حسام خضر..
مجدّدا
النائب
الفلسطيني المعتقل.. والسلطة الغائبة
* نبيل شبيب
هل يمكن القبول
بغياب وجود السلطة الرسمية إلى جانب عضو المجلس التشريعي
المعتقل؟
لسبب
ما لا يحظى حسام خضر، المعتقل وهو من أعضاء المجلس التشريعي
الفلسطيني، باهتمام يستحق الذكر من جانب السلطة الفلسطينية
نفسها، ولا تحظى قضية اعتقاله بالمتابعة التي يستحقها ما عُرف
عنه من مواقف وطنية، وأنشطة إنسانية.. هذا علاوة على قابلية
توظيف هذه القضية العادلة في المحافل الدولية، كنموذج على ما
يواجهه الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية من
انتهاكات لمختلف الحقوق والحريات الإنسانية.
خلفيّات لها مغزى
مضى
على اعتقال حسام خضر بتهمة ملفّقة تسعة شهور، قبل أن تبدأ
محاكمته يوم 17/12/2003م أمام محكمة عسكرية إسرائيلية، ثمّ
لتؤجّل بعد جلسة استغرقت خمس ساعات، لمدّة أربعة أشهر كاملة، وهو
ما يعني بقاءه في المعتقل دون إدانة حقيقية ولا صورية شكلية.
ليست
التهمة الموجّهة إلى حسام خضر "تهمة" بالمعنى الحقيقي للكلمة،
فلائحة الاتهام أمام المحكمة الإسرائيلية تقول إنّه يدعم
المقاومة المسلّحة، وهذا يعني واقعيا دعم المقاومة المشروعة
للاحتلال وفق المواثيق الدولية، وعلى وجه التحديد يقول الاتهام
إنّه كان يدعم بالمال كتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لمنظمة
فتح، ممّا يطرح السؤال عن أسباب الغياب الكليّ أو الجزئي
للمنظمةِ التي تحمل السلطةَ على عاتقها، عن طرح قضية اعتقاله على
المستوى المفروض.
لكنّ
القضية لا تكمن في مثل ذلك الدعم المالي المزعوم، فالدعم في هذه
الحالة يشرّف في الأصل من يستطيع تقديمه، إنّما الغرض من توجيه
هذا الاتهام هو طرح قضية الناشط السياسي والإنساني حسام خضر، من
الزاوية التي يسمّونها "أمنية" ويعتبرونها مبرّرا كافيا للتنكيل
بالفلسطينيين، على مستوى الشعب، وعلى مستوى من يعمل من خلال
قنوات السلطة على السواء، وهي محاولة مكشوفة لإنكار الوجه
السياسي للقضية.
النائب الأسير معروف بدفاعه عن الحقوق الفلسطينية ولا سيما حق
العودة، وهو رئيس لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين في
المجلس التشريعي، ويلفت النظر أنّ اعتقاله قبل تسعة شهور كان
أثناء المفاوضات السرية التي أفضت إلى "ورقة جنيف" حيث يعتبر
إسقاط حقّ العودة في مقدمة مسلسل التنازلات الذي تضمّنته. كما
كان حسام خضر الأسير معروفا بمواقفه الجريئة في الدفاع عن حق
المقاومة وضدّ احتلال عام 1967م للأرض الفلسطينية، وبمواقفه
العلنية ضدّ الفساد المستشري في أجهزة السلطة.. وهذه المواقف
السياسية هي التي يُراد أن "تُعتقل" في عصر اتفاقية أوسلو وخارطة
الطريق وورقة جنيف، والتي يراد "محاكمتها" عسكريا ليكون حسام خضر
"نموذجا" لكل من يتبنّى تلك المواقف ويمارس حقّه بصددها علنا،
سيّان هل كان يتمتّع بحق "الحصانة النيابية" بموجب اتفاقات أوسلو
أم لا، بعد أن تحوّلت نتائج تلك الاتفاقية إلى سيف مسلّط على
رقاب الفلسطينيين، إسرائيليا، وعربيا، ودوليا، وبات ثقلها عليهم
يزداد يوما بعد يوم، ليس في أرض الانتفاضة وعلى صعيد ضحاياها
فقط، وإنّما في "الساحة السياسية" أيضا.
