New Page 1
شيخ المناضلين: بهجت أبو غريبة - رشاد أبو شاور
27/12/2009 10:47:00
ولد عام 1916 في (خان يونس) بقطاع غزّة، لأب مقدسي خليلي الأصل، وأم صربيّة تركية.
في حياته الممتدة حتى يومنا هذا عاصر أبرز أحداث القرن العشرين، وشارك في ثورات فلسطين، وفي حرب الـ48 قائدا ميدانيّا في مدينة القدس.
حدد بوعي مبكّر أن بريطانيا هي السبب المباشر في اجتلاب اليهود إلى فلسطين، ولذا لا بدّ أن تكون المعركة مباشرة مع قواتها التي تحتل فلسطين وفقا لقرار الانتداب الذي اتخذته غطاء لزرع دولة يهودية صهيونيّة في قلب الوطن العربي.
بدأ رحلته النضاليّة مع صديقه سامي الأنصاري، والذي كان مثله أستاذ مدرسة، وكان مقاوما عنيدا مقداما خاض أحيانا معارك بمفرده ثأرا من العصابات الصهيونيّة التي عمدت إلى قتل بعض الفلسطينيين المدنيين الآمنين، بقصد نشر الرعب في مدينة القدس، وتحديدا حاراتها القديمة العريقة المحيطة بالمسجد الأقصى، وقبة الصخرة، وكنيسة القيامة.
بعد هزيمة حزيران (يونيو) 67، واستكمال العدو الصهيوني احتلال كامل فلسطين، غادر القدس إلى العاصمة الأردنيّة عمّان.
يلقبونه بشيخ المناضلين في الضفتين لأقدميته النضالية، ولجلده وصبره وقبضه على جمر الإيمان بعروبة فلسطين، وكونه شخصيّة عربيّة قوميّة بارزة مشهودا لها بالثبات على الموقف، ودفع ثمن تمسكه بالمبادئ التي نشأ عليها سجنا وجراحا في جسده.
صدرت مذكراته في مجلدين، الأوّل وعنوانه: مذكرات بهجت أبوغربيّة 1916 ـ 1949، وبعنوان فرعي: (في خضمّ النضال العربي الفلسطيني) عن مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة، والجزء الثاني: من مذكرات المناضل بهجت أبو غربيّة، من النكبة إلى الانتفاضة 1949ـ 2000 عن المؤسسة العربيّة للدراسات.
من عنواني الجزءين يرى القارئ أن الأستاذ بهجت عاش أبرز أحداث القرن العشرين، بحربيه العالميتين، وثورات الأقطار العربيّة: الثورة السورية، الثورة الفلسطينيّة الكبرى، ثورة العراق عام 1941 بقيادة رشيد عالي الكيلاني، ثورة تموز (يوليو) 1952، ثورة الجزائر، ثورة اليمن، وثورات المغرب وتونس ضد الاحتلالين الإسباني والفرنسي.
أحد مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينيّة عام 64، وعضو لجنتها التنفيذيّة الأولى، بإلحاح من المؤسس الأستاذ أحمد الشقيري، الذي وسّط الأستاذ عبد الخالق يغمور ليجتذب الأستاذ بهجت ليكون ضمن منتخب المؤسسين، والذي كان مترددا في المشاركة لتشككه في (خلفية) إبراز المنظمة، وخشيته من التأثير العربي الرسمي عليها والتحكّم بمسارها.
كان الأستاذ الشقيري ينتقي القادة المتميزين من أبناء فلسطين، ومن هنا كان حرصه على استقطاب الأستاذ بهجت، والذي استجاب، وأدّى دوره في ترسيخ بنيان المنظمة، وتثبيت دعائمها، وكان أحد ثلاثة ضمتهم اللجنة العسكريّة، وأوكلت لهم مهمة إنشاء جيش التحرير الفلسطيني.
كتاباه يحويان تاريخ فلسطين المعاصر، قضيّة، وصراعا، وكل فصول التآمر على فلسطين أرضا وشعبا، ومن كافة الأطراف التي شاركت في نكبة فلسطين، وتمزيق شعبها، وتحويله إلى شعب لاجئ مشرّد، وتعطيل فاعليته، وإحباط قدراته التنظيميّة خدمة للكيان الصهيوني.
انخرط الأستاذ بهجت مبكرا في النضال الفلسطيني، وأعدّ نفسه بدنا وروحا لتحمّل المشاق، فقد انضّم للكشاف الفلسطيني، وشجّع زملاءه من أبناء القدس لأن يحذو حذوه ليتعرّفوا على تضاريس وطنهم بانتظار انفجار الثورة على الانتداب البريطاني المنحاز للمشروع الصهيوني، والذي أسفر عن مخططاته مبكرا بتسريب اليهود من أوروبا إلى فلسطين، ومنحهم الأرض التي ينشئون عليها مستوطناتهم، وتسليحهم وتدريبهم، بحيث تحولوا إلى قوّة في وقت قياسي، بدأت بممارسة اعتداءاتها على الفلاّحين الفلسطينيين الذين وعوا الخطر الصهيوني مبكرا.
مع زميله ورفيق دربه سامي الأنصاري شكلا تنظيما أسمياه (الحريّة)، وحتى لا يبقى تفكيرهما معلقا في الهواء، ومجرّد حماسة شباب، انتقلا إلى العمل، واشتبكا مع العصابات الصهيونيّة، وعساكر بريطانيا.
