الإحتلال واحد .. في العـراق وفلسـطين
*بقلم/
عبدالناصر
عوني فروانة
aferwana@gawab.com
الاثنين 17 أيار 2004
عندما نتحدث عن الإحتلال نجد أمامنا عشرات العناوين ، وكل عنوان
يحتاج لدراسات ومجلدات ... والتاريخ عرف نماذج وتجارب عدة
للإحتلال ، وفي جميع
الحالات لم يكن إحتلالاً ديمقراطياً أو إنسانياً ، بل على العكس
تماماً كان
إحتلالاً إرهابياً قمعياً لا إنسانياً ولا أخلاقياً ، يستخدم
دوماً وسائل وأساليب
دموية ولا إنسانية ضد المحتَلين دون مراعاة لجنسهم أو أعمارهم أو
دينهم فالكل
سواسية أمام شواخصه ، والهدف واحد هو إذلالهم وتركيعهم وإخضاعهم
لأوامره وسلطته
والإستيلاء على أرضهم ونهب خيراتهم ، فيلجأ الى استخدام أية
وسيلة يرى بأنها قد
تخدم
غاياته... فبقوة السلاح والعنجهية ينتهك حقوق الإنسان وبانحطاط
الأخلاق
والمبادىء يدوس على كافة الإتفاقيات والمواثيق الدولية ، وبالصمت
الدولي والتخاذل
العربي الرسمي يغير المصطلحات فتصبح المقاومة المشروعة " إرهاباً
" ! وحرية الكلمة
هي
حرية القتل ! والجرائم التي ينفذها على مدار الساعة هي دفاعٌ عن
النفس ! وقتل
الأطفال هو تجنبٌ لخطرٍ قادمٍ في المستقبل ! والسجون والإعتقالات
هدفها قمع "
الإرهاب " ! ويشّرع التعذيب المحرم دولياً قانوناً في السجون
الإسرائيلية وينفذ
بأوامر عليا في السجون الأمريكية ! ... ولم يبقى شيء في فلسطين
أو في العراق الشقيق
إلاّ
وأن ذاق مرارة الإحتلال وشرب من كأس إجرامه البشع ، فلم يسلم
البشر و الشجر
ولا
حتى الحجر ، وحتى البيوت فوق ساكنيها دمرت وسويت بالأرض وكأنها
لم تكن !
واقتلعت الأشجار من الجذور ! وقتلت الأجنة في البطون ! ومات
الأسرى في السجون ! ...
،
فالعقلية الإحتلالية هي واحدة من حيث الجوهر ولا تفرق بين هذا
وذاك فهي تهدف الى
قتل
كل من يمتلك ذرة من الكرامة ويدافع عن كرامته وشرف بلاده
وخيراتها ومقدساتها
بغض
النظر عن الأداة التي يتسلح بها بالريشة أو بالقلم ، بالكلمة أو
البندقية .
فأية
لوحة سوداء في العالم أكثر سواداً من لوحة الإحتلال ؟؟ وأي
إرهابٍ وإجرامٍ في العالم أكثر من إرهاب وإجرام الإحتلال ؟؟ وأي
إنحطاطٍ أخلاقيٍ
وإنسانيٍ في التاريخ أكثر من هذا الإنحطاط ؟؟ ...
ولكن
يبدو أن العالم صمٌ بكم ٌ وكأنه يعيش في كوكبٍ آخر ! ... فالصمت
والتخاذل وغياب الرادع الحقيقي هو ما يدفع الإحتلال للإستمرار
والتصعيد في إمعانه
في
انتهاكاته وممارساته وعنجهيته .
