New Page 1
حسام خضر النائب الأسير المحرر رئيس لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين يلتقي صحيفة القدس
07/09/2008 15:21:00
حسام خضر النائب الأسير المحرر رئيس لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين لـ "القدس":
-
حالة الانقسام نكبة كبرى جديدة توازي النكبة الأولى في آثارها
-
لا يوجد مخرج أمام شعبنا إلا الحوار الوطني المسؤول على أرضية الثوابت الوطنية
-
المؤتمر الحركي السادس في ارض الوطن فلسطين
-
الأسرى يعيشون معاناة حقيقية تتطلب تدخل كافة الجهات لتخفيف معاناتهم وتحريرهم
-
تنقلت بين جميع مراكز التحقيق وفي اليوم التسعين هنأني ضباط الشاباك بانتصاري عليهم
-
الأسرى أسهل ملف يمكن لإسرائيل تقديم استحقاقات بشأنه ويجب أن يكون أول علامة على التزامها بالسلام
نابلس/ حاوره سهيل خلف وغسان الكتوت
بعد عملية تحرير الأسرى التي ضمت سعيد العتبة أقدم أسير لدى إسرائيل (امضى31 عاما في الأسر) وحسام خضر أكثر أسير فلسطيني من حيث عدد مرات الاعتقال (اعتقل 24 مرة) وأبو علي يطا وآخرين أجرت "القدس" اللقاء التالي مع القائد الوطني حسام خضر.
حيث أكد النائب الأسير المحرر حسام خضر رئيس لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين والقيادي البارز في حركة فتح، أن الأسرى في سجون الاحتلال يعيشون معاناة حقيقية تتطلب تدخل كافة الجهات لتخفيف المعاناة عنهم وتحريرهم.
وانتقد خضر استمرار حالة الانقسام على الساحة الفلسطينية الداخلية معتبرا أنها تشكل نكبة جديدة توازي في آثارها الكارثية النكبة الأولى عام 1948 وأنها أجمل هدية نقدمها للاحتلال طواعية، ودعا الرئيس أبو مازن العمل فورا على جمع حركتي فتح وحماس على طاولة واحدة للحوار كرأس للشرعية السياسية للشعب الفلسطيني. وأشاد خضر بحملة الافراجات التي تمت وقال أنها شكلت اختراقا للخطوط الإسرائيلية الحمراء والمحرمات وتعتبر نقطة تحول جديدة في ملف المفاوضات حول الأسرى، ونقطة تسجل لصالح الرئيس أبو مازن ومن شانها أن تعزز موقف حماس ولجان المقاومة الشعبية في التفاوض على صفقة شاليط.
وتحدث خضر في المقابلة عن مضمون الرسالة الخاصة التي يحملها من أسرى حركة فتح لقيادة الحركة بضرورة عقد المؤتمر العام السادس في ارض الوطن وعلى أسس ومعايير جديدة تأخذ بعين الاعتبار تدافع الأجيال والنهوض بالمؤسسات الفتحاوية وإعادة المكانة والرياده لفتح في قيادة الشعب الفلسطيني.
وعرض خضر في المقابلة تفاصيل عملية الاعتقال التي تعرض لها قبل نحو خمس سنوات ونصف السنة ومراحل التحقيق التي مورست عليه والتهم التي وجهت إليه، وتحدث بإسهاب حول الأوضاع الصعبة التي يعيشها الأسرى في السجون، مطالبا المفاوض الفلسطيني بان يتشبث بإطلاق سراح كافة الأسرى دون تمييز وتحديدا أسرى ما قبل أوسلو وأسرى القدس والداخل والعرب والمرضى والأسيرات والأطفال.
وفيما يلي نص المقابلة:
· كيف تقرأ تفاعل الجماهير مع حملة الافراجات الأخيرة؟
لم أتفاجأ بعطاء شعبنا وحجم الجماهير التي تواجدت عند معبر بيتونيا رغم منعهم من الوصول للمنطقة، كان لقاء مؤثرا جدا، الآلاف هجموا على السيارة التي كنت فيها أنا وسعيد العتبة وأبو علي يطا حيث كانوا يريدون منا أن ننزل إليهم ولكن ذلك لم يكن ممكنا لضيق الوقت وكثرة الحضور والتزامنا ببرنامج محدد مسبقا، كانت حالة انفعال هستيرية أصابت الناس دفعتني للبكاء لوقت طويل وأنا أرى لهفة الناس للفرح رغم كل الظروف.
