الصفحة الرئيسية

 

انضموا الى صفحة الفيسبوك

   *   علاقة حركة حماس بالإخوان المسلمين بعد تولي الأخيرة الحكم بمصر من خلال سلسلة من الاحداث بين الفريقين (طلبة تخصص الاعلام بجامعة النجاح الوطنية نموذجا) إعداد أنوار ايمن حاج حمد    *   في لقاء مع جريدة القدس الفلسطينية    *   الاحتلال يفرج عن النائب حسام خضر بعد اعتقال دام 15 شهرا    *   من كل قلبي اشكر كل من تكبد عناء السفر وجاء ليهنئني في تحرري من الاسر ويشاركني فرحة الحرية    *   تهنئ لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين جماهير شعبنا الفلسطيني بالإفراج عن:    *   أتوجه لكم يا أبناء شعبنا الفلسطيني البطل أنا حسام خضر ..    *   حسام خضر الفتحاوي العنيد .. يتوقع إنتفاضة ثالثه..و يشاكس الحريّة.    *   تجديد الاعتقال الإداري للمرة الثالثة بحق النائب الأسير حسام خضر 6 أشهر أخرى .    *   

لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين

مركز يافا الثقافي

الحرية للأسير القائد حسام خضر


ليلة الإعتقال


للنكبة طعم العلقم في حلوقنا


خاطرة من وحي الاعتقال


موت قلم


لا يوجد تصويتات جديدة حالياً نتائح آخر تصويت

هل تتوقع اتمام المصالحة بعد انتخاب الرئيس المصري الجديد محمد مرسي؟

نعم: 36.84 %
لا: 31.58 %
لا أعرف: 31.58 %

التصويت من تاريخ 04/08/2012
الى تاريخ 04/12/2012
مجموع التصويتات: 57

مقالات
New Page 1

الطريق الى المجهول " من فتح إلى حماس"

26/10/2009 09:38:00

 

الياس خوري:

بعد عام وثلاثة اشهر على موت ياسر عرفات اصيبت حركة "فتح" بأكبر ضربة سياسية منذ تأسيسها. هل جاءت انتخابات المجلس التشريعي لتعلن افول الحركة بعد غياب مؤسسها؟ ام ان الناخب الفلسطيني عاقب "فتح" على شلليتها وفساد بعض قادتها وعجزها عن بلورة خطاب وممارسة يلائمان المشروع الاسرائيلي الجديد الذي يجسده جدار الفصل؟

لا يستطيع المراقب الا ان يسجل انها المرة الأولى في العالم العربي يتم فيها اقرار مبدأ تداول السلطة، ويعترف الحزب الحاكم بأخطائه ويتفهم العقاب الشعبي.

غير ان نتائج انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني ليست نهاية العالم، لكنها محطة سياسية رمزية كبرى في مسار صراع مديد ارخى بظله على القرن الماضي، ومن المرجح ان يكون العنوان الأساسي للقرن الجديد.

لا اريد الاختباء خلف التاريخ من اجل تفسير ما يجري في فلسطين اليوم. لكن ما ذنبي اذا كان التاريخ يلقي بثقله على واقع مأسوي لا يتوقف عن اعادة انتاج نفسه بأشكال جديدة امام كلّ منعطف؟ كما ان مركزية فلسطين، جغرافيا وسياسيا، جعلت منها نقطة استقطاب كبرى في محيطي بلاد الشام ووادي النيل، اي في المشرق العربي الذي يعيش منذ نصف قرن على ايقاع الحكاية الفلسطينية.

انتصار "حماس" المدوي والسقوط الكبير لـ"فتح" ليسا حدثا عاديا. انهما نقطة تحول اساسية في مسار الحركة الوطنية الفلسطينية، وفي التغيرات المرتقبة في المشرق، من العراق الى سوريا الى مصر وصولا الى لبنان.

المشرق امام لحظة تحول، والسؤال الى اين؟ الى اين يقود الاسلاميون الحركة الوطنية، وما هي آفاق المرحلة؟

لكن قبل سؤال المستقبل، يجدر بنا التوقف عند الأسباب. لماذا هُزمت "فتح"؟ ولماذا بدت القوى الفلسطينية العلمانية التي شاركت في صنع تجربة منظمة التحرير كأنها صارت على هامش الهامش؟ هل تساوي الجبهة الشعبية ثلاثة في المئة من الفلسطينيين؟ وهل يمكن تلخيص الجبهة الديموقراطية والحزب الشيوعي معا بإثنين في المئة؟

اوسلو والالتباس

يقع جذر الالتباس في الفشل الكبير لاتفاق اوسلو. والواقع ان هذا الاتفاق الملتبس قرئ بطريقتين متناقضتين: الطرف الاسرائيلي قرأ فيه استسلاما غير مشروط لقاء شكل سلطة لا مضمون لها، بينما قرأه الطرف الفلسطيني في وصفه محطة ضرورية الى الدولة المستقلة. اي ان طرفي الصراع اعتبرا الاتفاق اداة تأويل تخضع لموازين القوى وارادة الصمود.