هذا
هو فهمنا للإحتلال وهذه هي تجربتنا المريرة عبر عقودٍ من الزمن
معه
، وهكذا علمتنا تجارب الشعوب أيضاً ، كما لم يسبق للتاريخ البشري
أن سجل تجربة
مغايرة لذلك ، فالإحتلال هو واحدٌ من حيث الإسم والجوهر
والممارسة ، وبالتالي لا
فرق
بين إحتلالٍ وآخر ،... لهذا لم أتفاجئ من الصور والمشاهد التي
نشرت حول تعذيب
الأسرى العراقيين على أيدي جنود الإحتلال الانجلوأمريكي ، فإنني
توقعت ذلك ، وأتوقع
أن
يكون قد حدث ويحدث أفظع من ذلك في سجن أبو غريب وفي سجون
ومعسكرات أخرى مثل
معسكر كروبر الواقع بالقرب من مطار بغداد ، ونحن على يقين بأن
سجون الإحتلال
ومعتقلاته ليست فنادق للنزهة بل هي غرف للموت البطئ ، والمحقق هو
وحش وعدو و ليس
بصديق ، وقد تكشف المراحل القادمة ما هو أخطر وأبشع بكثير مما
رأيناه وسمعناه من
جرائم ارتكبت بحق الأطفال والنساء والشيوخ في سجن أبو غريب وفي
سجون الإحتلال
الأخرى وفي مناطق عدة بالعراق المحتل ... وأين المفاجأة في ذلك
بالنسبة لمن هم على
دراية ومعرفة بنماذج الإحتلال وسيرته السوداء الإجرامية ...
لكنني وكغيري ذُهلت من
نشر
الصور وبشاعتها وقذارة وبجاحة جنود الإحتلال وهم يتلذذون بتعرية
الأسرى
وعذاباتهم وصعقهم بالكهرباء ويبتسمون ويضحكون لإلتقاط الصور
التذكارية ويلوحون
بعلامة النصر وكأنهم يمارسون عملاً بطولياً ، وذُهلت أكثر من
الصمت العربي الرسمي
الجبان .
هذا
هو الوجه الحقيقي للإحتلال وإرهابه وهذه هي الديمقراطية
والإنسانية الأمريكية لمن خدع بها والتي بشر بوش الشعب العراقي
بها عندما غزت قواته
بلادهم وإحتلتها !! وهؤلاء هم الأمريكان الذين يدّعون
كالإسرائيليين بأنهم الأكثر
إنسانيةً وإحتراماً لحقوق الإنسان وديمقراطيةً في العالم في
صحراء عربية قاحلة من
المفاهيم والثقافة الإنسانية والديمقراطية !.
و
بعدها يطل علينا رؤسائهم ويدافعون عن من مارسوا التعذيب من خلال
الإعتذار ، والتخفيف من حدته ووصفه بأنه إساءة لمعاملة الأسرى من
قبل عدد محدود من
الجنود لا يمثلون الأمريكان وأنهم سيقدمون للمحاكمة ، وكأن الأمر
اقتصر على خمسة أو
حتى
عشرة جنود ، وحتى هؤلاء قالوا أنهم تلقوا الأوامر من قيادتهم
العسكرية العليا
بأن
يجعلوا حياة الأسرى في سجن أبو غريب جحيم ، وقد اعترفت المجندة "
ليندا انغلاند
"
التي
ظهرت في لقطة مصورة وهي تجر سجيناً عراقياً من رباط في عنقه
لشبكة
" CBS "
بأن
ضباطاً ذوي رتب عالية أمروها هي وزملاءها بذلك العمل المشين
وقالوا لهم " إن
انتهاك حقوق العراقيين وإذلالهم يؤتي ثماره " ، ووزير الدفاع
الأمريكي كان على علم
بما
كان يجري من تعذيب ومن ثم يستفز مشاعرنا بإشادته بالسجانين خلال
زيارته لمعتقل
أبو
غريب بعد فضيحة الصور ، وقبل أيام قلائل كشفت اسبوعية " نيويوركر
" الأمريكية
بأن
أعمال التعذيب التي ارتكبها عسكريون اميركيون بحق معتقلين
عراقيين كانت نتيجة
قرار
أقره وزير الدفاع عام 2003م ، وأضاف محرر المقال الصحفي سيمور
هيرش بأن
الجنرال جوفري ميلر قائد معتقل غوانتانامو توجه الى بغداد في
أغسطس 2003م وان هذا
الضابط أوصى بتطبيق نظام غوانتانامو على السجون العراقية ، وهذا
ما يؤكد بأن ممارسة
التعذيب لم يكن عملاً فردياً بل سياسة ممنهجة ومتصلة الحلقات من
الرئيس وحتى الجندي
...
