New Page 1
نتنياهو يريد المفاوضات من أجل المفاوضات/ غازي السعدي
07/02/2010 09:23:00
تشهد المنطقة تحركاً دبلوماسياً عربياً مكثفاً، إثر المعلومات التي تتسرب حول خطة أمريكية جديدة، لحمل إسرائيل والسلطة الفلسطينية على البدء بالتفاوض على التسوية الدائمة، على أن يتفق الطرفان على إنهائها بعد عامين من يوم بدئها، وتقضي الخطة التي لم يعلن عنها رسميا، بأن يكون الموضوع الأول الذي يتم التفاوض عليه، هو قضية الاتفاق على الحدود النهائية للدولة الفلسطينية، وهذا ما ترفضه إسرائيل بشدة، وأن الموعد المحدد للتوصل إلى تسوية في موضوع الحدود، تسعة أشهر، أي قبل التاريخ الذي حددته الحكومة الإسرائيلية "لتجميد" البناء في المستوطنات، وأن تعود إسرائيل لمواصلة البناء في المناطق خارج الحدود النهائية للدولة الفلسطينية التي سيتوصل إليها الطرفان، بينما يتم تجميد البناء في المستوطنات التي لا يتم الاتفاق بشأنها.
إن الولايات المتحدة، التي فشلت في إلزام إسرائيل بتجميد البناء بجميع أشكاله في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية، وفقا لمبادرة الرئيس "باراك أوباما"، وبدلا من الضغط على إسرائيل بالتجميد، فإنهم يضغطون على الفلسطينيين ويطرحون المبادرات للانسحاب من مبادرتهم بتجميد البناء، التي استقبلت بارتياح فلسطيني عربي، واعتبروها سياسة أمريكية جديدة، تسعى لتصحيح الأخطاء الأمريكية في سياستها الشرق أوسطية، خلال العقود الماضية، فهذه المبادرة الأمريكية –إن صحت- تقضي بالتوفيق بين المطالب الفلسطينية بالحصول على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وبين المطالب الإسرائيلية بحدود آمنة قابلة للدفاع عنها، وتشمل الخطة تبادل أراضٍ مقابل بقاء الكتل الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية، أما موضوع القدس واللاجئون فإنهما مؤجلان، مع أنه منذ اتفاق أوسلو اتفق على تأجيلهما لمفاوضات المرحلة النهائية، واليوم يؤجلان مرة أخرى، أما الفارق بين التأجيلين، فإن إسرائيل مستمرة بتهويد القدس، وبهدم البيوت العربية، وبناء وحدات سكنية يهودية داخل القدس الشرقية، بينما في التأجيل الأول، لم تقم إسرائيل بهذه الهجمة على القدس، ومع كل ذلك، تطالب وزيرة الخارجية الأمريكية، بمفاوضات مباشرة دون شروط مسبقة.
الإدارة الأمريكية ستقدم للفلسطينيين ضمانات بأن يكون الموعد النهائي لإنهاء المفاوضات بعد عامين غير قابل للتأجيل، غير أن الوعود والمبادرات والضمانات الأمريكية ليست صادقة، وفقا لتجارب الماضي، ولماذا الضمانات والمبادرات الجديدة؟، هل من أجل إرضاء إسرائيل بالتخلص من "خارطة الطريق" التي أقرها مجلس الأمن الدولي عام 2003، تحت رقم (1515) وتبناها أعضاؤه بالإجماع، ودون أي ذكر بالمرة للتحفظات الإسرائيلية الأربعة عشر، التي أعلنتها حكومة "شارون" في حينه، وتهرب "نتنياهو" بصورة منهجية من ذكر أي عبارة عن خارطة الطريق، مع أنه وقبل أن يصبح رئيسا للوزراء، كان يعلن دائما وعلى الملأ التزام إسرائيل بهذه الخارطة، التي سبق أن أقرتها الحكومة الإسرائيلية في شهر أيار من عام 2003، وأن قرارات الحكومات الإسرائيلية ملزمة للحكومات اللاحقة، كذلك فإن اتفاق "أنابوليس" في شهر تشرين ثاني من عام 2007 يلزم حكومة "نتنياهو" أيضا، فالقانونيتان الإسرائيليتان البروفيسورة "روت لابيدوت" الحائزة على جائزة إسرائيل في البحث القضائي، والمحاضرة في القانون الدولي في الجامعة العبرية، والقانونية "عوفرا بريزل"، أوضحتا المعنى القانوني لخارطة الطريق، وتعتبران أنه من اللحظة التي صادقت فيها الحكومة الإسرائيلية، ومنظمة التحرير الفلسطينية على الوثيقتين، فقد أصبحت هاتان الوثيقتان تعهدات ثنائية من دون تحفظات للجانبين، وإسرائيل ملزمة بهما.
إننا نمر بفصل جديد من كثرة المشاريع والمبادرات السلمية، ومن الصيغ والقرارات والمبعوثين، فمنذ مشروع وزير الخارجية الأمريكية "روجرز" الأول في عام 1969، ومشروعه الثاني والثالث، وحتى اليوم لا جديد في العملية السياسية- السلمية، بل أن الجديد هو تراجع واضح في العملية، وتشدد واضح في المواقف الإسرائيلية، بل التوقعات سوداء، فقد جاءت وثيقة إسرائيلية جديدة، أعدها رئيس معهد بحوث الأمن القومي "عوديد عيران": دفع "نموذج جنين إلى الأمام" ، وتوسيع مضبوط له في كل مدن الضفة الغربية، استخدام قوات حفظ الأمن من قبل مسلحين فلسطينيين ليتسلموا المسؤولية الأمنية، وإزالة نصف حواجز الطرق في الضفة الغربية بحيث لا يضر بأمن الإسرائيليين، وتوسيع المنطقة (أ) التي تقع تحت مسؤولية السلطة الفلسطينية، وأن يواصل الجيش الإسرائيلية السيطرة الأمنية الكاملة إلى غير ذلك من الاقتراحات.
