنطن تمنع
اسرائيل من طرد عرفات، فهي لا تضغط على
شارون للاعتراف باحمد قريع او لوقف سياسة
الاغتيالات ضد قادة حماس او نشطائها. ومن
دون وقف هذه السياسة، فان الشخصيات
الفلسطينية التي تعتقد بان مفعول الانتفاضة
انتهى او صار له رد فعل عكسي، وتريد اعطاء
الدبلوماسية فرصة، لن تكون قادرة على
التحرك. لقد هدد شارون بالحرب المفتوحة ضد
حماس، وهذه حرب لن تنتهي، الا، ربما بسقوط
الحكومة الاسرائيلية، لان احمد قريع لن يلجأ
الى المواجهة مع حماس او الجهاد، كما ان
عرفات ما زال يسبق شارون بخطوة، فهو ما زال
قادرا على شد حبال اللعبة الداخلية
الفلسطينية، مع العلم انه بشده لهذه الحبال،
نسف اللعبة الدولية كلها. ولأن المجال الآن
مفتوح على كل الاحتمالات الدموية البشعة،
خصوصا بعد عمليتي تل ابيب والقدس، اول من
امس، فقد اصبح من الضروري جدا ان تفرض تسوية
دولية خارجية على الطرفين، لانها صارت
الوسيلة الوحيدة لانقاذ السلام. وطالما ان
لا شارون ولا عرفات يعترفان بمفهوم «المخرج
اللائق» ويتمسكان بانهما منتخبان من
شعبيهما، فان على العالم التدخل قبل ان
نقول: على الشعبين السلام!