New Page 1
"المعتدلون" الفلسطينيون و"المعتدلون" العرب -عوني صادق
27/12/2009 10:32:00
لم يكن إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن "عدم رغبته" بترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية فشلا شخصيا وحسب، أو فشلا لنهج اعتمده وحده لحل الصراع "الفلسطيني – الإسرائيلي"، بل كان فشلا عربيا عاما في الوقت نفسه وبالقدر نفسه، بوصفه أحد "المعتدلين" العرب الذين أيدوا واعتمدوا هذا النهج لحل الصراع العربي- الصهيوني.
لقد كان محمود عباس "راعي" أول اتصالات جرت بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين الصهيونية العالمية والكيان الصهيوني في بداية السبعينات، وقبل أن تقع حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وقبل زيارة السادات للقدس المحتلة، وطبعا قبل أن توقع مصر اتفاقية كامب ديفيد العام 1979. وبهذه الخلفية كان "مهندس" اتفاق أوسلو، وصاحب نظرية "الحل السلمي" للصراع عن طريق المفاوضات. وبعد توقيع اتفاقي أوسلو بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين، ووادي عربة بين الكيان الصهيوني والأردن، واعتماد استراتيجية "السلام كخيار استراتيجي" للعرب، أصبح نهج "التسوية السلمية عن طريق المفاوضات" هو الموقف العربي الرسمي، وأصبحت المراهنة الفلسطينية- العربية الرسمية لاسترداد الحقوق الفلسطينية والعربية المغتصبة تقوم على "صداقة" ودور الولايات المتحدة الأميركية. لكنه مع توقيع اتفاق أوسلو، أصبح في الساحة الفلسطينية نهجان لمواجهة الاحتلال: نهج أوسلو ووسيلته المفاوضات، ونهج المقاومة مسلحة ومدنية.
باعتماد استراتيجية "السلام خيار استراتيجي" للعرب، تيقن الصهاينة وحلفاؤهم أنهم يستطيعون أن يشتروا الوقت للاستيلاء على ما لم تسمح لهم الحروب الاستيلاء عليه: كل فلسطين، والجولان السوري، عن طريق الحديث المكرور عن السلام والمفاوضات وكذلك من خلال المراوغة والمماطلة والادعاءت الباطلة، وخوض الحروب الصغيرة كلما لزم الأمر. وفي ظل هذه الاستراتيجية العربية حوصر العراق، ثم أصبح غزوه واحتلاله ممكنين، بينما تفككت العرى العربية واستشرت القطرية ولم يعد غير الخراب يضرب في كل الأقطار العربية، في وقت صارت فيه الولايات المتحدة هي الحليف والوسيط وراعي "عملية السلام في المنطقة".
وفي القمة العربية التي عقدت في بيروت العام 2002 قدمت القمة ما تسمى "مبادرة السلام العربية"، التي قال عنها شارون إنها لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به. وأثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006 ظهر إلى العلن ما أطلقوا عليه "معسكر الاعتدال العربي"، وهي تسمية أميركية أراد مطلقوها أن يغطوا على ارتباط أطراف هذا المعسكر مباشرة بالسياسات الأميركية، وغير مباشرة بالسياسات الإسرائيلية الصهيونية.
فلسطينيا وبعد عودة ياسر عرفات إلى فلسطين المحتلة، صار الوضع الفلسطيني ملتبسا، فهو من جهة ثمرة لاتفاق أوسلو، وهو من جهة أخرى يحاول التفلت من قيوده، ما أفشل سبع سنوات من المفاوضات، وما أدى إلى اندلاع الانتفاضة الثانية وما ترتب عليها من نتائج، من ضمنها غياب عرفات العام 2004، ووصول عباس، الواضح وغير الملتبس، إلى قمة السلطة. لكن المشكلة لم تكن في شخص عباس فقط بل كانت أصلا في اتفاق أوسلو الذي لم يوافق عليه الصهاينة إلا لأنه كان يوفر لهم الوقت لتنفيذ مخططاتهم في الاستيلاء على ال 22% من مساحة فلسطين الباقية، فباشروا بتسريع بناء وتوسيع المستوطنات، التي كانوا قد بدأوا بناءها بعد حزيران 1967، وكذلك توسعوا في مصادرة الأراضي، واعتمدوا رسميا سياسة هدم البيوت والمباني، وتهويد القدس. ترافق ذلك كله، مع هجمات "عباسية" على المقاومة وثقافة ونهج المقاومة، وبتعميق التنسيق الأمني مع الصهاينة وقبول الجنرال الأميركي كيث دايتون مشرفا عاما على تدريب الدرك الفلسطيني وخلق "الفلسطيني الجديد"، الرديف المخلص للجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وبدعم ومشاركة سياسية ومالية ومادية ولوجستية عربية، وهو ما جعل من مشروع عباس مشروعا عربيا لمعظم الأنظمة والحكام العرب. لذلك عندما أحس عباس بأن الإدارة الأميركية قد خذلته، وأيدتها في الموقف مصر، أحس أن كل حلفائه قد خذلوه وتخلوا عنه وأولهم حلفاؤه العرب. والحقيقة هي أن كل "المعتدلين" العرب تخلوا عنه وكان ذلك طبيعيا، فتأييدهم له لم يكن تأييدا له بل تأييدا للسياسة الأميركية، ومن ثم للسياسة الإسرائيلية. ومن هنا يمكن القول إنه إذا كانت خيبة أمل عباس قد دفعته إلى الاعتراف بفشله وفشل مشروعه السياسي، فإن حصة " المعتدلين" العرب من هذا الفشل ليست أقل من حصته، بل هي أكبر إذا أخذنا في الاعتبار الأوزان السياسية والإمكانيات والقدرات المادية لهؤلاء مقارنة معه ومع إمكانياته وقدراته.
لا يبقى بعد ذلك إلا ما يجب أن يستنتجه العاقل من تلك التطورات وما كشفت عنه من حقائق، كلها يفترض أنها معروفة منذ قام الكيان الصهيوني ومنذ أصبح للولايات المتحدة الأميركية وجود ونفوذ في منطقتنا وفي العالم. من هذه الاستنتاجات: أولا، أن الكيان الصهيوني لا يرغب ولا يفكر في إحلال السلام مع العرب. ثانيا، أن الكيان الصهيوني يرى في فلسطين كلها "أرض إسرائيل" وفي الأرض العربية "مجالا حيويا" له يجب أن يسيطر عليه، عسكريا واقتصاديا وسياسيا. ثالثا، أن نهج "التسوية السياسية" للصراع العربي- الصهيوني نهج ثبت فشله عشرات المرات منذ 1948، وأن حل الصراع لا يمكن أن يتحقق إلا بالمقاومة بكل أشكالها وأولها المقاومة المسلحة. رابعا، أن الاعتماد على الأنظمة العربية أوصلنا إلى الهزائم وضياع الحقوق، وأن لا حقوق قابلة للاسترداد دون المقاومة ودعم الشعب العربي لهذه المقاومة. أما نهج "الاعتدال"، وأما "المعتدلون" العرب، فعلينا أن لا ننتظر منهم إلا ضياع ما لم يضع حتى الأن.
|