"مشروع أسس المشاركة - ربط
الشتات"
*بقلم:
أنور حما م
أفضل
ما ميز اللقاء السنوي الخامس للائتلاف الفلسطيني لحق العودة الذي
عقد في غينت-بلجيكا في النصف الأول من شهر أكتوبر 2004 هو مجموع
اللقاءات التي حدثت على هامش الاجتماع الدوري، كلقاء شبكة الدعم
القانوني لمركز بديل، والأوراق التي قدمت حول طرق المقاطعة
الشعبية لإسرائيل، وسبل توفير الحماية الدولية المؤقتة والدائمة،
وعملية الاستفادة من القانون الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة بخصوص
موضوع اللاجئين تماما كما حدث في موضوع جدار الفصل العنصري
الإسرائيلي، وتميز اللقاء كذلك بحضور د. كرما النابلسي،الأستاذة
في جامعة أكسفورد، كناشطة وفاعلة في مجال الدفاع عن حقوق
اللاجئين، من أجل طرح مبادرتها الجريئة والطموحة والكبيرة، والتي
تهدف الى ربط تجمعات الشتات الفلسطيني الموزعة في كافة أرجاء هذه
المعمورة، حضورها استوقفني كثيرا، فمنذ عام والتفكير يتنامى داخل
أوساط الفلسطينيين بالداخل والخارج حول الشخص أو الشخوص الذين
من الممكن أن يسدوا الفراغ الذي أحدثه غياب أدوراد سعيد، كعالم
ومفكر وكشخص يلتقي حول فكره ورؤيته كل الفلسطينيين، حتى أصبح
مرجعية فكرية لنا جميعا، لكن اللقاء قد جدد الأمل في النفوس بأن
هذا الشعب يملك خصوبة نادرة في إنتاج الأفكار والتمثلات
والتضحيات والشخوص التاريخيين، ويعيد إنتاج الأشياء بكل عبقرية
وبتجدد منقطع النظير، فكرما النابلسي التي غادرت العمل السياسي
احتجاجا على أوسلو كونه اتفاق أغفل ملايين الفلسطينيين الموزعين
فوق أراضي ومنافي متعددة وتركهم وحيدين دون أي غطاء، وتخوفها كون
هناك "اتفاق دولي غير منطوق بتجاهل حقوق اللاجئين"، عادت لتنشط
من جديد بعد أن لاحظت وانبهرت بالديناميكية التي يبديها
اللاجئون، وحركتهم الدائمة ومطالبتهم وتوحدهم حول حقوقهم
كلاجئين( بالعودة واستعادة الممتلكات والتعويض)، والتي أدت الى
أخذ قضية اللجوء الفلسطيني على محمل الجد كقضية بحاجة الى معالجة
جوهرية بعيد عن البراغماتية التي تجلت في موضوع التسوية والتي
كانت مشوهة ومحفوفة بالمخاطر مصحوبة بخيال جامح وعالمية زائفة،
وينقصها الكثير من المنهجية والاختبار التجريبي على حد تعبيرها.
في
هذا السياق يأتي مشروع د.كرما النابلسي أسس المشاركة أو ربط
الشتات كما يحلو لي أن أسميه، الموجه لشعب ما انفك يقاوم ويبرهن
على حيويته ووجوده وهويته، بعد عديد الضربات التي لحقت بمنظمة
التحرير الفلسطينية جراء اتفاق أوسلو، دون المساس أو التفكير في
مسألة التمثيل التي هي أبدا من بديهيات العمل السياسي كونها من
اختصاص المنظمة دون سواها، ولكن منظمة التحرير كجسم يعبر عن نظام
سياسي ثوري-تحرري بحاجة لإعادة تفعيل أطرها وهياكلها ومؤسساتها،
من هنا فان التوجه الذي يبنى عليه مشروع ربط الشتات-اسس
المشاركة، ينظر لعملية البناء بطريقة مختلفة، انطلاقا من
القاعدة الجماهيرية باتجاه القمة وليس العكس، فالمشاركة الشعبية
ضرورة باتت ملحة، وهي الملاذ المتوفر للخروج من حالة التيه التي
تعيشها التجمعات الفلسطينية في كل مكان، والمشاركة الجماعية
بمعنى السيادة الشعبية هي أيضا القادرة على صياغة تصورات وحلول
جماعية للمسائل الأكثر تعقيد للصراع، من هنا كان سعي مشروع ربط
الشتات لتوفير خدمات لشعب الفلسطيني في الخارج من أجل التواصل،
وهو مشروع لا يسعى لأن يكون حركة أو حزب، ولا يعمل ضد منظمة
التحرير الفلسطينية، أو مؤسساتها بل سيشكل رافعة لتطوير العمل
وتفعيل ودمقرطة مؤسساتها، وسيكون بمثابة جسر للهوة بين المنظمة
وشعبها في الشتات، وهو مطلب شعبي يومي على مائدة كل الفلسطينيين
في الخارج، فهذه المبادرة يمكن إدراجها ضمن حركة العودة الساعية
للدفاع عن حقوق اللاجئين، وأخير هو مشروع محدود بأهدافه وبدوره
السياسي، ولكن من خلاله سيتم تنشيط وتطوير الهيئات الفلسطينية في
الشتات.
