New Page 1
نحو صياغة مشروع وطني جديد
12/10/2009 10:45:00
اسم الكاتب : د_ إبراهيم أبراش
حالة غير مسبوقة من القلق والإحساس بالعجز والضباع يعيشها الفلسطينيون كافة:فلسطينيو المهجر وفلسطينيو المحشر، القادة كالمواطنين والمتعلمون كعامة الشعب ،الكل في حالة إرباك وإحساس بمأزق على كافة المستويات ، مأزق سياسي سواء على مستوى العلاقات ما بين القوى السياسية وبعضها البعض أو ما بين الكل الفلسطيني والعالم الخارجي ،مأزق مفاوضات لا يقل خطورة عن مأزق المقاومة،مأزق حصار في غزة لا يقل خطورة عن مأزق الحواجز والاستيطان والتنسيق الأمني مع إسرائيل في الضفة، حتى الجندي الإسرائيلي الأسير شاليط تحول لورطة لآسريه حيث تحول من أسير لآسر لهم ولكل الحالة الفلسطينية. وللأسف هذه الحالة بدلا من أن تشكل حافزا للتوحد ولملمة الذات والبحث عن مخرج مشرف، تحولت إلى مبرر يستعمله كل طرف فلسطيني لتحميل المسؤولية للطرف الآخر وإخفاء كل طرف فشله ومأزقه بإظهار أخطاء وعيوب الطرف الآخر وهي حالة جعلت الكل متهم ومدان و بتالي أصبحنا كفلسطينيين نبدو كمسئولين عما وصلت إليه القضية من ترد وليست إسرائيل هي المسئولة،وماذا تريد إسرائيل أكثر من إخراجها من خانة العدو الرئيس والأوحد للشعب الفلسطيني ليحل محلها أعداء منا ! فحركة حماس هي العدو الرئيس للسلطة ولحركة فتح في الضفة ويجب استئصالها ،وحركة فتح العدو الرئيس لحركة حماس في قطاع غزة ويجب استئصالها !. وهكذا بدلا من اعتراف كل طرف بأخطائه ،فلا سياسة بدون أخطاء، والاعتراف بالخطأ فضيلة وفي الحالة الفلسطينية الراهنة قمة الفضائل وخصوصا إن أدى الاعتراف بالخطأ لتسهيل المصالحة الوطنية،بدلا من ذلك، يتمترس كل طرف في مواقعه ويتكيف مع مأزقه و يدفع الناس على التكيف مع حالة الخطأ بل وتجميله وتحسينه، ليس هذا فحسب بل يستعين كل طرف بأطراف خارجية لمناصرته على خصمه الداخلي متجاهلا أن لا طرفا خارجيا سواء كان دولة أو حزبا سيكون أكثر حرصا على الفلسطينيين من الفلسطينيين أنفسهم حتى وإن كانوا خصوما سياسيين، وقد كشفت السنوات الأخيرة وخصوصا أثناء العدوان على غزة أن معسكر الممانعة كمعسكر الاعتدال سراب ووهم ، وان المراهنة على الحل الأمريكي لا يقل خطورة عن الاستسلام للمشيئة الصهيونية.هذه الحالة من العجز والمراهنة على السراب والمجهول خلقت أيضا حالة من فقدان الثقة بالذات وبالخيارات الإستراتيجية لكل طرف أو التي يعتقد أنها كذلك،بل لهذا السبب أصبحت هذه الخيارات حملا ثقيلا على أصحابها وخصوصا خيار المفاوضات وخيار المقاومة ليس لأن هذين النهجين خطأ بل لأنه لا يمكن نجاحهما في ظل الحالة المشار إليها.أولا:وقف المفاوضات أم استئنافها؟