انتفاضة
الاقصى
شخصيات فلسطينية تقيّم الانتفاضة
خيبة امل من نتائج انتفاضة الاقصى
من "انتفاضة حتى النصر"
والعودة لما قبل ال48، هبطت المطالب الفلسطينية الى مطلب العودة لما قبل
28/9؛ من تصريحات الشخصيات التي قابلناها لم نستشفّ وجود معارضة يمكنها ان
تطرح البديل لعرفات.
اسماء اغبارية
بعد التزام رئيس السلطة
الفلسطينية، ياسر عرفات، بوقف اطلاق النار وتوقيعه على وثيقة تنيت، طرأ
انخفاض ملحوظ على عدد العمليات العسكرية، وانعدمت العمليات الاستشهادية
داخل اسرائيل. لا شك ان هذا الالتزام الفلسطيني قد افرغ الانتفاضة
الفلسطينية من اي معاني تحررية قد تكون اكتسبتها في بداية انطلاقتها، واثار
علامة استفهام كبيرة بالنسبة للمغزى الذي من اجله استشهد المئات وجرح
الآلاف، وعلامة استفهام اكبر بالنسبة للبدائل والحلول المطروحة امام الشعب
الفلسطيني، خاصة بعد ان اتضح ان مصير السلطة مرهون بالارادة الاسرائيلية.
يكاد يكون اجماع على المستوى
الشعبي في المناطق المحتلة بان الانتفاضة كانت هباءً. النائب في المجلس
التشريعي حسام خضر، رئيس لجنة الدفاع عن حقوق
اللاجئين (فتح - بلاطة، نابلس) الذي يوافق هذا الرأي، يفسره بان "الانتفاضة
لم تنجح في التحليق باي من الجناحين اللذين انطلقت بهما: الاصلاح الداخلي،
والعودة للمفاوضات على اساس الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني. فالوضع
الداخلي لا يزال على ما هو عليه، بمعنى ان تيار اوسلو الاقتصادي لا يزال
يجني ثمار اوسلو".
مكاسب الانتفاضة التي يعددها
النائب عبد الجواد صالح (رام الله) لا تفعل الا انها تبرز فداحة الخسائر.
يشير صالح الى "ان الانتفاضة خلقت التفافا رائعا بين الناس واجماعا على دحر
الاحتلال، ولكن وجود السلطة أفقد الانتفاضة بعض العوامل التي كانت في
الانتفاضة السابقة، اذ لم ترغب السلطة في ان يتولى الشعب ادارة شؤونه
اليومية، وبدل ذلك لجأت الى عسكرة الانتفاضة. وكان هذا فخا اذ ان المجال
العسكري هو الوحيد الذي مكّن اسرائيل من ضربنا ضربات قاصمة، دون ان ننجح في
تحقيق نتائج سوى الانتقام وهي اساليب لا تثمر عن انجازات سياسية".
ويحصي النائب الدكتور حسن
خريشة (طولكرم) عوامل الضعف مشيرا الى: "ان هذه الانتفاضة كانت عديمة
القيادة والبرنامج بعكس الانتفاضة الاولى. كما ان المشاركة الشعبية فيها
اقتصرت على الشباب الذين تتراوح اعمارهم بين 16-25 عاما، نتيجة ان الاحتلال
اعاد انتشاره وتمركز عند الحدود".
من "انتفاضة حتى النصر"
والعودة لما قبل ال48، هبطت المطالب الفلسطينية الى مطلب العودة لما قبل
28/9. فهل يصمد وقف اطلاق النار الذي التزم به الجانب الفلسطيني ضمن نفس
الاتفاق؟ تميل الشخصيات الفلسطينية التي التقيناها للاعتقاد بان الاتفاق لن
يصمد خاصة على ضوء خرق الاسرائيليين للاتفاق من خلال استمرار الحصار وبقاء
الاستيطان.
