المخيمات والانتخابات المحلية
*
أنور حمام
الحديث الدائر داخل العديد من الأوساط الفلسطينية،
والذي يبدو جدياً جداً حول ضرورة عقد الانتخابات الخاصة بالمجالس
المحلية، وما تبعها من إصدار لمرسوم رئاسي يقرر تشكيل لجنة
انتخابات لهذا الأمر، هذه الحديث دفع باللاجئين ومؤسساتهم
الفاعلة الى تعميق الحوار والنقاش حول موضوع الانتخابات وموقع
وموقف اللاجئين والمخيمات من المشاركة بهذه الانتخابات، وربما
يمكن القول أن هذا النقاش هو نقاش مبرر، وهو بالتأكيد ظاهرة صحية
جدا تنم عن قوة الوعي الجماعي داخل أوساط اللاجئين والفاعلين
الاجتماعيين والسياسيين داخل المخيمات، فقد اعتاد اللاجئون على
تعميق النقاش والحوار حول أية قضية لها أي ارتباط من قريب أو
بعيد باللاجئين وقضيتهم، نظرا لخصوصية وضعهم وحساسيته، وهذا
النقاش يأتي محفوفا بالحذر المبرر أيضا خصوصا وأن هناك الكثير من
المشاريع والأفكار التي طرحت سابقا والتي تحاول تمرير حلول
تتجاوز حقوق اللاجئين، من هنا جاءت سلسة من النقاشات والحوارات
حول موضوع الانتخابات لتتوج بورشة عمل عقدت بتنسيق ودعوة من قبل
دائرة شؤون اللاجئين في رام الله، وخلاصة النقاش الدائر داخل
أوساط اللاجئين ولجانهم ومؤسساتهم والورشة التي عقدوها تدور
وتحوم حول توجهين رئيسيين هما:
-
توجه يدعو لمشاركة اللاجئين في الانتخابات المحلية:
هذه التوجه يقول بضرورة مشاركة اللاجئين في أية انتخابات
فلسطينية سواء كانت حزبية أو تشريعية أو بلدية، فهذا حق من حقوق
الإنسان، وهو مطلب حرم منه الفلسطيني وناضل من أجل الحصول عليه،
بالتالي هذه المشاركة في الانتخابات المحلية لا تضر على الإطلاق
بحق العودة، فحسب أصحاب هذه الرؤيا لا تعارض بين المشاركة
بالانتخابات المحلية وحق العودة، بل أن المشاركة قد تعزز من
مقومات الحياة داخل المخيمات، وتحسن من أوضاعها الاجتماعية
والصحية والخدماتية، وتحسين هذه الأوضاع لا يتعارض مع حقوق
اللاجئين بالعودة واستعادة الممتلكات والتعويض، بل أكثر من ذلك
يدعو أصحاب هذا الموقف الى أن على اللاجئين الخروج من الصورة
النمطية التي ’وجدت للمخيم من كونه مكان بمنتهى البؤس والتهميش
والأوضاع المتردية، والكف عن اعتبار الفقر والبؤس شروط قدرية
لاستمرار المخيم كمكان سياسي-اجتماعي.
أيضا
من الناحية القانونية يؤكد دعاة المشاركة على أنه لا وجود لأي نص
قانوني أو لأي قرار سياسي فلسطيني يحظر مشاركة اللاجئين أو
اللاجئين في المخيمات خصوصا بهذه الانتخابات المحلية أو
التشريعية، وأيضا القرارات الدولية المتعلقة باللاجئين لم تدعو
ولم تتطرق لموضوع مشاركة اللاجئين في الانتخابات، ثم إن تجربة
مشاركة لاجئي قطاع غزة في المجالس المحلية أكدت أن لا شيء قد طرأ
على المكانة السياسية للمخيمات، وان لا ضرر على حق العودة، ولا
على دور وكالة الغوث من هذه المشاركة.
-
توجه يرفض مشاركة اللاجئين في الانتخابات المحلية.
