ليس غريباً على الكيان الإسرائيلي، محاولة تشويه صورة الإسلام الحنيف، وربطه وربط الفلسطينيين والعرب بالإرهاب، وبالأصولية أحياناً، فتهمة "اللاسامية" جاهزة لكل من ينتقد إسرائيل أو سياستها، ويعترض على مخططاتها السياسية-الاحتلالية-الاستيطانية، حتى أن تركيا التي تربطها بإسرائيل علاقات إستراتيجية وعسكرية، هذا البلد الذي وقف إلى جانب اليهود في أسوأ أحوالهم وفقاً للتصريحات التركية، يتهم من قبل إسرائيل "باللاسامية" على خلفية مواقفه المنتقدة لسياسة إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، كذلك على خلفية مسلسل "وادي الذئاب" التركي، والذي أبرز المجازر والاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، وخاصة العدوان على قطاع غزة، فإسرائيل التي تتجذر فيها الأصولية والعرقية والتعصب الديني التوراتي، والتي تسلك طريق تطبيق الشريعة اليهودية على الحكم في إسرائيل، وليس وفقاً للقوانين المدنية، أي إجراء انقلاب على شكل الحكم، هي آخر من يحق له التحدث عن الأصولية في الإسلام، غير أن الانزعاج الإسرائيلي الأخير من تركيا، وإهانتها للسفير التركي في إسرائيل، جاء بسبب التقارب الحاصل بين بلده وكل من إيران وسورية، وازدياد شعبية تركيا وعلاقاتها الاقتصادية في العالم العربي، وهذا مرهون بمدى ابتعادها عن إسرائيل، وهي تسير على هذا الطريق.
وزير العدل الإسرائيلي "يعقوب نئمان"، اقترح تطبيق قوانين وتعليمات الشريعة التوراتية على نظام الحكم في إسرائيل، فأكثر من نصف السكان اليهود يؤيدون هذا التوجه، فالأصولية اليهودية في تصاعد، بل أخذت تنتقل إلى صفوف الجيش، وحتى رئاسة الأركان، وكبار ضباط الجيش الإسرائيلي على أعلى المستويات، وفي كافة أسلحة الجيش، إضافة إلى اتساعها في الشارع الإسرائيلي، فأقوال وزير العدل بتكريس حكم التوراة على نظام الحكم في إسرائيل، وأن تصبح إسرائيل دولة توراتية، يعتمد على أن أكثر من نصف سكان إسرائيل اليهود يؤيدون هذا التوجه، بينما العلمانيون أخافهم هذا التوجه كما أخافتهم أقوال الوزير، فالحملة الدينية المتشددة في إسرائيل، بدأت منذ زمن وهي الآن في ذروتها، وعلى أي حال، فإن العلمانيين من بين اليهود، يعتبرون الذرائع الدينية التوراتية، ما هي سوى لتبرير وتفسير الصلة بين الشعب اليهودي لما يسمى بأرض إسرائيل، ويقولون: لا نعلم كيف نجيب على الأسئلة، هل اليهودية دين أم قومية؟ فلا وجود لدولة في الغرب يقيد فيها الدين الدولة بقيود حديدية من القداسة كما هو الحال في إسرائيل، في حين أن نحو 50% من الإسرائيليين يعرفون أنفسهم بأنهم علمانيون، وتشير الإحصائيات الإسرائيلية، بأن 67% منهم يصومون في يوم الغفران، وأن 85% يحتفلون في عيد الفصح اليهودي.
لقد ازداد التطرف الديني والقومي في الأوساط اليهودية في أعقاب تصريحات الحاخام "اليعيزر ميلاميد"، رئيس مدرسة "هاربراخا" الدينية في الضفة الغربية، الذي عبر عن معارضته لإقحام الجيش في تفكيك مستوطنات، رغم أن الموقف الرسمي لمجالس المدارس الدينية يعارض المظاهرات السياسية في أوساط الجيش، وقد أعلن عشرات المعلمين في المدارس الدينية-في بيان لهم- عن تأييدهم للحاخام "ميلاميد"، حيث جاء في بيانهم، أن الإخلاص لله يقف فوق جميع أشكال الإخلاص الأخرى لأية جهة كانت، سواء الجيش أو الحكومة، كما جاء في بيانهم، أن الحكومة تستخدم الجيش لأهداف بعيدة عن الدفاع عن إسرائيل، ويتهمون حكومتهم بأنها هي التي تخلق التعارض بين تعاليم الله، وتعليمات القائد العسكري، ويضيفون: حقاً أن هناك قائداً واحداً للجيش، بيد أن على القائد أن يكون مخلصاً لإله إسرائيل أولاً وأنه - كما جاء في البيان - من الخطأ أن يكون الإخلاص لرئيس من دم ولحم، دون الخضوع لتعاليم الله، فهذه المدارس الدينية في الضفة الغربية تمول جزئياً من موازنة الجيش، فقد قرر وزير الدفاع "ايهود باراك"، إيقاف تحويل الموازنة لمدرسة "هاربراخا" ومدرسة الون موريه" التي تسير في أعقابها، لدعوتهم الجيش لعدم إطاعة أوامر قادته في إخلاء مستوطنات، مع أن الجيش يحول أكثر من مليون شيكل سنوياً لمدرستين دينيتين رافضتين لتعليماته وأوامره، هذا إضافة إلى الموازنة التي تتلقاها من وزارة التعليم.
