New Page 1
عصيان مدني ضد إسرائيل لمنع النكبة الثانية
02/07/2009 09:47:00
زهير اندراوس الجزيرة نت 2/7/2009
في خضم الأحداث المؤسفة والمشينة والمعيبة التي شهدتها مدينة شفاعمرو، ثاني أكبر المدن العربية داخل ما يُسمى الخط الأخضر، لم نتنبه بما فيه الكفاية إلى خطاب بار إيلان، الذي ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الأحد الموافق الرابع عشر من شهر يونيو/حزيران الجاري، وطرح خلاله رؤيته السياسية والأمنية.
ومع ذلك، وعلى الرغم من ذلك نريد أن نوجه سؤالاً ساذجاً: هل تترك الدجاجة قفاها؟ الإجابة على هذا السؤال، المستنبط من مثلنا العربي العامي، هو النفي القاطع، فمن عوّل على أن تقوم الولايات المتحدة الأميركية بتقديم حبيبتها/ربيبتها، الدولة العبرية، كالأيتام على موائد اللئام بسبب مواقفها العنصرية والرافضة للسلام مع العرب، وتحديداً مع الفلسطينيين، تلقى صفعة مجلجلة بعد رد فعل الرئيس الأميركي، باراك حسين أوباما، على خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي وصفه المعلقون السياسيون بأنّه كان خطاباً تاريخياً.
السيد أوباما، قال إنّ الخطاب كان جيداً، أما الاتحاد الأوروبي للنفاق والنميمة، فقد أكد في بيان رسمي أنّ خطاب نتنياهو هو خطوة جدية في الاتجاه الصحيح. وكان لافتاً للغاية ما كتبته الصحافية سيما كدمون في "يديعوت أحرونوت"، التي تعتبر من أبرز الصحفيين الإسرائيليين، بأنّ الخطاب حطّم لأول مرّة منذ قيام الدولة العبرية، حلم إسرائيل الكبرى، ولن يجرؤ أيّ رئيس وزراء قادم في إسرائيل على التنصل من "وعد نتنياهو"، بإقامة الدولة الفلسطينية، على حد وصفها، ناسيةً أو بالأحرى متناسيةً، أنّ دولتها "الديمقراطية" لم تُنفذ منذ إقامتها على أنقاض شعبنا العربي الفلسطيني وحتى الآن أكثر من 60 قراراً صادراً عن مجلس الأمن الدولي وعن هيئة الأمم المتحدة، وبالتالي من المناسب بمكان أن نؤطر هذا التحليل ضمن سياسة غسل الدماغ الذي تؤديه صحافة البلاط العبرية على أحسن وجه.
في اعتقادنا المتواضع جداً فإنّ خطاب نتنياهو كان خطيراً للغاية، وأخطر ما في الأمر هو ما لم يقله نتنياهو عندما وضع النقاط على الحروف وأيضاً على الحروب، في جميع المسائل العالقة والشائكة بصراحة ووضوح تؤكد أنّ الرجل هو صاحب أيديولوجية متطرفة للغاية في كل ما يتعلق بالناطقين بالضاد من المحيط إلى الخليج، ويسير على خطى والده، البروفيسور بن تسيون نتنياهو، الذي صرح مؤخراً بأنّه لا يوجد شعب فلسطيني، وبالتالي فالحديث عن القضية الفلسطينية هو عبثي ووهمي وسرابي، على حد وصفه.
والأخطر من هذا أنّ استطلاع الرأي الذي أجراه معهد ديالوغ/هآرتس أكد بشكل قاطع أنّ الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين توافق على ما جاء في خطاب نتنياهو، وأنّ شعبيته بعد الخطاب ارتفعت بشكل كبير للغاية، وكشف الاستطلاع أنّ 71% من الإسرائيليين يتفقون مع مضمون الخطاب السياسي الذي ألقاه وأظهر أيضاً أنّ شعبية نتنياهو ارتفعت بنسبة 16% في أعقاب الخطاب، علاوة على ذلك، بيّن الاستطلاع أنّ 70% من المستطلعة آراؤهم لا يعتقدون أنّ دولة فلسطينية منزوعة السلاح ستقام في السنوات المقبلة.