فهناك القادة العسكريون يعلمون ويوجهون ويزكون ويحرضون على
ممارسة مثل هكذا
أساليب ، ولدينا الإحتلال الإسرائيلي يشرع التعذيب قانوناً بحجة
ملاحقة " الإرهاب "
....
فأي
إرهابٍ في العالم أبشع وأكثر من إرهاب الإحتلال .
ولحسن حظ إخواننا الأسرى العراقيين بأن صور تعذيبهم تسربت خارج
السجن
ونشرت على الملأ واستشاط العالم غضباً ، ووجد نفسه مضطراً
للإستنكار والإدانه على
الرغم بأن اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة العفو الدولية
وغيرها من المؤسسات
الإنسانية كانت قد حذرت مراراً من ذلك وقدمت العديد من الشكاوى
للإدارتين الأمريكية
والبريطانية ولكن لا حياة لمن تنادي ، وحتى المجتمع الدولي غير
مبالي ، ولكنه اليوم
وجد
نفسه كما قلت مضطراً للإستنكار ، ولو لم تنشر صوراً لما حدثت
الضجة ولما سمعنا
صيحات الإستهجان والإدانة الخجولة !! أما نحن فليس لدينا من يصور
وينشر وبالتالي لم
نجد
من يدين ويستنكر على الرغم أن ما يجري في سجون الإحتلال بالعراق
من تعذيب يجري
وعلى
مدار الساعة منذ عقود من الزمن في " مسالخ " السجون والمعتقلات
الإسرائيلية ،
وتوفى على أثر ذلك المئات من الأسرى ، و التعذيب يتم بشكل ممنهج
ومميت ويتم في
أماكن معزولة وتستخدم أساليب دموية وقمعية ومنها التعري والتحرش
الجنسي والإغتصاب
والقتل والدوس بالأقدام على الرأس والرقبة ... إلخ من أشكال
التعذيب والتي وصلت إلى
حوالي 76 شكلاً ، وفي غرف السجون وخيام المعتقلات والتي تفتقر
لمقومات الحياة
البشرية يتم الإعتداء على الأسرى بالضرب المبرح وبقنابل الغاز
المسيل للدموع
والرصاص المطاطي والحي أيضاً والإهمال الطبي المتعمد و...إلخ .
وعلى
الصحافة العربية والدولية المقروءة والمسموعة والمرئية أن تسلط
الضوء ولو قليلاً لما يجري في السجون الإسرائيلية من تعذيب وعلى
المجتمع الدولي أن
يفوق
من سباته وأن يتجرأ ويدين التعذيب في إسرئيل ، أم أنه ينتظر صورا
تمتهن فيها
الكرامة والشرف العربي ليستنكر خجلاً .
ألم
يحن الوقت للمجتمع العربي الرسمي والشعبي للإنتفاض والذود عن
الكرامة العربية التي تمتهن وتداس ، والشرف العربي الذي ينتهك في
السجون الأمريكية
والإسرائيلية على حد سواء ؟ ألم يحن الوقت للمجتمع الدولي
ومؤسساته الإنسانية
والحقوقية بأن يدقوا جدران الصمت ويصرخوا عالياً في وجه الغطرسة
الأمريكية
البريطانية الإسرائيلية ليقولوا لهم كفى قتلاً وتعذيباً ، ألم
يحن الوقت لكل هؤلاء
بأن
يطالبوا بمحاسبة ليس من يمارسون التعذيب ، بل من يحرضون عليه
ويشيعون مفاهيم
الحقد والكراهية واللاإنسانية ضد الشعوب الأخرى ... ألم يحن
الوقت أن تقف بجانب
الشعوب المضطهدة في نضالها المشروع ضد الإحتلال في العراق
وفلسطين ولبنان والجولان
وفي
أية بقعة في العالم .. وبسط الديمقراطية وتحقيق السلام والعدل في
العالم ..
وعلى
ضوء قرار البنتاغون قبل أيام والقاضي بمنع نشر أي صور جديدة
للتعذيب في سجون الإحتلال بالعراق ، ألا يدفعنا هذا للإستنتاج
بأن نشر الصور من
المحتمل أن يكون أيضاً بقرار من البنتاغون والقيادة العسكرية
الأمريكية ! أو على
الأقل حظيت بمباركة البنتاغون !