فعلى جانبي الطريق اصطف الآلاف من الناس للترحيب بنا، النساء رشت الأرز والحلويات، وفي مقر الرئاسة كان اللقاء الحاشد إلى جانب الرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى شوق شعبنا لتحرير أسراه فهذه اللهفة التي أبداها الناس ليست عفوية وإنما تعبر عن وعي وإرادة حرة وإصرار عميق من شعبنا تجاه أسراه، وهذا وفاء للأسير الفلسطيني الذي يشكل القلب النابض للشعب الفلسطيني المثخن بالجراح.
· هذه الافراجات لم تكن الأولى، برأيك ما سبب تفاعل الجماهير مع هذه الحملة دون سابقاتها؟
وجود سعيد العتبة كأقدم أسير وأبو علي يطا وما يمثلاه لجماهير شعبنا من حالة وجدانية وما عناه ذلك من اختراق للخطوط الحمراء الإسرائيلية أعطاها نوعا من المصداقية، وأنا اعتبرها نقطة تحول جديدة في ملف المفاوضات حول الأسرى، حيث أثبتت للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي أن موضوع الدم على اليدين لا معنى له وان إسرائيل تعلمت الدرس جيدا وهي معنية بان لا يكون هناك شاليط آخر جديد.
· أثارت هذه الحملة لغطا كبيرا في الساحة الفلسطينية بين من يعتبرها انجازا فلسطينيا وبين من يرى فيها دعما لطرف على حساب طرف آخر، كيف تنظر إليها أنت؟
أنا أرى فيها صفقة هامة جدا في ملف الأسرى، فقد ضمت أقدم أسير في سجون الاحتلال، وهي نقطة تسجل لصالح الرئيس أبو مازن ومن شأنها أن تعزز موقف حماس ولجان المقاومة الشعبية في صفقة شاليط، إذ أن أبو مازن نجح بالمفاوضات وحدها بإخراج أسرى كان من المستحيل والممنوع إخراجهم، وهذا يعطي حماس الفرصة للإفراج عن أسرى كنا نعتقد أن إسرائيل لا تريد إخراجهم حتى بصفقات تبادل، وهذا يعطي الأمل بضرورة عدم التراجع عن أي مطلب للإفراج عن شاليط، كما أن هذه الافراجات أقفلت ملف أسيرين محكومين بالمؤبدات كانوا ضمن من تطالب بهم حماس لإتمام صفقة التبادل، وهذا يفتح الباب أمام أسيرين جديدين محكومين بالمؤبدات ليدخلوا في صفقة التبادل مع شاليط، أضافه إلى إقفال معانات وعذاب مئات الأسر الفلسطينية فلماذا لا نرحب بإطلاق سراح أسير واحد؟ نحن نتمنى لو انه مع كل اجتماع بين أبو مازن ومسؤولين إسرائيليين يكون إطلاق سراح ولو أسير واحد من قدامى الأسرى.
· عشت خمس سنوات ونصف بين الأسرى خلال اعتقالك الأخير وتنقلت بين العديد من السجون، حبذا لو تسلط لنا الضوء على حياة وواقع الأسرى والأسيرات؟
إن عملية الاعتقال قاسية جدا ومعقدة ومتداخلة، وهي برأيي تشكل اقتلاعا قسريا للإنسان الفلسطيني من وسطه الأسري والاجتماعي، وما أن يتم الاعتقال حتى تبدأ رحلة عذاب من نوع جديد، وهي عملية صعبة وقاسية يتفنن الشاباك في إخراجها، وكل عملية اعتقال هي قصة بحد ذاتها متكاملة العناصر، المشهد فيها مؤثر وموجع، والتحقيق يتفاوت من شخص لآخر تبعا لثقافة الصمود التي مستها ثقافة أوسلو حيث أن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الاعترافات في هذه الانتفاضة.
تبدأ رحلة الأسر والحرمان وتتوج في زج الإنسان في غرف التوقيف وما تعنيه هذه الغرف من إذلال وتنكيل.
الاعتقال هو جدار يأخذ أوضاعا مختلفة لا يستطيع الأسير التحرر منه.. وفي داخل هذا الجدار ينمو العذاب والألم وجعا دائما.
الواقع داخل السجون صعب جدا، فإدارة السجون شددت الخناق على الأسرى بعد اختطاف شاليط وصعّدت إجراءاتها القمعية التي تمس كافة مناحي الحياة اليومية، وبدأت تربط أي استجابة لمطالب الأسرى بتحرير شاليط.
الأسرى في السجون يعيشون معاناة حقيقية تتطلب تدخل كافة الجهات أولا لتخفيف المعاناة عنهم، وثانيا لتحريرهم. لا يمكن أن تقبل الفصائل بان يبقى الأسرى 30 عاما في السجون دون تحريرهم.
