عامان على
اعتقال حسام خضر
عضو المجلس
التشريعي الفلسطيني
بقلم:
عدنان السمّان
لماذا يصر هؤلاء وأولئك أو هؤلاء وهؤلاء
أيضاً على أن يفعلوا ما يريدون دون اكتراث بما يريده غيرهم من
الناس؟ ولماذا يعتبرون أنفسهم على حق دائماً, ويعتبرون غيرهم من
الناس مخطئين دائماً؟ ولماذا ترعبهم وتقض مضاجعهم كلمة تقال هنا,
وكلمة تقال هناك رغم أنها كلمة عربية فصيحة صحيحة لا غبار عليها
يقولها صاحبها في بلاد عربية الوجه واليد واللسان أو هكذا يجب أن
تكون؟
لماذا يتصدى هؤلاء وأولئك أو أولئك وأولئك
لكل من يعتقدون أنه لا يحبهم, وأنه يذكرهم بالسوء, وأنه يعمل
ضدهم في السر والعلن أو في السر والسر؟ ولماذا, وبأي حق يسمحون
لأنفسهم بالاعتداء على الناس في أرزاقهم وأموالهم وممتلكاتهم
وحرياتهم وأرواحهم أيضاً ؟؟
بأي حق يسمح كل هذا الخليط العجيب الغريب
لأنفسهم باحتجاز هذا الإنسان أو اعتقاله وتلفيق التهم ضده
وارتكاب الموبقات بحقه بهدف إذلاله وإرهابه وتخويفه لصرفه عن
الكلام أو الفعل أو التفكير في واقعه السياسي أو الاقتصادي أو
الاجتماعي؟؟
وبأي حق يسمحون لأنفسهم بمصادرة
كافة حقوقه في التفكير والتعبير وإبداء الرأي في حياته الحاضرة
وحياة الأجيال القادمة على هذه الأرض العربية الطيبة التي
يمتلكها العرب, ويحبونها وتحبهم هي أيضاً منذ أن خلق الله هذه
الأرض, ومنحهم إياها خالصةً لهم من دون الناس؟؟
بأي حق يمارسون كل ألوان الإساءة إلى
هذا الوطن وإنسان هذا الوطن: ينهبون الأرض ويصادرونها, ويضعون
أيديهم عليها ويقيمون مستوطناتهم ليزرعوا فيها " القادمين الجدد
" مؤكدين ليلاً ونهاراً أنها لهم, وأنها بلادهم التي عادوا إليها
بعد آلاف السنين!!
تلك التي احتلت عام ثمانية وأربعين
دولتهم, وهذه التي احتلت عام سبعة وستين هي " يهودا والسامرة "
وهي جزء من دولتهم يعملون جاهدين منذ "تحريرها" على تخليصها من
أيدي سكانها "الغرباء" بصبر وروية,من أجل اصطفائها لأنفسهم...وقد
نجحوا في ذلك, وقطعوا معظم الطريق نحو هذا الهدف..ولم يبق أمامهم
إلا خطوات قليلة لبسط سيطرتهم المطلقة على كل" أرض إسرائيل
التاريخية", وهم إلى جانب ذلك قد تغلغلوا في كل الأرض العربية من
حولهم لاستثمارها, وتشويه إنسانها, والتحكم بشعوبها وأجيالها
القادمة.............
