الأسرى الفلسطينيون: منسيون ام محفورون في القلب والذاكرة؟!
تماماً مثلما انه «لا فضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى»، فانه
«لا فضل لاسير/مناضل على اسير/مناضل الا بالموقف النضالي»!
وتماما مثلما «ان الناس سواسية كأسنان المشط»، فكذلك المناضلون
وكذلك الاسرى! وعلى اساس هذا القياس العادل، ووفق هذه «المسطرة»
الدقيقة، فلا فرق بين اسير/مناضل/مطارد فتحاوي على آخر حمساوي او
جبهاوي او غير ذلك، وفي السياق ذاته، فلا فرق بين اسير مناضل
قائد او كادر او عضو عادي مكافح! وايضا لا فرق بين اسير منتظم في
فصيل او حركة او حزب، او اسير مستقل غير منتظم سوى في اطار خدمة
وطنه ويعمل من اجله على نحو مباشر بدون اي «جسر» تنظيمي، ولا فرق
بين اسيرة او اسير، صبي او صبية، يافع او يافعة، شاب او شابة،
رجل او امرأة، كهلة او كهل! وهذه «القواعد» نسوقها ونحن بصدد
الحديث عن اصدقاء/رفاق ممن «وقعوا» في الاسر ونعرفهم على نحو
شخصي، دون ان نقدمهم-لا سمح الله-على من لا نعرف شخصياً من
الاسرى الفلسطينيين، وبهذا المعنى، يجب ان نكتب عن الاسرى جميعا،
ذلك انهم، كلهم، سواسية وهم ايضا-نعرفهم او لا نعرفهم -يسكنون في
اعماق القلب منا، نغمرهم على الدوام-بالمحبة والاعتزاز
والاحترام.
اكتب اليوم عن عبد الرحيم ملوح، عضو اللجنة التنفيذية «المرجعية
السياسية» لمنظمة التحرير الفلسطينية وعضو المكتب السياسي للجبهة
الشعبية لتحرير فلسطين، والصداقة مع «ابو ملوح» تعود الى
البدايات، واذ اتوغل في الزمن، تصل الذكريات الى القرن الماضي
وتحديدا الى آب عام 1967! يومها، كان الزمن غير هذا الزمن! وكان
الرجال غير رجال هذه الايام!! يومها، كان العطاء المطلق هو سيد
الموقف! لا الجاه، ولا المال، ولا الموقع، ولا الامتيازات ولا
الاضواء كانت منشودة، مثلما هي اليوم مستهدفة لتخدم كنوع من
«الغطاء» لما يزال البعض يسميه كفاحه او نضاله او مقاومته!! وعبر
عبد الرحيم ملوح، بل على نحو مباشر، نزجي التحيات الى اسير بارز
آخر هو الاخ احمد سعدات، وكل اسرى الجبهة الشعبية، وكل اسرى جميع
الحركات والفصائل والجبهات والاحزاب....والمستقلين.
ثم اكتب، ايضا، على نحو متزامن عن المناضل حسام خضر، عضو المجلس
التشريعي الفلسطيني المنتخب، وعضو المجلس الثوري في حركة التحرير
الوطني الفلسطيني-«فتح»، ورئيس لجنة الدفاع عن اللاجئين
الفلسطينيين، الابن البار لمخيم بلاطة، اكتب عنه بعد مضي عام على
اسره، وحقا، لا اعرف لماذا اشعر ان «حسام» منسي اكثر من غيره! هل
لانه حاد الموقف واللسان والنبرة؟! هل لانه حسام مسلط على رؤوس
من يقامرون او «يناضلون» من اجل اسقاط او الغاء شطب او بيع «حق
العودة» المقدس للاجئين الفلسطينيين، احيانا بدون ثمن واحيانا
اخرى بثمن بخس؟ وشخصيا، لا اصدق مثلما لا احب ان اصدق ايا من
الاشاعات والتقولات الاستخباراتية الاسرائيلية التي ارادت ايقاع
الفتنة عبر اكاذيب ساقتها عن ان مسؤول الامن الفلسطيني فلان،
ورجل السياسة الفلسطيني علان قد «وشوا» به او «زودوا» المحقق
الاسرائيلي بمعلومات، او حتى بأكاذيب، عنه بحيث يتم «اثبات»
التهمة عليه!!
ومن سوء حظ الاستخبارات الاسرائيلية انني اعرف شخصيا بعضا من
وردت اسماؤهم من رفاق «حسام» في هذا السياق، واعلم-علم
اليقين-بأنهم ابرياء براءة الذئب من دم يوسف!! وعبر حسام خضر، بل
على نحو مباشر، نزجي التحيات الى اسير بارز آخر هو الاخ مروان
البرغوثي «الذي كتبت عنه سابقا» لنزجي التحيات كذلك الى كل اسرى
حركة فتح، وكل اسرى جميع الحركات والفصائل والجبهات
والاحزاب....والمستقلين!