المعاناة التي يتعرض لها الأسرى تأخذ أشكالا عديدة، فهناك اقتحامات مستمرة وتعرية للأسرى، وهناك الإهمال الطبي المتعمد والذي أدى لاستشهاد عدد كبير من الأسرى، كما أن نوعية الطعام المقدم وكميته سيئة للغاية، وهناك مصادرة لحق الأسير في الخروج والدخول للفورة، ومحدودية عدد الذين يسمح لهم الالتحاق بالجامعات، وزيارة الأهل تتم من خلف الزجاج وعبر الهاتف بحيث لا يستطيع الأسير التفاعل مع أهله، وهناك اكتظاظ في بعض الأقسام مما يضطر بعض الأسرى للنوم على الأرض رغم وجود قرار بعدم نوم الأسير على الأرض، فضلا عن عمليات الإسقاط التي تمارس بحق الأسرى أثناء التحقيق وفي داخل السجون، وهناك عدد كبير من المعزولين وبعضهم منذ سنوات طويلة، وظروف العزل صعبة جدا حيث يحتجز الأسير في غرفة أشبه بالقبر، ويعاني الأسرى كذلك من منع الأهل من الزيارات، ومصادرة المراسلات، وكل ذلك يجعل الأسير يعيش حالة قلق دائم.
باعتقادي فان الأسير هو ضحية الاحتلال، وضحية تجاهل المنظمات والفصائل الفلسطينية في ذات الوقت.
· ما الذي جرى في ليلة اعتقالك، وكيف كانت مرحلة التحقيق؟
كانت عملية اعتقالي في 17/3/2003 بحد ذاتها محل خلاف داخل أروقة الشاباك من حيث التوقيت والإخراج، وتطلبت قرارا من شارون كرئيس للوزراء، كما ابلغوني فيما بعد.
بعد ساعة من دخولي للبيت حاصرت قوات كبيرة البيت وتم تفجير واجهة البيت الأمامية بالكامل واستخدموا كمية كبيرة من المتفجرات في ذلك، وأطلقوا الرصاص بشكل كثيف وعشوائي داخل البيت، وفتشوا الحارة بيتاً بيتاً، ثم وضعت في خيمة في معسكر حواره مقيد اليدين ومعصوب العينين، وتم تحويلي صباحا إلى معسكر التحقيق السري وتعرضت لمعاملة سيئة جدا وقاسية ثم نقلت لمركز تحقيق "بتاح تكفا" والتقيت هناك بقيادة الشاباك التي وضعتني في صورة ملفي والأساليب التي سيتدرجون معي فيها في حال إنكاري للملف.
التحقيق كان يعتمد على استمرار جلوسي على الكرسي، يداي موثقتان للخلف ومربوطتان بالكرسي، وقدماي موثقتان بالكرسي، وحرمان من النوم يصل في بعض الأحيان الى 100 ساعة متواصلة، كان الهدف إرهاق الجهاز العصبي ودفعي للانهيار.
وجهت لي عدة تهم بالمسؤولية عن عمليات عسكرية في جبل جرزيم، مستوطنة ايتمار، مستوطنة بركة، مستوطنة بقعوت، وحول وجود بطاقة هوية احد المستوطنين الذين قتلوا في الأغوار بحوزتي، وربط كتائب شهداء الأقصى بحزب الله والحرس الثوري الإيراني، وقيادة كتائب شهداء الأقصى.. وكنت أقول لهم بقي أن تتهموني بالقاعدة.
ومن ثم نقلت الى معزل سجن عكا في ظروف قاسية جدا لمدة 55 يوما وسط طاقم من 8 محققين تناوبوا على التحقيق معي طوال هذه الفترة وبشكل مكثف وفي ظل تهديد يومي باعتقال أختي وأمي، وابلغوني ذات يوم إنهم اعتقلوا أختي بهدف إحداث صدمة تفضي الى انهيار مفاجئ.
نقلت خلال هذه الفترة الى المستشفى أكثر من خمس مرات ولم استطع الوقوف أو المشي بسبب آلام في العمود الفقري والمفاصل، وتمت إعادتي الى "بتاح تكفا" بعد ذلك وهناك عشت مرحلة جديدة أصعب وأقسى لأنهم جاؤوا بتهم جديدة في الملف، وفي اليوم التسعين هنأني ضباط الشاباك بانتصاري عليهم بالتزامي الصمت طوال الوقت وصمودي الأسطوري.
وهنا أتوجه برسالة الى كافة مجاهدي ومناضلي ومقاتلي شعبنا بضرورة الصمود وعدم الاعتراف تحت أي ظرف أيا كانت الأدلة والشواهد لما للصمود من قيمة ومعنى أولا، وثانيا لأنه بعدم الاعتراف يستطيع الإنسان أن يشتري مستقبله وبأقل الخسائر الممكنة، وحتى لو قدمت النيابة العامة كل الأدلة أمام القضاء العسكري الإسرائيلي الظالم وأيا كان الحكم لا يجوز الاعتراف.
