في الذكرى الخامسة والخمسين
لصدور القرار 194
للذكرى … والتاريخ …
عدنان السمان
بعد موافقتهم على قرار التقسيم ( والذي يحمل الرقم 181 )
الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29/11/1947 راح
اليهود في فلسطين يعدون العدة لاقامة دولتهم، وقد تم لهم ذلك في
15/5/1948 حيث أقاموا تلك الدولة على قرابة 80%من ارض فلسطين
بدلا من 47و56% بحسب نص قرار التقسيم في حينه …
ومن الجدير بالذكر أن هذه الدولة _ وبحسب نص القرار نفسه
_ يملك العرب فيها رسميا ( 6و3 ) مليون دونم بينما يملك اليهود
4و1 مليون دونم … وتشمل هذه المنطقة التي خصصها ذلك القرار
للدولة اليهودية على (273 ) مدينة وقرية عربية يقيم فيها (460 )
ألف عربي … وفي حرب 1967 تمت لهم السيطرة على ما كان قد تبقى من
ارض فلسطين (وهو ما اصطلح على تسميته آنذاك الضفة الغربية وقطاع
غزة ) مضافا إليه مساحات شاسعة من ارض العرب .
أما اللاجئون الفلسطينيون الذين هجروا من ديارهم عام 48 ،
والبالغ عددهم في حينه 800000 مواطن فقد اصبحوا اليوم خمسة
ملايين إذا أضفنا اليم أولئك الذين اصطلح على تسميتهم بالنازحين،
وهم الذين برزت قضيتهم في أعقاب حرب 1967… واقل من هذا الرقم
قليلا إذا استثنينا النازحين… وعن هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين
المشمولين بالقرار (194) يدور الحديث في هذا المقال الموجز (الذي
اجتزأت جانبا منه من بحث مخطوط شامل مفتوح عكفت على إعداده منذ
مدة طويلة )والذي أضعه بين يدي الأجيال … فقط للذكرى … وللتاريخ
!!
ففي الحادي عشر من كانون الأول عام ثمانية و أربعين صدر
القرار (194) عن الجمعية العامة للأمم المتحدة "الدورة الثالثة"
… وقد نص البند الثاني من هذا القرار على : وجوب السماح بالعودة
وفي اقرب وقت ممكن للاجئين الفلسطينيين الراغبين في العودة إلى
ديارهم، والعيش بسلام مع جيرانهم … ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات
الذين لا يرغبون في العودة منهم، وعن كل مفقود أو مصاب بضرر…
عندها يكون من الواجب وفقا لمبادئ القانون والإنصاف أن تعوض
الحكومات أو السلطات المسئولة عن ذلك الفقدان أو الضرر …
ولعل من الضروري أن يعلم الناس جميعا أن أحد شروط قبول
"إسرائيل" في عضوية هيئة الأمم المتحدة تنفيذها للقرار (194)
والقرار (181) الصادر في 29/11/47 حيث جاء في القرار الذي يحمل
الرقم (273)والصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في
11/5/1949 اخذين بعين الاعتبار قبول إسرائيل بالالتزامات الناجمة
عن ميثاق الأمم المتحدة، وبناء على القرارين الصادرين في
29/11/47 وفي 11/12/48، ونظرا للبيانات والتفسيرات التي قدمها
مندوب حكومة إسرائيل في اللجنة السياسية بشأن تنفيذ القرارين
المذكورين فقد قررنا في الجمعية العامة قبول إسرائيل في عضوية
هيئة الأمم المتحدة …
ومنذ تلك الأيام وحتى يومنا هذا لم تنفذ الحكومات
الإسرائيلية المتعاقبة شيئا مما نصت عليه القرارات الدولية بشأن
القضية الفلسطينية واللاجئين الفلسطينيين بل على العكس من ذلك
تماما فقد حرصت تلك الحكومات على تصفية هذه القضية بشكل منهجي
مدروس، وتحقيق المكاسب للدولة العبرية والحركة الصهيونية في كل
يوم، بل في كل ساعة محليا وإقليميا وعربيا وشرق أوسطيا ودوليا …
ولعل من الضروري أيضا أن يعلم الناس جميعا أن سائر القرارات التي
اتخذها المجتمع الدولي بشأن فلسطين والفلسطينيين لم تنكر حق هذا
الشعب في وطنه، بل على العكس تماما من ذلك فقد أكدت تلك القرارات
على الحق العربي الصراح في فلسطين … وعلى حق العودة غير لمنازع
للمهجرين الفلسطينيين إلى ديارهم .