وبالتالي قد يكون الهدف من وراء نشر الصور هو إرهاب المقاومة في
ظل
تصاعدها ونجاحاتها المتواصلة في الصمود وفي إلحاق الخسائر
البشرية الفادحة في صفوف
الإحتلال ، وهنا على المقاومة العراقية أن تتعلم من التجربة
والخبرة الفلسطينية
الطويلة في أقبية التحقيق وزنازين الاعتقال ، وأن تتمعن بتجربة
الحركة الوطنية
الأسيرة في السجون والمعتقلات الإسرائيلية والتي وبالرغم من
الممارسات الدموية
وأشكال التعذيب القاتلة وإستشهاد المئات من الأسرى في أقبية
التحقيق ، إلا أن هناك
قافلة طويلة من الأسرى تسلحوا بعدالة قضيتهم وبالإرادة والعزيمة
والقناعة الراسخة
بحتمية الإنتصار وآمنوا بأن الإعتراف يعني إفشاء أسرار المناضلين
وإعتقالهم
وبالتالي شّكلوا نماذج في الصمود الإسطورى وانتصروا على جلاديهم
ولم تنجح أساليب
التعذيب في تحريك عضلة لسانهم وصمدوا وصانوا أسرار إخوانهم و
رفاقهم وزملائهم ،...
فأشكال التعذيب ومهما تكن قاسيةً وبشعةً ومميتةً لا يمكن أن تجبر
مناضلاً على
التحدث والإعتراف طالما قرر هو الصمود .
ومهما نجح الإحتلال أياً كان في قتلٍ وتعذيب الآلاف فإنه ينجح
أيضاً
في
توسيع دائرة الحقد والكراهية له ، ينجح في توسيع دائرة المقاومة
ضده وضد وجوده
..
وليس
العكس فمثلاً في فلسطين أطفال النكبة ( 1948 م ) يعانون في
شيخوختهم اليوم
أزمة
ضياع الوطن فيحرضون أحفادهم على إسترجاع الوطن المسلوب ، والطفل
اليوم وقبل أن
يولد
يكون قد تعلم أبجديات الفقر والدمار وأحياناً الموت ، وإن كتبت
له الحياة يكون
قد
تهجى مفردات الإحتلال والقتل والسجن والتعذيب ، ومع السنين يكبر
بداخله الحقد
والكراهية للإحتلال ومؤسساته ، ويدفعه دوماً للتفكير بالإنتقام
وبالتالي يبقي على
الصراع قائماً إذا ما بقىّ الإحتلال موجوداً ... وهكذا الحال
اليوم في العراق
الشقيق فرجال الأمس وشرفاء اليوم لن يدفنوا رؤوسهم في الرمال ولم
يقفوا مكتوفي
الأيدي على قارعة الطريق ، وأطفال اليوم لن ينسوا ما يحدث من
دمار وما يشاهدونه بأم
أعينهم ، وغداً سيكبرون وستكبر معهم المعاناة والحقد على
الإحتلال والرغبة في
الإنتقام وبالتالي ستبقى لعنة هؤلاء تطارد وتلاحق الإحتلال على
أي بقعة فوق تراب
العراق الشقيق وستظل تلك الصور محفورة في ذاكرة كل عراقي وعربي
أصيل ، في ذاكرة
الأجيال القادمة لزمن طويل ولم ولن تنسى ..... وعلى المستوى
العربي بالتأكيد ستتسع
دائرة الكراهية للإحتلال الأمريكي للعراق الشقيق وسيأتي اليوم
الذي ستنتفض فيه هذه
الشعوب لتقل كلمتها الفاصلة والحاسمة وثقتنا كبيرة في المخلصين
الأوفياء الشرفاء في
الأمتين العربية والإسلامية والتي من واجبهم رد الإعتبار
لكرامتهم المهانة وشرفهم
المنتهك وحتماً سيكون النصر حليفنا بإذن الله في جنين والفلوجة ،
في كربلاء
والزيتون ، في رفح وتكريت ، في نابلس والنجف ، في القدس وبغداد ،
في غزة والبصرة ،
في
الموصل وطولكرم ، في جباليا وأم قصر .... فالجرح واحد والإحتلال
زائل لا محالة
والنصر قادم بإذن الله .
|