وقد قبلت بصفقة خلت من أي بند من البنود الرئيسية واقتصرت على إقرار بأنني كرئيس للجنة اللاجئين قدمت مساعدات مالية لطلبة جامعيين استخدمت دون علمي في مجال عسكري، وكان قبولي بالصفقة لأنه لا يوجد فنها ما يشين أو يعيب ومع ذلك اعتبرها أسوأ قرار اضطررت له.
· خلال وجودك في السجن وقعت أحداث مؤلمة على الساحة الفلسطينية وأهمها ما جرى في غزة، فكيف تصف لنا علاقات الأسرى مع بعضهم البعض؟
استطيع أن أؤكد أن الغالبية العظمى من الأسرى علاقاتهم ممتازة جدا ولا تكاد تفرق بين أسير وآخر من حيث الانتماء السياسي، ويصعب التمييز بين مجموعة وأخرى من الأسرى أثناء الفورة.
في عزل بئر السبع حاولت الإدارة فصل أسرى حماس عن أسرى فتح، ولكنا رفضنا ذلك بشدة، وعندما رأت الإدارة إصرارنا قامت بالفصل في الفورة خاصة أن هناك أسرى من قطاع غزة، وقد أعدنا وجبات طعام للاحتجاج على ذلك وشخصيا قاطعت الفورة لمدة شهر كامل لأني ارفض أن اخرج الى الفورة وغيري ما زال في غرفته، وأخيرا فرضنا على الإدارة إعادة الأمور الى وضعها الطبيعي. فيما أن بعض السجون لا زالت مفصولة حتى الآن، للأسف الإدارة استغلت الظرف لضرب الحركة الأسيرة وإضعافها.
في نفحة حاولنا توحيد الأسرى وخضنا إضرابا لعدة أيام لتحقيق عدد من المطالب ومن بينها توحيد الأسرى، ولكن الإدارة عاقبتنا بنقل أربعة أسرى الى سجن هداريم وكنت أنا احدهم.
اللقاءات والحوارات والزيارات المتبادلة مستمرة، وفي الفورة نتدارس معا اللغات والصحافة والعلوم السياسية والفقه الإسلامي دون أي اعتبار لأي انتماء فصائلي مقيت. وأنا تعلمت العبرية على يد يحيى السنوار احد ابرز قادة حماس وما شعرت في يوم من الأيام أن أي شيء يمكن أن يفرقني عنه.
· ما هي رسالة الأسرى الى أبناء شعبهم في خارج السجون؟
جميع الأسرى ائتمنوني عندما توقعوا الإفراج عني وفي لحظة اختطافي من بين الأسرى –حيث نجحت في وداع الأسرى في كل الغرف رغم انف الاداره التي حاولت جاهده منعي - على وحدة شعبنا وعلى ملف الأسرى، وأنا انقل للقيادة الفلسطينية رسالة مفادها الدعوة الى حوار فوري والعمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية تحضر لانتخابات رئاسية وتشريعية جديدة وتعنى بتقديم الخدمات المطلوبة لتخفيف المعاناة والعذاب عن أبناء شعبنا من جراء استمرار الحصار والإغلاق الذي يمارسه الاحتلال وفك العزلة السياسية عنه.
كما انقل للقيادة ولجماهير شعبنا ضرورة إبقاء ملف الأسرى حيا وحاضرا على طاولة المفاوضات، وعلى المفاوض الفلسطيني أن يتشبث بضرورة إطلاق كافة الأسرى دون تمييز وتحديدا الأسرى ما قبل أوسلو والانتفاضة، وأسرى القدس والداخل والعرب الذين شاركونا مسيرتنا النضالية، وكافة الأسرى الأشبال والنساء في الانتفاضة الحالية، هؤلاء يجب أن يكونوا أول علامة على التزام إسرائيل باستحقاقات السلام. هناك ملفات كبيرة يجب أن تنجز، وملف الأسرى أسهل ملف يمكن لإسرائيل أن تقدم استحقاقات بشأنه، وأنا أسجل للرئيس "أبو مازن" ايلاءه ملف الأسرى الأهمية التي يستحق، بعكس المرحلة السابقة من المفاوضات وما بعدها والتي كان يطرح فيها ملف الأسرى بحياء وخجل وبكثير من المراعاة لمشاعر الإسرائيليين. نثق بان "أبو مازن" سيحرر الكثير الكثير من الأسرى، إضافة الى ما ستحرره صفقة شاليط.
