New Page 1
غزة .. جمهورية الخوف إلى متى؟بقلم: نادية عيلبوني
26/08/2009 01:01:00
ليس من العدل أن نتنادى جميعا إلى طرد الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية، في الوقت الذي يتم فيه تجاهل الاحتلال الآخر الذي يتحكم في قطاع غزة . هناك مليون ونصف المليون يعيشون احتلالا أسوأ بآلاف المرات من الاحتلال الإسرائيلي، بحيث يصير من الصعب المقارنة بين ما تتعرض له الضفة الغربية على يد الاحتلال الآن، وبين ما يتعرض له الفلسطينيون في القطاع على يد حركة حماس .
إنها الحقيقة المرة التي لا يريد الفلسطينيون الذين تربوا على العقلية العشائرية والقبلية ، الاعتراف بها. ولا يبدو أن أحدا من السياسيين الفلسطينيين يقيم أيما وزن لما يحدث في جمهورية الرعب التي تتحكم بشعبنا هناك.فلقد اعتاد الساسة الفلسطينيون على التسامح مع الجرائم التي يرتكبها أبن البلد، حتى وإن كانت أشد قسوة وفظاظة من ممارسات المحتل.وكأن ابن جلدتنا هذا " على راسه ريشة"، ولا تجوز محاسبته على جرائمه ، كما لا يجوز اتخاذ أية خطوات عملية تؤدي إلى وقفه عن حده ، والحجة أن ذلك المجرم هو فلسطيني ،وفي عرفنا القبلي أن الفلسطيني محصن بهويته التي يجوز تحت غطائها ممارسة كل الموبقات.
وفي اعتقادنا، أنه لا يكفي أن تدبج المقالات لإدانة ما ترتكبه حركة حماس بحق المواطنيين في غزة من إجراءات ناتجة عن سيطرة عقلية الهلوسة والجريمة . مثل هذه الإجراءات ، لا يمكن أن يقبل بها أي عاقل أو صاحب ضمير. والسلطة الفلسطينية مسئولة مباشرة عما يحدث في الجزء الآخر من الوطن . ففي قطاع غزة يعيش نصف أبناء شعبنا رهينة في يد مجموعة معتوهين تحاورهم السلطة في القاهرة كما تحاور العقلاء .هؤلاء الذين يبيحون لأنفسهم وأد كل ما هو قابل للحياة في المجتمع الفلسطيني ، لا ينبغي محاورتهم إلا باللغة التي يفهمونها والكفيلة بوقفهم عن حدهم .
ولعل الاحتلال أفضل بألف مرة من سلطة تحطم كل ما يمت للمجتمع الإنساني بصلة. فما هو نفع الاستقلال عندما نكون أمام مجتمع محطم ومشوه ويعيش عيشة الكهوف والمغاور؟ مجتمع كهوف تورا بورا الذي تريد فرضه حركة حماس، هو أضر وأسوء بألف مرة من مجتمع يعيش تحت الاحتلال .
أجل، ما سنفعل بالاستقلال في مجتمع لا يقيم أي وزن لحرية أفراده ؟ ما نفع الاستقلال في مجتمع ينظر إلى المرأة في القرن الواحد والعشرين ، كعورة تحتاج إلى محرم أينما حلت وأينما اتجهت؟ وهل هناك أي معنى للحرية عندما يكون البديل حكومة لا تعترف بأبسط حقوق المواطنة لأفراد مجتمعها؟هل البديل العقلاني للاحتلال هو سلطة تطلق النار على ركب مواطنيها لتخلق لهم العاهات الدائمة والشلل التام وتخلق لنا جيشا من المعوقين؟ وما نفع حصول الوطن على الحرية من المحتل عندما تتحكم في مصائر أبنائه مجموعة من المخبولين الذين يريدون جره من أذنه وقسرا إلى الخلف؟
لا يجوز الاستئناس هكذا ، باعتداء حركة حماس على حرية نصف المجتمع الذي تمثله المرأة بتلك الطريقة الخسيسة والوقحة . ولا يجوز القبول بالاعتداء على نصفه الآخر بشتى أساليب القمع والاضطهاد .فالنضال ضد المحتل ،كما طلب الحرية يبقيان من حيث صدقية أهدافهما على المحك إذا لم نحدد منذ البداية شكل الوطن الذي نريد.فالذين يدعون النضال والمقاومة ضد المحتل هم كاذبون إذا لم يترجموا بتصرفاتهم وسلوكهم تطلعهم إلى الحرية بكل أبجدياتها في حياة الشعب اليومية.والإصرار على حيازة كافة أنواع الحريات هو الذي يعطي لأية حركة تحرر بعدها التحرري والحضاري
اليسار الفلسطيني الذي يتباكى الآن على الحريات المنتهكة في قطاع غزة ، كان ساهم هو الآخر بالجرائم التي تحدث الآن في القطاع. أليس هؤلاء هم الذين ابتلعوا ألسنتهم ، عندما كانت الحركة تمارس كافة أشكال التعبئة وغسيل الدماغ للمجتمع الفلسطيني في الماضي؟ أليست هي الجبهة الشعبية التي تغزلت بالحركات الظلامية ووطنيتها وتحالفت معها؟ أين كان هدف التحرر الاجتماعي وتحرير المرأة الذي ادعته هذه التنظيمات آنذاك؟
و السلطة الفلسطينية مسئولة مسئولية مباشرة عن ما يحدث لأهلنا هناك. وفي رأينا ، أنه لا يكفي وقف الحوار مع أولئك الذين سرقوا نبض المدينة واستباحوا كل حرماتها. بل يجب أن تكون هناك خطة عمل ورؤية محددة وواضحة لتحرير أهلنا في قطاع غزة من الذين اغتصبوا روح الحياة فيها ،وغرسوا أنيابهم في اللحم الحي لأبناء المدينة.