ثم اكتب ايضا، على نحو متزامن كذلك، عن المناضل الشيخ حسين يوسف،
القيادي في الجناح السياسي لحركة المقاومة الاسلامية-حماس، اكتب
عن اخلاقه الثورية، عن سماحته، عن دماثته، عن هدوئه، عن بلاغته،
عن صبره على النقد، عن تعامله مع الرأي الاخر بحضاريته الحوارية
المتقدمة.
وكم هي المرات التي تعاضدت فيها ساعدي وتعانقت فيها يداي مع ساعد
او يد كل من مروان البرغوثي، وعبد الرحيم ملوح والشيخ حسن
«وغيرهم كثيرون» في ظهيرة ايام الجمع التي كنا نتقدم فيها «مسيرة
الجمعة» في مدينة رام الله ابان الانتفاضة الراهنة.
وما اجمله من واقع، وما اروعه من حال، حين كانت تتعانق الشعارات
والهتافات المكرسة للوحدة الوطنية والداعية الى تغليب التناقض
الرئيس مع الاحتلال الاسرائيلي على كل التعارضات والتباينات
الحركية والفصائلية.
وفي الحالات النادرة، حين كان يشتط الامر او يختلط على احد
الهاتفين او احد حملة الشعارات، كنت ترى فقط نظرة او ايماءة من
مسؤول التنظيم الذي صدر عن احد متحمسيه الشطط ليعود الحال
الفلسطيني الى تناغمه المحبب، وعبر الشيخ حسن يوسف، بل على نحو
مباشر، نزجي التحيات الى كل اسرى حركة حماس وحركة الجهاد
الاسلامي، وكل اسرى جميع الحركات والفصائل والجبهات
والاحزاب...والمستقلين.
هل هؤلاء الاسرى البارزون الذين ذكرتهم، وغيرهم من البارزين
الاخرين، وخلافهم من آلاف الابطال المجهولين-حقا-منسيون؟! لا اظن
ذلك، وان كنت في الوقت ذاته اظن ذلك «وليس كل الظن اثم»!!! هم
غير منسيين لان القيادة الفلسطينية، ولان عددا من المسؤولين
الفلسطينيين «وعلى رأسهم الاخ هشام عبد الرازق-الاسير السابق،
وزير شؤون الاسرى الحالي» ولان اهاليهم، ولان قوى وهيئات من
المجتمع المدني، الفلسطيني والعربي على حد سواء، فعلوا «ولا
يزالون» ما يتوجب فعله تجاه جميع هؤلاء الاسرى.
وفي هذا الصدد الاخير لابد من التنويه بالجهد الاستثنائي الذي
يلعبه عربيا، حقوقيا، الاخ د. علي الكواري عبر مؤسسة «هيئة
الدفاع عن الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين» التي يساعده ويدعمه
فيها كوكبة من العاملين العرب على رأسهم د. خير الدين حسيب،
وكوكبة من الفلسطينيين تحديداً وعلى رأسهم اخونا «شيخ الشباب»
الاستاذ رفعت النمر.
فلقد قدم هؤلاء جميعا مختلف انواع الدعم والمساعدات المالية وغير
المالية، سواء على صعيد التواصل مع الاسرى والمعتقلين مباشرة او
عبر محامين، او منظمات دولية مثل جمعية الصليب الاحمر وجمعية
الهلال الاحمر، كما قام جميع هؤلاء بتقديم دعم سياسي/معنوي عبر
«يوم الاسير»، والتظاهرات، واعمال التضامن الاخرى، وكل هذا جهد
مشكور.
غير ان كل ما فعلناه في الماضي، وما نفعله اليوم، وما سنفعله
غداً، لا يفي الاسرى والمعتقلين حقوقهم، هم، وعوائلهم، وذووهم،
امانات في اعناقنا، ذلك انهم وهم يتحدون المحتل الاسرائيلي كلاً
من عرينه، لهم علينا حق ان نوفر لهم فرصة «التفرغ» لمقارعة
السجان الاسرائيلي، لا تأكلهم، وبالتالي تشلهم، الهواجس ومشاعر
القلق تجاه عائلاتهم وذويهم.
انهم افضل من فينا بعد الشهداء....والمعاقين، ولذلك يستحقون منا
افضل ما فينا!! فهل نتبارى في تقديم الافضل....للافضل؟
|