وحول ما إذا كان مضمون الخطاب سيساهم في دفع عملية السلام أجاب 67% أنّهم لا يعتقدون أنّ الخطاب سيكون له تأثير على عملية السلام في حين أكد 52% أنّ الخطاب سيحسن من صورة إسرائيل السياسية في الأوساط العالمية، وأظهر الاستطلاع رضا الإسرائيليين عن أداء نتنياهو الذي ارتفع إلى 44% بعد الخطاب بينما كانت النسبة 28% فقط بعد يوم واحد من مناقشة الميزانية.
أي أننّا أمام حالة صعبة للغاية: حكومة عنصرية ومتطرفة مدعومة من شعب تسري في دمائه العنصرية والكراهية لكل عربي على وجه هذه البسيطة، وهذه باعتقادنا التربة الخصبة لتحول الدولة العبرية إلى دولة فاشية وبامتياز، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ القوانين العنصرية، التي يعكف الكنيست الإسرائيلي على سنّها في الآونة الأخيرة باتت القاعدة وليس الاستثناء.
الفلسطينيون في الداخل باتوا، بعد خطاب رئيس الوزراء، في مقدمة المستهدفين من قبل صنّاع القرار في دولة الاحتلال، فنتنياهو، لمن نسي، هو الذي قال عندما كان رئيس المعارضة في الدولة العبرية إنّ العرب في إسرائيل، على حد تعبيره، يُشكّلون قنبلة ديمغرافية موقوتة، وإنّ إسرائيل قادرة على حل المشكلة مع الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وفي قطاع غزة، ولكن المشكلة الرئيسية هي عرب الـ48.
وهذا النهج يتطابق مع تصريح الوزير السابق ونائب رئيس جهاز الأمن العام السابق (الشاباك الإسرائيلي)، جدعون عزرا، الذي قال لصحيفة (هآرتس) بالحرف الواحد: تخلص من العرب في الضفة، تخلص من العرب في غزة، تبقى المشكلة الرئيسية التخلص من العرب في إسرائيل، لا حاجة للتوضيح أكثر من ذلك، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ جميع الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي توافق علناَ وسراً (حزب العمل) على ضرورة تنقية الدولة العبرية من الأغيار، أي غير اليهود، وإذا سلّمنا بأنّ أفكار وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، أصبحت أفكاراً مقبولة على الأكثرية الساحقة من الإسرائيليين، فسنصل إلى النتيجة المنطقية والعلمية بأنّ الدولة العبرية لن تتورع عن القيام بأعمال إجرامية أخرى.
ولا ضير في هذه العجّالة في أن نُذّكر أنفسنا ونُذّكر من نسي بأنّ الوزير العمّالي السابق ورئيس جهاز الأمن العام السابق (الشاباك الإسرائيلي) عامي أيالون، صرح في مقابلة أدلى بها في ديسمبر/كانون الأول من عام 2000 بأنّ الدولة العبرية إذا شعرت بخطر حقيقي عليها فإنّها لن تتورع عن القيام بأعمال كالتي قامت بها في عام 1948، وما جرى في ذلك العام المشؤوم هو تهجير شعب من أرضه ووطنه وارتكاب المجازر الجماعية من قبل العصابات الصهيونية.