بأي حق يفعلون هذا كله؟ وبأي حق
أذاقوا كل شعبنا على امتداد السنوات الستين الماضية كل ألوان
الأذى وصنوف الاضطهاد والتنكيل والاعتقال السياسي والتجويع
والتركيع والتصفية النفسية والجسدية, ونشر الموبقات والفساد بكل
أشكاله وصوره؟؟ وبأي حق يحتفظون الآن بنحو ثمانية آلاف أسير من
أبناء هذا الشعب وبناته وأشباله وأطفاله؟؟
يقول دهاقنتهم ومنظّروهم وواضعو مبادىء فقه
الخضوع والاعتقال وفلسفات الإذلال والاغتيال إن الاعتقال
والإذلال أفضل الطرق لإسكات "المتطرفين" من أهل هذه البلاد الذين
"لا يحبوننا بل يناصبوننا العداء" ويعملون من أجل إفشال مخططاتنا
على المدى الطويل للسيطرة المطلقة على كل" أرضنا
التاريخية"..الاعتقال والإذلال والتنكيل علاج لمن يرفض التعاون
والمناصب والتدليل, والعمل المشترك من أجل الهدوء والاستقرار
الكاملين في كل أرض إسرائيل التاريخية..فقه الاعتقال وفلسفة
الاغتيال إذن يمارسونها ضد من يرفض العمل والتعاون معهم على
تنفيذ مخططاتهم...ويكون الأمر بالتدرج, فلكل ذنب عقوبة!! ويمكن
التدرج في سلّم عقوباتهم بدءاً بالإهانة, إلى المضايقة, ومنع
السفر, وقطع الأرزاق بالحرمان من العمل, وتخريب المصالح
الاقتصادية كالمزرعة والمصنع والمحل التجاري والحصار, والاجتياح
, والعقوبات الجماعية, وضرب الناس بعضهم ببعض, وحرب الإشاعات,
ونشر الخصومات, والموبقات, والفتن, والفساد, ورصد كل الناس في
بيوتهم وأعمالهم, واعتقال من يشكل تهديداً لمشاريعهم- وللاعتقال
وجوه كثيرة- أما التصفية الجسدية أو الاغتيال فلمن يعتقدون أنه
يشكل خطراً جديّاً على أمنهم وحياة مستوطنيهم ويدخل في هذا الباب
كافة العاملين في مجال المقاومة العسكرية المسلحة.
هذه فلسفتهم إذن: الشدة..والاعتقال..والقتل
خير ضمانة لحفظ الأمن..وتنفيذ المخطّطات..وإحلال السلام...وعلى
الرغم مما حقّقه هؤلاء مؤخّراً من مكاسب إعلامية في هذا
الاتجاه..وعلى الرغم من بعض" الإنجازات" التي يحسبها قصار النظر
انتصارات حاسمة, وإنجازات تاريخية...أقول: على الرغم من كل هذه
الضجة الإعلامية إلا أن ما يجري في الحقيقة شيء مختلف, وأمر يؤسس
لمزيد من الصراع, ومزيد من العنف, ومزيد من المعاناة والدماء بعد
التثبت من فشل هذه الضجة الإعلامية التي حسبها قصار النظر حلاًّ
..هذه الضجة أعادت هذا الجزء من الوطن عشر سنوات إلى الوراء على
أحسن تقدير, إذا نحن غضضنا الطرف عن مئات الآلاف من الدونمات
التي صودرت خلال هذه الفترة.. وإذا نحن غضضنا الطرف أيضاً عن
مئات المستوطنات التي أقيمت وتقام..وعن الدماء التي سالت
كالأنهار..وعن المذلة والمهانة والمجاعة والجدار.
ما هكذا تورد الإبل, وما هكذا تكون
الحلول!!! إن الحل الدائم هو الحل العادل المقنع الذي يعيد
الحقوق إلى أصحابها..إنه الحل الذي لا غالب فيه ولا مغلوب..والذي
يفتح الآفاق جميعها على سلام حقيقي يعيد البسمة إلى شفاه الصغار
والكبار, ويفتح المجال واسعاً أمام الناس للعمل والبناء والإعمار,
عندها, وعندها فقط يعيش الناس جميعاً في هذه الديار بأمن وأمان
بعيداً عن الحروب وأعمال العنف والعنف المضاد كما يقول المراقبون
والسياسيون.
وبعد
فإن أول ما يجب فعله إذا كان هؤلاء وأولئك
أو أولئك وأولئك معنيين فعلاً بسلام حقيقي ينقذ هذه المنطقة من
جحيم المعارك وأهوالها هو أن يطلقوا سراح الأسرى كافة, وأن يغلق
هذا الملف إلى الأبد...فالاعتقال السياسي وصمة عار في جبين سائر
الأنظمة والقوى التي تمارسه ضد أصحاب الفكر والرأي والمعتقد..وإن
وجود أكثر من ثمانية آلاف أسير في المعتقلات أمر لا يمكن أن يؤدي
إلى السلام...
