New Page 1
جورج حبش.. ممن لا يموتون- بقلم هيلدا حبش
01/02/2010 22:24:00
في الذكرى السنوية الثانية لرحيل الحكيم، أقف وقفة تأمل وتفكير لمرحلة ما بعد غيابه. لم أكن أتخيّل أن هناك ما هو أصعب وأقسى من التجارب المريرة التي خضناها معاً على مدى عشرات السنين من المعارك والمواجهات والسجون والاعتقالات وحياة التشرد. إلاّ انني عشت جميع المراحل النضالية بكل مفاصلها بعزة وشموخ وبمعنويات لا تهزها العواصف ولا الاعاصير؛ لكن الاعصار الحقيقي الذي هزني بالصميم هو فقدان رفيق العمر والدرب النضالي الذي رافقته في رحيله وترحاله وكان يمثل لي أسمى القيم الإنسانية من نبل وطهارة ونقاء.
افتقده اليوم وافتقد الأيام الجميلة التي عشناها معاً. افتقد شجاعته ومواقفه المبدئية الصلبة في القضايا المصيرية. لقد كان الحكيم الصخرة التي تكسرت عليها كل محاولات العدو للنيل منه ومن شعبه وأمته. لقد أدركت الآن ان الموت ليس نهاية المطاف وان التواصل الروحي بيني وبين الحكيم لم يتوقف. أحدثه كل يوم وانقل له كل ما يستجد من أحداث تدور في سماء الوطن. سيبقى الحكيم يحتل عرش القلوب، قلوب محبيه، فهو حيٌ بكل ما تركه لنا من أرث أخلاقي ومعنوي ونضالي سيبقى يسري في عروقنا ما حيينا، يمدّنا بالعزم والتصميم على مواصلة المسيرة التي بدأها لتمتدّ عبر عشرات العقود ضاربة جذورها في أعماق الأرض. ستبقى أفكاره ومعتقداته وما يمثله من قيم ومبادئ تسطع في سمائنا امثولة للأجيال.
«الثوريون لا يموتون ابداً» عنوان كتاب صدر باللغة الفرنسية قبل وفاته بيومين، واستطاع وهو في العناية المركزة ان يلقي نظره سريعة عليه وبدا على وجهه علامات الارتياح ثم أوصى بترجمته الى اللغة العربية. وبعد مرور أقل من عامين على وفاته صدر الكتاب كما اراد عن دار الساقي في بيروت وتابعنا انا وابنتي لمى عملية التدقيق والتنقيح كي نحافظ على روح النص والمضمون بعيداً عن الترجمة الحرفية. كم آلمني ان يصدر الكتاب الذي أشرف هو شخصياً على صدوره من خلال حوارات مباشرة مع الصحفي الفرنسي جورج مالبرونو استمرت ساعات طويلة أكثر من مئة ساعة حوار عبر الترجمة الفورية، يؤلمني ان يصدر الكتاب باللغة العربية بعد رحيله. إن من يقرأ الكتاب يشعر بان جورج حبش يخاطبه مباشرة وان روحه الطاهرة الثائرة تتدفق من بين السطور. قال ما له وما عليه وترك لنا وثيقة تاريخية هامة لا تقدّر بثمن.
كم يؤلمني أن تأتي الذكرى الثانية لرحيل الحكيم وشعبنا يمر في منعطف خطير وظروف قاهرة، فمنذ اتفاقيات أوسلو التي دفع شعبنا ثمنها من ضربات موجعة وغارات مستمرة وقتل وتدمير للبنى التحتية ولكل ما يقع في مرمى الآلة العسكرية الإسرائيلية من دون رحمة أو أي اعتبار لاتفاقيات موقّعة ولا لقوانين دولية لحماية المدنيين وحماية الأرض. وبعد ثمانية عشر عاماً تطل علينا السلطة الفلسطينية لتعلن بأن المفاوضات كانت عبثية وان إسرائيل لا تحترم ما وقعت عليه من اتفاقيات ولا تُلزمها بشيء، وتوّجت إسرائيل استهتارها بالحرب المدمرة التي شنتها فوق رؤوس السكان المدنيين الآمنين في غزة لتدمر آلاف البيوت ولتترك عشرين ألف فلسطيني بلا مأوى يبيتون في العراء قرب انقاض منازلهم. عام كامل مر على هؤلاء الناس، ذاقوا خلاله شظف العيش والجوع والمرض وحر الصيف ولسعات برد الشتاء القارس، من دون ان يرمش جفن للأشقاء والأصدقاء قبل الأعداء، في هذا العالم، وظلت قضية إعادة إعمار غزة تراوح بين رفض إسرائيلي مطلق لرفع الحصار وبين تواطؤ أميركي وأوروبي وصمت عربي وفلسطيني رسمي غير مفهوم وغير مبرر وبقيت بلايين الدولارات التي رصدت لإعادة الإعمار حبراً على ورق.
عام يمرّ على الجريمة النكراء دون عقاب ودون مساءلة ووسط هذه الأجواء المتلبدة جاءت قافلة شريان الحياة وأحدثت دوياً عالمياً لتهز ضمير العالم وتذكر بالجرائم المرتكبة بحق شعبنا.
شكراً للنائب البريطاني، الفلسطيني المشاعر، المناضل جورج غالاوي وشكراً الى جميع الذين شاركوه في حملته ورفعوا الصوت عالياً دفاعاً عن غزة وعن الشعب الفلسطيني. شكراً لكل الاحرار في العالم الذين يقولون كلمة حق في زمن القهر والظلم الذي تمارسه إسرائيل دون محاسبة.
ولا بد للأخوة في فتح وحماس من انهاء الانقسامات لإعادة اللحمة بينهم، وأحملهم مسؤولية تاريخية أمام الله وأمام الشعب. إن قضيتنا تمر بمنعطف خطير. ان الادارة الاميركية متمثلة بالسيدة كلينتون وزيرة الخارجية تطل علينا بابتسامة عريضة وتطالب السلطة الوطنية الفلسطينية بالعودة الى المفاوضات بدون قيد ولا شرط، في ظل الزحف الاستيطاني الصهيوني للقدس والضفة الغربية. كنا نطالب بإزالة المستوطنات واليوم نطالب بتجميد الاستيطان وإسرائيل تتحدى العالم وتستمر في قضم الأرض أخشى الا يبقى من القدس غير الاسـم بعد مصادرة الاراضي وهدم البيوت وترك السكان على قارعة الطريق. أي عدل هذا؟؟ من يحمي الشعب ومن يحمي المناضلين الذين يستشهدون امام اعين نسائهم وأطفالهم داخل بيوتهم وليس في ساحة المعركة؟ ما حدث في نابلس يعتبر اغتيالاً وبدم بارد. ومر الحادث مرور الكرام.
على القيادة الفلسطينية بالتمسك بخيار المقاومة فالمقاومة خيار استراتيجي يحفظ لنا حقوقنا الوطنية. إن المقاومة حق تكفله جميع الشرائع والأعراف والمواثيق الدولية لجميع الشعوب المُحتلة أرضها. منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي دعا الحكيم و قيادة حركة القوميين العرب إلى الكفاح المسلح و رُفع شعار حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد. ولا بد من وقف المفاوضات الوهمية رحمة بالشعب وبالقضية، والتمسك بالثوابت الوطنية وتحقيق الأهداف كافة في حق العودة، وحق تقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة ذات السيادة و عاصمتها القدس.
المجـد والخـلود لجميــع الشهداء الأبرار.
|