وما جاء في خطاب نتنياهو ما هو إلا تأكيد على أنّ الدولة العبرية أنزلت من على الرف المخطط الرهيب لإحداث نكبة ثانية، ولكن بوسائل أكثر عنصرية، ولكنّها مغلفة بأساليب عصرية. رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي ارتفعت شعبيته بعد الخطاب، كما ذكرنا أعلاه،، طلب من الفلسطينيين أن يعترفوا بإسرائيل على أنّها دولة يهودية كشرط لموافقته على منح الفلسطينيين (دولة باستونات) على مقاسات أميركية وأوروبية وإسرائيلية، ولا نستبعد البتة أن يكون بعض زعماء الاعتدال يوافقون على هذا الشرط من تحت الطاولة، ولكنّهم على مرأى ومسمع الناس يقولون عكس ما تعهدوا به، وهذا الأمر ليس غريباً على زعماء "سرقوا" الحكم من شعوبهم وصادروا حرياتها وقمعوا آراءها، وأطلقوا العنان لأجهزة المخابرات لتأديب من يعمل على ما يُسمى في حظائر سايكس/بيكو، المعروفة دولياً باسم الدول العربية بـ"إضعاف النظام الحاكم"!.
المطلب الإسرائيلي، وبالمناسبة إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي أقيمت بقرار من هيئة الأمم المتحدة، بأن تكون دولة يهودية، يعني بالنسبة لنا أن تكون نقية وطاهرة من كل ناطق بالضاد، أي أنّ ما يتستر وراء مطلب رئيس الوزراء هو تهجير البقية الباقية من الفلسطينيين في مناطق الـ48 إلى "الدولة" الفلسطينية، وللتدليل على ذلك، نورد في هذه العجّالة أنّ مسألة تبادل الأراضي بين الإسرائيليين وبين القيادة الفلسطينية "الحكيمة" بقيادة الثنائي السيد محمود عبّاس، والدكتور سلام فيّاض، اللذين لا يمثلان إلا نفسيهما، قد تمّ الحديث عنها، ورشحت أنباء عديدة من مصادر غربية وعربية وإسرائيلية وفلسطينية بأن هناك إجماعاً دولياً على هذه المسألة، وبالتالي فإنّ إسرائيل تمكنت من إملاء قضية التبادل على المجتمع الدولي، وباتت هذه المسألة مطروحة على أجندة ما يُسمى بالمجتمع الدولي المنحاز بشكل واضح للدولة العبرية ولسياساتها ولنزعاتها العدوانية.
وعليه، من الممكن التوصل إلى النتيجة المنطقية وهي: إذا كان التبادل من حيث المبدأ مقبولاً لدى الأطراف المتنازعة والراعي المتحيز لما يُسمى بالعملية السلمية، أي الولايات المتحدة الأميركية، فما المانع من أن تقوم إسرائيل بتطوير مبدأ التبادلية ليشمل أيضاً الأرض والسكان؟
بمعنى آخر: ما الذي يمنع الدولة العبرية -في طريقها إلى تحقيق حلم الدولة اليهودية النقية والطاهرة من العرب- من أن تطالب بأن يشمل التبادل أيضاًَ الفلسطينيين الذين يسكنون في موطنهم، فلسطين، وليس في دولتهم، إسرائيل.
هل توجد ضمانات لإجهاض هذا المطلب؟ خصوصاً وأنّ الاستعلاء الإسرائيلي على العرب بات ماركة مسجلة، خصوصاً أنّ إسرائيل أقوى دولة من ناحية عسكرية في الشرق الأوسط، ووفق التقديرات فإنّ جيشها باستطاعته التغلب على جيوش الدول العربية مجتمعةً، وأصبحت رابع دولة مصدرة للسلاح في العالم متفوقةً بذلك على المملكة المتحدة.
