مروان يحكي لنا القصة
عدلي صادق
ليس هناك من زيادةٍ لمستزيد، علي مستوي كلام المحامين، وعلي
مستوي كلام مروان برغوثي نفسه، أمام المحكمة التي يُجلب اليها،
بهدف إشراكه قسراً، في مسرحية سخيفة حسب تعبيره. كما ليس هناك
زيادة لمستزيد، علي مستوي المؤازرة العاطفية، في هذا اليوم، الذي
يُصادف مرور سنة، علي اعتقال هذا القائد الوطني الشامخ، الذي
تقدم سياسياً، لكي يضطلع بدوره، عندما تراجعت الأطر العُليا،
وعندما توارت عن الأنظار، في اللحظات العسيرة، قيادات الموازنات
المالية الإغراقية، أو عندما عز الصوت الفتحاوي الجسور، الذي
يدافع عن الثوابت الفلسطينية، بقدر ما يدافع عن التسوية
المتوازنة، بلغة رصينة متدفقة، هي لغة إبن البلد المتجذر في أرضه،
ولغة أم الطفل الحقيقية، لا لغة المرأة النصابة، التي تدعي
أمومته!
مرور 365 يومياً علي تغييب أبو قسام عن الساحة الوطنية، يمثل
برهان التعثر الحقيقي للتسوية، ضد مؤشرات التحريك المزعومة. بل
إن مرور هذه السنة، يفضح الأوراق في كل الحقائب. فمن ذا الذي
يصدق، أن حكومة شارون، ستكون شريكة في عملية للتسوية، بينما هي
تُصر علي أن ترمي في بئر عميقة، الصوت الوطني المقنع، ممثلاً في
مروان، كعنوان للقادة الوطنيين المعتقلين، وهي تعرف أن هذا الصوت،
لا الأصوات المتحشرجة والأسيفة، هو القادر علي منح الشرعية لأية
تسوية متوازنة، مثلما كان يستند الي شرعية رفض الاحتلال، عندما
كان يدوي في الأرجاء!
ومرور هذه السنة، يكشف زَيْف وقبح المنطق، الذي دعانا الي إحداث
تغييرات في بُنية السلطة، تسهيلاً للتسوية، وأسقط شرطاً متصلاً
بكرامتنا جميعاً، وهو أن يسبق هذه التغييرات، تراجعاً شارونياً
عن اجتياح المجلس التشريعي واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير
الفلسطينية، وحتي عن اجتياح مساحة الصوت المستنير، في حركة حماس
نفسها. فبدل إطلاق مروان، أعتقل حسام خضر، وتيسير خالد. وقبلهما
اعتقل عبد الرحيم ملوح، وحسن يوسف وراكاد سالم، وكان اغتيال
القائد الرمز أبو علي مصطفي ثم كان استهداف القائد الوطني أحمد
سعدات. ولُفقت قضية سخيفة لأخينا العميد فؤاد الشوبكي. وبصراحة،
لم يكن من اللائق، أو من المناسب، إغفال قضية هؤلاء جميعاً، عند
التحدث للمبعوثين الأوروبيين، أو عند التحدث للوسطاء، أو عند
تطيير الردود للإدارة الأمريكية، بصدد موضوع منصب رئيس الوزراء.
فأقل ما يمكن قوله، هو أن نجاح رئيس الوزراء، يتطلب أمثولة علي
المستوي الوطني، تعمل علي تطييب النفوس وتهيئتها، لمرحلة استئناف
المفاوضات، وهي إطلاق سراح المعتقلين السياسيين (علي الأقل) بهدف
إتاحة الفرصة، لتجميع الإرادة السياسية الفلسطينية. أما
الإستجابة لمطلب تسمية رئيس للحكومة، ثم التهيؤ للانخراط في
مشروع خارطة الطريق بدون توافر مستلزمات القدرة وعناصرها
المعنوية، في الجانب الفلسطيني، فإنها (هذه الاستجابة وهذا
التهيؤ) ينشئان حالة قيادية مشوهة، أو مصابة بفقر الدم. فمن
العيب فعلاً، أن ننشغل في موضوع التشكيلة الحكومية، وأن نعلن هذه
التشكيلة، وأن يزهو بها أعضاؤها، وكأن إرادتنا السياسية طليقة،
بينما تقبع في السجون، رموز وطنية محترمة، في مقدمتها مروان
برغوثي!
مروان، بتغييبه القسري، يروي حكاية وطن، وحكاية فتح وحكايات
شارون والأمريكيين والأوروبيين والأنظمة العربية. كأنه، في سنة
واحدة، كتب رواية ملحمية طويلة طويلة، بقدر ما كنت طويلة مساءات
فدوي وأبنائها. ملحمة طويلة طويلة، شبيهة برائعة ليو تولستوي
التي عنوانها حرب وسِلم . ففي خاتمة تلك الرواية، زجت سونيا فتاة
الليل التائبة أو الراغبة في التوبة، بنفسها، في إحدي لجان العمل
التطوعي، لتُنقل الي سيبيريا، بحيث تكون علي مقربة من معسكر
الإعتقال القيصري، حيث يقبع من تحب، فترمقه من بعيد، مكفرة عن
خطاياها. فهل نبدأ في جعل مروان ورفاقه، موضوعاً سياسياً، متصلاً
بمستلزمات عمل الحكومة، وبضرورات التهيؤ الحقيقي لاستئناف
المفاوضات، أم سننخرط في معسكر العمل التطوعي المسخ، بالسخرة،
نرمق مروان ورفاقه من بعيد، مثلما فعلت سونيا ؟ |