ما يجمعني مع الدكتور
خليل الشقاقي رئيس المركز الفلسطيني للبحوث
السياسية والمسحية، هو اننا نشأنا في المخيم
نفسه، وعانينا كثيرا من الجوع والحرمان، وكل
امراض الانيميا وفقر الدم، وبقينا علي قيد
الحياة بفعل اعانات وكالة غوث اللاجئين،
ولكن ما يفرقنا هو كل شيء عدا ذلك، فالرجل
تنكر كليا للمخيمات وسكانها، وبات مصدرا
لتقديم الدراسات المضللة التي تصب في مصلحة
التوجه الاسرائيلي الحالي، الذي يريد الغاء
حق العودة في اي تسوية سياسية قادمة.
الدكتور خليل
الشقاقي يعاني من عقدة اسمها فتحي الشقاقي،
شقيقه الذي اسس حركة الجهاد الاسلامي في
فلسطين، واستشهد في عملية اغتيال اسرائيلية
في مالطا، وهو يبذل جهودا خارقة، بوعي او
بدونه، من اجل ان يثبت انه نقيض شقيقه
سياسيا. ونشهد انه نجح في ذلك نجاحا باهرا،
وبات موضع احترام وتقدير كل مراكز الابحاث
الاسرائيلية والامريكية بسبب دراساته التي
تنسجم مع الطرح السائد للتسوية.
نقول هذا
الكلام بمناسبة الاستطلاع الذي اجراه مركز
الدكتور الشقاقي حول اللاجئين الفلسطينيين
وحق العودة، واثبت فيه ان عشرة بالمئة فقط
من لاجئي عام 1948 المقيمين في الضفة وغزة
ولبنان والاردن يمكن ان يعودوا الي مدنهم
وقراهم في يافا وحيفا وعكا والمجدل والجليل
والقدس وعين كارم وبئر السبع وغيرها.
فهل يعقل ان
خمسة في المئة فقط من لاجئي لبنان الذين
يعيشون حالة بائسة ومحرومون من العمل في
ستين وظيفة، ولا يستطيعون ان يدخلوا كيس
اسمنت او سيخ حديد الي المخيم، هل يعقل ان
خمسة في المئة من هؤلاء يفضلون البقاء في
مخيم عين الحلوة والرشيدية والبداوي علي
العودة الي حيفا ويافا وعكا اجمل مدن العالم
وأعمقها تاريخا وحضارة؟!
> وهل يعقل ايضا ان
سكان مخيم البقعة في الاردن الذي يعتبر
واحدا من اكثر المخيمات بؤسا في العالم،
يفضلون البقاء والتوطين علي العودة الي
قراهم ومدنهم في فلسطين؟!
وهل من المنطق القول
ان ابناء مخيمات بلاطة والفارعة والدهيشة
وجنين ورفح والمغازي وجباليا في الضفة
والقطاع يفضلون البقاء في هذه المعسكرات،
حيث لا ماء ولا مجاري ولا عناية صحية، ويقيم
كل عشرة اشخاص في غرفة لا تزيد مساحتها عن
تسعة امتار مربعة، علي العودة الي اللد
والرملة واسدود ويافا ويبنه والبطاني
وغيرها؟!
هذا الاستطلاع
لا يمكن ان يكون علميا، ومن المستحيل ان
تنطبق عليه المعايير الاكاديمية البحثية حيث
الدقة والموضوعية. ونقسم بالله انه لو اجري
مركز ابحاث اسرائيلي مثل هذا الاستطلاع لما
توصل الي هذه النتائج المخجلة والمريبة في
الوقت نفسه.
انه استطلاع مريب في
توقيته وفي نتائجه، ويصب في مصلحة التيارات
الاسرائيلية والفلسطينية التي تريد انجاح
خريطة الطريق، وفق الشروط الاسرائيلية.
فليس غريبا ان
يأتي هذا الاستطلاع في وقت يصدر فيه ارييل
شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي قانونا
بالغاء حق العودة، ويقدم مستشار وزارة
الخارجية الاسرائيلية القانوني فتوي قانونية
يؤكد فيها انه لا يوجد شيء في القانون
الدولي اسمه حق العودة.
وليس مفاجئا ان
يتزامن مع تسريبات اسرائيلية تقول ان السيد
محمود عباس ابو مازن يقترب تدريجيا من
الاقتناع بضرورة اسقاط حق العودة، باعتباره
عقبة في طريق التسوية، علاوة علي كونه
اقتراحا غير واقعي، فالعلاقة التي تربط
السيد ابو مازن بالدكتور الشقاقي ومركزه
متينة جدا، بسبب نظرة الجانبين الواقعية
لطبيعة الصراع وكيفية تسويته.
الدكتور
الشقاقي يلعب دورا في طمس حق العودة وابطاله
اخطر بكثير من دور زميله الدكتور سري نسيبة
الذي يؤمن ايمانا راسخا بان هذا الحق غير
عملي ويهدد التركيبة الديموغرافية اليهودية
للدولة العبرية.
فالدكتور
الشقاقي يقدم الادلة العلمية، والابحاث
الاكاديمية التي تؤكد طروحات نسيبة، مضافا
الي ذلك انه يأتي من رحم مخيمات اللجوء ومن
اسرة فقيرة معدمة ومشردة، الامر الذي يضفي
اهمية اكبر علي واقعيته هذه.
الشعب
الفلسطيني، باغلبيته الساحقة، في الوطن
والمهجر، في مخيمات اللجوء او المدن والقري،
يرفض رفضا مطلقا مثل هذه الطروحات المريبة
وغير العلمية التي تحاول نسف جوهر القضية
الفلسطينية، اي حق العودة.
القضية
الفلسطينية بدأت كقضية لاجئين، والثورة
الفلسطينية انطلقت من المخيمات من اجل اعادة
هؤلاء الي بلدانهم ورفع الظلم عنهم، وتطبيق
قرارات الشرعية الدولية الصادرة في هذا
الخصوص. ولذلك من غير المسموح ان يأتي احد
ويحاول تزوير الحقائق، واستصدار نتائج
مغايرة لذلك تصب في مصلحة الاغتصاب
الاسرائيلي للارض العربية.
اللاجئون
الفلسطينيون مستعدون للعودة بالملايين الي
مدنهم وقراهم في مناطق عام 1948 والعيش جنبا
الي جنب مع الاسرائيليين، ولكن كمواطنين
يتمتعون بكامل حقوقهم القانونية والسياسية،
بعد استعادة جميع ممتلكاتهم، والحصول علي
تعويضات كاملة عن استغلال اليهود لمياههم
وارضهم وبحرهم وهوائهم علي مدي الخمسين عاما
الماضية، تماما مثلما حصل اليهود علي
تعويضات عن ذهب ضحايا النازية في بنوك
سويسرا ومع الفوائد.
الدكتور الشقاقي يجب
ان يحمد الله لان اللاجئين الغاضبين
المحتجين علي استطلاعاته هذه قذفوه بالبيض
الفاسد فقط، الامر الذي يؤكد ان هؤلاء، ورغم
غضبهم الشديد، كانوا في قمة التحضر.
بضاعة الدكتور
الشقاقي، ومركزه بضاعة فاسدة، ومشروع فتنة،
وتنازل عن حق مقدس، وتشكل اهانة لمشاعر ستة
ملايين لاجئ فلسطيني، والبيض الفاسد هو اقل
ما تستحقه.