حسام مجرد مثال
إن اعتقال عضو المجلس التشريعي الفلسطيني
حسام خضر-على سبيل المثال لا الحصر- أمر ينطوي على أكثر من مغزى
وعلى أكثر من مدلول...فهذا النائب الذي اعتقل في السابع عشر من
آذار عام ألفين وثلاثة, والذي خضع لتحقيق شرس دام تسعين يوماً
على التوالي منذ اعتقاله من بيته في مخيم بلاطة.. ولم يسفر
التحقيق معه عن شيء ...ولم يثبت ذلك التحقيق القاسي المستمر أن
هذا الشاب قد فعل ما يعاقب عليه حتى قانون الطوارىء الإنجليزي
الذي كان مطبّقاً في فلسطين في زمن الانتداب قبل أن يولد حسام
خضر بنحو عشرين عاماً... هذا النائب بريء من كل التهم الملفقة
التي وجهوها إليه زوراً وبهتاناً.. فلماذا يحتفظون به في الأسر؟
ولماذا لا يطلقون سراحه ليلتحق بأسرته وليفرح بعودته أطفاله
أماني وأميرة وأحمد؟؟؟ لماذا لا يعود إلى أمه كي تقر عينها ولا
تحزن؟ لماذا لا يعود إلى أسرته وبيته وإخوته وأخواته ؟ لماذا لا
يعود لمزاولة عمله في الهيئة الاجتماعية والسياسية التي اختارها
ناخبوه ليمثلهم فيها؟ لماذا لا يطلقون سراحه كي يعمل من أجل
السلام الدائم الشامل العادل الذي آمن به منذ الحداثة؟ لماذا لا
يطلقون سراحه كي يواصل مسيرة النضال ضد الفساد والظلم والرشوة
والمحسوبية والاضطهاد والاحتلال وصولاً إلى التحرر والسيادة
والاستقلال ؟؟
إن كان أولئك وأولئك معنيين حقّاً بالسلام
العادل والمقنع وإنقاذ هذه المنطقة من جحيم المعارك وأهوالها.
فليطلقوا سراح حسام ورفاقه وإخوانه وأخواته من معتقلاتهم, ومن
مقابر الأحياء التي تشكّل أكبر إهانة في التاريخ لأولئك الذين
يدّعون حرصهم على السلام, ورغبتهم فيه وشوقهم إليه!!
إن من يحرص على السلام لا بدّ أن يعمل من
أجل تحقيقه.. وأول خطوة في سبيل ذلك الإفراج عن أسرانا ومعتقلينا
وعلى رأسهم حسام والعتبة والبرغوثي وعويص... وسائر الأسرى
والمعتقلين لا يستثنى أحد منهم.. وإن من يحرص على السلام لا بد
أن يقفل هذا الباب مرة واحدة وإلى الأبد, لأنه بغير ذلك لن يكون
سلام.
وإذا كان حسام بريئاً, وهو كذلك, فلماذا
يحتفظون به في معتقلاتهم منذ عامين؟ وإذا لم يكن هذا الاعتقال
سياسيّاً فماذا يكون؟ وإذا كان الاعتقال السياسي محرماً دوليّاً
فلماذا لا يتحرك هذا المجتمع الدولي لإلغائه وإطلاق سراح
أسرانا؟؟
وإذا كان الاعتقال السياسي هو المدلول
الأول في قضية حسام خضر فما هو المدلول الثاني؟ أعتقد- وبدون
مقدمات - أن هذا الاعتقال ينطوي على الاستخفاف الفاضح بمؤسسات
هذا الشعب, وعلى رأسها المجلس التشريعي المنتخب, والاستخفاف
الصارخ بالناخبين وممثليهم, وبالعملية الديمقراطية التي يدّعون
زوراً وبهتاناً أنهم حريصون عليها, وأنهم يشجعونها... إن هذه
المزاعم التي يرددها هؤلاء وأولئك هي مزاعم باطلة لا تنطوي إلا
على الخداع والتضليل, وهي مزاعم خالية من أي مضمون ذي قيمة لأنها
صادرة عن أناس لا يقيمون أدنى وزن لإنسانية الإنسان, ولا يكنّون
أدنى احترام لكافة الشرائع والتشريعات إلا إذا وافقت هواهم,
واستجابت لأطماعهم التي لا يمكن أن تقف عند حدّ.