عمليتهم الأولى كانت في سينما (أديسون) ردّا على قتل فلسطينيين مقدسيين برصاص تلك العصابات، والتي هدفت إلى ترويع المقدسيين، ودفعهم للهرب من حارات القدس العريقة.
أمّا العمليّة الجسورة التي كان لها صدى هائلاً فكانت تصفية قائد شرطة القدس الإنكليزي آلن سيكرست، عقابا له على تطاوله شخصيا على أبناء المدينة، وتقصّد ضربهم وإهانتهم علنا لكسر شوكتهم وإذلالهم.
درس بهجت تحركات ذلك الضابط الكبير، وتنقلاته، ونوع السيارة التي يستخدمها، ومن بعد تقرر التنفيذ.
يكتب في مذكراته: وصلــــت الســـيّارة إلى محـــاذاتنا، فبدأنا أنا وسامي إطلاق النار على سيكرست من مسافة متر واحد، فأصيب فورا (ص75),
البطل سامي الأنصاري استشهد بعد نقله إلى المستشفى، ومن بعد واصل بهجت أبوغربيّة كفاحه بعيدا عن عيون الإنكليز في القدس، فانتقل إلى جبال الخليل حيث كانت مجموعة الشيخ عبد الحفيظ بركات، أحد مؤسسي تنظيم (الحريّة)، تخوض معاركها هناك، وقد استشهد الشيخ بعد سلسلة عمليات أوقعت خسائر فادحة بالقوّات البريطانيّة.
في الجزء الأول من مذكرات الأستاذ بهجت، يكشف لنا جوانب خافية من شخصيّات قادة وفدوا من الأقطار العربيّة، عرفهم وعايشهم مباشرة، يتقدمهم الشيخ عز الدين القسام، والقائد فوزي القاوقجي قائد الثورة في جنوب سورية (فلسطين)، والذي دخل بصحبة 200 ثائر من أبناء العراق وسورية والأردن مع بدء الثورة الكبرى 36- 39، والقائد سعيد العاص الذي استشهد في معركة الخضر، التي جرح فيها البطل عبد القادر الحسيني، وأسرته القوّات البريطانيّة.
لا يكتب الأستاذ بهجت تاريخا جافا مسرودا ببرود وحيادية، فهو لا يكتب بحثا، ولكنه يكتب عن علاقة أبناء فلسطين بأرضهم، والمعارك التي خاضوها على تلك الأرض بتفاصيلها، بتضحيات الأبطال، بعبقرية قادة عسكريين لم يتخرّجوا من الأكاديميّات العسكريّة، تمكنوا من إلحاق الهزائم بجيش بريطانيا العظمى بأسلحة بسيطة، في مواجهة طائرات ومدافع جبليّة ورشاشات ثقيلة، وحشود عسكريّة متفوّقة عددا وتدريبا وعدّة.
لقد بلغ عدد القوّات البريطانية في فلسطين بسبب الثورة الكبرى 36-39 أكثر من 40 ألفا، ولم ينجح هذا الحشد الهائل في إنهاء الثورة الكبرى، لولا النداء الذي وجهه الحكّام العرب، وناشدوا فيه عرب فلسطين أن يلقوا السلاح حقنا للدماء، وثقةً بوعد (الصديقة) بريطانيا التي ستستجيب لمطالبهم!
بعد نكبة فلسطين عام 48 انضم الأستاذ بهجت لحزب البعث، وخاض نضالاً ضاريا في صفوفه، وسجن، وطورد، وشهد له بالصلابة والقدرات التنظيميّة التي تراكمت على مدى سني خبراته منذ بدأ النضال وهو على مقاعد الدرس.
بعد هزيمة حزيران (يونيو) 67 تبنّى الأستاذ بهجت خّط المقاومة، والعمل الفدائي، وأسس (جبهة النضال الشعبي)، ولكنه لم يتشبّث بقيادتها، وأفسح لجيل من الشباب أن يتسلموا زمام القيادة، مقدما لهم خبراته ورعايته.
حتى يومنا هذا، ورغم أنه بلغ الـ94، فإن بنيته صلبة، وعقله يتقّد، وذاكرته تلمع وتستذكر تفاصيل معارك فلسطين وأبطالها ومآثرهم، وهو يتابع تفاصيل ما يجري لشعبنا.
حيثما توجهنا.. إلى مؤتمر، أو ملتقى، أو اعتصام بمناسبة وطنيّة، فإنه يكون هناك في المقدمة، يصغي، ويقترح، ويجادل، مؤكدا على خيار المقاومة، والتشبّث بحق العودة، ووحدة شعبنا وتمسكه بهدف التحرير، والعودة لميثاق المنظمة، وبناء مؤسساتها بكفاءات صادقة مؤمنة صلبة مضحية، وعلى عروبة القضيّة الفلسطينيّة.
لم يكن الأستاذ بهجت فردا نادرا في العائلة، فقد استشهد شقيقه شفيق في الميدان، وأصيب شقيقه صبحي في إحدى معارك القدس إصابة شلّت جسده وأفقدته بعض ذاكرته.
قبل سنوات قليلة، وبدلاً من تكريمه، صدر قرار بقطع راتبه، هو المؤسس في المنظمة، عقابا له على رفضه أوسلو، وإلحاحه على خيار المقاومة..هكذا يكرمون أحد أعظم أبطال فلسطين!
|