وحدانية السلطة..!!
بقلم
الأستاذ عادل أبو هاشم
مدير تحرير جريدة الحقائق- لندن
مع تصاعد
عمليات الاغتيال التي تـنفذها حكومة العدو الإسرائيلي ضد
المجاهدين والمناضلين الفلسطينيين منذ إعلان الهدنة في 29 يونيو
"حزيران" الماضي، والتي جاءت عملية اغتيال القائد المجاهد الرمز
الشهيد المهندس إسماعيل أبو شنب، وعمليات الاغتيال اليومية لخيرة
أبناء شعبنا المناضل من كوادر الفصائل الوطنية والإسلامية
المقاومة لتمثل ذروة حرب التصفية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني،
ولتؤكد مجددًا على أن العدو الصهيوني ماض في سياسته الإجرامية في
تصفية قادة وكوادر الانتفاضة غير مكترث بما يسمى "وقف إطلاق
النار"، ولا الدعوات إلى التهدئة، أو حتى الهدنة.! بل أن عمليات
الاغتيال تمت في الوقت الذي كان يستعد فيه "أشاوس" الأجهزة
الأمنية الفلسطينية لسحق انتفاضة شعبهم، وتجريد هذا الشعب من آخر
ورقة يقاتل بها، وذلك من خلال ملاحقة واعتقال كوادر الانتفاضة.!
ومع محاولة بعض "أبواق السلطة" الذين ظهروا في الفضائيات ووسائل
الإعلام منتفخي الأوداج يهددون ويعربدون بأنهم لن يسمحوا بـ"حرب
قبائل" مع الإسرائيليين، وأنهم لن يتـنازلوا هذه المرة عن
"وحدانية السلطة"، بعد عملية القدس التي نفذها المجاهد
الاستشهادي البطل رائد عبد الحميد مسك، ومحاولاتهم المضنية
لإلصاق تهمة الإرهاب بمقاومة شعبهم، واعتبارها خارجة عن القانون،
استغل العدو الإسرائيلي تصريحاتهم لتصعيد عمليات الاغتيال
والتصفية ضد كل ما هو فلسطيني.!
وإذا كان مفهومـًا لدينا سلوك مجرم الحرب "شارون" وحكومته
الإرهابية الذي لا يخرج عن دائرة المتوقع من عدو لا يعرف إلا لغة
الإجرام والوحشية والإرهاب، فإن غير المفهوم هو سلوك السلطة
الفلسطينية المتمثل بجملة من القرارات التي تهدف ليس للقضاء على
الانتفاضة المباركة فقط، بل حتى لتركيع هذا الشعب من خلال حملة
التجويع التي تمارس على أيتام وأرامل وثكالى ومعوقي الشعب
الفلسطيني تحت شعار "وحدانية السلطة".!
هذا الشعار المسخ الذي ابتدعه "أزلام ومخاتير السلطة" من رموز
الفساد الذين عادوا من الباب الخلفي للثورة، وليس في رصيدهم سوى
الوجاهة وقربهم من صانعي القرار الفلسطيني، وهدفهم من محاولاتهم
الممجوجة إرضاء الإدارة الأمريكية والعدو الصهيوني.!
فقد أبى بعض المتـنفذين في السلطة إلا أن يضعوا أنفسهم في مربع
واحد مع الاحتلال، وأن يبرهنوا بالدليل الواضح أن قرارتهم
مشبوهة، وإجراءاتهم محاطة بالشك والريبة وأنها لا تأخذ في
اعتبارها الحقوق ولا حتى المشاعر الفلسطينية.!
إن المحاولات اليائسة التي تبذلها بعض "أبواق السلطة" وفي
مقدمتها "كذاب السلطة" في تسويق وترويج إجراءات السلطة والتي كان
آخرها تجميد حسابات الجمعيات الخيرية الإسلامية التي تكفل آلاف
الأيتام والمعاقين والطلبة والأسر الفلسطينية الفقيرة لهي خير
دليل على حالة الضعف التي تمر بها هذه السلطة جراء وجود "طحالب
الفساد" فيها.!
إن أسوأ ما يمكن أن تفعله الضحية هو الاقتداء بسلوك جلادها، ومع
ذلك فقد تمنينا أن تقتدي الضحية الفلسطينية- وهم في هذه الحالة
بعض مسئولي السلطة- بجلادها الإسرائيلي، وكيف استطاع هذا الجلاد
أن يقيم دولته.!
