New Page 1
فلسطينية تحلم بان تكون مكان ابو مازن
26/08/2009 01:02:00
عائشة حموضة احلم ان اكون مكان الرئيس ابو مازن
رشا حرزالله- نابلس
تختلف ردود أفعال الناس تجاه الظروف الصعبة التي يمكن أن يتعرضون إليها،والمواقف عادة تفرزها الظروف، فمنهم من يكون من الضعف بحيث لا يستطيع اختراق الهواء بإصبعه، ومنهم من يكون من القوة بحيث يخترق الحجر بصموده.....
وهذا ما حدث مع المواطنة عائشة حموضة من نابلس التي لم تستطع الظروف القاسية التي تعرضت لها من أن تركعها وتسيطر عليها، فكانت أنموذجا للمرأة الفلسطينية التي عشقت التحدي، وتمسكت بأحلامها وطموحها لتخرج من سجن العقول والجدران، فقهرت المستحيل واستطاعت تحقيق ما عجز الكثيرون عن تحقيقه.......
فهي رغم العادات والتقاليد التي أرغمتها على الخروج مبكراً من المدرسة والزواج وهي ما زالت بسن لا يمكن أن يعي مفهوم الزواج وأهميته، والذي كان أولى ثماره طفلة معاقة كانت الدافع لها لتعيد ترتيب بيتها وحياتها ومستقبلها.....
طفلة تربي طفلتها..
تقول السيدة عائشة حموضة: كان عمري عندما تزوجت 14 عاما، لأن ظاهرة الزواج المبكر كانت منتشرة في تلك الفترة بشكل كبير، ولم أكن تلك الفتاة الواعية أو المدركة لجميع الأمور المحيطة لصغر سني، وشاء القدر أن أرزق بفتاة معاقة وهي هبة وعمرها حاليا 9 سنوات، لكن إعاقتها تختلف كثيرا عن المألوف، لأنها تعتبر من الحالات النادرة، وحتى الآن لم يتمكن الأطباء من تشخيص حالتها، فهي مصابة بحالة صرع، وتشنج شبه دائم، تحسن لاحقاً بفضل من الله تعالى وبفضل الأدوية التي أصبحت تتناولها بانتظام ، ومع الصرع كان لديها قصر في أوتار القدمين نتج عنه تقوس بأسفل القدم، مع تأخر بالنمو الفكري والجسمي ،مما حذا بالكثير من الأطباء ممن أشرفوا على علاجها ومتابعتها بالتأكيد على صعوبة شفاءها بل واستحالته وأنه ليس بمقدورها مستقبلاً السير أو النطق ، وأنه علي تقبل الأمر الواقع مع صعوبته، إلا أن إيماني بقدرة الخالق تعالى وحبي لطفلتي دفعاني على عدم تقبل آراء الأطباء والتصميم أكثر على علاجها على الرغم من صغر سني وخبرتي القليلة بالحياة.
وتتابع: كانت حالة هبة في السنوات الأولى من عمرها صعبة جدا، كنت اضطر معها للسفر بمفردي إلى القدس، ومن ثم حصلت على تصريح لزيارة مستشفى في إسرائيل، ومما زاد الأمور تعقيد أنني لم أكن أفهم الأحاديث التي كانت تدور بين الأطباء حول حالة "هبه"، وحتى عندما كانوا يشرحون لي ماتعانيه كنت أفهم بصعوبة بالغة أو عن طريق الإشارات ،لأن لغة التواصل بينهم وبيني كانت الانجليزية، مما دعاني للاستعانة بمرشدة تربوية من مدينة القدس لتجعل الأمور أسهل نسبياً بالنسبة لي.
وبعد6 أشهر عدت من إسرائيل، ونتيجة الصعوبة التي واجهتها من ناحية التواصل اللغوي مع الأطباء نتيجة الأمية والجهل بالقراءة، قررت دخول مركز محو الأمية.
من أمية....إلى جامعية
تضيف السيدة عائشة: لدى دخولي مركز محو الأمية، بدأت أتعلم القراءة والكتابة شيئا فشيئا، وتمكنت من التغلب على هذه المشكلة،عن طريق الدروس الإضافية في المركز ،لكن طموحي لم يقف عند هذا الحد بل انضممت إلى اتحاد العمل النسائي ، وأخذت ببلورة نفسي داخل العمل النسوي، وأصبح لي دور فاعل داخل الاتحاد، وشاركت في كثير من الندوات والفعاليات والأنشطة كان يقيمها اتحاد اللجان سواء في نابلس أو في رام الله، والتي زادت من ثقافتي وانفتاحي، كذلك بدأت أخرج إلى الحياة، وأتعرف على المجتمع بطريقة أوسع، وتطوير علاقاتي مع الناس، وسجلت في العديد من الدورات العلمية منها دورات في الكمبيوتر والمحاسبة واللغة الانجليزية ، والعلاقات العامة مع حصولي على شهادات معتمدة، ومن ثم دخلت مرحلة الثانوية العامة الفرع التجاري و التي تكللت بالنجاح مع حصولي على معدل71%، كل ذلك كان بالاعتماد على نفسي دون مساعدة من أحد في الدراسة، ومن ثم دخلت جامعة القدس المفتوحة قسم الإدارة والأعمال.