إن مبادرات السلام التي تثار صبح مساء منذ عام 1967 وحتى اليوم-والتي لم تؤد نتائج- تشعل الحرب من قبل المتطرفين والمستوطنين والتوراتيين، فالتهديد في بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى المبارك، ومحاولة إحراق مسجد مؤخراً في الضفة الغربية، قد تؤدي إلى حرب دينية ومواجهات بين المسلمين واليهود، لتحول الصراع من قومي إلى ديني، فالاحتلال الإسرائيلي والقائمون عليه-الذين دعموا وشجعوا ومولوا الاستيطان-عاجزون اليوم، أو متلكئون عن كبح تطلعات هذه الجماعات، التي تحاول إملاء برامجها الدينية، وتنادي بحلم أرض إسرائيل الكاملة، وتحول الصراع إلى حرب دينية، وهذا سيعرض استقرار إسرائيل للخطر، وفقاً لوجهات نظر إسرائيلية من تيارات سياسية أخرى، ومن الجدير بالذكر، أن معظم طلبة هذه المدارس الدينية، هم من الجنود أو الذين على وشك التجند، الذين يتهربون من الخدمة العسكرية تحت ذريعة الدراسة الدينية، فوزارة الدفاع تمول هذا المدارس "حسب الرأس" أي تدفع كوته عن كل جندي يتعلم في إطار خدمته العسكرية، ودون دفع أي رسوم، ويعفى من الخدمة العسكرية الفعلية.
في أعقاب تأليفهما كتاباً جاء فيه أن الشريعة اليهودية تسمح بقتل أطفال فلسطينيين، تقدمت منظمات يهودية بدعوى أمام المحكمة العليا، تطالب فيه بمحاكمة حاخامي مستوطنتي "يتسهار"، على فتواهم، وقد جاء في حيثيات الشكوى مقتطفات من الكتاب تقول، بأن قتل أطفال لم يرتكبوا "الخطايا السبع"، والادعاء بأنهم سيشكلون خطراً إذا بقوا على وجه الحياة، وتقدموا بالنمو ليصبحوا أشراراً مثل آبائهم، هذه العبارات التي وردت في كتابهما الذي يحمل اسم "ثورة الملك"، تعتبر مخالفة للقوانين والشرائع اليهودية كما جاء في الشكوى الموقعة من قبل منظمة (بريت نئمني هتوراة)، ومنظمة "هاما هانوت"، و"كليسفور" النسائية، و"يود بيت بهشنان"، والأخيرة شكلت في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اسحق رابين عام 1995.
وخلاصة القول، فإن المجتمع اليهودي ماضٍ بخطوات متسارعة نحو التطرف والفاشية والمواجهة، آخذاً من كتبه الدينية مبرراً لتوجهاته، في ظل حكومة يمينية متطرفة، تعطي الغطاء لهؤلاء المتطرفين الذين يستغلون الدين، ويقحمونه في الصراع السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين، فهذه الصراعات اليهودية-اليهودية، بين العلمانيين والمتزمتين، وصراع الجنرالات على المناصب، كذلك صراع السياسيين للوصول إلى مقاعد الحكم، والفقر المدقع في إسرائيل، والفساد المستشري والذي وصل إلى قيادات بارزة، والجريمة المنظمة، وغيره وغيره، تذكر باختفاء مملكتي يهودا والسامرة في العصر الماضي، اللتين تقاتلتا على الحكم، فخسره الجانبان، وهذا يعزز دراسات إسرائيلية تقول بأن عمر دولة إسرائيل في أحسن الأحوال لن يصل إلى (120) عاماً، غير أنهم لم يتعظوا، ولم يستقوا العبر من ماضيهم، فإن رفضهم للسلام الذي هو في صالحهم لا أقل من صالحنا، فإنهم يخشونه ويعتبرون انه سيؤدي إلى نهاية الدولة العبرية، فهم أمام خيارين، خيار الحرب أو السلام، وأحلاهما بالنسبة لهم وبنظرهم مر كالعلقم، وهذه الصراعات فيما بينهم ستقودهم إلى الهلاك.