شاهد الادعاء.. يتّهم الادّعاء
منذ
اعتقال حسام خضر كان يتردّد في الأوساط الفلسطينية أنّ بعض
الجهات المسؤولة في السلطة كانت راضية عن هذا الاعتقال بل قد
تكون متواطئة على تنفيذه، ويشير إلى ذلك بعض ما تسرّب من وقائع
جلسة المرافعات الأولى، كما يلفت النظر أنّ السلطة الفلسطينية
–وحسام خضر عضو في مجلسها التشريعي- لم تعلن احتجاجا يستحقّ
الذكر ضدّ منع السلطات الإسرائيلية وسائل الإعلام من متابعة جلسة
المحاكمة يوم 17/12/2003م، وهو ما يتناقض حتى مع القوانين
الإسرائيلية "الجائرة".. وبات الإعلان عمّا دار فيها، مقتصرا على
مصادر الناشطين الفلسطينيين من داخل ما يُسمّى الخطّ الأخضر،
كبعض أعضاء الكنيست "العرب" وأحزابهم ومنظماتهم، ممّا جعل
المحكمة نفسها أشبه بالمعتقل الذي وُضع فيه حسام خضر، فلم يبق
بينه وبين العالم الخارجي من إمكانية اتصال إلا القليل الذي
يتحقق عن طريق المحامين.. داخل نطاق قيود ثقيلة وبحذر ذاتي شديد.
كانت
المفاجأة الأولى –ولا يبدو أنّها ستكون الأخيرة- في تلك الجلسة،
لمنّ لفّقوا لائحة الاتهام على الاقل، وحبكوا لها ما حبكوه من
"أقوال الشهود" أنّ أحد الشهود الرئيسيين باسم النيابة العامّة
الإسرائيلية، كسر حاجز الخوف الذي تصنعه وسائل التعذيب، فأعلن في
المحكمة سحب اعترافه، قائلا إنّه أُملي عليه من جانب المخابرات
الإسرائيلية تحت التعذيب، بعد اعتقاله جريحا، فكان عليه أن يدلي
بأقوال مختلقة عن حسام خضر.
يبدو
أنّ هذا الموقف الذي أفقد الادّعاء العام إحدى أوراقه الرئيسية
هو الذي جعل المحكمة العسكرية تحدّد للجلسة التالية موعدا بعيدا،
وهو 15/3/2004م، دون أن تواري أنّ الغرض من ذلك هو "متابعة
استجواب شاهد النيابة". ولو كانت المحكمة محكمة معتبرة بمعنى
الكلمة، لكان من المفروض بها أنّ تطلق سراح حسام خضر، فالموقف
المذكور لا يعني مجرّد سحب اعتراف، وإنّما ضياع البقية الباقية
من مصداقية الادّعاء الإسرائيلي، بغض النظر عن هشاشة اتهاماته من
الأصل. وإلاّ فما الذي يعنيه تحوّل شاهد النيابة إلى شاهد عليها
وعلى وسائل التعذيب المتّبعة ضدّ الفلسطينيين في السجون
والمعتقلات؟..
ويبقى السؤال: من يدافع عن حسام خضر؟.. هل يمكن القبول بغياب
وجود "لجنة رسمية" من جانب السلطة الرسمية تقف إلى جانب "عضو
المجلس التشريعي المعتقل"؟ ألا يظهر للعيان المغزى الحقيقي من
وراء أن تكون الجهة الرئيسية التي تقف مع حسام خضر حاليا.. هي
"اللجنة الشعبية للتضامن مع النائب حسام خضر والأسرى
الفلسطينيين".. أي جهة تنبثق من الشعب الفلسطيني الصامد المقاوم،
بغضّ النظر عن موقف سلطته؟..
* كاتب وصحفي عربي مقيم في ألمانيا. |