وتتابع قائلة: على الرغم من انشغالي أثناء فترة الدراسة، إلا أنني كنت شديدة الحرص على متابعة حالة هبة، وإمكانية جعلها تمشي أو تتكلم، فهي من جعلت مني امرأة متعلمة ، لذلك بقيت على تواصل دائم مع الأطباء إلا أن تحققت المعجزة الإلهية، وتمكنت هبة من النطق والسير، وأكد لي الطبيب المشرف على علاجها أنها أول طفلة مصابة بمثل هذا المرض في العالم تستجيب للعلاج. كانت فرحتي في تلك اللحظات لاتوصف، شعرت أن ذلك كان مكافأة من الله تعالى لي ولها بعد معاناة طويلة، وأيام عصيبة ومؤلمة.
وتضيف :و في أحد الأيام قررت أن أدربها على المشي، وأحضرت لها مايسمى"عظمة" تساعد في حالات تقوس باطن القدم، وكنت أشجعها دائما على السير ، بالرغم من أنها كانت تتألم كثيرا كلما حاولت السير أو الوقوف على قدميها نتيجة قصر أوتار قدميها، وذات يوم عدت إلى المنزل، وإذا بالمعجزة الإلهية الثانية تتحقق، وتتمكن هبة من الوقوف على قدميها والمشي بسهولة، وسعيت بعدها جاهدة لأدخلها روضة أطفال على أنها طفلة طبيعية وكان لي ذلك، وحتى الآن نعاملها في المنزل كباقي أشقاءها، هذا الأمر ساعد في تحسنها السريع، ولازالت تحت رعاية الأطباء لحين تشخيص حالتها بدقة لان تحديد هذا المرض يكون بعد سن التاسعة من العمر
وراء كل إمرأة عظيمة....رجل
نسمع دائما أن "وراء كل رجل عظيم امرأة", لكن يبدو الأمر مختلفا هنا تقول السيدة عائشة: بعد الاطمئنان على حالة هبة وانصهارها في المجتمع، واصلت نشاطي في العمل النسوي وكان ذلك بدعم من زوجي، فهو يقوم بالدور الذي أقوم به عند غيابي عن المنزل لأي سبب من الأسباب، وهذا مازاد من نشاطي في العمل، وتم ترشيحي كعضو في نقابة الزراعة والصناعة على مستوى المحافظة، لتصبح بعدها على مستوى الوطن، وتلقيت العديد من الدعوات لحضور ورشات عمل في الأردن والنرويج، قدمت فيها أوراق عمل وشاركت نقاش قضايا عدة، كل ذلك بسبب تفهم زوجي، وتشجيعه الدائم لي وإيمانه بضرورة مواصلتي واستمراري في العمل والنجاح، ولكن الأمر لم يقف عند تشجيع زوجي فقط فكان لأهلي وأقاربي وحتى جيراني دور بدفعي قدماً
بأحلامي ونجاحي ، والفرحة الكبرى كانت هي عندما تم اختياري لأفضل تسع نساء على مستوى الضفة، وكان ذلك بمثابة التتويج النهائي لكل ما قدمته من انجازات.
حلمي..أن أكون مكان الرئيس
عندما تسأل عائشة عن باقي أحلامها المستقبلية؟ تقول بكل بساطة: أن أكون مكان الرئيس محمود عباس، ولكن لماذا؟ فتجيب: حلمي أن أكون مكانه ليس لأنني أحب تولي المناصب العالية، بل لأن هناك الكثير من الأطفال الذين يعانون كما تعاني ابنتي هبة وممن هم بحاجة إلى علاج قد يكون مكلف جدا، ولايستطيعون الوصول إليه إلا"بالواسطة القوية"، وكوني أم لطفلة مريضة بحاجة إلى علاج دائم أعرف كيف يكون شعور الأم والأهل خاصة في ظل الأوضاع الحالية فكما يقال:" إسأل مجرب ولا تسأل حكيم"، وحلمي يكمن في مساعدة هؤلاء الناس دون"واسطة" وتوفير العلاج لجميع من هم بحاجته.
إلى كل أم فلسطينية..
بكلمة أخيرة توجهها السيدة عائشة إلى كل أم وربة منزل: أن على كل أم أن تسعى لتطوير نفسها، والرقي بمستواها الثقافي بشتى الطرق، والوسائل الممكنة والمتاحة، فالمرأة لم تخلق لتكون في المطبخ فحسب، لذلك عليها النهوض بمستواها من النواحي كافة سواء الثقافي أو الاجتماعي أو النفسي وهناك الكثير من المراكز التي تساعد في تمكين المرأة وإمكانية التغلب على جميع المشاكل التي تواجهها مهما كان نوعها .
|