New Page 1
نتنياهو قد يصبح امبراطور الأرض!/سري سمور
02/06/2010 20:37:00
نتنياهو قد يصبح امبراطور الأرض!
بقلم:سري سمور
العنوان أعلاه ليس من باب الكوميديا السوداء،ولا لمجرد لفت الأنظار لجلب أكبر عدد من القرّاء،ولا لرسم مشهد سوريالي(فوق واقعي) لحاضرنا أو مستقبلنا ،بل هذا ما سيحصل فعلا إذا مرت عملية القرصنة،أو الجريمة الكبرى،أو الاعتداء الصارخ،أو إرهاب الدولة أو أو ليست التسمية مهمة الآن،دون رد فعل يتناسب مع دلالات الهجوم ومؤشراته وتبعاته.
ولأنني أعلم أن المشهد متخم بالمقالات والمداخلات والخطابات واللقاءات والتعليقات حول ما جرى،كنت أنوي التزام المراقبة الصامتة،فلم أستطع لأن كل الكلام الذي سمعته يدور في نفس الحلقة؛يقولون بأن إسرائيل مجرمة وتنتهك كل الأعراف والقوانين الدولية؛يا سلام...وما الجديد، إذا ما قلــت للجيفة:يا جيــفه، مــاذا ســوف يــجري ؟ هــل تجيــف؟! كما قال الشاعر العراقي أحمد مطر.
إن المشهد الماثل أمامنا يعطينا الملاحظات والمؤشرات والاستنتاجات التالية ،والتي أرجو من الله ألا نغفل عنها ،لأن الغفلة تعني بأن مرحلة «العلو الكبير» ستطول كثيرا:-
1) الحقيقة المؤكدة في واقعنا هي الاحتلال وتحكمه في مجريات الحياة عندنا ،والاحتلال أكد ويؤكد وسيؤكد لنا مرارا هذا الأمر طالما بقي قائما،هل من جديد في هذا؟ربما لا،ولكن الاحتلال انتقل من مرحلة «كي الوعي» لدينا كفلسطينيين إلى كي وعي كل من يفكر بالوقوف والتضامن معنا.
2) يؤمن المحتل فقط بقدراته ولا يقيم وزنا لأي اعتبارات أخرى،فما دام قويا،وبالمعنى العسكري المجرد للكلمة فلتذهب كل الأعراف والمواثيق الدولية والإنسانية إلى حيث ألقت رحلها الأسرة الدولية صاحبة العين الواحدة؛بن غوريون قال لشارون حين كان يستعد لتنفيذ مجزرة قبية قبل حوالي نصف قرن:اسمع يا أريك ليس مهما ما يقوله العالم عنا ،المهم أن نبقى هنا...ذات السياسة استمرت ونحن نراهن على الحرج الإعلامي لكيان تضخم وكبر وامتلك السلاح النووي ،وأثبت لنا في كل مناسبة أنه لا يقيم وزنا لأي انتقادات واتهامات تذهب أدراج الرياح بعد كل فعلة شنيعة يقوم بها بانتظار الفعلة الشنيعة التي تليها وهكذا،وليعذرني أي زميل من الكتاب والمحللين الذين راهنوا على أن نتنياهو وباراك لن يقدما على حماقة اعتراض السفن بسبب التغطية الإعلامية ،وللوهم السائد بان إسرائيل معزولة دوليا وليست بحاجة لمزيد من المشاكل ،واستمر بعض هؤلاء مع الأسف بنفس التفكير الطفولي،وأستميحهم العذر مرة أخرى، بعد الجريمة بالتأكيد أن نتنياهو زاد الطين بلة،وما دروا رغم كل التجارب ألا قيمة لكل انفعالات الغضب الإعلامي أمام صاحب القوة،وقد يعارضني بعض الإخوة بالقول بأن تقليلي من أهمية ردة الفعل الإعلامية يتناقض مع الحقيقة القرآنية الواردة في سورة الإسراء،وهي أن الخزي وخسارة يهود للمعركة الإعلامية مقدمة لاستعادة بيت المقدس بدليل قول الله تعالى : لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُم، قلت:ليس الهدف هو التقليل من شأن المعركة الإعلامية،لا سيما أن الإعلام ساعد بشكل كبير في تكوين