غير ان تحولات موازين القوى، من انهيار الاتحاد السوفياتي الى الحادي عشر من ايلول الأميركي، كانت تشير الى ان الطرف الفلسطيني يتعرض لضغوط هائلة من اجل القبول بما لا يمكن القبول به. وكانت وقفة الصمود الفلسطينية في "المقاطعة"، حيث بقي ياسر عرفات حتى الرمق الأخير رافضا عروض الاستسلام الأميركية، دليلا على ان المعركة من اجل فلسطين لا تزال في بداياتها، وان القوى المختلفة مطالبة بإعداد نفسها لصراع طويل ومرير، لا تتوافر له في الظروف العربية والدولية الراهنة امكانات الوصول الى حل مقبول من الاطراف المتنازعين.

لقد جاء تأسيس السلطة الوطنية في منتصف التسعينات ثمرة للانتفاضة الأولى، وجاء افول سلطة "فتح" نتيجة لمسار الانتفاضة الثانية. ماذا جرى في الانتفاضتين؟ وكيف نقرأ التأسيس والسقوط في ضوء الوقائع السياسية والعواصف التي تجتاح العالم العربي؟

جاءت الانتفاضة الأولى ردا مذهلا على اجتياح بيروت وطرد المقاتلين الفلسطينيين من لبنان، ومذبحة شاتيلا وصبرا التي تلتهما. وكانت في احد وجوهها امتدادا لشعور فلسطيني بالعزلة، جسّدته حرب المخيمات التي اندلعت في لبنان في اواسط الثمانينات بقرار سوري اراد تحويل الخروج الفلسطيني من بيروت تصفية شاملة ونهائية لـ"فتح"، تمهيدا لضرب استقلالية القرار الوطني الفلسطيني. شكلت الانتفاضة الأولى التي عُرفت باسم "انتفاضة الحجارة" تحولا نوعيا في النضال الوطني الفلسطيني. صحيح ان القيادة الفلسطينية كانت تعيش في المنفى التونسي، غير ان مركز النضال الفلسطيني انتقل للمرة الأولى، منذ النكبة، الى الداخل. وتشكلت قيادة موحدة للانتفاضة من فصائل منظمة التحرير المختلفة، في حين بقيت حركة "الاخوان المسلمين" الفلسطينية، التي ستعرف باسم "حركة المقاومة الاسلامية" (حماس) خارج القيادة الموحدة، وعلى هامش نشاطات الانتفاضة الأولى.

السؤال هو لماذا كان حصاد الانتفاضة الأولى ملتبسا الى هذا الحد؟ هل لأن القيادة الفلسطينية شعرت بالتعب، ام هو الخوف من العزلتين الدولية والعربية بعد "عاصفة الصحراء" الأميركية؟ ام ان التحول جاء نتيجة تغيرات جذرية حصلت في القيادة الفلسطينية وأدت الى بروز القيادة الفردية المطلقة لياسر عرفات؟

الجواب عن هذا السؤال لم يعد صعبا. فلقد نُشرت وقائع مفاوضات اوسلو، ومعها يتبين ان قرار عرفات الموافقة على هذا الاتفاق كان نتيجة اجتماع هذه العوامل معا. فالقيادة الفلسطينية اصيبت بالافلاس المالي والعزلة العربية بعد "عاصفة الصحراء"، كما انها شعرت بأن تغير موازيين القوى الدولية يمكن ان يقود الى اخراج منظمة التحرير من المعادلة، وارادت اخيرا استثمار الانتفاضة من اجل تحقيق انجاز ما.

المحيطون بياسر عرفات كانوا يعرفون ان القيادة التاريخية للحركة الوطنية الفلسطينية، مثلما جسدها عرفات، لم تكن في وارد الاستسلام، بل قرأت اوسلو في وصفه العلامة الأولى لـ "العودة"، وبداية بناء سياسي جديد يصنعه ازدواج طبيعة السلطة، فهي سلطة وحركة تحرر وطني في آن واحد.