أمّا المغزى الثالث في قضية النائب خضر فهو
الإشارة الصريحة الواضحة إلى موقف هؤلاء جميعاً من قضية اللاجئين
الفلسطينيين الذين نصّت قرارات المجتمع الدولي منذ أكثر من ستة
وخمسين عاماً على حقّهم المقدّس في العودة إلى ديارهم... حسام
خضر هو رئيس لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين.. ولهذا
السبب أيضاً كان اعتقاله.
أليس من حق كل مراقب متتبّع لقضية حسام أن
يفهم أن من بين أسباب اعتقاله صلته الوثيقة بالمخيم, وعلاقته
العضوية بقضية اللاجئين الفلسطينيين, وكذلك علاقته المصيرية
بقضيته الفلسطينية العادلة؟؟
أليس من حق المراقبين والمحللين السياسيين
أن يفهموا أن دلالات قضية اعتقال حسام ومضامينها هي دلالات
خطيرة, ومضامين تتدرّج من شخصيّة حسام المواطن, إلى شخصية حسام
المناضل ومن ثم إلى شخصية حسام الذي نذر نفسه للدفاع عن حق
العودة وكافة قضايا اللاجئين الفلسطينيين المصيرية العادلة؟
وإذا كان الأمر كذلك - وهو كذلك- فإن من حق
المراقبين أن يفهموا أيضاً مدى العداء الذي يكنه هؤلاء لحسام
المواطن الحر الذي يصدر في سلوكه اليومي عن قناعات راقية صادرة
عن صدق الالتزام, وشرف الانتماء... وبالطبع فإن عداء هؤلاء لحسام
المواطن هو عداء لكل المواطنين الذين يسيرون على هذا الدرب ...
هؤلاء يعادون من تربط بينهم وبين حسام وغيره من رفاقه وإخوانه
قواسم مشتركة يرون فيها تهديداً لأطماعهم ومشاريعم فوق أرض
العرب.
وإذا كانت شخصية المواطن الحر بمواصفاتها
القيادية النضالية تثير هؤلاء وتستفزهم إلى الحد الذي يدفعهم لشن
حربهم ضدّها, فكيف يكون الأمر عندما تقف هذه الشخصية مثل هذا
الموقف الثابت من قضية اللاجئين الفلسطينيين؟؟ هذه القضية التي
لا يمكن لكائن أن يتجاوزها أو يقفز عنها أو يفلسفها في هذا الزمن
الذي كثرت فيه الفلسفات والاجتهادات والتأويلات السقيمة
الممجوجة!!
يتبين مما سبق أن حسام خضر - كغيره من أسرى
شعبنا- بريء من كل ما وجّه إليه من تهم, وأنه لم يفعل ما يخالف
القوانين والأعراف الدولية, والقيم الأخلاقية, وأنه مواطن عربي
فلسطيني حر شريف كافح الفساد بكل أشكاله وصوره, وتصدّى للاحتلال,
وطالب بوضع القرار 194 موضع التنفيذ... وهذه أمور يعتبرها
المجتمع الدولي وتعتبرها شرعة الأمم المتحدة وسائر القوانين
والأعراف الدولية من أبسط حقوق الإنسان في هذه الديار, وغير هذه
الديار أيضاً!!
وعليه فإن الاستمرار في اعتقال أسرى الحرية
ومنهم حسام يعتبر امتهاناً للأمم المتحدة وشرعتها, وللمجتمع
الدولي ولكافة أعرافه وقوانينه وقراراته وأخلاقياته... كما يعتبر
اعتداءً صارخاً على شعبنا العربي الفلسطيني, وأمتنا العربية
الماجدة, وتهديداً للأمن القومي العربي برمته ... وتهديداً لأمة
العرب فوق كل أرض العرب...
إن الخطوة الأولى على طريق إحلال السلام
العادل الدائم في هذه المنطقة من العالم تتمثل في إطلاق سراح
الأسرى دون استثناء كي يتمكن العاملون المخلصون من أبناء هذه
المنطقة من السير قدماً وبقوّة وثبات نحو تحقيق أهداف شعوب هذه
المنطقة في الأمن والأمان والتقدّم والسلام. |