وتأسيس الأساطير المؤسسة للسياسة الصهيونية ،بل على العكس فإن المطلوب هو إعلام قوي وفاعل في مواجهة الأباطيل الصهيونية ،ولكن الركون إلى وهم إحجام الكيان عن القيام بحماقات وجرائم خوفا من ردات الفعل الإعلامية هو ما أغاظني ،وهنا لا بد من التأكيد والتنبيه بأن استبعاد فكرة غزو جديد لقطاع غزة ،تخوفا من ردة فعل دولية ،لا سيما بعد الضجة التي أثارها عدوان العام الماضي هو ضمن هذه الأوهام ،ونمط التفكير الذي لن أكرر وصفي له! والكارثة هي تعميم هذه الفكرة على الناس حتى نكوي وعيهم بأيدينا لا بأيدي عدونا،ثم من قال بأن جهودهم الإعلامية لم تثمر؟هي تثمر ليس لأنهم مهرة في صناعة الإعلام كما نظن ؛بل لأن هذا العالم لا يحترم إلا من كان بيده القوة وفي رأسه المكر وفي قلبه القسوة ،هذا عالم يحفظ اسم جلعاد شاليط،ولكن ذاكرته لا تتسع لواحد من آلاف بعضهم قضى ثلاثة عقود من عمره وراء قضبان واحة الديمقراطية اليتيمة في الشرق الأوسط في صحراء التخلف والبربرية،أظننتم أن مشهد الجرائم في غزة،أو القرصنة في مياه بحر العرب(يوما ما كان اسمه هكذا) الأبيض الذي صبغوه بالدم القاني،ستغير من نظرة هذا العالم ،وتنهي «الطبطبة» عليهم؟لو كان الأمر هكذا لكانت قامت قيامة العالم بنفس حجم قيامته بسبب السفينة أكيلي لاورو،والأمثلة كثيرة ،وليت كثرتها تحرر عقولنا من الأوهام.ملاحظة:ابن كثير يفسر قول الله تعالى: لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُم بـ «يهينوكم ويقهروكم» وليس سواد الوجه بسبب سوء الفعل،والله أعلم بمراده،ولكن ابن كثير يرد على كل من يريد محاججتي بهذه البشرى القرآنية.
3) تفاءلنا بمجيء السيد باراك أوباما إلى البيت البيض وتغزلنا به ،وبادلنا بدوره الغزل في القاهرة واسطنبول،اسطنبول يا سيد أوباما التي قتل حلفاؤك الذين أقسمت لهم أن حلفك معهم كالزواج الكاثوليكي العديد من أهلها بلا مبرر على متن سفينة مدنية،ما علينا، فإذا بأوباما يرجع القهقرى؛ وقد توقعت ذلك في مقال سابق،لأن السياسة لا ترسم بالخطب والشعارات والأحلام والتمنيات وحسن النوايا؛بل بمعادلة واحد زائد واحد المعروفة،وسيمنح أوباما الغطاء لنتنياهو ،ولو سقط الأخير،كما حدث سابقا،فلن يتغير شيء من واقع الحصار والعدوان والاحتلال،وأيام حصار العراق منذ عشرين سنة قبل «عاصفة الصحراء» بشهور حاولت سفن كسر الحصار الذي فرض بقرارات من مجلس الأمن الأمريكي(عفوا الدولي)فقام اللقطاء من المارينز بالواجب الذي تمليه عليهم ثقافة الكاوبوي ،واعترضوا السفن ونكلوا بمن على متنها خاصة ناشطات نسويات ،لمن يريد أن يتذكر،صحيح هم لم يقتلوا كما فعل باراك في المياه الدولية،لكن كل يقتل بطريقته الخاصة،وأوباما مشغول بقتل الفقراء في وزيرستان والبؤساء في أفغانستان،لا ليس ظلما،معاذ الله،فكل عملية قصف بالصواريخ الموجهة المنطلقة من الطائرات بدون طيار ،تكون باتجاه منزل من الطين يشتبه بأن زعيما لطالبان قد دخله،والإعراب عن الأسف لسقوط أبرياء مطبوع وجاهز!وأهز رأسي بالأسف على من ينتظر من الكاوبوي عدلا مع القراصنة،وما درى أن هذا الطربوش من ذاك العقال.