صدمة السلطة

كيف تشكلت السلطة الفلسطينية في الضفة وغزة؟

وصل الفدائيون الفلسطينيون الى بلادهم منهكين: اعوام المنافي وبطالة تونس والمناخ البيروقراطي. اضافة الى فراغ القيادة الفتحاوية الذي انجزته الاغتيالات، مما قاد الى انهيار مثلث القيادة التاريخية: ياسر عرفات، خليل الوزير، وصلاح خلف. لعب هذا الثلاثي دور ضابط التوازن بين السلطة والتنظيم، وبين "الشبيحة" والفدائيين. لقد كانت العلاقة بين القادة الثلاثة آخر ما تبقّى من توازن داخل قيادة "فتح". فلقد تعرضت هذه القيادة الى موجات اغتيالات وتصفيات متتابعة، مما قاد الى اختفاء رجال من قامة كمال عدوان ومحمد يوسف النجار وابو علي اياد. جاء اغتيال ابو جهاد الوزير على يد الموساد الاسرائيلي في تونس كي يسمح بتفكيك التنظيم الفتحاوي في داخل الأرض الفلسطينية المحتلة، وهيمنة عرفات المطلقة عليه، قبل ان يأتي اغتيال صلاح خلف وهايل عبدالحميد على يد "جماعة ابو نضال"، لينهي التعددية القيادية في "فتح"، مفسحا في المجال لصعود قيادات سياسية هامشية كأحمد قريع، او لبروز شخصيات من الصف الثاني في القيادة السياسية مثل محمود عباس ابو مازن، معلنا مرحلة القيادة الفردية المطلقة المستندة الى العسكر والقيادات الأمنية، كمحمد دحلان وجبريل رجوب...

وعلى الرغم من جهود قيادات تنظيم الداخل، من اجل بلورة اطار تنظيمي يستطيع ان ينفصل عن آليات السلطة كي يحافظ على التنظيم الفتحاوي كإطار سياسي شعبي يخوض معركة تحرر وطني، والجهد من اجل ان تحافظ "فتح" على طبيعتها التنظيمية في وصفها جبهة وطنية عريضة تضم تيارات سياسية مختلفة، وعلمانيتها ليست معادية للايمان الديني، فان الهيمنة المطلقة للرئيس، همشت هذه الجهود، وكان على قيادي كمروان البرغوثي انتظار الانتفاضة كي يتصدى لقيادة "كتائب شهداء الأقصى" ويجد نفسه في النهاية اسير خمسة مؤبدات اصدرتها المحاكم الاسرائيلية.

ادار عرفات السلطة والتنظيم معا، امسك العصا من النصف، وحاول ان يوازن بين المشروع السياسي الوطني ومتطلبات العلاقة مع الدول المانحة، ولعب في مساحة وطنية ضيقة محاولا توسيعها الى الحدود القصوى الممكنة.

ان الصورة المالية لواقع السلطة الفلسطينية كانت تشير الى سلطة سقطت في اسر الدول الاوروبية المانحة في شكل كامل. موازنة السلطة واجهزتها، كانت تأتي من المجموعة الأوروبية اساسا. الاستقلال المالي النسبي الذي صنعته "فتح" من خلال مصادر تمويلها العربية المختلفة، تمّ تجفيفه في شكل شبه كامل، والأسر التمويلي الجديد كان ملتبسا، لأنه لم يربط التمويل الأوروبي ببرنامج سياسي. اي ان شبه الوصاية المالية الأوروبية لم يكن لها نفوذ على صعيد تحقيق برنامج حد ادنى سياسي يصل في النهاية الى تأسيس الدولة المستقلة. المسألة السياسية تُركت في اليد الأميركية، واليد الأميركية وصلت الى الحد الأقصى في كمب ديفيد الذي رعاه الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، وهو حد لا يجيب عن متطلبات الحد الأدنى الفلسطينية.

