New Page 1
ماذا يعني اشتراط اسرائيل إعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بها كدولة لليهود
04/07/2009 11:51:00
مهندس/عدنان أبو عيّاش
عباس الأقاليم
* تطالب القيادة الإسرائيلية الشعب الفلسطيني اعترافه وقبوله بإسرائيل كدولة يهودية وهو الأمر الذي لم تحققه الصهيونية حتى الآن في اسرائيل، حيث يشكل الفلسطينيون أكثر من خمس سكانها.
* الصهيونية حركة عنصرية فكراً وممارسة. هل يمكن صناعة السلام مع دولة عنصرية؟ أم أن السلام في المنطقة يتطلب التخلص من عنصرية النظام لإمكان تحقيق دولة يتساوى فيها البشر من كافة الأديان والأجناس في الحقوق والواجبات (ديمقراطية)؟
* برزت المسألة اليهودية في القرن التاسع عشر في أوروبا، وطرحت لها حلول عدة من تيارات مختلفة ليهود أوروبا، كان أبرزها:
الحل الذي طرحته الحركة الشيوعية الذي أكد أن حل المسألة اليهودية يتم من خلال تحرير الشعوب من الرأسمالية والاضطهاد والتمييز بين المواطنين وبذلك سيتم تحرير اليهود من خلال تحرير الشعوب التي يعيشون بينها بانتهاء الاضطهاد الناتج عن التمييز الديني لهم وما نتج عنه من تمايزات اجتماعية واقتصادية في المجتمعات الأوروبية المسيحية، وعليه فإن هذا الحل سيؤدي إلى ذوبان اليهود في المجتمعات الأوروبية كنتيجة للمساواة بين المواطنين التي تنشدها الحركة الشيوعية. هذا الحل طرحه ماركس في كتابه "المسألة اليهودية" الذي صدر سنة 1851 واعتبر لينين لاحقاً الصهيونية حركة رجعية وتعمل ضد قوى التقدم.
بقيت الحركة الشيوعية على موقفها هذا من الحركة الصهيونية حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث عبّرت عن هذا التحول الخطير في موقفها في خطاب مندوب الإتحاد السوفيتي في الأمم المتحدة أندريه غروميكو عام 1948 حيث اعتبر التنظيمات الصهيونية حركات تحرر قومي مبرراً بذلك اعترافه بدولة إسرائيل. شكل هذا الانحراف عن الموقف الماركسي اللينيني أساساً لموقف الحزب الشيوعي الفلسطيني والحزب الشيوعي الإسرائيلي لاحقاً ولعديد من الأحزاب الشيوعية العربية، وهو الأمر الذي تسبب في خسارة هذه الأحزاب لإمكانية قيادتها النضال من أجل تحرير فلسطين وعدم تمكنها من أن تكون معبرة عن آمال وطموح أمتها حيث أصبحت أحزاباً هامشية خلافاً للأحزاب الشيوعية في الصين وفييتنام التي استطاعت قيادة حركة تحررها الوطني بنجاح بسبب رؤيتها الواضحة لقضيتها الوطنية وممارستها لنضالها انطلاقاً من الظروف الخاصة بها.
أما الحل الذي طرحته الحركة الصهيونية فانطلق من واقع الدول القومية في أوروبا والتي استعمرت معظم شعوب الأرض وخلقت أرضية فكرية لدى الفئات اليهودية المتنفذة اقتصادياً أنه بالإمكان قيام كيان تستطيع أن تكون هذه الفئات هي المتنفذة فيه وهذا يتطلب تحويل اليهود من طوائف دينية تعيش ضمن شعوب مختلفة بثقافاتها وأجناسها ولغاتها، إلى شعب يؤمن بالمصير المشترك، مما تطلّب من القيادات الفكرية الدعوة إلى المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا عام1897، والذي تقرر فيه:
1. إحياء اللغة العبرية وآدابها وثقافتها وتنمية الوعي القومي اليهودي.
2. تشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين دون "الإفصاح عن حق اليهود في إنشاء وطن قومي فيها."
3. محاولة الوصول على مشروعية الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
4. إنشاء شركات لتمويل شراء الأراضي في فلسطين.
* إن كتاب هرتسل "دولة اليهود" أكد بشكل واضح الحاجة إلى أرض يسهل استجلاب اليهود اليها، ولإمكان تنفيذ ذلك تم اختيار فلسطين للإفادة من علاقة المتدينين اليهود بفلسطين.
* لم تستطع الحركة الصهيونية تحقيق انجازات كبيرة قبل انتصار الحزب النازي في ألمانيا على الحزب الشيوعي بفارق بسيط عام 1929 برغم فوزهم بوعد بلفور الذي صدر عام 1917 والذي ينص على "إن حكومة جلالة ملك بريطانيا تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وسوف تبذل أقصى جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية. على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن يمس الحقوق المدنية والدينية خلق فوز النازية العنصرية في ألمانيا الظرف الذي التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى." ولم يهاجر إلى فلسطين آنذاك إلا الأعداد القليلة من بولندا وروسيا، وقد استغلته الحركة الصهيونية لتهجير اليهود من أوروبا إلى فلسطين.