وحسب
تصور النابلسي سيتم السعي للوصول الى التجمعات الفلسطينية
لاختيار البنى التنظيمية واليات التواصل حتى يكون صوتهم
واحتياجاتهم حاضرة بوضوح، وفي ذات السياق توفير قناة اتصال بين
هذه التجمعات وممثلهم الوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، وقنوات
أخرى مع الدول التي يعيشون فيها، وقناة اتصال بين تجمعات
اللاجئين، والتجمعات الفلسطينية الأخرى، فربط الشتات بهذا المعنى
يصبح وسيلة أو خدمة مباشرة للفلسطينيين لمساعدتهم على تعزيز
وتطوير آليات تواصلهم، وهو مشروع لا يزعم البتة بعدم وجود قنوات
رسمية، بل يتم التأكيد عليها كقنوات اتصال موجودة ولكنها مشتتة
وضعيفة وبحاجة الى إسناد.
هذا
المشروع يحتاج الى الكثير من الجهد والتمويل والخبراء لتحديد
المفاهيم، واليات العمل والمنهجية التي سيتم اتباعها، (في هذا
السياق تأتي سلسلة اللقاءات في جامعة أكسفورد وفي قبرص حاليا)
إضافة الى ضبط عملية تنسيق اللقاءات وورشات العمل التي ستعقد مع
أبناء الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجدهم، وهذه اللقاءات
ستكون بمثابة الطريقة الفضلى للتواصل ما بين أبناء التجمع-
الجالية –المخيم الواحد-خارجه- والحديث فيما بينهم، وإعطاء الناس
حرية التصرف والتعبير الحر عن حاجاتهم ورغباتهم وأحلامهم
ومشاكلهم ، ومن هنا فالنقاشات وورشات العمل التي ستعقد في كل دول
الوجود الفلسطيني على هذه الكوكب ستحاول معالجة تساؤلات أساسية
تدور حول تحديد طبيعة وشكل ومضمون الهيئة-البنى الفضلى التي
يريدها التجمع الفلسطيني،من عملية الاتصال مع منظمة التحرير،
والموضوعات التي تسعى التجمعات لمناقشتها مع ممثليهم، وأيضا ماذا
يريدون؟ أي احتياجات الجالية-التجمع-المخيم-خارجه بشكل عام، فمن
المؤكد أن هناك احتياجات مختلفة للتجمعات الفلسطينية، تحددها
متغيرات كثيرة ومتداخلة كعدد أفراد التجمع، ونوعية الدولة التي
يعيشون فيها، وهامش الحريات والمشاركة، والأوضاع الاقتصادية
وغيرها، ومن المؤكد أن هذه الاحتياجات لن تقتصر على الجانب
السياسي بل ستتسع لتشمل احتياجات اجتماعية وثقافية وتعليمية
وصحية وحياتية أخرى تتحدد حسب طبيعة كل تجمع، على أساس أن هذه
الاحتياجات وضرورة توفيرها لا تتناقض مع حق العودة بل تعزز من
قيم الصمود.
وأهمية اللقاءات المباشرة مع البشر في كل تجمع – جالية- مخيم-
خارجه في عديد الدول ، سيدفع الى إكتساب معرفة أكبر كون أن
الناس العاديين يعرفون احتياجاتهم، ولا يريدون خبراء ليقولوا لهم
ماذا يريدون، وعندما يكون القرار لهم فانهم يقررون بشكل جيد،
وليس المطلوب إلا أن يتم توفير الظرف المناسب لهم ليعبروا عن
ذواتهم وليكون صوتهم مسموع، والأهم أن الذين سيقودون النقاشات
يجب أن يعرفوا ضرورة المشاركة الشعبية، ومشاركة الناس أنفسهم،
وأيضا فان إدارة هذه اللقاءات والورشات تحتاج الى درجة علية من
الكفاءة، ومعرفة جيدة بخصوصية كل تجمع فالصالح لعقد لقاء في
مونتريال ربما يكون غير صالح لعقد لقاء في مخيم في نهر البارد.
