عدلي صادق :خارطة الطريق الموصلة
تبدو مسألة حصار الرئيس عرفات، موضوعاً
شخصياً ورمزياً، فارقاً، بالنسبة لشارون. ويعرف هذا الأخير،
وأركان حكمه، أن إعادة الأمور الي ما كانت عليه، في بدايات تطبيق
اتفاقات أوسلو ستخلق مُناخ استئناف العملية السلمية، بحيث تنشأ
من جديد، الفرصة الحقيقية للتسوية التاريخية.
فإعادة الوضع الي مُناخ التسوية، يتطلب ـ لزوماً ـ فك الحصار عن
الرئيس عرفات، الذي لم تكن التسوية ستنطلق، بغير دعمه ومساندته،
وبغير وقوفه علي رأس مشروعها. وإعادة الوضع الي مناخ التسوية،
تتطلب إطلاق سراح الأسري جميعاً، وإجلاء قوات الاحتلال عن مناطق
الكثافة السكانية الفلسطينية. أي إعادة الانتشار في مواضع 28
أيلول 2000 دون العودة سياسياً، الي الأيام العقيمة، التي أعقبت
مؤتمر كامب ديفيد في تموز 2000. فالمفترض أن يكون الطرف
الإسرائيلي، قد استوعب دروس الـ 1000 يوم، ليدرك أن السلام لا
يتأسس بالدبابات وبالجرافات، وبمروحيات الأباتشي وبقتل الأطفال.
كما يُفترض أن يكون الطرف الإسرائيلي، قد أدرك مدي الحماقة، في
محاولات إقصاء عرفات، أو استبداله. فعرفات، اليوم، يحظي بشعبية
عارمة، ولم ينل إجماعاً شعبياً وفصائلياً علي زعامته، مثلما نال
في أيام الحصار. ولو أنه رفع الغطاء عن حكومة محمود عباس، لما
استطاعت هذه الحكومة أن تقيم الصلة مع المجتمع الفلسطيني أو مع
الفصائل. فالأمور لا تسير وفق هوي شارون وجوقته. ولن يقبل أي
فلسطيني، من الحكومة ومن غيرها، تأدية الدور الذي يريده شارون،
بعزل عرفات أو إضعافه! سياسة النظام العربي، بادية التقصير حيال
الرئيس عرفات. وربما لم يستهد هذا النظام، في نظرته لمحنة الرئيس
عرفات، بعلاقات هذا الزعيم الوطني مع شعبه، ولا بمعايير إحساس
الفلسطينيين بكرامتهم. فقد كان المؤمل، أن تكون مسألة حصار عرفات،
نقطة حاسمة، علي صعيد الإسهام العربي في التسوية، إن لم يكن علي
صعيد مجمل العلاقات العربية ـ الأمريكية. فالسلام لا يتحقق
بامتهان كرامة الطرف المُعتدي عليه، ولا بتحويل قادة الشعب
الفلسطيني، الي مطلوبين ومسجونين. فالمشهد الماثل أمامنا، اليوم،
لا يساعد علي التسوية: عرفات محاصر، وقائد الفصيل الثاني في
منظمة التحرير الفلسطينية مسجون، ومعه العميد فؤاد الشوبكي، الذي
هو من أركان الجهاز الإداري والمالي، لقوات الأمن الوطني
الفلسطيني، التي ساندت التسوية وتحملت عبئها علي الأرض. ومروان
برغوثي مسجون، وهو النائب المُنتخب، الذي ساند التسوية، من
المنطلق الوطني، وحسام خضر مسجون، وهو النائب المُنتخب، الذي
ساند التسوية من ذات المنطلق، وكان صوتاً قوياً ضد حالات الفساد
والخلل الإداري. ورفيقنا عبد الرحيم ملوح (أبو شريف) الأمين
العام المساعد، لفصيل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مسجون، وهو
القائد الوطني الذي يُعد جزءاً من نسيج القيادة الوطنية
الفلسطينية، التي كانت حاضرة، في وضعية التحقق الوطني سلمياً.
وقادة آخرون ميدانيون، ومناضلون، كانوا سنداً للتسوية المتوازنة،
رفضوا الخداع الإسرائيلي، ووقفوا يؤدون واجب التعبير عن الإرادة
الفلسطينية، وواجهوا بجرأة، سلام الإملاءات وكسر إرادة شعبهم، من
منطلق أن سلام الخضوع والقوة، لا ينجح، ولا مستقبل له، بل إنه
يُديم الصراع ويؤججه. أبو عمار كان قد عاد الي وطنه، بموجب عملية
سلمية. لم يعد متسللاً، ولم يعد حاملاً مشروع حرب. قرأ الرجل كل
المعادلات، في المنطقة وفي العالم، وراهن علي التسوية. ولم يكن
هو الذي عطّل هذه التسوية. فقد بدأ التسويف وترحيل مواعيد
التنفيذ، حتي كان التعنت الإسرائيلي في كامب ديفيد في العام 2000
من خلال الطروحات الملّغمة والمنقوصة، ومن خلال إنكار أي حق
للاجئين الفلسطينيين في العودة، أو من خلال إنكار مفهوم حق
العودة، بصرف النظر عن آليات التنفيذ! وعندما عاد أبو عمار، كان
يتعامل مع دولة، ينبغي أن لا تتغير التزاماتها الأساسية، وأن
تتغير مواقفها من الاتفاقات، بتغيّر حكامها. وكانت أمريكا نفسها
راعية ـ مع غيرها ـ للاتفاقات، ولم يكن وارداً أن تتغير التزامات
أمريكا، بانتهاء ولاية الرئيس كلينتون. إن وضع الجانبين،
الفلسطيني والإسرائيلي، علي بداية الطريق الصحيح، أو وضعهما علي
بداية خارطة الطريق الموصلة، لا الخارطة ـ المتاهة، يتطلب إنهاء
حصار الرئيس عرفات، وإطلاق الأسري، وتثبيت التهدئة بتوافق وطني
فلسطيني تام، وبإعادة الانتشار في مواضع ما قبل 28 أيلول 2000
وبإنهاء كل الممارسات الإسرائيلية التي تؤجج النفوس وتستحث ردود
الأفعال! |