رغم التصريحات شديدة اللهجة
لهذه الشخصيات ضد الاتفاق، كاعتبار حسام خضر
توقيع القيادة الفلسطينية عليه في ظل الشروط الاسرائيلية "استسلاما"،
وتساؤل عبد الجواد صالح "هل تكون السلطة شرطيا لاسرائيل بهذا الاتفاق؟"،
الا اننا لا نتلقى ردا مرضيا حول من اين ستأتي المعارضة لهذا الاتفاق اذا
كانت جميع القوى الشعبية الوطنية والاسلامية، بضمنها حماس والجهاد
الاسلامي، قد التزمت به.
من تصريحات كافة الشخصيات لم
نستشفّ وجود معارضة يمكنها ان تطرح البديل. حتى حماس التي تشدّقت من خلال
تصريحات رئيس مكتبها السياسي في الخارج خالد مشعل (قناة الجزيرة، 20/6) بان
هذه الانتفاضة اهم من السابقة، وان المقاومة الاسلامية هي التي ستحرر
فلسطين خلال خمسة اعوام من الآن، شاطبةً بذلك اي دور لاي نضال فلسطيني قبل
تأسيسها، تقزمت من خلال تصريح آخر لعبد العزيز الرنتسيي، قائد الجناح
السياسي لحماس في غزة، الذي اعلن ان حماس ستتوقف عن العمليات الاستشهادية
داخل الكيان الصهيوني اذا ما توقفت اسرائيل عن قصف المدنيين الفلسطينيين.
لقد لعبت حماس لاول وهلة دور
المعارضة الوحيدة للسلطة، ولكن كما كشفت هذه الانتفاضة قلة حيلة السلطة
وارتباطها باسرائيل، كشفت بنفس الدرجة قلة حيلة حماس وارتباطها بالسلطة.
النائب عبد الجواد صالح يؤكد هذا الرأي بتعليق له عن حماس والمعارضة بشكل
عام فيقول: "دورهم كمعارضة يتناقض مع موافقتهم على المشروع الامريكي
الاخير. لماذا لم يطالبوا بعملية ترتيب البيت الفلسطيني وتهيئة الشعب
للمواجهة؟ ثم كيف يتحدثون عن وحدة وطنية والقرار بيد واحد، كيف يكون ذلك
وهم لا يشاركون في عملية اتخاذ القرار؟
"ومن المهم لفت النظر هنا الى
ان السلطة اخطأت بسبب تهديد اسرائيل باتخاذ اجراءات ضدها. فقد ادركت
اسرائيل ان لدينا حكما فرديا، وان شخصا واحدا فقط هو الذي يقرر. فركّزت
ضغوطها عليه كمفتاح لوقف النضال الفلسطيني. وقد نجحت في ذلك الى حد كبير.
ولو كانت هناك مؤسسات متعددة ذات صلاحيات لاتخاذ القرار، لكان بالامكان
توزيع المسؤوليات، وحتى لو ارتكبت اسرائيل جريمة ضد الشخص، فلن يؤدي هذا
لانهيار المؤسسة كلها. بلا شك كان التفرد بالقرار نقطة الضعف الفلسطينية".
عن مقارنة حماس بحزب الله
يشير الصحافي فؤاد ابو لبدة من رفح بكثير من الصحة الى "ان حماس ليست حزب
الله، اذ ان حزب الله كانت مدعومة من الحكومة اللبنانية التي افسحت لها
المجال للمقاومة دون ان تعتقل عناصرها او تضايقهم في لقمة عيشهم، بخلاف ما
يحدث في مناطق السلطة الفلسطينية".
ويضيف ابو لبدة: "اليسار
الفلسطيني هش ويعيش ازمة مستعصية ويفضل الاستسلام لامجاد ماضيه بدل مواجهة
الحاضر والمستقبل، لذلك فهو غير قادر على استلام زمام المبادرة وقيادة
الجماهير باتجاه المعارضة الشعبية للاتفاقيات. ويكفي على ذلك مثالا احتفال
اليسار بمناسبة الاول من ايار في افخم فنادق غزة، بدل ان يكون ذلك في
الشارع، ودعوة شخصيات برجوازية من السلطة لحضوره بدل الشعب العامل. اما
التيارات الاسلامية فكثيرا ما تتناغم مع موقف السلطة وغير معوّل عليها ولا
تبحث ان تكون بديلة للسلطة على الاطلاق".