من يختار نهج التسوية والسلام عليه القبول بالمفاوضات كآلية للتسوية،ولكن المفاوضات قد تتحول لعبء ولحالة معيقة للسلام عند من لا يحسن فن التفاوض أو لا يؤمن بالقضية التي يتفاوض بشأنها، وهذا ما جري مع مفاوضات التسوية مع إسرائيل حيث حولت إسرائيل المفاوضات لأداة للتسويف ولكسب الوقت لتستكمل مشاريعها الاستيطانية. بعد سنوات من المفاوضات العبثية أعلنت السلطة وقف المفاوضات السياسية مع إسرائيل- بالرغم من عدم دقة ( وقف المفاوضات) حيث الاتصالات تجرى باستمرار بعيدا عن الكاميرا وفي قضايا متعددة- وهو ما كان يجب أن يحدث منذ سنوات عندما بات واضحا استغلال إسرائيل للمفاوضات للتغطية على عملياتها الاستيطانية،وإذا كانت المفاوضات بالنسبة للفريق الفلسطيني المفاوض حياة كما وصفها صائب عريقات فقد كان الاستيطان بالنسبة للإسرائيليين هو الحياة بالنسبة لهم ولمشروعهم الصهيوني وشتان ما بين حياتنا مع الاستيطان وحياتهم مع المفاوضات.كانت المفاوضات ترياق الحياة لسياسة الاستيطان فيما كان الاستيطان سرطانا ينخر جسد الأرض التي كان يفترض أن تشكل الدولة الفلسطينية المستقلة. لأن الشعب الفلسطيني شعر بخطورة استمرار المفاوضات و اختنق من سياسة الخداع والتهريج التي يمارسها الفريق الفلسطيني المفاوض فقد ارتفعت الأصوات المطالبة بوقف الاستيطان .كان وقف الاستيطان مطلبا وطنيا قبل الانقسام وعندما كانت لدينا سلطة واحدة وحكومة واحدة وموقف عربي ومسلم ودولي داعم لنا وموحد نسبيا، كان وقف المفاوضات آنذاك يخدم القضية الوطنية سواء من خلال تعديل نهج المفاوضات وشروط التسوية أو للخروج من عملية التسوية واللجوء لخيار المقاومة والعصيان المدني إن تطلب الأمر.أما اليوم فوقف المفاوضات فقد مغزاه ودلالته الوطنية حيث الحالة الفلسطينية الداخلية عاجزة عن إيجاد البديل لنهج المفاوضات فلا توجد إستراتيجية أو مجرد حالة فلسطينية يمكنها أن تملأ فراغ وقف المفاوضات ،لا إستراتيجية سلام متفق عليها ولا إستراتيجية مقاومة متفق عليها ،كما أن وقف المفاوضات لم يؤد للتقارب ما بين الحكومتين الفلسطينيتين وما بين فتح وحماس بل ازداد الخلاف بعد وقف المفاوضات هذا ناهيك أن وقف المفاوضات لم يؤد إلى وقف الاستيطان.يبدو أن وقف المفاوضات جاء في غير وقته وخارج إطار الرؤية الوطنية المطالِبة بوقف المفاوضات و بالتالي لا نعتقد أنه سيخدم القضية الوطنية إن لم تحل إستراتيجية عمل وطني محل فراغ وقف المفاوضات ووصول تسوية أوسلو لطريق مسدود ،بل نعتقد أن استمرار وقف المفاوضات سيخدم إسرائيل أكثر لأنها ستتذرع مجددا بغياب الشريك الفلسطيني للسلام ، وفي ظل حالة الانقسام وغياب إستراتيجية عمل وطني فإن مأزق وقف المفاوضات بات لا يقل خطورة عن استمرار المفاوضات.وما نخشاه أن يكون وقف المفاوضات ليس تعبيرا عن موقف وطني من الفريق المفاوض بل خطوة مدروسة لإنهاء تسوية أوسلو وخطة خارطة الطريق تمهيدا للتعامل مع تسوية جديدة تطرحها إدارة أوباما تتطلب قواعد وأسس جديدة للمفاوضات ،تسوية تبني على ما أنجزته إسرائيل من مكاسب استيطانية خلال سنوات المفاوضات وخصوصا بناء الجدار وتهويد القدس، ولكن حتى في هذه الحالة وإن لم يتوحد الفلسطينيون فلن تكن نتائج المبادرة السياسية الجديدة والمفاوضات المترتبة عليها أفضل حالا من سابقاتها إن استمرت الحالة الفلسطينية على ما هي عليه واستمرت المفاوضات تدار من طرف نفس الفريق الفلسطيني . ثانيا:وقف المقاومة أم استئنافها؟ مأزق حركة حماس مع المقاومة لا يقل عن مأزق السلطة وحركة فتح مع المفاوضات.