لا يجوز أن يبقى أبناء غزة فرجة قبيحة للعالم . وليس من العدل أن تتمتع الضفة الغربية ببعض الحرية في الوقت الذي يحرم نصفنا الآخر من أبسط مقومات الحياة والحريات. فلتكن حربا . نعم، ولما لا؟ أليست الحرب لتخليص القطاع وحتى وإن سقط فيها قتلى هي أشرف بألف مرة من التفرج على الموت البطيء الذي يعيشه أهلنا هناك؟
ثم أية وحدة وطنية تلك التي يمكن أن تجعلنا نمد اليد إلى أناس باعوا أنفسهم وضمائرهم لقوى الخارجية لا ترى في الفلسطينيين وقضيتهم سوى وسيلة لتحقيق طموحاتها على حساب الدم الفلسطيني؟ الوحدة الوطنية لها شروطها التي يقع في المقام الأول منها وجود أناس عقلاء،يحملون ولو الحد الأدنى من الشعور بالمسئولية الوطنية التي تجعلهم يضعون مصلحة مجموع شعبهم فوق كل المصالح .
كلنا يدعو إلى الوحدة الوطنية. هذا الشعار الجذاب والجميل الذي يجعلنا جميعا نعمى عن الجريمة بإلباسها ألف جلباب وحجاب .
لماذا نكره الاحتلال إذن؟ أليس لأنه يريد اغتصاب حرياتنا وحقوقنا؟ أليس لأنه يريد أن يفرض علينا مفاهيمه ورؤيته؟ إذن ما الفرق بينه وبين يريد أن يضيف قائمة مغتصبات لا تخطر ببال أي محتل ، وتمس مباشرة بالحرية والكرامة الشخصية للإنسان؟
أي حجاب هذا، وأي محرم ذاك الذي تريد حركة حماس فرضه على النساء في غزة؟ فهل أصبح الحجاب رمزا لهويتنا الوطنية؟وهل أصبحنا صحراوين إلى الدرجة التي نحتاج فيها لعصا مطوع يجري وراء نسائنا بعصاه وسوطه؟وما هو مغزى فرض لباس غريب على هوية الفلسطينيين؟ الجلباب والحجاب هما من الأزياء الدخيلة على ثقافتنا ،فما هو سر تمسك البعض بهذا الهجين ومحاولة فرضه بالقوة على المرأة في مجتمعنا؟
ونحن بصراحة لم نسمع أن المسلمين الذين حكموا في الماضي الكثير من بلدان الشرق والغرب قد تدخلوا بلباس الناس، أو فرضوا أزياء معينة في البلدان التي حلوا فيها.وإلا لما ظلت المرأة قبل الإسلام وأثناءه وبعده ترتدي العباءة في العراق أو الجلابة في المغرب أو الثوب المطرز في فلسطين ، وتحافظ في غيرها من البلدان على زيها . مثل هذه الهلوسات التي تتخفى بالدين ، تحتاج إلى الجرأة لفضح عوراتها الكثيرة ، نحتاج أول ما نحتاج إلى فك عقدة ألستنا لنقول بصراحة ، ودون لف أو دوران ، أن الفلسطيني الذي حرم من الحرية على يد المحتل، يستحق وبجدارة أن يمارس كافة أنواع الحريات في وطنه. من حق الفلسطيني أن لا يكون متدينا أو مؤمنا، مثلما من حق المتدين أن يكون متدينا. من حق أي من أبناء شعبنا أن يختار العلمانية إن أراد ، وليس من حق أحد فرض دينه ورؤيته عليه.من حق نسائنا أن يستمتعن بكافة أنواع الحريات دون إرهاب أو خوف. من حقهن التعليم والعمل ،كما من حقهن التحرك بحرية ووفق الملابس التي يخترنها . من حقهن الاستمتاع ببحر وشمس بلادهن بالصورة التي يرينها مناسبة ،ودون تدخل من أية سلطة سواء إلهية كانت أم أرضية. .
يجب العمل وبقوة من أجل تعميق ثقافة الحريات والتعبير عن الذات على الأرض الفلسطينية، كما يجب فضح منهج الخوف والنفاق والانتهازية التي ميزت القوى السياسية في فلسطين وخصوصا ، اليسارية منها ، والتوجه بجرأة نحو خلق إطار ليبرالي ثقافي وسياسي واجتماعي فلسطيني يؤسس للدولة المدنية الحديثة ،و يكون بديلا عن ذلك اليسار المهترىء الذي فشل في تحقيق أي تقدم، سواء في المسألة الوطنية، أو في المسألة الاجتماعية ، أو في أي من المسائل التي ادعاها لنفسه، فلا نحن حصلنا على حرية الوطن من المحتل، ولا نحن استطعنا الاحتفاظ بالحد الأدنى من آدميتنا .
ولعل الأهم في هذه المرحلة أيضا ، هو التقدم لحسم الوضع عسكريا مع حركة حماس على الأرض لتخليص المجتمع الفلسطيني من براثنها ومن ثم الانطلاق لتأسيس دولة القانون المدنية التي تعترف بحقوق جميع مواطنيها دون أي انتقاص من أي مكون من مكوناتها.
صحافية فلسطينية مقيمة في فيينا
|