ما يُسمّى فسادا في السلطة لم يكن عملية بسيطة وواضحة المعالم، كما في بلدان العالم الثالث المختلفة. فساد السلطة حمل بالطبع سمات فساد ديكتاتوريات العالم الثالث، لكنه كان ايضا جزءا من محاولة التملص من رقابة الدول المانحة، من اجل ان يتمكن عرفات من تمويل الأجهزة الأمنية ورشوة الآلة البيروقراطية، والتصرف بالمال على الطريقة البيروتية، لتوسيع دائرة النفوذ السياسي لمنظمة التحرير. غير ان فخ الأرض المحتلة كان فضائحيا. على عكس زمن المنفى النضالي اللبناني، السلطة هنا مسؤولة عن شعبها وامامه، وليست مجرد آلة نضالية سياسية. الفيلات التي بنيت وروائح الثروة التي فاحت، والترهل البيروقراطي الذي ساد، اضافة الى الشخصيات المافيوية التي صعدت الى المسرح السياسي: خالد سلام واشباهه، وفضيحة الاسمنت التي ارتبطت بقريع، الى آخره... تحولت عبئا على السلطة، وصارت احدى علاماتها الأساسية في زمن الارتخاء التفاوضي غير المجدي بين عامي 1995 و2000.

المأزق الأكبر الذي وقعت فيه السلطة كان سياسيا. بعد اغتيال رابين وصعود الليكود الى السلطة، صارت التسوية في المؤجل، ولم تكن الطبيعة الملتبسة للسلطة تسمح باستخدام وسائل نضالية غير ديبلوماسية. ومع انسداد الأفق الديبلوماسي نتيجة الموقف الأميركي الواضح في قمة كمب ديفيد، لم يعد هناك سوى خيار الانتفاضة. فهل كانت السلطة مثلما تأسست، وببناها العسكرية الهشة، وبتراجع التنظيم الفتحاوي الى الهامش، قادرة على قيادة انتفاضة مديدة؟

السلطة والانتفاضة

اندلعت "انتفاضة الأقصى" بعد الزيارة الاستفزازية التي قام بها ارييل شارون، زعيم المعارضة الليكودية في اسرائيل آنذاك، الى الحرم القدسي. الزيارة كانت الشرارة التي اشعلت النار في هشيم اتفاق اوسلو الذي نقضته الحكومة الليكودية في رئاسة نتنياهو، التي خلفت حكومة رابين. وكانت نتيجة التسرع الباراكي في عقد قمة كمب ديفيد لايصال الفلسطينيين الى حل نهائي لا يرضي حدهم الوطني الأدنى.

من الواضح ان عفوية الانتفاضة كانت جزءا من رؤية عرفات التكتيكية لتحريك المستنقع السياسي، تمهيدا لبلورة واقع تفاوضي جديد.

بعد القتل المتواصل للاطفال الفلسطينيين، وبروز موقف اسرائيلي متصلب، عبّر عن نفسه في مسلسل اغتيال كوادر من "فتح"، دخلت السلطة في الانتفاضة، عبر جزء من آلتها الأمنية، وعبر النفوذ الرمزي الكبير لياسر عرفات.

برزت "كتائب شهداء الأقصى"، وانخرطت آلة "حماس" السياسية والعسكرية ضمن روزنامة خاصة بها، وبدأت العمليات الانتحارية التي قادتها "فتح" و"حماس".

غير ان طبيعة الانتفاضة الثانية كانت مختلفة عن الانتفاضة الأولى، في كونها حركة يقودها جهاز السلطة وليست حركة شعبية في شكل كامل. وتجسد ذلك في الاشارات المتناقضة التي كانت تطلقها السلطة، فهي تقود حركة تحرر وطني من جهة، لكنها مكبّلة بالتزامات السلطة من جهة ثانية. ثم دخل عامل دولي مفاجئ تمثل في احداث 11 ايلول في الولايات المتحدة، قلب المعادلات، وسمح لاسرائيل بدمج حربها من اجل تأبيد احتلالها لفلسطين بالحرب الأميركية على الارهاب.

لم تكن قيادة عرفات قادرة على التأقلم مع الظرف الدولي الجديد. فهي لا تستطيع العودة الى ما قبل الانتفاضة في ظل الشروط الاسرائيلية - الاميركية بتجريد المقاومين من السلاح، كما انها لا تستطيع التخلي عن السلطة واعلان نهاية عملية السلام الميتة اصلا، لأن هذا يرميها في الفراغ من جهة ويجردها من مصادر الدعم المالي الذي صار الجزء الحيوي من الاقتصاد الفلسطيني المدمر، من جهة ثانية.