يقوم
أصحاب هذا التوجه على اعتبار اللاجئين كضيوف داخل الدول المضيفة،
والمخيمات بالتالي هي من ضمن مسؤولية وكالة الغوث الدولية بتفويض
من الأمم المتحدة وهي مسؤولية مباشر، ووكالة الغوث هي صاحبة الحق
في تقديم الخدمات للاجئين داخل المخيمات، وبناءً عليه فإن
المشاركة في الانتخابات المحلية لن يقدم ولن يؤخر شيئا على مستوى
الخدمات المقدمة للاجئين داخل المخيمات، على اعتبار أن البلديات
تترك العمل في داخل المخيمات للوكالة الدولية، فمحصلة الانتخابات
تعني أن لا شيء يمكن أن يجنيه اللاجئين من هذه المشاركة، وأيضا
يطغى على رؤية أصحاب هذا التوجه تخوفات مبررة حول الربط بين
الانتخابات ومحاولات التوطين والإدماج، والتخوف من أن تتحول هذه
المشاركة الى محاولة للقول بأن اللاجئين قد أصبحوا مندمجين في
بيئتهم الجديدة وليس لديهم أي طموحات فيما يتعلق بحقوقهم
بالعودة، ويرى أصحاب هذا التوجه أن رفض المشاركة في الانتخابات
المحلية لا يعني هضم لحقوق اللاجئين في ممارسة حقهم في اختيار
ممثليهم المحليين، بل على العكس فهم يدعون وبإلحاح الى ضرورة
تنظيم انتخابات خاصة لانتخاب ما يعرف باسم "اللجان الشعبية
للخدمات" داخل المخيمات، ولكن بتوقيت يختلف عن موعد الانتخابات
المحلية، فقد جاء رفض المشاركة واضحا وصريحا من قبل رؤساء
ومندوبي اللجان الشعبية للخدمات في الضفة الغربية، والذين عبروا
عن رفضهم باجتماع رسمي للمكتب التنفيذي للجان الشعبية والذي عقد
بتاريخ 26جوان 2004 ، ويطالب أصحاب هذا التوجه أن يصدر قرار
فلسطيني من مجلس الوزراء يعتبر هذه اللجان هيئات مسؤولة ولها
أبعاد سياسية وقانونية ونظامية.
لا
بد من التوفيق بين الصيغتين:
هذه
الديناميكية والحيوية التي يبديها اللاجئين حول أوضاعهم وحول كل
ما يطرح عليهم من أفكار أو مقترحات تعبر بشكل ملفت للانتباه عن
قوة وحرص وعقلانية في تعاطيهم مع كافة المسائل التي تخص قضية
اللجوء والمخيم، وبالتأكيد ينطلقون في رؤيتهم لأية مسألة من
مسلمة أساسية وهي " مدى الاقتراب أو الابتعاد عن حق العودة"،
ولكن الجدل الهادئ الدائر حول موضوع مشاركة اللاجئين في المخيمات
بالانتخابات المحلية يجب أن يحسم عبر رؤيا توفيقية وواقعية وحلول
عملية، فمن المفيد أن لا يحرم اللاجئين من الخدمات التي تقدمها
البلديات أو الوزارات المختلفة بدعوى أن المخيمات ضمن المسؤولية
المباشرة للوكالة، فنحن ندرك تماما بأن أي تحسين في وضعية
المخيمات لا يتناقض مع حق العودة بل على العكس تحسين الوضع
الاقتصادي والسكني والتعليمي والبيئي يعزز من صمود اللاجئين
ويقوي مطالبهم بحقوقهم وليس العكس، ودخول البلديات والوزارات
للعمل جزئيا في المخيمات ( لتوفير ما لا توفره وكالة الغوث)يجب
أن يكون مطلبا وحقا، وأيضا موضوع المشاركة في الانتخابات يجب أن
يحسم عن طريق ضمان حقوق اللاجئين كبشر من حقهم المشاركة في
ممارسة العملية الانتخابية، ولكن عبر صيغة خاصة، قد تكون
بانتخاب مجلس خاص بالمخيم يكون ذو ارتباط تنسيقي مع وكالة الغوث
وذو مرجعية سياسية لدائرة شؤون اللاجئين ومرجعية مهنية لوزارة
الحكم المحلي، وضرورة التشديد على عقد انتخابات داخل المخيمات
وإلا سيفهم بأن معارضة الانتخابات من قبل اللجان الشعبية ما هو
إلا وسيلة للتحايل على الانتخابات عبر إبقاء الوضع على ما هو
علية، والاكتفاء بصيغة التوافق والتي ليست بالمطلق صيغة مقبولة
ولا تعطي أصحابها الشرعية التي قد يحصلون عليها عبر الانتخاب.