المقاومة كالسلام لا يمكنهما تحقيق أهدافهما إلا إن مورسا في إطار إستراتيجية عمل وطني وفي ظل مناخ دولي وإقليمي موات .حركة حماس تقف اليوم في مأزق لا تُحسد عليه فصيرورتها سلطة وحكومة في غزة واستمرارها كذلك له ثمن وهو التوقف عن المقاومة فلا يمكن لحماس السلطة أن تمارس المقاومة سواء عمليات استشهادية أو إطلاق صواريخ بالشكل الذي كانت عليه سابقا وحركة حماس تدرك أنها إن عادت لممارسة المقاومة فستفقد السلطة في القطاع.لقد حولت حركة حماس المقاتلين والمجاهدين لموظفين وأجهزة أمنية قامعة لحرية المواطن و تطارد من يمارس المقاومة وانتقلت من العمل السري للعمل العلني وأصبحت سلطة تعيش على المساعدات والتمويل الخارجي، كل ذلك أفقدها جزءا من رصيدها من الاحترام والتقدير الشعبي وطنيا وهو أمر سيمتد على مستوى التأييد الخارجي لها. مع مرور الوقت ستتغلب حسابات السلطة واستحقاقاتها على استحقاقات المقاومة ولا تستطيع حركة حماس الاستمرار بالإدعاء بأنها حركة مقاومة لمجرد ترديدها لخطاب المقاومة،ولأن سلطة حماس المستمدة من صناديق الانتخابات ستنتهي في يناير القادم فستصبح حماس بلا شرعية جهادية حيث لا تستطيع العودة كحركة مقاومة،وبلا شرعية دستورية إن لم تخضع للاستحقاقات الانتخابية القادمة. حماس المأزومة في المقاومة والسلطة بدأت تغازل خيار المفاوضات والتسوية السلمية ودعاتهما في الخارج لتحافظ على سلطتها في غزة ،وحركة فتح المأزومة بالمفاوضات والتسوية المتعثرة وبسلطة تتآكل شرعيتها يوما بعد يوم عادت لتستحضر خطاب المقاومة كما جرى في المؤتمر السادس ببيت لحم ، وفي حقيقة الأمر فلا حركة حماس تستطيع لوحدها الخروج من مأزق المقاومة لخيار المفاوضات والسلام ،ولا حركة فتح قادرة على التخلي عن نهج التسوية والمفاوضات والعودة لنهج المقاومة،تخلي حركة فتح عن نهج التسوية والعودة لخيار المقاومة سيفقدها السلطة في الضفة كما أن عودة حركة حماس لنهج الجهاد سيفقدها السلطة في غزة،وذلك بسبب الانقسام الفلسطيني وفصل غزة عن الضفة من جانب وبسبب الدور الصهيوني الفاعل والحاضر للتدخل بقوة سواء في الضفة أو في غزة.هذا المأزق المشترك يتطلب وقفة تقييم ومراجعة للمشروع الوطني ولمجمل المسار السياسي والعسكري منذ 1988 حتى اليوم ،الأمر يحتاج لعقد وطني جديد أو مشروع وطني جديد لا يقطع مع نهج السلام ولا يسقط الحق بالمقاومة،مشروع الكل الفلسطيني في الوطن والشتات وليس مشروع حركة فتح أو مشروع حركة حماس ،عقد سياسي جديد أو مشروع وطني جديد ليس من جيث تحديد الأهداف بل أيضا من حيث تحديد آليات وأولويات العمل الوطني و تحديد معسكر الحلفاء والأصدقاء وإعادة النظر في العلاقة التي تحكم فلسطينيي الداخل مع فلسطينيي الشتات وتحكم العلاقة بين مكونات الحقل السياسي الفلسطيني أخذا بعين الاعتبار صعود القوى السياسية الجديدة ،هذا المشروع الوطني لا يستطيع السياسيون المأزومون وضعه لوحدهم بل يحتاج لثلة من الحكماء من مثقفين ومفكرين فلسطينين وعرب وحتى اجانب مؤيدين للحق الفلسطيني،ونتمنى أن تتبنى القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس أبو مازن الدعوة لمثل هكذا لقاء.
.
|