تقارير: 4
أسباب رئيسة وراء إسراع أبو مازن في تقديمه الاستقالة
غزه
برس (7/9)- الشرق الاوسط - بعد حوالي 48 ساعة على تقديم تقريره
للمجلس التشريعي الفلسطيني حول انجازات حكومته في الأيام
المائة الاولى من عمره التي طالب فيه باعطائه مزيدا من
الصلاحيات، استقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس (ابو
مازن) امس من منصبه. وتأتي هذه الاستقالة بعد مرور 128 يوما
فقط على اعلان تشكيلها وحلف اليمين الدستورية امام الرئيس
الفلسطيني ياسر عرفات في مقره في رام الله في 30 ابريل (نيسان)
الماضي.
وقدم ابو
مازن الاستقالة مكتوبة الى الرئيس عرفات، وقام بنقلها حسب ما
قاله مصدر فلسطيني لـ«الشرق الأوسط» حكم بلعاوي امين عام مجلس
الوزراء الفلسطيني عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، بينما ابلغ
اعضاء حكومته بقرار الاستقالة عبر الهاتف. وقد كلف ابو مازن
بلعاوي بالاتصال بالوزراء وابلاغهم بقراره هذا، حسب قول احد
الوزراء لـ«الشرق الأوسط». وفي الساعة الثانية عشرة ظهرا اجتمع
ابو مازن مع المجلس التشريعي وقدم استقالته في كلمة شرح فيها
اسباب الخلاف مع الرئيس عرفات، مؤكدا انه ليس خلافا شخصيا بل
خلاف حول اسلوب العمل والتداخل الوظيفي. واعطى أمثلة على ذلك
منها موضوع الاجهزة الامنية وموضوع تثبيت الرئيس عرفات لرئيس
ديوان الموظفين رغم قرار الحكومة اقالته. والتقى المجلس
التشريعي في الساعة الخامسة من بعد ظهر امس مع الرئيس عرفات في
مقره ليستمع الى وجهة نظره في مسألة الخلافات والاستقالة.
واستهل ابو مازن حسب قول عضو المجلس كلمته امام المجلس
التشريعي بالتعبير عن حزنه الشديد واستيائه من المظاهرات التي
استقبل بها خلال اجتماع المجلس يوم الخميس الماضي واتهم فيها
بالخيانة والعمالة للاميركيين. وقال النائب الذي طلب عدم ذكر
اسمه ان ابو مازن اختتم كلمته بـ«اننا نواجه برفض وصد
اسرائيليين لأي طلب نتقدم به بدءاً من الافراج عن الاسرى الى
وقف البناء في الجدار العنصري. والاميركيون من جانبهم يرددون
صباح مساء انهم يدعمون ابو مازن ولا ارى شيئا من هذا الدعم لا
من الاسرائيليين ولا من الاميركيين، انني لا أرى سوى الاحراج».
وحسب المصدر فان ابو مازن قال بلهجة عامية «يبدو ان الله
خالقني غلط وما حد عاجبه شكلي لا انتم ولا الاميركيين ولا
الاسرائيليين». وقال عضو آخر في المجلس التشريعي لـ«الشرق
الأوسط» ان ابو مازن حمل في خطابه امام المجلس التصريحات
الصادرة عن الاميركيين والاسرائيليين ووعودهم الفارغة، مسؤولية
التأزم الحالي. ولم يقبل الرئيس عرفات الاستقالة كما قالت بعض
المصادر الفلسطينية بل انه اجل رده الى حين الانتهاء من بحثها
في سلسلة من الاجتماعات للقيادة الفلسطينية (اللجنتان
التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والمركزية لحركة فتح)
التي يفترض ان تكون قد بدأت الليلة الماضية، اضافة الى المجلس
التشريعي. والسيناريوهات المطروحة كما قال مسؤول فلسطيني مقرب
من ابو مازن لـ «الشرق الأوسط» هي: اولا: ان يرفض الرئيس عرفات
الاستقالة ويطلب من ابو مازن الاستمرار في مزاولة عمله، على
اساس حصول مصالحة بين الرجلين تشمل سحب ابو مازن استقالته من
عضوية اللجنة المركزية، واذا لم يفعل ذلك فلن تقع المصالحة.