الحل الثالث هو الحل الذي طرحته الثورة الفلسطينية : انطلقت حركة فتح في رؤيتها بأن الحركة الصهيونية هي حركة استعمارية اغتصبت أرض فلسطين بالعنف والإرهاب وطردت معظم أهلها إلى مخيمات الشتات وأن الحل الطبيعي هو تحرير أرض فلسطين من الإحتلال الصهيوني وإنشاء دولة ديمقراطية يعيش فيها العرب من مسلمين ومسيحين ويهود وغيرهم بحيث يتمتع جميع سكانها بحقوق وواجبات متساوية. ذلك انطلاقاً من أن اليهود لا يشكلون أمة أو شعباً بحسب جميع التعريفات السياسية للأمم والشعوب، وأنهم أتباع ديانة ينتمون إلى شعوب وأمم مختلفة كما هو الحال بالنسبة للمسلمين والمسيحيين وغيرهم ممن ينتمون لديانات أخرى في العالم، فاليهودي الألماني هو جزء من الأمة الألمانية بثقافته وانتمائه حيث نرى أن اليهود الألمان الذين يعيشون في مدينة حيفا حالياً ويتجاوز عددهم المائة ألف يحملون جميعهم جنسيتهم الألمانية وجوازات سفرهم الألمانية وكذلك معظم اليهود الروس والبولنديين والأمريكيين وغيرهم.. حيث يحملون جنسياتهم الأصلية بجانب جوازات سفرهم الإسرائيلية.
وبغض النظر عن الإدعاء الذي يتبناه بعض الصهاينة- على قلتهم- الذين يشاركوننا الرأي بعدم صحة وجود الأمة اليهودية والشعب اليهودي ويقرون بأن إنشاء دولة اسرائيل جاء على حساب اضطهاد شعب فلسطين وتشريده بالعنف والإرهاب، برغم كل هذا يقولون بأنه قد تكوّن شعب اسرائيلي على أرض فلسطين، وإنهم يبررون شرعية إسرائيل في الوجود على أرض فلسطين بسبب الهولوكوست في أوروبا لابتزاز الأوروبيين أخلاقياً، أما الواقع فإن إنشاء دولة إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني هو ترجمة لممارسة حرب الإبادة والتشريد والإستعمار ضد الشعب الفلسطيني. هذا يوصلنا إلى عدم وجود شرعية أخلاقية لإنشاء إسرائيل على أرض فلسطين على حساب شعب آخر.
انطلاقاً من كل ما تقدم فقد طرحت حركة فتح حلاً انسانياً بتبني استراتيجية الدولة الديمقراطية على كامل أرض فلسطين لجميع الفلسطينيين من كافة الأديان والمعتقدات ومن الإسرائيليين الذين يرغبون في العيش مع الفلسطينيين بسلام على أرض فلسطين في مجتمع تسوده الديمقراطية، شريطة ازالة الظلم عن الجميع وإعادة الحقوق لأصحابها حسب القانون لتصبح بذلك الدولة الفلسطينية واحة سلام غنية بقدرات أهلها ومفتوحة أمام شعوب الأرض من كافة الديانات والأجناس. ويقيناً بأن هذا الحل الذي ينهي العنصرية الصهيونية على أرض فلسطين سيكون مساهمة إنسانية في اجتثاث العنصرية من بين شعوب الأرض والذي يكفل لليـهود تـحريـرهم هم من الصهيونية العنصرية ويزيل عنهم عقدة ظلمهم لشعبنا الذي يذكرنا دوماً بعقدتهم من النازية العنصرية.
إن ما عاناه اليهود والغجر والبولنديون وحتى المعاقون من ظلم النازية العنصرية والذي استفادت منه الصهيونية العنصرية في ايديولوجيتها وممارستها ضد الشعب الفلسطيني يؤسس عند اصحاب الرؤية الإنسانية من اليهود أن لزاماً عليهم مكافحة الصهيونية العنصرية بنفس العزم والروح الذي ينادي به البشر الأسوياء في النضال ضد النازية العنصرية والفاشية العنصرية وعنصرية الأبارتايد في جنوب افريقيا.
لقد تخلصت البشرية من العنصرية ضد الأمريكيين من أصل افريقي ونالت افريقيا استقلالها من الإستعمار الأوروبي، وهكذا فإن قضية فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني لايمكن أن يكونا استثناءً عن باقي شعوب الأرض.
وعودة إلى مطالبة الصهاينة باعتراف منظمة التحرير الإعتراف بيهودية إسرائيل تبرز أسئلة يجب التوقف عندها:
* إن النظام في أي دولة تقرره الدولة نفسها فهي صاحبة القرار بنظامها السياسي، أي أن إسرائيل هي من تقرر في أن تكون دولة لليهود أو دولة لجميع ساكنيها. ولذلك لا يوجد حاجة موضوعية لإعتراف الشعب الفلسطيني بإسرائيل كدولة لليهود.