· كيف كان وقع حالة الانقسام عليكم كأسرى؟
لو جمعت ألم 90 يوما من التحقيق المكثف ووضعته في كفة، ووضعت ألمي من مشاهد كانت تبثها الفضائيات حول الاقتتال في كفة أخرى، بكل تأكيد سترجح كفة ألم الاقتتال وهذا هو حال كل الأسرى والمعتقلين على اختلاف توجهاتهم.
لا يمكن أن تقدم في سبيل مشروعك الوطني خيرة أبنائك أسرى وشهداء وجرحى ومطاردين وتكون النتائج هكذا.
والذي زاد من عمق آلامنا أن هذه الأحداث جاءت اثر وثيقة الوفاق الوطني التي قدمتها الحركة الأسيرة والتي أثبتت فيها قدرة الحركة الأسيرة على قيادة شعبنا في مرحلة حرجة من تاريخه السياسي.
يوم انعقاد مؤتمر مكة فرحنا ووزعنا الحلويات، فيما بعد الانقسام شعرنا بخيبة أمل وبعبثية نضالنا الوطني ولا جدواه وعودة قضيتنا الى المربع الأول.
· برأيك ما هي مخاطر استمرار حالة الانقسام؟ وما هو تصورك للخروج من هذه الحالة؟
بدون وحدة وطنية ووحدة شعبنا سياسيا واجتماعيا ونضاليا لا يوجد قضية، لقد عدنا الى المربع الأول حيث النكبة، وهذه نكبة كبرى جديدة توازي النكبة الأولى في آثارها، ففي ظل النكبة الأولى تمكنت الحركة الصهيونية من تحقيق أهدافها في ظل الانقسام الداخلي، وصادرت إسرائيل المزيد من الأراضي وشكلت ملامح كيانها السياسي، وفي ظل النكبة الجديدة إسرائيل ما زالت تصادر الأراضي وتتنكر لحقوق شعبنا، بينما ملامح الكيانية الفلسطينية تكاد أن تتلاشى.
وبالتالي لا استغرب الأصوات الحرة التي خرجت لتنادي بحل السلطة، ولا استغرب ترحيب بعض أبناء شعبنا بعودة الاحتلال لأنه كما في السابق (وهذا قلناه للرئيس الراحل أبو عمار في اجتماع وعلى رؤوس الأشهاد) انه أمام الفساد والممارسات المهينة لشعبنا هناك من تمنى ألا تمتد السلطة الى الضفة الغربية وان تبقى محصورة في غزة وأريحا وتمنوا فيما بعد انه لو لم يكن لنا في يوم من الأيام سلطة وطنية تلك السلطة التي قدمنا من اجلها عشرات ألاف الشهداء ومئات آلاف الجرحى والأسرى، فنحن شركاء فيها بدمنا وعذاباتنا، ونحتاج الى وقفة جادة ومسؤولة وبحجم مأساتنا التاريخية، ونحن نأمل من الأخ الرئيس أبو مازن كقائد للشرعية الفلسطينية الوحيدة المتبقية كشرعيه موحده للشعب الفلسطيني العمل على جمع فتح وحماس وكل الفصائل الفلسطينية على طاولة حوار واحدة وفورا.
لا يوجد مخرج أمام شعبنا إلا الحوار الوطني المسؤول، الحوار على أرضية الثوابت الوطنية والأهداف والرؤى السياسية المتمثلة في انجاز مشروعنا التحرري والاستقلال وعلى كل طرف أن يخلع ثوبه التنظيمي الداخلي وان ينزع "شوّافاته" عن عينيه ويقدم تنازلات تنظيمية للوطن والمواطن وتقديم مصلحة الوطن على مصلحة التنظيم، وأي معادلة تعتبر مصلحة التنظيم أهم من مصلحة الوطن هي معادلة فاشلة ومشبوهة وطنيا.
الوحدة الوطنية سهلة جدا ولا تحتاج سوى الى مصداقية وتحرر من المصالح والامتيازات الفئوية والشخصية التي توفرها المناصب الوهمية والمراكز الكاذبة، وأنا اطلب من الجميع أن يتذكر حقيقة واحدة مفادها أن الاحتلال ينظر الى الفلسطيني الميت على انه الفلسطيني الجيد. والمطلوب إقرار فعلي بضرورة إنهاء الانقسام والعودة للمؤسسات الشرعية واتفاق اليمن وكافة الاتفاقيات السابقة وتحديدا ورقة الأسرى، وورقة الوفاق الوطني التي تصلح كأرضيه للوحدة الوطنية إذا صدقت النوايا وتم الابتعاد عن لغة القتل والتخوين والتكفير والتشهير الممارسة صباح مساء على شاشات الفضائيات وبشكل يسيء إلى تاريخنا.