إن ما يطلقه السياسيون الإسرائيليون من مواقف تعني إغلاق جميع الأبواب أمام الحل، فحين يعلن رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" عن قبوله بدولة فلسطينية، دون أن يعلن عن حدودها، ويشترط اعتراف الفلسطينيين بيهودية إسرائيل، وبدولة منزوعة من السلاح، وأن القدس عاصمة إسرائيل الأزلية بشقيها الغربي والشرقي، ودون حل قضية اللاجئين، مع استمرار البناء في المستوطنات، وإبقاء سيطرة إسرائيل على مصادر المياه، فإن من يطرح مثل هذه الاشتراطات، بالتأكيد لا يريد السلام، وينتظر رفض الفلسطينيين لاشتراطاته، كي يحملهم مسؤولية إفشال المفاوضات من أجل المفاوضات وليس الحل، وعندما يعلن الوزير الإسرائيلي لشؤون الاستخبارات والشؤون الاستراتيجية "دان مريدور"، أن القضية الفلسطينية غير قابلة للحل في الفترة الحالية، وأن إسرائيل عرضت على الفلسطينيين خلال قمتي "كامب ديفيد"، و"أنابوليس"، والمفاوضات بين رئيس الوزراء السابق "ايهود أولمرت" ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، خيارات كثيرة، تتضمن العديد من "التنازلات"، والتي رفضها الفلسطينيون، فهذا الوزير لا يريد أن يفهم، أن الفلسطينيين يريدون حقوقهم المشروعة بإزالة الاحتلال، وإقامة دولتهم، وليس تنازلات إسرائيلية مزعومة، وأقوال وزير الخارجية "افيغدور ليبرمان" المتكررة، والتي كان آخرها في الأسبوع الماضي، أمام مؤتمر سفراء وقناصل إسرائيل في العالم الذي عقد في إسرائيل، والتي أعلنها جهارة باستحالة التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية خلال العقدين القادمين، وأن إسرائيل لن تقدم المزيد من بوادر حسن النية والتسهيلات للفلسطينيين،-مع أننا لا نعرف شيئاً عن هذه التنازلات-، حتى أنه يشكك في الصفة التمثيلية للرئيس "محمود عباس"، ويعتبر أنه لا يمثل الشعب الفلسطيني، وأقوال وزير السياحة الإسرائيلي، "ستاس ميجنيكوف"، أن القبول بحل الدولتين لشعبين، يعني منح العرب دولة ونصف، ومنح إسرائيل نصف دولة، وإذا كان السلام يعني تسليم الأرض فهذا لن يكون.
وجاء في تقرير أميركي، أن إسرائيل تتملص من خريطة الطريق، فقد رفع المبعوث الأميركي الذي عين لمراقبة تطبيق خارطة الطريق الجنرال "بول سيلفا"، إلى وزيرة الخارجية الأميركية "هيلاري كلينتون"، تقريراً مفصلاً يتضمن سلسلة من الاتهامات ضد إسرائيل، بعضها بلغة فظة ومهددة وهذا التقرير كما نقلته جريدة "يديعوت احرونوت" أكد أن إسرائيل تتملص من تطبيق الإجراءات المطلوبة منها كما جاء في خارطة الطريق، محتجاً على أجهزة إسرائيل الأمنية التي يفترض أن تحقق تقدماً في الخارطة، فهناك انعدام مطلق للتنسيق معها، وانعدام المصداقية التي يتلقاها من محافل إسرائيلية مختلفة، بينما يعتبر مستشار رئيس الحكومة شارون المحامي "دوف فايسغلاس" الذي أدار المفاوضات مع الإدارة الأميركية حول الخارطة بأن "نتنياهو" ملزم بخارطة الطريق، ويقول بأن على نتنياهو أن يتذكر بأن إقامة دولة فلسطينية هي النتيجة وفقاً للخارطة، وليس بداية المفاوضات.
وخلاصة القول، فإن كل شيء في إسرائيل مباح، حتى أن الجمهور الإسرائيلي آخذ بالتوافق مع قادته، دون أن يغضب ويحتج على هذه السياسة التي تهدد وجوده على المدى البعيد، أما الساحة السياسية-الحزبية فإنها آخذة بالانهيار، ولا وجود لمعارضة تذكر لحكومة "نتنياهو"، كما أن القيم والمبادئ وحقوق الإنسان، التي أكثروا الحديث حولها لم تعد قائمة، "فنتنياهو" الذي لا يقرن الأقوال بالأفعال، ويتهرب من مواجهة التزاماته، فإنه في أحسن الأحوال، مستعد لإقامة دولة فلسطينية مؤقتة، على مناطق محدودة، أو الموافقة على اتفاق مرحلي جديد، تكراراً للاتفاق المرحلي كما جاء في اتفاق اوسلو، فهو يريد ويطالب بالمفاوضات من أجل المفاوضات وليس من أجل الحل، مع أنه لا يمكن بقاء الجمود والوضع الراهن إلى الأبد، أما بالنسبة للتحرك الدبلوماسي العربي الأخير، فإن أي تحرك يعتبر إيجابياً، لكن على العرب أن يعرفوا بأن هذا التحرك لن يقود لأي نتائج إيجابية، فإن إسرائيل أغلقت جميع الأبواب، وعلى العرب البحث عن بدائل جديدة وفعالة إذ أن جميع المبادرات والتحركات الدبلوماسية نجحت إسرائيل في إفشالها.
|