وفي
نهاية الورش واللقاءات سيتم إصدار تقريرين كنتيجة وخلاصة لمجمل
الجهد المبذول، بحيث يحوي التقرير الأول شرحا مفصلا حول
التجمعات الفلسطينية جميعها وما هي الشروط والتحديدات التي تعاني
منها، والاختيارات التي حددتها التجمعات لنفسها من بنى مدنية
ضرورية اختارها اللاجئون أنفسهم، أما التقرير الثاني فسيكون صغير
لتقييم المبالغ المالية المطلوبة لهذه الاحتياجات.
هذه
التقارير سوف تكون مفيدة في حال صدورها وسيتم توجيهها نحو عدة
جهات، فسيتم القول لمنظمة التحرير هذا هو شعبك وهذا ما يريده
منك، وشعبكم يريد أن يراكم ويجلس معكم، وهو مفيد من جهة كون انه
لأول مرة يتحدث الفلسطينيون بشكل جماعي وليس فرادى، فالمانحين
والأنروا والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين عليهم أن يأخذوا على
محمل الجد، أمال واحتياجات وحقوق الفلسطينيين في الشتات، والا
فان أي حل سياسي مستقبلي لن يكتب له النجاح وسيعاني نفس المعضلات
التي عانى منها أسلو كاتفاق حاول الهروب من المعضلات الى الأمام
ولكن دون أن يحل مسألة واحدة جوهرية.
مشروع كرما النابلسي، يحمل بداخله قوة هائلة من الأرادة لو ترجمت
فعلا فسنكون كفلسطينيين أصحاب قدرة على النهوض، وستكون عملية
التواصل وتعزيز آلياته كسرا للجدار والعزلة والعنصرية الصهيونية،
ولكن المشروع أيضا صعب فليس هناك من هو معني بتقوية التواصل بين
الفلسطينيين وبالتالي تقوية منظمة التحرير وهياكلها، بل الكثير
من الأطراف الدولية تحاول طمس اللاجئين كقضية مركزية، ويريدون
تشتيتنا وليس توحيدنا كشعب، وأيضا فهذا المشروع بحاجة الى تمويل
كبير، ومشاكل أخرى تتعلق بعقد اللقاءات بشكل علني، هنا تثار
مجموعة من الصعوبات حسب خصوصية وطبيعة كل دولة، الأمر الذي
سيتطلب جهود أكبر.
يأتي مشروع أسس المشاركة- ربط الشتات، متزامنا مع
مبادرات وجهود فاعلة بدأت تتنامي داخل أوساط الفلسطينيين،
فائتلاف حق العودة وضع أسس التنسيق بين أطرفه وبدأ يتسع ليضم
بداخله عددا هائلا من لجان العودة في أوروبا وأمريكا الشمالية
ودول العربية وفلسطين التاريخية، ويتناغم المشروع مع مبادرة
جريئة أقدمت عليها لجان العودة في أوروبا عبر تأسيس
الكونفدرالية الأوربية للدفاع عن حق العودة، هذه البنى التي
تتشكل من المؤكد أنها تنم عن حيوية شعبنا، وتؤشر على أن قضية
اللجوء تحمل في طياتها قوى إيجابية فاعلة ومبدعة ومبدئية لن
تقبل المساومات حول الحقوق التاريخية والسياسية والإنسانية
والقانونية.
وأخيرا يمكن القول أن ربط الشتات، الذي هو بمعناه الحرفي ضرورة
مشاركة شعبية حقيقية وفاعلة لكافة اللاجئين في كل أنحاء
العالم، ستكون محاولة مبتكره للوقوف في وجه كل من يحاول تجاهل
قضية اللاجئين كقضية مركزية وتحتاج الى معالجة جدية وجوهرية،
فهو مشروع سيشكل فرصة نادرة لبلورة بنى وهياكل للفلسطينيين في
الشتات لتلعب دورا في عملية صنع القرار وخصوصا فيما يتعلق
بمستقبلهم وحقوقهم كلاجئين، وهي محاولة طموحة لجعل اللاجئين
وقضيتهم في مركز النقاش والمشاركة بعد عملية التهميش
والاستثناء.
*باحث متخصص في سوسيولوجيا اللاجئين الفلسطينيين .
|