وأنا كمواطن فلسطيني وكأحد قادة حركة فتح أقول لحماس أننا في فتح معنيون بالحوار ونريد أن ننقذ مشروعنا الوطني، وها هو الرئيس قد قدّم مبادرته ونحن بانتظار ردودكم على هذه المبادرة للخروج من المأزق والذهاب نحو آفاق الوحدة التي ستحمي ظهورنا جميعا وتقوي عودنا أمام هذا الاحتلال الذي لا يفرق رصاصة بين فتح وحماس وشعبية وديمقراطية وجهاد.
· أبديت استعدادك للذهاب الى غزة للعمل على إنهاء حالة الانقسام، على ماذا تراهن؟
أنا على استعداد للتوجه الى غزة فورا كقائد وطني وكقائد في حركة فتح إذا كلفني الأخ الرئيس أبو مازن بذلك، وتلقيت مكالمات هاتفية كثيرة من أعضاء في حماس وفتح في غزة رحبوا بهذه التصريحات، وأنا أنتظر الآن قرار الرئيس أبو مازن ومكتب الرئاسة.
· كقيادي في فتح ونائب سابق في المجلس التشريعي، كيف استقبلت نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة؟
كنت أكثر من تنبأ بخسارة فتح في الانتخابات وأول من مارس النقد العلني والصريح للممارسات التي مست ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان منذ تشكيل السلطة، وكان نقدي الدائم من اجل مصلحة شعبنا أولاً ومن اجل إنقاذ فتح من مستقبل مجهول كان ينتظرها، أجمع المحللون والمراقبون السياسيون بناء على نتائج انتخابات 2006 أن الشعب قد عاقب فتح على كل الأخطاء التي راكمتها في الفترة السابقة، وكان صندوق الاقتراع هو محكمة النطق بالقرار. لذلك أنا لم أتفاجأ من نتائج الانتخابات إنما تفاجأت فقط من الفارق الشاسع في عدد ممثلي فتح وحماس في المجلس التشريعي، وأنا أكثر من تنبأ بان المستقبل السياسي سيكون لحماس وأعلنت عن ذلك مرارا وتكرارا أمام تراكم رهيب جدا من الممارسات السيئة في ظل وجود مجلس تشريعي منح الثقة لحكومة فاسدة ومقصرة ثم جاء تقرير هيئة الرقابة العامة الذي دان هذه الحكومة ثم دانها المجلس التشريعي نفسُه.
وكنت من المرحبين بمشاركة حماس في الحياة السياسية، ولكني وضعت يدي على قلبي عندما فازت حماس لسببين، الأول: ليقيني أن هناك من سيسعى إلى تعطيل قيادة حماس للسلطة. وثانيا: لخوفي من فشل حماس كحركة إسلامية جديدة مراهقة في العمل السياسي تحمل إيديولوجية محددة وتعيش حالة عدم تصالح مع الديمقراطية وتؤمن بان الديمقراطية إفراز للحضارة الغربية.
وقد أثبتت الأيام صحة توقعاتي حين نجح تيار "أوسلو الاقتصادي" في عرقلة الانطلاقة الديمقراطية الجديدة للشعب الفلسطيني هذه الديمقراطية التي رعاها الأخ أبو مازن بإصراره على الانتخابات وتكليفه لحماس بتشكيل حكومتين، لكن حماس للأسف الشديد قدمت ردود فعل عنيفة تجاه محاولة البعض عرقلة مسيرتها ومحاصرتها وزادت المشهد الفلسطيني قتامة.
ولن أجامل احد عندما أقول أن المشهد الدموي في مسرح غزة هو جديد ومؤلم على الساحة الفلسطينية ويحتاج الى إعادة نظر وتقييم للوقوف على حجم الخطأ التاريخي الذي ارتكب بحق شعبنا جراء هذا الاقتتال والانقسام الذي لأول مرة يمس المكون الأساسي في المجتمع الفلسطيني وهو الأسرة ويعطي من جديد شهادتي ميلاد وحسن سلوك للفاسدين الذين حاربناهم نحن شرفاء فتح منذ عام 1994 وحتى 2006 وهززنا عروشهم وممالكهم الى أن جاءت حماس ووفرت لهم المهرب والمخرج من خلال ردات فعل أطلقت العنان لأحقاد قديمه وثأر راكمته سنوات العذاب بحقها من قمع واعتقال وتنكيل ودون الأخذ بعين الاعتبار حرمة الدم الفلسطيني وتقاليد شعبنا العظيم وتجربته تحت الاحتلال.
