كياسة اللغة من كياسة الأحوال
لست هنا مدافعاً عن حسام خضر النائب في
المجلس التشريعي الفلسطيني الذي أعلن مجلسه عبر الصحافة أمس أنه
بصدد اتخاذ إجراءات بحقه بسبب تفوهات متكررة بالغت في هجاء وذم
القيادة الفلسطينية وبطانتها لكنني بصدد دفاع واجب عن مجموعة
مفاهيم سيكون من شأن الإطاحة بها وتركها بغير توضيح او دفاع
إلحاق الأذى بالمشروع الوطني الفلسطيني على نحو أعمق وأكثر
بأضعاف مضاعفة من الأذى الذي سيلحق بهذا المشروع جراء تفوهات
حسام خضر أو غيره!
في
مقدمة هذه المفاهيم إن غياب آلية تصويب الاعوجاج ومراكمة
المرارات في النفوس إزاء أخطاء وخطايا وإساءات للقضية وللمجتمع
في ظروف وطنية عسيرة هو الذي يضطر حسام خضر وغير حسام خضرإلى
إنشاء مؤسسة اللسان الخاص أو مؤسسة التفوهات باللغة الاستثنائية
المناوئة للأخطاء والخطايا والإساءات. فلا شيء سيكون أحلى وأسهل
على حسام وغير حسام من أن تتلقف المؤسسات الفاعلة أي نقد أو
تنبيه أو إشارة إلى خلل فتكون لفعاليات التصويب آثارها باعتبار
آن وضعنا لا يحتمل فيروسات الأمراض في أوقات اضطرارنا للسهر على
قضيتنا ولمقاومة هجمة العدو على كل الأصعدة فيما نحن قادرون على
إصلاح عرباتنا لكي لا تسخر الطرقات منا.
ثم
إن حسام نائب منتخب وكلمة منتخب هي التي نضعها في " بوز" المدفع
كلما اضطررنا إلى الرد على التدليس الإسرائيلي بشأن الرئيس
القائد ياسر عرفات فلماذا لا نرى في كلام حسام بعض الانعكاسات
لواقع حقيقي في الشارع بمعنى أن صوت حسام يوفر للمجلس ميزة
الإحاطة بكل تلاوين المواقف في المجتمع من أقصى درجات المبايعة
دون أية ملاحظات إلى أقصى درجات النقد دون هوادة بالتالي فإن
رئاسة المجلس وسكرتاريته تستهدي بتقاليد الديمقراطيات العريقة إن
هي استقبلت كلام حسام برباطة جأش وبثقة زائدة في البنية السياسية
الفلسطينية مع إقرار ضمني بحق الرجل في النقد مهما كان حاداً
طالما أن هدوء النفس غير ممكن من خلال وجود آليات التصويب فهكذا
هو حال الشارع ومن يقل أن حساماً يمثل صوتاً نشازاً بالنسبة لأنف
وحنجرة وأذن الشارع يخادع نفسه بل يخادع القيادة الفلسطينية على
نحو أكثر إساءة لها، من تفوهات حسام!
ثم
لماذا لا نصارح أنفسنا بسؤال مهم: من هو الأكثر ضرراً على السلطة
الفلسطينية الرسمية وعلى المجتمع وعلى القضية شخص " يرقع "
بالصوت فيخرج عن النص بتفوهات مدببة عند نقده للأداء الرسمي أم
شخص يخون الثقة والأمانة فيستغل وظيفته للإطاحة بكل قيم وتقاليد
العمل العام وللإثراء غير المشروع ولإلحاق الأذى بالحالة النفسية
الجمعية للناس وليفاقم غضب المجتمع على أبرياء السلطة وآثميها
معاً؟ لماذا لا يصبح المسيء فعلياً ويومياً لتقاليد العمل العام
هو المشكلة التي ينبغي أن يقول المجلس التشريعي كلمته فيها سريعا
بينما يصبح موضوع " طق الحنك" بغير حيلة أو بغير إساءة فعلية هو
المشكلة التي تقتضي حسماً سريعاً؟
هل نبادر إلى تذكير المجلس التشريعي
بعشرات الحالات والمفاسد التي تقتضي تدخله والتي تعد من مصائب
حياتنا ومن أسباب شقاء الناس في هذه الظروف العسيرة؟
السلطة كالدولة هي شخص معنوي وهي الحكم بين الناس ولم تكن هناك
في لغة حسام عبارات تنكر حق السلطة في التحقق وفي الاستمرار أو
تنكر حق شعبنا في التمسك بمؤسساته لكنه يرى في أداء بعض الأشخاص
العابرين – حسب لغة نظرية الدولة – الذين يشغلون المواقع
التنفيذية كارثة وطنية وهذه تندرج في خانة وجهات النظر لا في
خانة الأفعال " التي يستفيد منها العدو" لا أريد الاستطراد في
هذا السياق وإن كان لا بد من الإيجاز أقول: ليس ثمة علاقة شخصية
بين كاتب هذه السطور وحسام خضر لكننا ربما " نمون" عليه ونتمكن
من إقناعه بالتزام الكياسة في النقد لو توافرت مستلزمات هذه
الكياسة أو مبررات إغلاق مؤسسة اللسان واللغة الخاصة وآليات
معالجة بعض خطايا الأداء أي كياسة الأحوال الداخلية لاسيما في
مثل هذه الظروف العسيرة!
عدلي صادق
الحياة الجديدة/ ص3
26/1/2002 |