الالتباس الفلسطيني سمح لسياسة شارون الوحشية، بعدما خلف باراك في رئاسة الحكومة، بأن تتحول جزءا من استراتيجيا اميركية معلنة، وجدت قاعدتها الفكرية في "المحافظين الجدد" الذين سيطروا على البيت الأبيض في عهد بوش، وخرافاتها الدينية في التيارات المسيحية الصهيونية وفي خطاب "المولودين من جديد" الابوكاليبسي عن نهاية العالم. بدل ان تتوحد "فتح" في الانتفاضة الثانية وتستعيد خطابها الوطني وقيادتها للشارع، وجدت الحركة نفسها امام ما يشبه التفكك. الأجهزة الأمنية المختلفة صارت اشبه ببؤر مستقلة، والتنظيم واجه ضربات اسرائيلية كبرى، ووجد نفسه من دون غطاء سياسي لأن السلطة كانت عاجزة عن تقديمه،

والآلة المافيوية ازدادت استشراء وبدأت تشتغل لحسابها، بعد الحصار الذي فُرض على ياسر عرفات وقاد الى موته الغامض في المقاطعة.

اين تقع "حماس"؟

دخلت "حماس" او "حركة الأخوان المسلمين" حلبة النضال الفلسطيني في مرحلة متأخرة جدا. يجب ان لا يغيب عن البال ان خلايا "فتح" الأولى التي اسسها خليل الوزير (ابو جهاد)، كانت انشقاقا عن "الاخوان"، لأن الحركة في اواخر خمسينات القرن الماضي لم تكتفِ بالابتعاد عن النضال القومي العربي او عن النضال الوطني الفلسطيني، بل كانت ضده، وان ياسر عرفات وصلاح خلف والاخوين خالد وهاني الحسن، كانوا اعضاء في الحركة وانشقوا عنها من اجل تأسيس حركتهم التي صارت بعد هزيمة 1967، قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية، وجزءا طليعيا من حركة التحرر العربية.

صراع "الاخوان" في فلسطين مع المقاومة والتسامح الاسرائيلي معهم، طوال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، ملك لتاريخ الشعب الفلسطيني. وهو يشير الى ان التيار الاسلامي الفلسطيني لم يشذ عن باقي التيارات الاسلامية في المشرق. اذ بقي خارج حلبة النضال الوطني المعادي للامبريالية، ولم ينخرط فيه الا بعد تهاوي الناصرية من جهة، وبعد مساهمته في المرحلة الأخيرة من الحرب الباردة في افغانستان، من جهة ثانية.

لم تنخرط "حماس" في الصراع الا في المراحل الأخيرة من الانتفاضة الأولى، ولم تتحول قوة مسلحة فلسطينية الا في اواسط التسعينات، اي بعد تأسيس السلطة، وكقوة معارضة كادت ان تطيح اتفاق اوسلو على اثر اغتيال احد قادتها العسكريين احمد عياش المعروف باسم "المهندس"، عندما لجأت الى سلاح العمليات الانتحارية ضد اسرائيل.

لم تشترك "حماس" في الانتخابات الأولى للمجلس التشريعي الفلسطيني او في الانتخابين الرئاسيين، لأنها كغيرها من القوى السياسية الفلسطينية، حركة الجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية، رفضت المشاركة في مؤسسات اوسلو. كما رفضت الاشتراك في اي حكومة اتحاد وطني، وبنت مؤسساتها الاجتماعية والتربوية والخيرية بعيدا من مؤسسات السلطة.

غير ان تطورات الانتفاضة، وخصوصا بعد القرار الاسرائيلي الأميركي باعتبار ياسر عرفات "غير ذي صلة"، ورفض التعامل معه، وتدمير "المقاطعة" وفرض الاقامة الجبرية على الرئيس الفلسطيني، كلها عوامل جاءت لتعزز من دور "حماس" وتضفي المشروعية السياسية والشعبية على اساليبها القتالية، وخصوصا على العمليات الانتحارية في اسرائيل التي لم تتردد "كتائب شهداء الأقصى" الفتحاوية في اللجوء اليها.

بنت "حماس" قاعدتها الشعبية بهدوء وصبر مستندة الى مجموعة من العوامل:

اولا: المدّ الاسلامي في المشرق العربي الذي بدأت طلائعه بعد هزيمة حزيرن 1967، واستفاد من مركّّب النفط الايديولوجي ليعيد تأسيس نفسه. ثمّ جاءت مساهمته الحاسمة في حرب "المجاهدين الأفغان" ضد الاتحاد السوفياتي، كي يؤسس اممية جهادية ما لبثت ان تحولت عنصرا سياسيا ساهم في خلخلة البنى السياسية في العالم العربي، من الجزائر الى السعودية.