أتمنى على حماس أن لا تتصرف كردات فعل وبشكل اعنف وأبشع مما مورس بحقها وتحديدا في ملف الاعتقال السياسي الذي ناضلنا ليل نهار ضده ونجحنا في تحجيمه الى حد بعيد من خلال نزولنا الى الشوارع وأمام السجون وفي المجلس التشريعي على علاته وفي الإعلام، والآن على الطرفين العمل فورا على إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم الصحفي حازم أبو شنب الذي ساهم مساهمة فعاله في محاربة الفساد والفاسدين معنا عندما أغلقت أمامنا كل المنابر.
· نقلت رسالة من أسرى فتح الى قيادة الحركة، ما مضمون هذه الرسالة؟
أجل، لقد نقلت رسالة خاصة من أسرى حركة فتح لقيادة الحركة وعلى رأسهم الأخ القائد مروان ألبرغوثي وغيره من خيرة قادة وأبناء حركة فتح وقادة كتائب شهداء الأقصى في السجون بضرورة عقد المؤتمر العام السادس على أسس ومعايير جديدة تأخذ بعين الاعتبار تدافع الأجيال والمؤسسات الفتحاوية، على أن يكون داخل الوطن فلسطين ويستطيع أن يحاسب كل من أساء لحركة فتح وكل من فشل في هذه الحركة وجلل غارها بالعار. وأسرى فتح يصرون على أن يعيد هذا المؤتمر الدور الريادي والمكانة التاريخية لفتح في قيادة الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني وتحقيق أهدافه السياسية في الحرية والديمقراطية والاستقلال لأنها حركة الشعب والشهداء والتاريخ المشرق والمشرّف لشعبنا.
· بصفتك من ابرز القادة المدافعين عن حق العودة وترأس أهم إطار وطني فيه، كيف تنظر الى المشاريع التي يتم تداولها حاليا لإنهاء قضية اللاجئين؟
علينا الاعتراف بان أوسلو تجاوزت ملف اللاجئين ونجحت إسرائيل في إرجائه ضمن ما سمي برزمة الحل النهائي. ومنذ 1948 وحتى الآن هناك أكثر من 50 مشروعا لوأد قضية اللاجئين يقابل ذلك إجماع إسرائيلي على رفض عودة ولو حتى لاجئ واحد الى أراضي 48 فيما برزت في الساحة الفلسطينية مبادرات مشبوهة قدمت تنازلات كبيرة في ملف اللاجئين مقابل بعض الامتيازات التي يوفرها الاحتلال لهذا المتآمر أو ذاك.
وأؤكد هنا أن ملف اللاجئين خط احمر لا يمكن تجاوزه أو العبث فيه وهناك مرجعية دولية تتمثل بالقرار 194 وهناك حقوق وطنية وتاريخية مكتسبة للشعب الفلسطيني على الوفد الفلسطيني المفاوض أن يأخذها بعين الاعتبار، وأي تنازل في قضية العودة سيقابل بردة فعل جماهيرية عنيفة جدا لان قضية اللاجئين تعني أربعة أخماس الأرض الفلسطينية وثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني وان لم نستطيع التوصل الى حل عادل فعلينا أن نبقي قضية اللاجئين خارج أي حل أو مصالحة تاريخية كما يتصور البعض.
· ما سبب امتناعك عن الترشح للمجلس التشريعي؟
وجودي في السجن جعلني أتردد كثيرا تجاه جدوى خوض انتخابات لن أقدّم من خلالها أي شيء، كما أن انتخابات "البرايمرز" التي جرت في فتح لا يمكن إطلاق اسم انتخابات عليها، فقد شوهت صورة فتح الجميلة ونقلت مواقع الصراع من السلطة الى داخل الجسد الفتحاوي وهيأت الأسباب للفشل الكبير في الانتخابات العامة والتزوير والعربدة التي ميزتها واتسمت بها، وكنت في المجلس احد الأصوات الجريئة التي رهنت نفسها دفاعا عن حقوق وأهداف شعبنا الوطنية وتجربته الديمقراطية وحتى قبل الانتخابات السابقة في عام 1996 وفي أثناء وجودي في البرلمان كنت صوتا حرا وجريئا وأحيانا كثيرة كنت احد الأصوات القليلة المعدودة الناطقة باسم الشعب الفلسطيني والتي حملت لواء محاربة الفساد والفاسدين، وهنا يحضرني مقولة "سامح الله الحق إذ لم يترك لي صاحبا"، فقد تشكلت مراكز قوى معادية لي استهدفتني بوقاحة كما في المرات السابقة مع فارق بسيط هذه المرة أنني موجود في السجن، والدليل على زيف هذه الانتخابات وسوء نتائجها أن بعض المرشحين حصلوا على عدد أصوات في البرايمرز لم تحصل عليها قائمة فتح ولا مرشحوها في الدوائر في الانتخابات العامة، كما أن هناك مراكز كان عدد الأصوات فيها ضعف عدد المسجلين.
