New Page 1
دولة فلسطينية تحت الإحتلال ، وأخرى تحت الحصار !
01/11/2009 11:11:00
ما يجري في الساحة الفلسطينية ، هذه الأيام ، لا يدعو الى التفاءل والإرتياح ، بل يدعو للتشاؤم والحزن بسبب الأزمات الكارثية المتلاحقة التي تأتي على الشعب الفلسطيني ، وعلى مرتكزات بقائه وصموده .
الأزمة الصارخة التي يعيشها ، هذه اليام ، الشعب الفلسطيني ، هي في جوهرها أزمة وطنية بامتياز ، فهي ليست ، كما يرددُ البعضُ ، أزمة دستورية أو تنظيمية لوجستية ، أو فكرية عقائدية ، ذلك لأن القضية الفلسطينية في جوهرها قضية وطنية ، قضية شعب يتطلع للتحرر والعودة ، شعب يخوض كفاحاً مريراً ومتواصلاً ، لم تتحق الى الآن أهدافه الوطنية . قد يقول قائل : انّ غزّة قد تحررت واندحر عنها الإحتلال ! نعم .. لكن غزّة ما زالت تقع بين فكيّ الحصار ، وأثبتت الوقائع ؛ ان استقلالها الوطني سيبقى مرهوناً باستقلال كلّ الوطن المحتل ، لذلك غزة تدفع فاتورة الكفاح الوطني الفلسطيني ! ومن جانب آخر ، الضفة الفلسطينية التي تتمتع بحكومة ترفرفُ خارج السرب الفلسطيني ، حكومة تبني ركائز اقتصادية هشّة ، تعتمدُ على الهبات الأمريكية والأوروبية ، وكأنّ رئيسها " فيّاض " يتناغم مع رؤيا "بنيامين نتنياهو "في ترسيخ الشروط الإقتصادية للدولة الفلسطينية العتيدة ! وفقاً لبرنامج نتنياهو الإنتخابي "إعطاء الفلسطينيين دولة فلسطينية مقطعة الأوصال ، قابلة للحياة ، بفضل قوة اقتصادها المتنامي " الذي يستمد معطياته المادية ، وقدراته على البقاء من الهبات والمنح الأمريكية والأوروبية والعربية .
في الواقع أن أزمة الإستقلال الوطني هي معضلة الشعب الفلسطيني ، وليست أزمتة دستورية أوقانونية ، لأن والتوافق على الموضوع الوطني ، هو مرتكز الإنطلاق الى آفاق حلّ كافة المشاكل والأزمات في الساحة الفلسطينية .
ولأن الانقسام الجيوسياسي بات حالة تلاحق الشعب الفلسطيني ، وتضعف قضيته ، وتأتي على تاريخه وحاضره ومستقبله ، وخطورته تكمن في تكريسه عملياً ، وإضفاء الشرعية القانونية عليه ، وليسَ لأنه بين فصيلين كبيرين ، أو لأنهُ بين جبهة فلسطينية متحالفة ، ترفض ممارسات الجبهة الفلسطينية المقابلة ، بل لأن الإنقسام الحاصل هو انقسام جيوسياسي ، جغرافي متباعد التواصل ، وسياسي لا يلتقي ! وهذا النوع من الإنقسام ، من الصعوبة في مكان ، ترميمه وإعادة اللحمة إليه . انّ زيادة الخطورة تتأتى بمحاولة أحد القطبين المتنازعين اصباغه بمداد الشرعية الفلسطينية ، أو إمهاره بختم الدساتير ( القانونية ) ! ومكمن الخطورة أيضاً أن تتكرس الضفة الفلسطينية دولة تحت الإحتلال ، وقطاع غزّة دولة تحت الحصار ! وتذهب القضية ادراج الرياح !
عبر تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة ، شهدت الساحة الفلسطينية خلافات وصراعات تنظيمية وسياسية حادة ، ففي العام 1974عاشت الساحة الفلسطينية حالة انقسامية حادة ، شقت الحركة الوطنية الفلسطينية الى شقين ، على خلفية طرح موضوع البرنامج المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية ، الذي تبنته آنذاك " حركة فتح والجبهة الديمقراطية " بينما شكلت الفصائل الأخرى بقيادة الجبهة الشعبية والقيادة العامة جبهة الرفض الفلسطينية ، التي تصدت ، للبرنامج المرحلي ، ومارست تعبئة شعبية واسعة ضدّه . في المقابل استوعب الطرف الفلسطيني الآخر " فتح والديمقراطية " الإختلافات السياسية ، وامتصّ تأثيراتها وتداعياتها ، من خلال الحوارات في المجالس الوطنية الفلسطينية ، ومن خلال توسيع قاعدة المشاركة الفصائلية في منظمة التحرير الفلسطينية .