فالدورة الخامسة والعشرون للجمعية العامة اقر بأن للشعب
الفلسطيني كامل الحق في الحقوق المتساوية، وتقرير المصير … و
أقرت أيضا بأن الاحترام التام لحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة
المشروعة يشكل عنصرا ضروريا لاحلال السلام العادل في هذه المنطقة
!! وفي الفترة الزمنية الواقعة بين العامين 1948 / 1966 عرضت
قضية اللاجئين الفلسطينيين على جدول أعمال الأمم المتحدة ولجانها
خمسا وثلاثين مرة فقط !! وكانت في كل مرة تؤكد على الحق المطلق
لهؤلاء اللاجئين في العودة إلى ديارهم، كما كانت تؤكد باستمرار
على أن السلام في الشرق الأوسط لن يتحقق بدون هذه العودة !!
ولعل من الضروري جدا أن يعلم الناس أيضا آن السنوات
الأربعين الماضية لم تختلف عن تلك السنوات التي سبقتها فقد اتخذت
فيها المنظمة الدولية بشقيها عشرات القرارات التي وقفت بوضوح الى
جانب الحق العربي في فلسطين .. باستثناء عدد من القرارات الصادرة
عن مجلس الأمن، والتي استعمل فيها المندوب الأمريكي حق النقض
(الفيتو) استخفافا بالأنظمة العربية، وانحيازا للجانب
الإسرائيلي، وإمعانا في معاداة الشعب العربي في فلسطين، وفي سائر
الأقطار العربية …
وقد يكون من المفيد أيضا آن يشار إلى أن اليهود، ومنذ
نشوء القضية الفسطينية، هم الذين كانوا ولا يزالون يرفضون
الاعتراف الفعلي بأي حق مهما كان ضئيلا للعرب في فلسطين … فهم
الذين خططوا منذ مئة عام للسيطرة على هذه الديار … وهم الذين
نفذوا القرار (181) ولكن بطريقتهم .. إذ حصلوا على اكثر مما
اعطاهم، وحرموا غيرهم من إقامة دولتهم على الجزء الذي حدده ذلك
القرار … ولقد سجل التاريخ أن العرب هم الذين رفضوا قرار التقسيم
! وانهم الذين يرفضون حل هذه القضية .
كما تنكر اليهود في حينه للقرار (194) رافضين السماح لأي
لاجيء بالعودة … ولعل قضية مواطني افرت وبرغم اكبر دليل على ذلك،
حيث يرفض اليهود عودتهم إلى قريتهم رغم انهم يعيشون حولهما،
ويدفنون موتاهم في مقبرتهما … ورغم صدور قرار محكمة يهودية بعودة
أولئك المهجرين إلى قريتهم منذ خمسين عاما .. وعلى الرغم من أن
بيوت القريتين ما زالت على حالها تنتظر عودة أصحابها الذين نراهم
ويرونها رأي العين منذ أن اخرجوا منها بقوة السلاح وحتى يومنا
هذا !!إن كل ما يجب أن يفعلوه يوميا هو الحصول على مكاسب جديدة …
والحاق مزيد من الدمار بالعرب الفلسطينيين…وتشريدهم من كافة
حقوقهم في هذه الديار … وتضييق الخناق عليهم يوميا…الى الحد الذي
أحالوا حياتهم فيه جحيما لا يطاق.. والبقية تأتي ..بلغة الصحافة
والصحافيين!!
يقول"أمنون كابيليوك" في مجلة الدراسات الفلسطينية في هذا
السياق:ان منظمة الأرغون بزعامة مناحيم بيغن، وعصابة شتيرن كانتا
تثيران الحرب من أجل هزيمة الفلسطينيين وطردهم من وطنهم..وان
معظم الفلسطينيين لم يشاركوا في الحرب بحسب ما أوضحه ديفد بن
غوريون في كتابه لموشي شاريت رئيس القسم السياسي في الوكالة
اليهودية..والمتضمن بأن وصية بن غوريون لجيشه كانت :"عليكم أن
تضربوا بقوة، وبهدف تحطيم المدن العربية ، أو طرد سكانها
منها..حتى يتمكن شعبنا القادم أن يحل محلهم" . وما أشبه اليوم
بالبارحة!!!مع فارق بسيط هو أن شعبنا الذي يتعرض في هذه الأيام
لحرب ابادة حقيقية هو المتهم تارة بالعنف، وطورا بالإرهاب في حين
يحظى المعتدون بالمؤازرة والتأييد ، وربما بالتعاطف من هذا النفر
أو تلك الفئة!!