لا شك ان عدم وجود معارضة
حقيقية لعرفات هو الذي جعله يوقع على اتفاق تنيت، وبقاء هذا الوضع على حاله
هو الذي يجعل من الوارد توقيع عرفات على اتفاق مع الحكومة الاسرائيلية،
خلافا لما يراه معظم من تكلمنا معهم.
خضر
وصالح وخريشة يستبعدون تماما قيام عرفات بالتوقيع على اتفاقية يجمِع
الكل انها مذلة، ولكن تحليل بعضهم يصبح اقل وضوحا عندما يصرّحون بانفسهم ان
اسرائيل لا تريد القضاء على السلطة لانها لا تملك عنها بديلا، وان "عرفات
هو الوحيد الذي يمكن ان يقدم لها البضاعة"، كما يقول مثلا عبد الجواد صالح
مشيرا الى: "ان تهديد اسرائيل لعرفات هو عملية ارهاب لاخضاعه. انها معنية
ببقائه والا فهي قادرة على تفكيك سلطته".
ولماذا تكون اسرائيل معنية
ببقاء عرفات، الا للوصول معه لاتفاق يضمن امنها واستقرارها؟ واي دور آخر
يمكن ان يكون له اذا هو رفض التوقيع على اي اتفاق يطرحه الاسرائيليون
والامريكان، والذي من الواضح انه سيلغي حقوق الشعب الفلسطيني؟ النائب خريشة
نفسه يشير الى ان "الهدف من الضربات هو تخويف الشعب، ولكنها ايضا كانت
رسالة للسلطة بان اسرائيل ستضبط الامور ان لم تضبطها هي". فهل عرفات مستعجل
للعودة الى تونس لاستئناف النضال من هناك؟
يبدو ان الشخصيات التي تحدثنا
اليها لا تريد رؤية الاتجاه الذي تميل اليه الخريطة السياسية. كما ان بعضها
كشف انه لا يستطيع اصلا تخيل الساحة الفلسطينية بلا عرفات، فيرى
خضر انه "في مرحلة ما بعد عرفات، وفي ظل
مفاوضات لا يكون هو مرجعيتها، لا يستبعد ان يتم القبول حتى باقل من كامب
ديفيد". ويقول النائب خريشة: "ان غياب عرفات عن الساحة سيضع الشعب
الفلسطيني في خطر، لان البديل هو سلطة يديرها اسوأ اشخاص اوسلو".
وإن دلّت هذه التصريحات فانما
تدل على اننا امام وضع من ضياع القيادة والبدائل والبرنامج للشعب الفلسطيني
وقياداته، وهو الوضع الذي اضعف الجانب الفلسطيني وعرّضه للضغوطات الخارجية،
واجهض انتفاضته، وتركه لعبة بيد عرفات وشلة من المنتفعين الذين سيقودونه
حمايةً لمصالحهم وسلطتهم، الى نكبة جديدة.
صحيح ان الانتفاضة لم تثمر عن
مكاسب حقيقية بسبب غياب المعارضة المنظمة والبرنامج، ولكن لا يمكن تجاهل
التأثير العميق الذي كان لهذه الانتفاضة التي نجحت لاول مرة الفلسطينيين
داخل اسرائيل الى ساحة العراك، الامر الذي اثبت للجمهور الاسرائيلي بشكل
قاطع ان التعايش لن يكون ممكنا على اساس بقاء الاستيطان وحرمان الشعب
الفلسطيني من السيادة الكاملة على ارضه من جهة، والاستمرار بسياسة التمييز
العنصري التي تنتهجها حكومات اسرائيل تجاه مواطنيها العرب.