New Page 1
لا .. لا .. ثم لا .. للسلام.. غازي السعدي
04/02/2010 13:47:00
لم يكن إغفال الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" في خطابه السنوي للأمة الأمريكية، بتجاهله الصراع العربي-الإسرائيلي وبخاصة القضية الفلسطينية صدفة أو نسياناً، بل كان هذا التجاهل ما بين الاعتراف المبطن بفشله في تحقيق ما وعد به بحل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية، باعتبارها مصلحة أمريكية استراتيجية، أو أن هذا التجاهل، أراد منه إظهار غضبه لعدم تقدم المفاوضات، واحتجاجاً على جمود العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، هذا الجمود الناجم عن رفض إسرائيل القبول بطلبه الداعي لتجميد الاستيطان بشكل كامل، بما في ذلك القدس الشرقية، وهناك من اعتبر هذا التجاهل بأن الرئيس الأمريكي، سيسحب يده من معالجة قضايا الشرق الأوسطـ، لكن العارفين ببواطن الأمور يقولون بأن "أوباما" لن يتخلى، ولا وجود لأي نية لديه، للتخلي عن تدخله ومعالجته لهذا الصراع، إذ أن مثل هذا التخلي سيرتد عليه وعلى الولايات المتحدة سلباً، فالرئيس "أوباما" الذي أعلن منذ تنصيبه للرئاسة الأمريكية، بأن حل الصراع العربي-الإسرائيلي، هو مصلحة استراتيجية أمريكية.
ولن يتراجع دون تحقيق ذلك، مع أن سلفيه الرئيس "كلينتون" و الرئيس "جورج بوش"، عندما فشلا في حل هذا الصراع المزمن، قالا بأن الولايات المتحدة، لا يمكنها أن تكون أكثر رغبة في تحقيق السلام، أكثر من الأطراف ذات الصلة، فالرئيس "أوباما" اعترف بفشله في سنته الأولى في التوصل إلى تسوية للصراع، غير أنه لا يملك خياراً لترك هذه المنطقة الاستراتيجية الحساسة، لتعيش الفوضى وعدم الاستقرار، فقد وضع الرئيس الأمريكي الصراع الشرق أوسطي، إلى جانب حربين تديرهما الولايات المتحدة في كل من العراق وأفغانستان، إلى جانب المعضلة الإيرانية الخطيرة، وهذا يعني أن الشرق الأوسط يقع في سلم أولوياته، قبل قضايا خارجية عديدة وشائكة، فقد أجمل "أوباما" سنته الأولى بما يتعلق بالشرق الأوسط، بالرسالة البسيطة التي يتذكرها الجميع، من اجتماعات أهالي طلاب المدارس:" توقعنا منكم المزيد".
فالرئيس "أوباما" يعترف بفشله، غير أنه يوجه سهامه إلى كل من الفلسطينيين والإسرائيليين، ويتهمهم بالفشل بقدر ليس أقل منه، لكنه يقر بأنه سيصحح أخطاءه، ويطالبهم بالسير ورائه، ويقول:"أما أنت يا بيبي (نتانياهو) فإنني غير راضٍ منك حقاً"، ويضيف:"يفترض أنكم ستكونون التلاميذ الأفضل والأكثر انضباطاً، لكنكم لا تتصرفون على هذا النحو"، ويبدو أن في قلبه غصة، مع أنه عازم على إصلاح أخطائه، التي لم يكشف عن كيفية إصلاحها، وفي مقابلة له مع صحيفة "تايم مغزين" قال:"لم تكن الجسارة في اتخاذ خطوات تسمح بالتقدم في المسيرة السلمية، وبتعبير آخر، لعل الرئيس الفلسطيني حصل على علامة "كاف بالكاد"، وأضاف موجهاً كلامه لنتانياهو:" أما علامة "نتايناهو" فكانت "غير كافٍ" بل كنت تستطيع التقدم في المسيرة، لكنك لم ترغب بما فيه الكفاية"، وهذا العتاب "لنتانياهو"، يدل على تملص الرئيس الأمريكي، من الاستجابة لطلبات "نتانياهو" المتكررة، لزيارة البيت الأبيض.
مبعوث الرئيس "أوباما" لعملية السلام في الشرق الأوسط "جورج ميتشيل"، الذي فشل في تحقيق تقدم ناجم عن التعنت الإسرائيلي من جهة، وخلافاته مع وزيرة الخارجية الأمريكية "هيلاري كلينتون" من الجهة الأخرى- هذه الوزيرة المنحازة للجانب الإسرائيلي- قذف في جولته الأخيرة بمبادرة جديدة، لتجاوز قضية البناء في المستوطنات، وهذه المبادرة، تحمل عنوان تهيئة الأجواء من أجل استئناف المفاوضات بين الجانبين، وتتضمن المبادرة الجديدة، أن توقف إسرائيل اقتحاماتها لمناطق "أ" الخاضعة للسلطة الفلسطينية وفقاً لاتفاق "أوسلو"، وتحويل أجزاء من أراضي مناطق "ب" إلى مناطق "أ"، والسماح للسلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية بالعمل في مناطق "ج"، وأن يتم إطلاق سراح دفعات من الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، وللتذكير فإن المناطق "أ" تقع ضمن مسؤولية السلطة الفلسطينية من جميع النواحي بما في ذلك الأمن، أما مناطق "ب" فإنها تقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية بالكامل باستثناء الأمن التي بقيت من مسؤولية إسرائيل، أما مناطق "ج" فإنها تقع تحت السيطرة الإسرائيلية بالكامل، ومن ضمن مبادرة "ميتشيل" الجديدة، تحويل عائدات الضرائب التي تجبيها إسرائيل، إلى السلطة الفلسطينية بصورة منتظمة شهرياً، كذلك تسهيل إسرائيل إدخال المواد الغذائية، ومواد البناء إلى قطاع غزة، وتأتي هذه المبادرة الأمريكية الجديدة، لاختبار حسن نوايا إسرائيل، فإذا ما عملت إسرائيل على تطبيقها، فقد تمهد لاستئناف المفاوضات بين الجانبين، غير أن "نتانياهو" لم يرفض هذه المبادرة، كما لم يوافق عليها، بل وضع العقبات أمامها، باشتراطه لقاء الرئيس الفلسطيني أولاً، لإجراء بحث حول المبادرة، وبذلك يضعها للتفاوض وليس للتنفيذ، ويريد تسجيل نقاط لصالحه بأنه زحزح الرئيس الفلسطيني عن موقفه الرافض لاستئناف المفاوضات، وبالتالي فإنه سيتهرب من المبادرة الجديدة، وهذا ما يرفضه الجانب الفلسطيني.