إن
موضوع مشاركة اللاجئين في الانتخابات المحلية يجب يثير نقاش
عقلانيا حول عدة مواضيع لعل أبرزها:
-هل مشاركة اللاجئين الساكنين للمدن و القرى الفلسطينية في
الانتخابات المحلية يضر بحقهم بالعودة، وهل هناك تخوف من أن
تقلص الوكالة خدماتها لهذه الفئة اللاجئة والتي تعيش خارج حدود
المخيم، علما بأن الغالبية العظمى من اللاجئين يعيشون خارج
المخيمات في القرى والمدن.
-
المشاركة في الانتخابات المحلية هل له أي ارتباطات ببرامج
التنمية الفلسطينية، ومما مدى الضرر أو الفائدة من المشاركة أو
عدمها تنمويا فيما يخص المخيمات بشرائحه المختلفة ومستويات
الحياة المتعددة.
-
يجب أن يتم التفكير بتركيبة اللجان الشعبية للخدمات ودورها
وتمويلها،وعلاقاتها بمنظمة التحرير والسلطة والوكالة الدولية
ومؤسسات المخيم المختلفة، ومرجعياتها ومدى إمكانية توسيع
صلاحياتها لترتقي لمستوى المجلس المحلي، مع الحفاظ على خصوصية
المخيم.
أخير
ومن الضروري الحديث عن بعض المسلمات الأساسية فيما يخص موضوع
اللاجئين، فقضية اللاجئين وحقوقهم هي قضية وجودية، فلا وجود
للاجئين بدون هذه الحقوق وهي حقوق واقعية مدعمة قانونيا
وإنسانيا وتاريخيا وسياسيا، ولا يمكن القفز عن حق العودة لأنه
حق فردي يتعلق بكل شخص، فإسقاط حق العودة وباقي حقوق اللاجئين
يحتاج الى موافقة كل فرد لاجئ، وهذا هو المستحيل بعينه، وأيضا
حق العودة سيبقى سواء شاركنا بالانتخابات التشريعية أو المحلية
أو لم نشارك، وحق العودة كذلك موجود سواء وسعت وكالة الغوث
خدماتها أو قلصتها، بل أبعد من ذلك حق العودة موجود سواء بقيت
وكالة الغوث أو تم شطبها( رغم أننا يجب أن نناضل دوما من أجل
بقائها باعتبارها اعتراف دولي واضح باستمرارية قضية اللاجئين)،
وأيضا حق العودة والحق في استعادة الممتلكات والحق في التعويض
عن الألم والمعاناة والتشرد، هي حقوق لا تسقطها أية اتفاقيات
أو وعود دولية محكومة بعلاقات القوة التي تسيطر عليها إسرائيل
والولايات المتحدة، لكن حق العودة يحتاج الى أن تحشد من اجله
كافة الطاقات الكامنة داخل أوساط اللاجئين، وإيجاد العلاقات
التنسيقية بين كافة مؤسساتهم وهياكلهم الفاعلة، والخروج من
حالة طرح الشعارات الى محاولة الإجابة على أسئلة الواقع، كيف
يمكن أن نعزز الحملة المطالبة بحق العودة داخليا ودوليا، وكيف
يمكن الاستفادة من القانون الدولي في موضوع المطالبة باستعادة
الممتلكات، والاستفادة من تجارب دول أخرى في مسألة استعادة
الحقوق والممتلكات كتجربة البوسنة وجنوب أفريقيا، وكيف يمكن أن
نطرح آليات واقعية للعودة، كيف نحدد السقف التفاوضي فيما يخص
قضية اللاجئين.
باحث
في سوسيولوجيا اللاجئين.
anwerhm@hotmail.com |