كم كنا نتمنى على هؤلاء المسؤولين المساهمة في القضاء على مظاهر
الرشوة والفساد المستشري في الأجهزة الفلسطينية، وعلى الذين
قايضوا الوطن بثراء الفاسدين والمفسدين، وعلى طحالب الفساد،
والمتسلقين، والانتهازيين، والوصوليين، والمنتفعين الذين احتلوا
مناصب ليسوا أهلاً لها، واعتبروا أنفسهم فوق القانون، وفوق
الضوابط، وفوق المساءلة، والحسابات، والقضاء على تضخم الجهاز
البيروقراطي للسلطة، وازدياد حالات الترهل الإداري، والتضخم
الوظيفي في مؤسسات السلطة، وعجز السلطة عن إقامة المؤسسات
المركزية، وإدارة المؤسسات القائمة إدارة حسنة، واتجار كبار
المسؤولين في السلطة واحتكارهم السلع الأساسية التي تمس قوت كل
مواطن، والقضاء على "المخاتير الجدد" من الشخصيات الفلسطينية
النافذة القريبة من صانعي القرار في السلطة، والتي تعبث بالمال
العام دون رقيب أو حسيب، مستغلين الشركات ذات رأس المال العام
ووضع اليد على أرباحها وجني الملايين من الدولارات، والقضاء على
"أغنياء الحصار" الذين استفادوا من الحصار الذي فرضه العدو
الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، فأخذوا يتاجرون بدماء شعبنا،
ويحظون بدعم العدو الإسرائيلي، ويستغلون مناصبهم لاستغلال حاجة
المواطنين الذين دفعتهم الحاجة لطلب تصريح زيارة للكيان
الإسرائيلي للعلاج في مستشفياتها أو العمل أو بطاقة الإقامة
لتقديم الخدمات مقابل مبالغ مادية.!
بدلا من كل ذلك قامت السلطة بتجميد أرصدة الجمعيات الخيرية التي
تقدم المعونات الشهرية لآلاف الأطفال الأيتام والمعاقين والمرضى
والطلبة المحتاجين تحت شعار "وحدانية السلطة".!
وغاب عن أذهان الذين أصدروا هذا القرار العجيب بأن أحد مقومات
السلطة هو توفير حياة كريمة لأبناء شعبها، لا أن تختـزل الوطن في
سجن كبير يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.!
إن الخطوة التي أقدمت عليها السلطة الفلسطينية بتجميد أرصدة
الجمعيات الخيرية تحت تهديد الضغوط الأمريكية والإسرائيلية تعتبر
خطأ استراتيجيـًا فادحـًا وكبيرًا، رغم محاولة "منظري السلطة"
تسويق هذه الخطوة على أنها "تكتيك" سياسي ذكي، ومناورة سياسية
بارعة، بل أن هذه الخطوة تذكرنا بمنطق مؤتمر ميونيخ عام 1938م،
يوم أقدمت حكومتا بريطانيا وفرنسا على التضحية بتشيكوسلوفاكيا من
أجل تجنب الحرب مع هتلر، عاد يومها رئيس وزراء بريطانيا، "نيفل
تشمبرلين" إلى لندن، وأمام الجماهير الفرحة بالاتفاقية أعلن:
" لقد وقعنا اتفاقية السلم لعصرنا " وفي اليوم التالي وقف ونستون
تشرشل في مجلس العموم وخاطب رئيس الوزراء قائلا:
" لقد كان أمامك الخيار بين الشرف والاستسلام، ولقد اخترت
الاستسلام حتى تتجنب الحرب، ولكنك لن تواجه إلا الحرب".
بعد 9 أشهر من ذلك اجتاحت القوات الألمانية بولندا، وبدأت الحرب
العالمية الثانية.!
وهاهي حكومة شارون الإرهابية تكافئ السلطة مكافأة "مجزية"، حيث
أعلنت حربـًا مفتوحة وشرسة على الشعب الفلسطيني، من قتل يومي
لقادة وكوادر الانتفاضة وتدمير للمنازل على رؤوس ساكنيها وحصار
وصل إلى حد التجويع للمدن والقرى والمخيمات، وتمزيق أوصالها،
ومذابح وحشية راح ضحيتها المئات من المواطنين الفلسطينيين بين
شهيد وجريح وأسير.!