ثانيا: انسداد التسوية في فلسطين بسبب الموقف الاسرائيلي الذي تخلى كليا عن مسار اوسلو بعد اغتيال رابين. هذا الانسداد، اضافة الى الدعم المالي الاسلامي الكبير الذي استطاعت "حماس" الحصول عليه، سمح للحركة، التي تأسست عام 1987 في رحم حركة "الاخوان المسلمين"، ببناء مؤسساتها الاجتماعية والتربوية والخيرية والعسكرية.

ثالثا: انهيار او شلل الخطاب السياسي الفتحاوي، نتيجة الانخراط في لعبة السلطة وفسادها، مما سمح لـ"حماس" ولـ"الجهاد الاسلامي" بأن تتبنيا الخطاب الفتحاوي النضالي بعد اضافة مسحة اسلامية عليه.

في هذا المعنى يأتي صعود "حماس" نتيجة مجموعة من العوامل، في مقدمها الاستناد الى الصعود الكبير للتيارات الاسلامية الأصولية في المنطقة، والدعم المالي والسياسي الكبير الذي تلقته من الأنظمة الخليجية المحافظة، كي تكون بديلا من قيادة "فتح" العرفاتية التي خرجت على طوق وصاية النظام العربي.

الأزمة الثقافية

لا يعني تعبير الأزمة الثقافية شيئا لـ"حماس" او للتيارات الأصولية العربية. غياب الشعر او الرواية او المسرح او الفلسفة او التاريخ عن ادبيات الاسلاميين، لا يعني الكثير. لأن الثقافة في عرف التيارات الاسلامية الحديثة تعني شيئين، الفقه، اي القانون الاسلامي الذي يضبط سلوكيات الافراد والجماعات، والثقافة الجماهيرية التي يجسدها التلفزيون كأداة اعلام وترويج وترفيه. وفي هذين المجالين استطاع الاسلاميون تحقيق انجازات كبرى، وبنوا مركبا ثقافيا يمس اللباس والمأكل والمشرب، وصولا الى الآخرة.

المأزق الثقافي هو مأزق الثقافة الحديثة الوطنية واليسارية والعلمانية، التي عكست نفسها في شكل كبير على الحركة الوطنية، بحيث خاض الفلسطينيون انتفاضتهم الثانية من دون مشاركة حقيقية من المثقفقين الفلسطينيين والعرب. من اللافت ان الثورة الفلسطينية التي تحلق من حولها في بيروت كبار المثقفين والفنانين العرب، وورثت الاتجاهات الادبية والفكرية الفلسطينية المختلفة، واستندت الى مركزين للابحاث ومركز للتخطيط، اضافة الى مجموعة من الصحف والمجلات ودور النشر، وجدت نفسها في الانتفاضة الثانية معزولة عن الثقافة والمثقفين، وعاجزة عن تقديم اي ابداع ثقافي يواكب نهر الدم الفلسطيني الذي لم يتوقف منذ ايلول 2000.

ما هي العوامل التي صنعت هذا الخواء الثقافي؟

يمكن الاشارة الى ثلاثة عوامل ساهمت في احداث القطيعة بين الثقافة والسياسة في فلسطين.

العامل الأول، انهيار الايديولوجيا اليسارية مع انهيار الاتحاد السوفياتي. ان عجز اليسار الفلسطيني والعربي عن فهم دروس الانهيار الكبير للتجربة الستالينية لنظام رأسمالية الدولة القمعية في المنظومة السوفياتية، قاد الى ما يشبه الفراغ الروحي الكبير، الذي وجد في اوسلو وفي نظام المؤسسات غير الحكومية، وفي التمويل الدولي الذي صنع ما سمّاه ادوارد سعيد امبريالية الفضيلة، مخرجا لاعداد كبيرة من المثقفين للتعولم والخروج من الالتزام السياسي، وقبول روزنامة ثقافية صنعتها المؤسسة الدولية، وهي مؤسسات لا تخلو من الشبهات. مما ادى ليس الى انفصال النخب عن الحياة السياسية فقط، بل الى انفصالها عن مجتمعاتها، لأنها تعيش على فتات امتيازات الاقتصاد المعولم، بينما تعيش الأكثرية الساحقة من ابناء الشعب تحت خط الفقر.

العامل الثاني، يتمثل في ان المثقفين النقديين القلائل الذين واجهوا التراجع السياسي الفلسطيني بسلاح النقد، وجدوا انفسهم خارج اي فعل سياسي، نتيجة انهيار القوى السياسية اليسارية الفلسطينية، او ازمة التنطيم في مواجهة السلطة، كما هي الحال في "فتح".