4) اعتادت إسرائيل على تهديداتنا الهوائية برد الصاع صاعين،في الوقت والزمان المناسبين منذ زمن طويل،وتأقلمت مع حكايات استدعاء السفراء والإدانات والاجتماعات الطارئة والبيانات،وبيان يدعو لضبط النفس يساوي الذبيح بالذابح يصدر عن مجلس الأمن،بل ربما قرار من الجمعية العامة يحصل على تأييد الجميع ،عدا امتناع واشنطن ومعارضة مكرونيزيا،فنسلي أنفسنا بأن العالم معنا وأن نتنياهو ليس معه إلا مكرونيزيا فليهنأ بها وأن تغيرا سيطرأ على سياسة واشنطن،انتظرناه عقودا فما علينا لو انتظرناه عقدا آخر،خاصة وأن القدس وقتها ستكون وفق ما يخططون في خبر التهويد الشامل،ويا سبحان الله كل هذا العالم الذي يؤيد حقنا يعجز عن تخفيف الحصار(لا نريد أن نكون طماعين ونطالب برفعه) أو تحرير أسير مريض أو رفع حاجز أو وقف هدم منزل في سلوان،وحسبنا الله ونعم الوكيل،ولا أنسى المسيرات وحرق العلم في المدن العربية والإسلامية والغربية والآسيوية والواق واقية،والهتافات والشعارات الرنانة ،والخطب الطنانة...ثم الهدوء والصمت بانتظار فعلها الجديد القادم،وهكذا في متوالية باتت تثقل صدرنا وتقضم أرضنا وتهدد مقدساتنا وتطيل جوع وحصار أهلنا،وأحسب أن رد الفعل حتى اللحظة لا يخرج عما سبق،كل الاحترام لمن يتضامن ويتظاهر ويبكي بحرقة -أعلم صدقها- لحالنا،ولكن هذا بات روتينيا إلى حد يجعل ما عنونت به المقال أمرا وارد!
5) لو مرّ ما جرى وفق ما قلته في السطور السابقة،فإن نتنياهو سيكون قد حصل،بفعل التقصير العربي والدولي، على تاج إمبراطورية هذا العالم ضمنيا؛فهو اعتدى إجمالا على رعايا عشرات الدول،وبقرار معلن،وتخطيط مسبق ،فما الذي سيردعه مستقبلا ،خاصة أن كل ما جرى قد يكون بروفة لعدوان قادم،ولا ننسى أننا على أبواب مباريات كأس العالم،وذاكرة العالم متطايرة (Volatile Memory) خصوصا في التعاطي مع ....ولا بلاش،حتى لا نتهم بالإرهاب ومعاداة السامية ومحاربة القيم الديموقراطية على الطريقة الباراكية القرصانية!
الفرصة قائمة لإنهاء الحصار الجائر،ولوقف الصلف الصهيوني الذي يتمادى،وسيزداد تماديا،إذا لم يجد من يوقفه وذلك على قاعدة «يا فرعون مين فرعنك»،والصورة وبكل ألم وحزن ستكون ترسيخ العلو الكبير،إذا استمر التعاطي الكلاسيكي المعتاد مع الجريمة الأخيرة،ومن جد وجد ومن زرع حصد!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الثلاثاء 18 جمادى الآخرة-1431هــ، 1/6/2010م
من قلم/سري سمور-جنين-فلسطين-أم الشوف-حيفا
|