ولا بد لاستكمال معالم صورة هذه الأحداث التاريخية من
الاشارة السريعة الى تلك الزيارات التي قام بها "همرشولد" الى
المنطقة في العام 1959 لمتابعة ايجاد حل لمشكلة اللاجئين حيث
تبين له أن اسرائيل ترفض تطبيق قرار التقسيم رقم "181"،
والقرار"194" الخاص بعودة اللاجئين…فاقترح"همرشولد"أن يتم توسيع
برنامج التأهيل للاجئين من خلال وكالة الغوث..والعمل على توطين
اللاجئين في العالم العربي!!
واخيرا لا بد من الاشارة الى قضية اللاجئين بعد مؤتمر مدريد حيث
أقر مؤتمر موسكو المنعقد في العام 1991 بعد هذا المؤتمر تشكيل
خمس لجان في اطار المفاوضات متعددة الأطراف ،ومن ضمنها لجنة شؤون
اللاجئين حيث اجتمعت هذه اللجنة مرتين في اوتاوا عام ، ومرة في
اوسلو عام 1993 ،ورابعة في تونس عام 1993..وكانت الخامسة في
تركيا عام 1994.
لقد أكد مندوب المجموعة الاوروبية في اوتاوا على ضرورة عدم
نسيان الأهداف السياسية التي يجب تحقيقها..حيث أن مشكلة اللاجئين
هي سياسية في جوهرها..ويجب أن لا يتم بحثها في فراغ سياسي لكي
نتمكن من تحقيق سلام عالمي، وذلك بالاحترام الكامل للقوانين
الدولية التي تضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
كما طالب ممثل الوفد الفلسطيني في اجتماعات اوتاوا بتطبيق
القرار(194) … وفي اجتماعات اوسلو طالب بتطبيق القرارين (194) و
(181) ..بمعنى أن ممثل الوفد الفلسطيني طالب بعودة اللاجئين ،
وقيام الدولة العربية في فلسطين بموجب قرار التقسيم الصادر في
29/11/1947 (بحسب تقرير وزارة الاعلام الفلسطينية/المكتب الصحفي
المنشور بتاريخ25/3/1996) .
ولعل الأمانة العلمية تقضي _ ونحن نعيش اليوم ذكرى صدور القرار
194 _ أن يشار الى شيء مما جاء في رسالة عضو المجلس التشريعي
رئيس لجنة الدفاع عن المخيمات الفلسطينية حسام خضر المعتقل منذ
تسعة أشهر ..هذه الرسالة التي وجهها في هذه المناسبة حيث يؤكد
النائب خضر على أن قضية اللاجئين الفلسطينيين هي قضية الأرض
والانسان الفلسطيني ..لأنها باختصار تعني ثلاثة أرباع الشعب
الفلسطيني، وأربعة أخماس الأرض الفلسطينية..وهي تخص الشعب العربي
الفلسطيني لأنها أساس صراعه مع الاحتلال الإسرائيلي… وبدون إيجاد
حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين لن يكون هناك أمن أو سلام
أو مصالحة تاريخية في هذه المنطقة، لأن أي تجمع فلسطيني من
تجمعات اللاجئين الفلسطينيين سوف يعمد الى تشكيل حزب سياسي وطني
يتبنى الكفاح المسلح، ويستمر في النضال من أجل حق عودة الفلسطيني
الى أرضه ووطنه.
ومن
هنا فان كل الدعوات الفلسطينية التي تصدر من هنا أو هناك لا تعبر
عن طموح الشعب من جهة، ولا تعبر عن واقعية انهاء الصراع من جهة
أخرى… وعليه فان على حكومات إسرائيل وصناع قرارها السياسي أن
يدركوا حقيقة أن لا أمن ولا سلام في هذه المنطقة على حساب قضية
اللاجئين…وأن المشكلة هي في عقيدة الحركة الصهيونية، والتي تعني
هنا عودة أرض فلسطين..وهذا الأمر ممكن إذا نحن عرفنا أن 80% من
الإسرائيليين يسكنون في أقل من 30%من أرض فلسطين..أي أن في
البلاد متسعا لاستيعاب المهجرين بموجب القرار 194.
إن
المواطن العادي في هذه الديار قد كره هذا النهج القائم على تقديم
تنازلات جديدة في كل يوم..وهو يريد حقه كاملا غير منقوص في
وطنه..ويريد عودة كريمة إلى أرضه..وهو يؤمن بالسلام العادل
المقنع المشرف الذي لا يؤسس لصراع جديد لا يعلم أحد مدى آثاره
المدمرة…انه يريد السلام الذي يصنع الحياة والمحبة والتقدم،
ويبني جسور الثقة بين كل الناس في هذه المنطقة من العالم…فهل هذا
كثير؟؟ |