العامل الثالث، تراجع العامل الثقافي العربي في النضال الفلسطيني، وهذا يعود اساسا الى خطيئة الثقافة العربية الحديثة التي غلّبت الصراع مع المد الاسلامي على الصراع مع السلطات الديكتاتورية. الحلف غير المتكافئ بين الأنظمة والثقافة قاد الى انهيار فاعلية الثقافة من جهة، والى خيانة الثقافة لدورها الاخلاقي من جهة ثانية، مما جعلها عاجزة عن لعب دورها في قضية فلسطين التي تبقى القضية المركزية في المشرق العربي.

كيف تخاض انتفاضة كبرى من دون ثقافة؟

هنا يكمن المأزق الأكبر الذي واجهته قيادة ياسر عرفات في اعوامها الأخيرة. وكان العجز عن بناء مصالحة بين الثقافة والسياسة، عنوان انزلاق الحياة السياسية وبداية سقوطها في ايدي الاسلاميين. غياب المستوى الثقافي يحمل في داخله غياب المبنى الاخلاقي، وانهيار القيم. الثقافة لا تستطيع ان تدافع عن ممارسات الفساد التي التهمت السلطة، كما انها لا تستطيع ان تلعب على خيط رفيع يفصل الموقف الوطني عن الخيانة، وقد لا يفصلهما.

انتفاضة الأقصى هُزمت عندما لم تجد مثقفيها في فلسطين والعالم العربي، وهذا يشير الى ان الحركة الوطنية الفلسطينية تعيش ازمة هويتها الكبرى، وتؤشر الى ازمة الحركات الوطنية في المشرق العربي. الصعود الاخواني في مصر ليس تفصيلا، والتيارات الأصولية تحكم العراق في ظل الاحتلال، في وقت لا نجد سوى مقاومة اصولية للاحتلال، تعبّر عن واقع المأزق الذي تعيشه الحركة الوطنية العربية.

ما بعد اللحظة التراجيدية

جسدت ايام الحصار في "المقاطعة" التي عاشها ياسر عرفات، فصلا من التراجيديا الفلسطينية المستمرة. لقد صمد القائد الفلسطيني في عزلته حتى الموت، كاشفا ان اسرائيل والولايات المتحدة غير معنيتين بتسوية مشرّفة للقضية الفلسطينية، بل تريدان من الفلسطينيين الذهاب الى ما بعد الاستسلام، اي القبول بالغياب، وتسمية باندوستانات التمييز العنصري دولة!

اعلن الاسرائيليون ان عرفات ليس شريكا، وبعد انتخاب محمود عباس بقيت السلطة، في عرف الاسرائيليين، لا تستحق الشراكة، الى ان وصلت الأمور الى الانسحاب الاحادي من غزة، الذي شكل اعلانا اسرائيليا اخيرا بأن التسوية ليست واردة. فكان الجواب الشعبي الفلسطيني انه طالما لا تريد اسرائيل التعامل مع فلسطينيي التسوية ودعاة الحل التفاوضي، فلتجرب من يتكلم لغة شبيهة بلغتها. "فتح" ليست شريكا، اذاً اليكم "حماس"، وسوف نرى. اي ان انتخاب "حماس" لم يكن احتجاجا على تشرذم "فتح" وفساد الأجهزة السلطوية فقط، بل كان اعلانا بتصليب اللغة السياسية في مواجهة ميوعة اللغة السلطوية التي لا تجدي.

غير ان انسحاب غزة اعلن حقيقة العجز الفلسطيني على مستويي السلطة والمعارضة معا: السلطة عجزت عن تسلم الأمن في غزة، والمعارضة بقيادة "حماس" عجزت عن متابعة برنامجها الجهادي بعد "تحرير" غزة. اي ان المأزق عام، ولن يكون انتصار "حماس" الانتخابي اشارة خروج منه، بل قد يكون اعلانا بتعميم المأزق، وايذانا ببداية طريق غامض لا يعلم احد كيف يمكن تجاوزه.

