عدلي صادق : عرفات.. ونقطتان
غزه برس (3/9)- الحياه الجديده - لأن ياسر
عرفات، في رهانه، وفي خياره الاستراتيجي،
وفي مرونته التي يراعي فيها، الحفاظ على
المشروع الوطني، يمثل صيغة وسطية، قابلة لأن
تحقق هدف الدولة الفلسطينية المستقلة، في
الأراضي المحتلة في العام 1967، وعاصمتها
القدس الشرقية؛ فقد كان وما زال مستهدفاً،
من قِبل حكومة شارون، التي لا تريد التسوية،
ومن قِبل إدارة بوش التي تساندها. ذلك لأن
الصيغة الوسطية، التي يمثلها ياسر عرفات، هي
الأخطر على الذين يحكمون في الدولة العبرية،
والذين لا يريدون الإقرار للشعب الفلسطيني،
بأي حق في السيادة على الأرض، وفي التحرر
الوطني!
بالنسبة لشارون وحكومته، كان لا بد من تضييع
ياسر عرفات، وإخراجه من المعادلة، من خلال
دفعه، اعتباطاً، الى إحدى نقطتين قاتلتين:
إما أن يتحول الى "أنطوان لحد" جديد، فينطوي
تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، من تلقاء
نفسه، ليسقط الرجل شعبياً، أو أن يُحسب،
بالكثير من التدليس ومن الافتراءات
والأكاذيب، على النقطة القصوى المضادة،
فتنشط، على قدم وساق، الديبلوماسية القذرة،
الهادفة الى شيطنة ياسر عرفات، وتصويره على
أنه إرهابي وعدو للسلام، وتحويله الى حالة
قندهارية، كأنها امتداد للطالبان ولبن لادن،
وللحركات التي كان ياسر عرفات يجافيها،
عندما كانت أميركا نفسها، تغذيها وتدعمها
وترعى مؤتمراتها "الفكرية"! × × × العنصريون
الإسرائيليون، الرافضون للتسوية، جربوا دفع
ياسر عرفات، في اتجاه النقطتين، تباعاً، أو
بشكل متزامن. لكن ياسر عرفات، ومعه المخلصون
الأوفياء، لمشروع الاستقلال والحرية، حسموا
أمرهم، مبكراً، ضد مبدأ الاقتراب من النقطة
المخزية، التي تشطبنا، بسبب المظهر اللحدي
العميل، الذي لن يتقبله شعبنا. وعندما يئس
الفاشيون، من محاولات تحويلنا الى عملاء،
والى حراس للمحتلين، بدأوا في محاولات تبعيض
القيادة الفلسطينية، بمعنى وضع البعض منها،
في خانة العدو، واستثناء البعض الآخر،
وملاحقته، بالاعتقال (مروان البرغوثي وحسام
خضر، وزملاؤهما الفتحاويون، الناشطون
سياسياً، وعبد الرحيم ملوح وغيره من
الناشطين السياسيين، من قيادات الفصائل،
وأحمد سعدات وفؤاد الشوبكي بصيغة اعتقالية
أخرى) وبالحصار (إحكام الطوق على الرئيس
عرفات ومن معه) ثم دارت اسطوانة الاتهامات،
لتحاول تكريس مفهوم التطابق، بين عرفات (مع
سائر المعتقلين) والنقطة القصوى المطلوب
شطبها ومحاربتها، بتعاضد أميركي إسرائيلي!
كان شارون وموفاز ويعالون، يستثمرون السعار
الذي استبد بالإدارة الأميركية، بعد 11
أيلول 2001 ليضعوا خطتهم، في سياق خطة
الأميركيين، لمحاربة ما يسمونه "الإرهاب".
ومن دواعي الحزن، أن الأنظمة العربية
المترهلة، امتثلت للتصنيفات الأميركية
الإسرائيلية، لبعض قادة حركة التحرر
الفلسطيني، وأسهمت ـ بصمتها وببعض مداخلاتها
ـ في تكريس مفهوم التطابق بين ياسر عرفات،
والنقطة القصوى، المطلوبة للشطب! × × × لم
يكن الرئيس الأميركي، جورج ووكر بوش،
معنياً، في هذا السياق، بمعرفة الضحية
الحقيقية، وهي الصيغة الوسطية، أو صيغة
التسوية الوحيدة الممكنة، التي يمثلها ياسر
عرفات. فالرجل امتثل تماماً للتصنيف
الإسرائيلي، للزعيم الفلسطيني، وكان
لامتثاله أصداء في العالم العربي، وربما كان
هناك امتثال، على مستوى بعض شرائح النخبة
الفلسطينية، المشتغلة في السياسة، أو في
الميدان الأكاديمي أو في البحوث
والاستطلاعات. باختصار، وبعد محاولة
الآخرين، فرز القيادة الفلسطينية، بات أمام
الذين جاؤوا في خانة "الشركاء" أو
"المقبولين" أحد أمرين، يؤدي، كلاهما، الى
مواجهة الخطر الواحد، وهو محاولات الشطب أو
مصير الشطب. فإما أن يتمسك "المقبولون"
بالصيغة الوسطية نفسها، التي حورب ياسر
عرفات بسببها، وبالتالي أن يتعرضوا لما تعرض
له ياسر عرفات، أو أن يقبل "المقبولون"
بالتماشي مع المحتلين، وفق أجندتهم الأمنية،
التي تقترب بهم من صيغة "لحد" بل من صيغة
أفدح، تؤدي الى الاقتتال الداخلي، وتبتعد عن
الصيغة الوسطية التي لا يطيقها الفاشيون،
وعندئذ سيكون الشطب مؤكداً، وسيكون الذين
دفعوا هذا البعض، منا، الى سلوك هذا الطريق،
هم الذين جنوا عليه! من هنا، تنبثق الحاجة
الى إعادة الاصطفاف الفلسطيني، في نسق واحد،
مع التمسك بالصيغة الوسطية، التي يقف ياسر
عرفات، على رأسها، في بحر عالي الموج.