كما أن الفصائل الفلسطينية نفسها ، جاءت عليها ظروف الإنقسامات والإنشقاقات ، فشهدت معظم الفصائل الفلسطينية حالات انشقاقية أو انفصالية ، سرعان ما كان وميضها يخبو ، حين يلتقي المنشقون والباقون مع بعضهما ، ويتوحدون جميعاً ، في ساحة الكفاح الوطني المشترك ، فيعزز الدمُ الفلسطيني اللحمة الوطنية ، وتنتهي التجاذبات الفصائلية الضيقة .
والآن وبعد مضي ما يزيد عن أربعة عقود زمنية على عمر الثورة الفلسطينية المعاصرة ، ومنظمة التحرير الفلسطينية ، تتباعد الجغرافيا ، وتنقسم السياسة ، ويشتدّ التجاذب والإستقطاب ، لكن أين القضية ؟ وماذا حلّ بها ؟
بات الوضع الفلسطيني ، نتيجة الإنقسام ، تتحكم فيه معطيات اقليمية ودولية طارئة ، ومن جانبٍ آخر باتت تتقاذفه قرارات فردية انفعالية " ديكتاتورية " لا تستمد قوتها من شرعية المؤسسات الفلسطينية ، بقدر ما تقررها جوقة المستشارين لرئيس السلطة الفلسطينية ! ممّا أفسح المجال للوضع الإقليمي المحيط أن يعرضَ رؤيته ، ليس فقط يعرض ، بل يفرض شروطه على الأطراف الفلسطينية ، ويحدد لها ما يجب قبوله ، وما لا تستطيع رفضه ! على حدّ سواء ، بسبب حالة الهوان والضعف التي وصل اليها الوضع الفلسطيني ، نتيجة الإنقسام والفرقة والتباعد .
هذه الحالة الفلسطينية المحزنة ، باتت تستدعي تحقيق تفاهمات فلسطينية فلسطينية ، لأن التفاهمات هي وحدها الكفيلة باستنهاض عوامل القوة الفلسطينية ، وهي التي يمكن لها أن تضفي على الوضع الفلسطيني طابعاً وحدوياً فاعلاً ومؤثراً، يستطيع أن يفرض على الأطراف الإقليمية والدولية شروط الإستجابة للدعم والمساندة ، الوحدة الوطنية الفلسطينية الآن متوجبة كاستحقاق داخلي فلسطيني ، تقع في مقدمة الإستحقاقات المترتبة ، لأنها تبقى على رأس عوامل القوة الداخلية ، وهي لا تتأتى إلاّ بوجود توافق جمعي على برنامج وطني ، أساسه التمسك بثوابت الإجماع الوطني . وتأمين الشروط الضرورية لصيانة وحدة البنية التنظيميّة والسياسيّة للشعب الفلسطيني ، بكلّ ما تحتويه تلك البنية التنظيميّة من مكونات فصائلية ومؤسساتية مدنية .
ولأن الانقسام الفلسطيني بات حالة شبه ملازمة للواقع القائم ، بغض النظر عن المحاولات المصرية ، التي تخبو أحياناً ، وتنهض أحياناً أخرى ، وفقاً للإحتياجات الدولية والمعطيات الإقليمية . حتى هذه اللحظة ، لم تتوفر لدى طرفي الإنقسام رؤية مشتركة ، أو متقاطعة بينهما ، تتفاعل مع المعطيات المحيطة ، لتصل في مداها الى توافق وطني . مّما يستدعي حضوراً فاعلاً لفصائل العمل الوطني الفلسطيني أولاً ، ومؤسسات الحركة الجماهيرية الفلسطينية ثانياً ،من أجل التحرك في المساحة الوطنية المتاحة ، لدفع طرفي الإنقسام الى الحوار الفلسطيني الفلسطيني الجاد ، لأنّ القضية هي مسؤولية ُتثقلُ أعناقَ جميع القوى الفلسطينية ، دون استثناءٍ ، وليست مناطة بفتح وحماس فقط ...
صبري حجير
كاتب فلسطيني مقيم في السويد
sabri_hajir@hotmail.com
|