السؤال هو عن معنى تسلم السلطة. هل تستطيع "حماس" تسلم السلطة بعد انتخابات ديموقراطية لا سابق لها في العالم العربي؟

تعالوا نقرأ المسألة من وجوهها المختلفة:

هل سيتسنى لقادة "حماس" التنقل بين الضفة وغزة؟ هل ستسمح اسرائيل لمطلوبين فازوا في انتخابات المجلس التشريعي بالتنقل عبر اراضيها؟ واذا كان الجواب المتوقع سلبيا، فهل يعني هذا ان الحكومة ستكون في غزة، بينما يبقى رئيس السلطة في رام الله؟ وهل يعني ذلك تشكيل سلطتين ام ماذا؟

كيف ستتجاوز حكومة "حماس" مأزق العلاقة بالدول المانحة، وهل يكفي القول إن على العرب وايران تمويل اجهزة السلطة، وهل هذا ممكن؟ اما اذا لم يكن ذلك ممكنا، فماذا يعني انهيار تمويل جهاز بيروقراطي ضخم، واجهزة امنية يتجاوز عددها 65000 عنصر؟ وكيف سيكون انعكاس هذا الانهيار على المجتمع الفلسطيني؟ صحيح ان "حماس" فازت في انتخابات ديموقراطية حرة، ولكن ماذا ستتسلم؟ هل هناك سلطة بالمعنى الحقيقي للكلمة؟ جهاز السلطة الفلسطينية واجهزتها الأمنية هي اجهزة فتحاوية، هل يعني هذا ان "حماس" سوف تتسلم "فتح" وتهيمن عليها؟

واخيرا ما البديل من اتفاق اوسلو. شارون الذي اسقط الاتفاق بالقوة ترك لخلفائه في "كيدما" بديله الذي يتمثل في الانسحاب الاحادي، وتحويل الارض الفلسطينية اقفاصا. ما البديل الذي سوف تقدمه "حماس"؟ وهل خطاب المقاومة المسلحة ممكن وقابل لتحقيق انجازات ملموسة؟ ام ستسقط في ازدواجية اللغة الفتحاوية القديمة، ونكون امام تاريخ يكرر نفسه من دون جدوى؟ واخيرا ما معنى الحل الاسلامي للمجتمع الفلسطيني؟ هل تستطيع حركة محافظة اجتماعيا ورجعية فكريا وثقافيا بناء افق لمقاومة الاحتلال؟

الجواب عن هذه الأسئلة، ان ما بعد لحظة غياب عرفات التراجيدية تشكل امتدادا لها. ازمة "فتح" التي جسدها الفشل الانتخابي وعجز لائحة بقيادة مروان البرغوثي، الشخصية الأكثر شعبية في فلسطين، عن الفوز، تعني ان المأزق صار عاما، وان سلطة اوسلو في طريقها الى الانهيار، الا اذا حدثت اعجوبة، واكتشف الأميركيون انهم لو ضغطوا على الاسرائيليين من اجل تنفيذ "خريطة الطريق" والتوقف عن سياستهم التوسعية القمعية، ولم يوجهوا كل ضغطهم نحو الفلسطينيين وحدهم، لكانت الديموقراطية الفلسطينية بداية تأسيس حل الدولتين بدلا من ان تكون نذيرا بعودة القضية الفلسطينية الى المربع الأول.

المربع الأول

لعل الدرس البليغ الذي تلقته احدى أعرق حركات التحرر الوطني في العالم، ان لا شيء يدوم، وان السياسات الخاطئة وحضانة الفساد وتصديق الوهم السلطوي تقود الى الهاوية.

"فتح" مطالبة بإعادة بناء ذاتها كحركة وطنية تناضل من اجل التحرر والاستقلال. والفرصة لم تضع بعد، لكنها قد تضيع. التجربة الكبرى سوف تكون في اداء امراء الأجهزة الأمنية، الذين قد تغريهم احتمالات الحل الجزائري العسكري، عندما ستظهر التعقيدات الهائلة لمسار تسلم "حماس" السلطة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

الجزأرة سوف تعني نهاية "فتح"، ورمي اربعين عاما من النضال، وتراث صنعه عشرات الألوف من الشهداء والأسرى من اجل سلطة لا سلطة لها.

العودة الى المربع الأول بالنسبة الى "فتح" واليسار الفلسطيني، تعني تنظيف الذات، وبناء اللغة الوطنية من جديد، وتقديم بديل نضالي وعقلاني، وبناء مؤسسات المجتمع المدني، والعودة الى قيادة المقاومة ضد الاحتلال.

انه طريق طويل وشاق، لكنه الطريق .



  أضف تعليق
الاسم الدولة
التعليق

  تعليقات من الزائرين

1) عطاف ابو ثابت
شكرا اخ حسام خضر على نشر مثل هيك مقالات

2) عادل الزعتري
توفير متل هيكد مقالات على هادا الموقع شيء عظيم واجمالا يابا الموقع كله دهب وكنوز

جميع الحقوق محفوظة ماسترويب 2009
Email