New Page 1
سياقان للاعتقالات الفلسطينية المتبادلة
06/07/2009 13:01:00
سياقان للاعتقالات الفلسطينية المتبادلة
عريب الرنتاوي الدستور 30/6/2009
لا معنى للحوار والمصالحة إن لم يبدآ بتبييض السجون الفلسطينية في الضفة والقطاع من المعتقلين السياسيين ، ولا قيمة للحوار والمصالحة إن لم يؤسسا لاجتثاث ظاهرة الاعتقال السياسي من جذورها ، أيا كانت الظروف ومهما تفاقمت حدة الاختلافات ، فالاعتقال السياسي انتهاك وتعد على الحقوق والحريات حين يقع في دولة مستقلة ، وهو يرقى إلى مستوى الجريمة السياسية حين تمارسه قوى ترزح تحت نير الاحتلال والحصار ، وهو لا يستحق منا ومن غيرنا سوى الإدانة والتنديد.
على أننا ونحن نضم أصواتنا لصوت رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني (الأسير ـ المحرر) الدكتور عبدالعزيز الدويك مطالبين بتبييض السجون الفلسطينية ، كل السجون الفلسطينية من المعتقلين السياسيين ، نميّز بين نمطين وسياقين للاعتقالات التي تشهدها الساحة الفلسطينية: الأول ، يندرج في سياق الانقسام الفلسطيني الداخلي ، حيث تقوم سلطات الأمر الواقع وتصريف الأعمال ، باعتقال خصومها ، إن لرغبة في الثأر والانتقام ، أو كوسيلة للضغط والابتزاز ، وهذا النوع من الاعتقالات يمكن إغلاق صفحته عندما تُقتح صفحة المصالحة والوحدة الوطنيتين.
والثاني ، يندرج في سياق خريطة الطريق وخطة دايتون والتنسيق الأمني ، ومن مقتضياته: استئصال "الإرهاب" وتجفيف منابعة وتدمير بناه التحتية ، و"الإرهاب" هنا كما تعلمون ، يشتمل على مختلف الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية ، وبالذات حركتي حماس والجهاد الإسلامي ، وهذا النوع من الاعتقالات غير مرتبط بالمصالحة ، تفاقم بغيابها ، وسيتواصل بمعزل عنها ، أللهم إلا إذا توفرت إرادة سياسية مختلفة في رام الله ، وهذا ما لا يبدو متضحا في الأفق المنظور على أقل تقدير.
النوع الأول من الاعتقال السياسي ، نجده في غزة تحديدا ، أما النوع الثاني من الاعتقال فيتفشى في الضفة الغربية حصرا ، والتي تشهد حملة مكارثية بالفعل ضد نشطاء حماس والجهاد ومؤسساتهم وطرق إمداداتهم وشرايين حياتهم ، وهي حملة منسقة مع بلير - دايتون - باراك ، وتقوم بها أوساط في السلطة ، أحسب أنها خارجة عن سيطرة فتح ، ولا قدرة للأخيرة على التأثير عليها أو الحديث نيابة عنها.
وربما لهذا السبب بالذات ، جاء جواب الوزير المصري عمر سليمان لرئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل عندما التقاه مؤخرا في القاهرة ، بأن الرئيس عباس ليس قادرا على إطلاق سراح كل سجناء حماس ، وأن المسألة أعمق وأكثر تشعبا من أن تختصر بمرسوم رئاسي يصدر عن المقاطعة في رام الله ، مفضلا إحالة المسألة برمتها على لجنة خاصة ، تجتمع في القاهرة منذ يومين من دون إحراز تقدم ، أولا بسبب عدم رغبة فريق فتح المفاوض في إغلاق هذا الملف قبل مقايضته بملفات أخرى مع حماس ، وثانيا ، ضعف ثقة فتح بقدرتها على الوفاء بأي التزامات تقطعها على نفسها ، ما لم تحصل مقابلها على ما يرضي أصحاب السلطة والقرار الفعليين في الضفة الغربية ، وفي هذا السياق ، ولهذا السبب يبدو من المشكوك فيه أن تنجح هذه الجولة من الحوارات بين فتح وحماس.
من حق حماس أن تطالب بالإفراج عن سجنائها ومعتقليها وان تطالب بوقف ملاحقة نشطائها ومؤسساتها ، كخطوة أولى وشرط مسبق للحوار والمصالحة ، ومن حق فتح أن تطالب بأمر مماثل فيما خص سجنائها في القطاع ، وفي ضوء الموقف من هذه المسألة سوف يتضح من هو المؤيد لاستعادة الوحدة واستئناف المصالحة ، ومن هو المناهض لهما ، من يمتلك زمام قراره بيده ، ومن ارتهنه بيد غيره من "المنسقين" الأمنيين ، أمريكيين كانوا أم إسرائيليين ، ولا نريد أن نطلق أحكاما مسبقة أو ننساق وراء حملة تبادل الاتهامات ، "فالمية تكذب الغطاس ، وإن غدا لناظره قريب".
الوسيط المصري يبدو محرجا في معالجة هذا الملف ، فهو من جهة يعرف مدى حساسيته وإلحاحه عند حماس ، وهو من جهة ثانية لا يريد أن يبدو كم يحرض فريقا من الفلسطينيين ضد خريطة الطريق والتزاماتها ، ولذلك نراه يدير هذا الملف بكثير من التريث المرتبك ، ويشكل له لجانا يدرك سلفا أنها غير قادرة على تناوله وحسمه ، الأمر الذي يجدد مطالبتنا بـ"تعريب الوساطة" بين فتح وحماس ، فضمن اطار "التعريب" يمكن توزيع وزر القرارات والمسؤوليات التي ستترتب على أية توافقات وطنية فلسطينية ، من دون أن يلام فريق بعينه أو عاصمة بعينها ، لا من قبل الإسرائيليين ولا من قبل الأمريكيين ، ومن ضمن إطار تعددي كهذا ، تذوّب الانحيازات والتفضيلات التي يبديها هذا الفريق العربي أو ذاك ، حيال هذا الفريق الفلسطيني أو ذاك.
|