ثانيا: ان يقبل عرفات الاستقالة ويكلف ابو مازن من جديد تشكيل
حكومة اخرى وهذا سيجعل ابو مازن يتقدم بشروط جديدة، سيرفضها
بالتأكيد عرفات ـ حسب قول المسؤول. ثالثا: ان يقبل عرفات
الاستقالة ويكلف شخصا آخر بتشكيل جديد. ومن المرشحين لهذا
المنصب حسب الاولوية ابو علاء، وهو يشترط ان يكون هناك قبول
فلسطيني واسرائيلي واميركي وعربي لتوليه مثل هذا المنصب وفق ما
قاله المسؤول الفلسطيني الذي طلب عدم ذكر اسمه. والمرشح الثاني
هو سلام فياض الذي اثبت نزاهة مالية خلال توليه حقيبة المالية
منذ اكثر من عام. وينظر اليه بايجابية في الشارع الفلسطيني وهو
مقرب من عرفات كما ينظر اليه بايجابية في تل ابيب وواشنطن. لكن
مشكلة فياض انه ليس عضو لجنة مركزية في «فتح» وهـذا سينطبق على
منيب المصري المرشح الثالث وهو الثري الفلسطيني ورجل الاعمال
الذي كان مرشحا لرئاسة الحكومة مع ابو مازن في مارس (اذار)
الماضي. وهناك من يطرح نبيل شعث عضو اللجنة المركزية لفتح
ووزير الشؤون الخارجية. ولكن الاستقالة لن تكون نهاية الازمة
السياسية على الساحة الفلسطينية بل ستفتح باب الصراع على
مصراعيه على الاقل خلال الاسابيع القليلة المقبلة مما سيخلف
اثارا سلبية على القضية الفلسطينية، على حد قول المسؤول. لذلك
يقول هذا المسؤول ان الجهود لا تزال تبذل من اجل التوصل الى
صيغة توفيقية يسحب ابو مازن على اساسها استقالته. وجاءت
استقالة ابو مازن نتيجة مجموعة من الأسباب في مقدمتها تراكم
الخلافات بينه وبين الرئيس عرفات الذي كان آخرها موضوع السيطرة
على الاجهزة الامنية وهي الشعرة التي قصمت ظهر البعير على حد
قول مسؤول فلسطيني كبير لـ«الشرق الأوسط»، اذ اصر ابو مازن
ودعمته في ذلك الادارة الاميركية، على ان تكون هذه الاجهزة
خاضعة لوزارة الداخلية التي يترأسها ويتابع اعمالها اليومية
وزير الدولة لشؤون الامن محمد دحلان المرفوض اصلا من الرئيس
عرفات. ومن الاسباب الاخرى التي دفعت ابو مازن للاسراع في
تقديم استقالته كما قال المسؤول، اكتشافه ان المجلس التشريعي
باغلبيته يقف ضده ولا يدعمه خلافا لما كان يقوله بعض المقربين
منه. وهو بذلك تفادى حجب المجلس الثقة عنه وحكومته في ما لو
استمر في منصبه وفي خلافه مع عرفات. يذكر ان 18 نائبا ينتمون
الى المعارضة التقليدية وليسوا من عناصر فتح الملتزمين، تقدموا
الى رئيس المجلس التشريعي احمد قريع (ابو علاء) في جلسة يوم
الخميس الماضي لحجب الثقة عن ابو مازن. وارتفع عدد النواب
المطالبين بحجب الثقة خلال اليومين الاخيرين حسب بعض المسؤولين
الى أكثر من 55 عضوا من أصل 84 عضوا. يذكر ان عدد اعضاء المجلس
الاصلي هو 88 عضوا وانخفض العدد الى 84 بعد استقالة حيدر عبد
الشافي احتجاجا على عدم فعالية المجلس ووفاة احد الاعضاء
واعتقال اثنين منهم وهما مروان البرغوثي امين سر اللجنة
الحركية العليا لفتح في ابريل (نيسان) 2002 وحسام خضر الذي
اعتقل في17 مارس (اذار) الماضي. والسبب الثالث هو مظاهرات
شبيبة فتح واعضاء من كتائب شهداء الاقصى ـ الجناح العسكري
لفتح، التي استقبلته امام مقر المجلس التشريعي والشعارات التي
رددها المتظاهرون ضده وضد وزير أمنه دحلان من بينها «يابو عمار
دوس دوس على كل خائن وجاسوس» و «يا عباس ويا دحلان بعت الوطن
للاميركان» و«اللجنة المركزية لا يشرفها العملاء والخونة» في
اشارة الى استقالة ابو مازن من عضويتها. وقد تركت هذه المظاهرة
وشعاراتها التي لا يعتبرها ابو مازن عفوية، جرحا عميقا في نفس
ابو مازن وهو الرجل المعروف بحساسيته ورفضه لاي انتقاد ناهيك
الاتهام بالخيانة كما قال مصدر «التشريعي» الذي اكد انها كانت
السبب الرئيسي الذي عجل في استقالة ابو مازن. واكد ذلك وزير
الاعلام نبيل عمرو وهو من المقربين لابو مازن بقوله «ان
الأحداث التي جرت في مستهل جلسة المجلس التشريعي الفلسطيني،
يوم الخميس الماضي، مست برئيس الوزراء الفلسطيني، محمود عباس،
بشدة». والسبب الرابع هو غضبه من التصريحات الاميركية
والاسرائيلية، وحديث الاميركيين والاسرائيليين عن الوعود
الفارغة للدعم والتأييد له. وكما قال ابو مازن في خطابه امام
التشريعي، فانه يواجه بصد اسرائيلي لكل مطالبه، وتصريحات
اميركية فارغة بدعمه لا تفيده بشيء سوى الاحراج.
|