أما إذا كانت هذه الدولة لجميع سكانها وتريد المساواة بينهم كدولة ديمقراطية فهذا يعني أن إسرائيل لن تكون دولة لجزء من سكانها، وهذا يوضح لنا التناقص بين الديمقراطية ودولة اليهود.
وعليه فمن المنطق أن نطلب من الديمقراطيات الغربية أن تدعم الديمقراطية وأن يكون لها دور فعّال في مكافحة الأيديولوجيا العنصرية والتي نرى نتائجها في الممارسات العنصرية ضد العرب الفلسطينيين من سكان إسرائيل، كما نرى بوضوح ممارسات التمييز العنصري وممارسات إسرائيل كدولة محتلة تمارس جميع صنوف الإضطهاد والسيطرة ونهب الأراضي والموارد الطبيعية والتهجير…..إلخ.
إن الإعتراف المطلوب فعلياً في الظروف السياسية الراهنة هو اعتراف إسرائيل بالدولة الفلسطينية بعد أن أقرت معظم دول العالم بمن فيهم الولايات المتحدة الأمريكية بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وليس الإعتراف بإسرائيل كدولة لليهود؛ حيث أن إسرائيل دولة قائمة ومعترف بها منذ عقود وهي التي حافظت بقوتها العسكرية وتحالفها مع الولايات المتحدة على تفوقها.
إن طرح القيادة الإسرائيلية بضرورة اعتراف الشعب الفلسطيني بإسرائيل كـ" دولة لليهود" هو ابتزاز للمفاوض الفلسطيني حيث يعني ذلك؛ الإعتراف بشرعية الحركة الصهيونية وشرعية احتلالها لفلسطين. هذا بدوره سيؤدي إلى تبديد حق الشعب الفلسطيني بأرضه والتنازل عن هذا الحق لصالح (دولة اليهود). ان إعتراف منظمة التحرير بيهودية اسرائيل هو عمل موجه ضد حق الفلسطينيين المواطنين داخل دولة اسرائيل وهذا الامر يتناقض مع المصلحة الوطنية الفلسطينية ككل، حيث أنه يمكن أن يخلق أرضية لتشريع قوانين اسرائيلية تقضي بشرعية تهجير السكان الفلسطينيين داخل اسرائيل. وحيث أن اعتراف الشعب الفلسطيني بشرعية حق اليهود في فلسطين يعني عدم شرعية حقه بأرضه وتبديداً لحق العودة. إن ما تريده القيادة الإسرائيلية هو مقايضة اعتراف اسرائيل بإقامة دولة فلسطينية على خمس مقطع الأوصال من مساحة فلسطين التاريخية مقابل التنازل عن حق العودة؛ أي شرعية يهودية باقي فلسطين. وحيث أن النضال الفلسطيني يعتمد في مشروعيته التاريخية على قرارات الأمم المتحدة فإن الإعتراف بمشروعية الحركة الصهيونية سيعني بالضرورة نسخ قرارات الأمم المتحدة وبطلان مشروعية النضال الفلسطيني .
أما من الناحية العملية فإننا نرى أن أحزاباً صهيونية تطالب بالتخلص من المواطنين العرب، لتدارك ما يعتبرونه أحد أخطاء حرب1948 بحيث تصبح إسرائيل دولة خالصة لليهود، علماً بأن ما يسمى بـ"وثيقة استقلال إسرائيل" والتي اعترفت الأمم المتحدة بإسرائيل على أساسها، قد تضمنت: (..تقيم المساواة التامة في الحقوق إجتماعياً وسياسياً بين جميع رعاياها من غير تمييز في الدين والعنصر والجنس وتؤمن حرية الأديان والضمير والكلام والتعليم والثقافة وتحافظ على الأماكن المقدسة لدى كل الديانات وتكون أمينة لمباديء الأمم المتحدة.) والأصل في الموضوع هو إبطال الإعتراف الدولي باسرائيل لعدم التزامها بالوثيقة التي تم الإعتراف بها على أساسها في الأمم المتحدة، حيث أن ما ورد بما يسمى بـ"وثيقة الأستقلال" يتناقض والممارسات التي مارستها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ضد الفلسطينيين والتي تؤكد عنصرية النظام في إسرائيل كما تؤكد ممارسات إسرائيل كدولة إحتلال ضد الشعب الفلسطيني هذه العنصرية.
من هنا تتضح ضرورة إعادة بحث المطالبة بإعلان الحركة الصهيونية كحركة عنصرية وضرورة تحرر اليهود منها كأرضية ضرورية لديمقراطية الدولة التي يجب أن تساوي بين مواطنيها بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين..الخ.
وهكذا.. يمكن العيش أو التعايش بين الديمقراطيات، علماً بأن أي حل يضمن استمرارية عنصرية إسرائيل لن تكتب له الحياة.
رام الله
4/7/2009
|