إن الموقف الفلسطيني ما زال متمسكاً بوجوب وقف البناء التام في المستوطنات في عموم الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية، ثم العودة إلى مرجعيات واضحة ومعروفة للمفاوضات، التي يجب أن تستأنف من النقطة التي انتهت عندها مع حكومة "ايهود اولمرت"، ومن غير المقبول أنه كلما تغيرت حكومة في إسرائيل، بدأ التفاوض من نقطة الصفر، فإسرائيل ترفض هذه المطالب، وهي استحقاقات وردت في "خارطة الطريق" الأمريكية، والتي وافق عليها الجانبان، فهذا الرفض يعني انهيار الجهود لاستئناف المفاوضات، إذ أن "نتانياهو" يعمل على تعطيل كل ما من شأنه استئنافها بغير اشتراطاته، لأن لا مصلحة، ولا قرار لحكومته بإحلال السلام، واستقرار المنطقة، لكن لعبة ومحاولة "نتانياهو" - في محاولته رمي الكرة إلى الملعب الفلسطيني، وتحميل مسؤولية تعثر عملية السلام أمام العالم على الفلسطينيين - فشلت، فهذه المحاولات لم تعد تمر لا على الأمريكيين، ولا على دول العالم، كما أن "نتانياهو" لم يعط الرد على سؤالين الأول: هل أنت مستعد لاستئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها في أواخر ولاية حكومة أولمرت؟ الثاني: هل تقبل المبدأ القائل أن المساحة التي ستنقل إلى الدولة الفلسطينية ستكون مساوية للأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967؟ .. لكن لا جواب على هذه الأسئلة.
رئيس مؤتمر "هرتسيليا" الجنرال احتياط "داني روتشيل" حذر من المخاطر التي تحيط بإسرائيل من كافة الجوانب، خاصة على الصعيدين السياسي والأمني- فمن الشمال هناك حزب الله، وفي الجنوب حركة حماس، ومن الشرق إيران- وأكد أن إسرائيل ستواجه صعوبات في المجال الاستراتيجي الأمني والعسكري رغم محاولة البعض التخفيف من خطورة هذه التهديدات، كما أن الحكومة الإسرائيلية، تتجاهل تدهور صورة إسرائيل في العالم، واتساع ظاهرة المعاداة لإسرائيل،حتى أن جهات واسعة باتت تتنكر لشرعية إسرائيل، وهناك حملات في وسائل الإعلام الأوروبية ضد إسرائيل، وخاصة في بريطانيا وبين طلبة الجامعات، ورغم ذلك فإن الحكومة الإسرائيلية التي تعطل العملية السلمية، تفضل استقرار الحكم فيها وتخشى من خلافات بين الأحزاب المشاركة في الائتلاف الوزاري، التي تهدد بإسقاط الحكومة المشكلة من أحزاب اليمين المتطرف إذا ما استجابت للموقف الفلسطيني، فهذه الأحزاب لا تؤمن بالمفاوضات، وبالاتفاق مع الفلسطينيين، بل يؤمنون ويتبنون إقامة إسرائيل التوراتية على جميع الأراضي الفلسطينية، والحقيقة التي لا يعلنون عنها جهاراً، أنهم لا يريدون عرباً بين ظهرانيهم، ويضعون مستقبل إسرائيل ذات الفكر الإيديولوجي العنصري المتطرف، ولا يأبهون بالتحذيرات من المخاطر المحيطة بإسرائيل وتهديد شرعيتها وبقائها.
حكومة إسرائيل التي قد توافق على إقامة دولة فلسطينية- وهذا مشكوك فيه- تعتبر بأن حدود فلسطين ستكون في الأراضي الواقعة خارج جدار الفصل العنصري، منزوعة السلاح، على أن تعترف بيهودية إسرائيل، والقدس إسرائيلية، ولا لعودة اللاجئين، والسيطرة على مصادر المياه، ومعابر الحدود وأن يكون هناك تواجد عسكري إسرائيلي على حدود فلسطين الشرقية، فهل من يطالب بهذه الاشتراطات يرغب في السلام؟ أم أنها تعقيدات تعجيزية لرفض الجانب الفلسطيني لها، واستمرار إسرائيل بمشاريعها الاستيطانية؟ فالتوقعات من "نتانياهو" سوداء ... سوداء
|