كنا نتمنى من السلطة الفلسطينية أن تقوم بمحاربة العملاء والخونة
الذين استباحوا المحرمات الفلسطينية، وباعوا أنفسهم للشيطان،
وشكلوا الطابور الخامس الذي أحدث ثغرة واسعة في جدار الصمود الذي
شكلته انتفاضة الأقصى.!
فإذا كان مفهومـًا عجز أجهزة السلطة الأمنية عن مقاومة طائرات
الـ (F16) والأباتشي والتصدي لها حينما تغتال المجاهدين
والمناضلين، فإنه ليس مفهومـًا عجزها عن التصدي للطابور الخامس
من جيش العملاء الذي يسرح ويمرح أمام أسماعها وأبصارها دون أن
تحرك ساكنـًا، والتي لا تتم عمليات الاغتيال دون مساعدة منه.!
ينبغي على السلطة الفلسطينية إدراك أن حديث رموزها ومنظريها عقب
كل عملية استشهادية عن "وحدانية السلطة"، وأنها هي المرجعية
السياسية للشعب الفلسطيني، وأنها لا تسمح بتعدد السلطات لهو حديث
لا قيمة له، ولا يسمن ولا يغني من جوع إذا لم تتحرك لحماية الشعب
الفلسطيني وفصائله المقاومة، وإن صمتها بل وتواطؤ بعض أجهزتها
الأمنية في عمليات الاغتيال والتصفية لخيرة أبناء الشعب
الفلسطيني هو الذي سيقوض مكانتها، ويهز هيبتها المزعومة، ويجعلها
في نظر الرأي العام الفلسطيني شريكـًا في جرائم الاحتلال.!
(لا يزال اتهام النائب الأسير حسام خضر للأجهزة الأمنية
الفلسطينية بالتواطؤ في عملية اغتيال شهداء نابلس الأربعة يوسف
السركجي وجاسر سمارو وكريم مفارجة ونسيم أبو الروس في 22 يناير
2002م ماثلا للعيان.!).
لقد أكدنا مرارًا أن الخيار ليس بين إطلاق الزناد وإشعال النار
فورًا، وبين الاستسلام أو التـنظير من أجل السلام والاستسلام،
ولكن الخيار الحقيقي هو أن يقنع الذين ما زالت في يدهم مقاليد
الأمور أن الاستسلام للعدو الصهيوني هو وحده المطروح، وأن الرد
على كل ذلك لا يكون إلا بحسم خيارهم السياسي بالانحياز إلى جانب
شعبهم الفلسطيني الذي اختار الانتفاضة والمقاومة والجهاد
والاستشهاد بديلا عن عمليات التسوية السياسية.
إنه أحد قوانين التاريخ أيضـًا الذي طالما سبق وأكدنا عليه هو:
أنه عندما يقع الاحتلال تسقط الشرعية الرسمية داخل الوطن وتصبح
الشرعية للمقاومة وحدها، ومقاومة الشعب الفلسطيني للمحتل كانت
وستبقى حتى النصر لا تقاس بحجمها الحالي، ولا بظروفها الحالية،
وإنما تقاس بحجمها المستقبلي وقدرتها على الاستمرار.
ومن هنا فإن الذين يقاومون الاحتلال ويرفضونه هم وحدهم المعبرون
عن الشرعية الوطنية.
كذلك ينبغي على السلطة إلغاء القرار الجائر بتجميد حسابات
الجمعيات الخيرية، ومحاسبة الذين أصدروا هذا القرار الضار
بقضيتـنا وشعبنا الصامد الصابر، والبدء بخطوات عملية بملاحقة
جادة للعملاء الذين تـزداد أعدادهم في أوساط المجتمع الفلسطيني،
وتـنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحقهم حتى تكون رادعـًا
لغيرهم، كما لا بد من "تطهير" الأجهزة الأمنية من المشبوهين
والمنحرفين، الذين تـزكم روائح قصصهم الأنوف وباتوا معروفين لدى
القاصي والداني.
فالشعب الفلسطيني صاحب التاريخ الطويل في الجهاد والمقاومة لا
يمكن أن يسلم بالولاء والطاعة لمن يضع نفسه في خدمة الاحتلال
بحجة الحفاظ على سلطة وهمية أو مكتسبات لا أساس لها على أرض
الواقع
|