· ما هي المشاريع المستقبلية أمام القيادي حسام خضر؟
المستقبل أمامي مغروس فيه الأمل والتفاؤل بأننا شعب يستحق الحياة ويستحق أن يضحي الإنسان من اجله رغم السواد الذي يغلف الواقع الفلسطيني الآن.
على الصعيد الشخصي أنا مهتم بملف اللاجئين وهو الأطهر والأقدس والاهم، وسأستمر فيه مدافعا ومناضلا صلبا، كما لدي مهمات وطنية أهمها الوحدة الوطنية وإعادة اللحمة وتعزيزها ومحاربة الفساد والفاسدين وتعزيز وحماية الديمقراطية الفلسطينية الوليدة والنضال من اجلها وفي سبيلها.
وعلى الصعيد التنظيمي أتعهد بالنضال تنظيميا وبكل إخلاص مع كل أبناء فتح الأحرار والشرفاء من اجل إعادة المكانة التاريخية لفتح، وتحرير فتح من الذين تقاسموها وعبثوا فيها والنهوض بها من جديد لان فتح تستحق منا الأرواح والدماء والأموال لأنها صاحبة البرنامج الوطني الأنسب لشعبنا والأوفى لقوافل الشهداء والجرحى والأسرى الذين اعتنقوها من اجل فلسطين ولن يزيدنا العابثين فيها والمدنسين لها إلى إصرارا على ضرورة دمقرطتها وتجديدها وإعادتها للعب دورها العظيم التي تستحق، وهذه مهمات احتاج لعمرين لانجازها مع كل الشرفاء في فلسطين وفتح. واضع بالتالي نفسي تحت تصرف أي إنسان وطني لديه مشروع سياسي قد يخرج القضية من مأزقها ويسير بالمشروع الوطني الى نهاياته وهنا أدعو كافة قادة وكوادر وأبناء فتح الشرفاء إلى التحرك عمليا لاستعادة الحركة إلى أصحابها ولفظ كل الانتهازيين والمتسلقين والمندسين من صفوفها فقد آن أوان العمل والعمل من فلسطيننا وشعبنا.
· إذا طلب منك إرسال رسائل الى الشعب الفلسطيني، الأسرى، اللاجئين، القيادة الفلسطينية، حماس، فماذا تقول؟
أقول للشعب الفلسطيني: الوحدة الوحدة يا أبناء وشرفاء شعبنا الفلسطيني وتحت كل الظروف ومهما بلغت العقبات فشعبنا بدون وحدة سيبقى قبائل متناحرة متنافرة لا معنى لها ولا وزن.
للأسرى: لن تكتمل فرحتنا إلا بإطلاق سراحكم كافة يا أسرانا البواسل وعلى رأسكم أسرى القدس و48 والعرب والأخوات والأطفال والمؤبدات ولن نتخلى عنكم ولن ننساكم.
اللاجئين: حركة الدفاع عن حق العودة وثقافة اللجوء باتت ظاهرة ايجابية مميزة في الشعب الفلسطيني وهذا ما كان يدخل الطمأنينة في نفسي داخل السجن والذي حققت من خلاله حق العودة على الأرض لأني عشت في سجون الداخل على ارض فلسطين التاريخية رغم انف الاحتلال.
للقيادة الفلسطينية: كونوا عند ثقة شعبنا فيكم، واتقوا الله في شعبكم من خلال التوحد على برامج وأهداف وطنية، وأقرأوا تاريخنا المعاصر لتقفوا على حجم المأساة التي عاناها شعبنا من بعض قياداته وعبر كافة المراحل والمحطات والمنعطفات التاريخية وكيف أن فلسطين ضاعت من جراء الاحتراب الداخلي على الزعامات الوهمية تاريخيا.
ولقيادة حماس أقول: أتمنى أن تقرأ حماس الوقائع والأحداث جيدا، وأن تقوم بمراجعة نقدية لكل ما جرى خلال السنتين الماضيتين وإنهاء الوضع الطارئ الذي نشأ في غزة، وان تثبت للشعب الفلسطيني أنها حركة إصلاح وتغيير ومقاومة حقيقية وليست حركة سياسية تسعى للحكم فقط مهما كلفها ذلك من أثمان، وان تسعى للوحدة الوطنية سعيها الى تحرير فلسطين.
وفي الختام اشكر جريدة "القدس" على دورها المميز في مواكبة ملف الأسرى والدفاع عن حقوقهم وتغطية كافة الفعاليات والنشاطات خاصة أنها الجريدة الوحيدة التي يطل من خلالها الأسير في زنزانته المظلمة على حديقة الوطن الجميل.
|