وبما أنّ القوة هي التي تحكم موازين القوى في العلاقات الدولية، فإنّ الطرف الضعيف، أي العرب والفلسطينيين، سيكون مضطراً للموافقة على شروط القوي المدعوم من الأميركيين والأوروبيين، خصوصاً أنّ الأمّة العربية أسقطت خيار المقاومة من أجندتها منذ عام 1973، وتبنت السلام كإستراتيجية لحل الصراع مع إسرائيل، وعرضت المبادرة العربية في عام 2002، التي أكل الدهر عليها وشرب، على الرغم من أنّ وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك، بنيامين بن أليعازر، قال في حديث أدلى به لصحيفة "معاريف" إنّ المبادرة العربية هي أكبر إنجاز حققته الحركة الصهيونية منذ تأسيسها، فيما ردّ رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، على عرض المبادرة العربية في مؤتمر القمة في العاصمة اللبنانية، بيروت، في مارس/آذار من عام 2002 بإطلاق العنان للجيش الإسرائيلي بإعادة احتلال الضفة الغربية المحتلة، في العملية العسكرية المسماة إسرائيلياً بعملية السور الواقي، ومحاصرة الرئيس الفلسطيني، الشهيد ياسر عرفات، حتى تمّ تسميمه وقتله وما زالت قضية اغتياله مسجّلة تحت عنوان: وما زال القاتل حراً وطليقاً.
التهديد المحدق بالعرب الفلسطينيين الذين يعيشون في الدولة العبرية هو أكبر من أن تتمكن الأقلية الفلسطينية في مناطق الـ48 من مواجهته، وإذا أخذنا بعين الاعتبار القوانين العنصرية التي أصبحت موضة عصرية في الكنيست الإسرائيلي، فإنّ سياسة الترانسفير البطيء، أي إجبارنا على التفكير في مغادرة أرضنا وبلادنا ووطننا، قد بدأت فعلياً تخرج إلى حيّز التنفيذ، في ظل سكوت فلسطيني وعربي معيب.
وفي هذا الإطار يمكن التذكير بتصريح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس (أبو مازن) بأنّ الفلسطينيين في مناطق الـ48 هم "عرب إسرائيل"، ولا دخل لهم في حل القضية الفلسطينية، وأنّ مواقفهم المتشجنة لا تساهم في صنع السلام مع إسرائيل، على حد تعبيره.
وعلى الرغم من أننّا نرفض جملةً وتفصيلاً هذه الرؤية الخاطئة، فإنّ المجتمع الدولي، وبطبيعة الحال الدولة العبرية، قد يتمسك بها ويستخدمها لتنفيذ المآرب التي تعكف تل أبيب على تنفيذها ضدنا.
خلاصة الكلام، أنّ وضع الأقلية العربية الفلسطينية في الداخل ينتقل من مرحلة السيئ إلى الأسوأ بسرعة فائقة، ولا توجد ضمانات بعدم المس بنا، مضافاً إلى ذلك أنه لا توجد جهة عربية أو دولية رسمية لصد العنصرية الإسرائيلية، وبالتالي، على جميع التيارات السياسية الفاعلة في مناطق الـ48 الكف عن الخلافات غير الأيديولوجية وغير المبررة، والعمل على تحديد إستراتيجيةٍ واضحةٍ لتدويل قضيتنا قبل فوات الأوان، والتوجه بخطاب واحدٍ وموحدٍ إلى القوى الديمقراطية في العالم ووضعها في الصورة القاتمة.
ولا غضاضة في دراسة معمقة من قبل خبراء في مجال القانون من فلسطينيي الـ48 -الذين يُشكّلون 20% من سكان الدولة العبرية- لفكرة إعلان العصيان المدني (العصيان المدني هو تعمُّد مخالفة قوانين وطلبات وأوامر محددة لحكومة أو قوة احتلال دون اللجوء إلى العنف. وهو أحد الأساليب المركزية للمقاومة السلمية).
وهو أحد الطرق التي ثار بها الناس على القوانين غير العادلة، وقد استخدم في حركات مقاومة سلمية عديدة موثّقة؛ في الهند (مثل حملات غاندي من أجل العدالة الاجتماعية، وحملاته من أجل استقلال الهند عن الإمبراطورية البريطانية)، وفي جنوب أفريقيا في مقاومة الفصل العنصري، وفي حركة الحقوق المدنية الأميركية، وفي حركات السلام حول العالم. إن العصيان المدني في مناطق الـ48، هو مطلب الساعة الملح، لأنّ الوقت لا يلعب في صالحنا، ولكي لا نندم حين لا ينفع الندم.
|