New Page 1
دولة فلسطينية أم دولة ثنائية القومية/ غازي السعدي
10/02/2010 22:44:00
عندما يتحدث وزير الحرب الإسرائيلي "ايهود باراك"، بأن عدم التوصل إلى صفقة سلام مع الفلسطينيين، يمثل أكبر تهديد لإسرائيل يتجاوز خطر التهديد النووي الإيراني "هآرتس 26/1/2010"، يفهم من أقواله أن عدم التوصل لتسوية ليس في صالح إسرائيل، ويؤدي إلى دولة ثنائية القومية- وقد أدلى "باراك" بأقواله هذه، أمام طلاب جامعة "بار ايلان"- في المقابل يخرج علينا "بنيامين نتنياهو" رئيس الوزراء- لدى مشاركته بغرس الأشجار بمناسبة عيد الشجرة، في مستوطنات "غوش عتصيون" القريبة من بيت لحم، و"أرئيل" المجاورة لحدود الخط الأخضر- ليؤكد بأن "أرئيل" وغوش عتصيون هي أراضٍ إسرائيلية، وستبقى إسرائيلية إلى الأبد، وأن كل من يفهم جغرافية "أرض إسرائيل"، يعرف أهمية مستوطنة "أرئيل" الواقعة في قلب إسرائيل، مضيفاً: "هنا عاش آباؤنا، وهنا سنبقى وسنبني"، وهو بهذا يعتبر مستوطنة "أرئيل" عاصمة شمال الضفة الغربية، وأنها ستكون جزءاً لا يتجزأ من دولة إسرائيل في أي اتفاق سلام في المستقبل "هآرتس 29/1/2010".
"نتنياهو"- وفي اجتماع عقد في "اسدود" للبحث في موضوع الهجرة والاستيعاب- أكد أنه سيعمل على تهجير مليون يهودي من دول الكتلة الشرقية، وإثيوبيا، وأوروبا، والولايات المتحدة، وأميركا اللاتينية، إلى إسرائيل لمواجهة الزيادة الديمغرافية للفلسطينيين، ويؤكد أنه يحلم بأن هذه الهجرة، ستحول إسرائيل إلى دولة عظمى، "إذاعة الجيش الإسرائيلي 26/1/2010"، مع العلم بأن رئيس الوزراء الأسبق "أرئيل شارون" وعد بالمليون مهاجر غير أن وعده لم يتحقق.
وزيرة الخارجية السابقة زعيمة حزب كديما "تسيفي لفني" اعتبرت بأن الأصوات التي تنادي بإنشاء دولة ثنائية القومية مثيرة للقلق، ورئيس بلدية القدس اليهودية قال للجروساليم بوست أن زيادة أعداد الفلسطينيين في القدس، يشكل تهديداً إستراتيجياً على إسرائيل، وأنه قبل (20) عاماً شكل اليهود في المدينة نسبة 70%، والعرب 30% واليوم تراجع عدد اليهود إلى 65% مقابل زيادة عدد العرب الذين وصلت نسبتهم إلى (35%)، بينما اعتبر حاخام فرنسا الأكبر "رينيه سيرات"، أن لا مستقبل لإسرائيل دون تحقيق السلام، وجاء في مقابلة له مع جريدة "هآرتس"، أنه من غير المعقول ألا يتطرق مؤتمر يحمل عنوان "مستقبل الشعب اليهودي"، إلى السلام مع العالمين العربي والإسلامي، وتساءل الحاخام: إنه أمر لا يصدق بأن يصبح السلام كلمة (نابية)؟ فكيف يمكن التخطيط لمستقبل الشعب اليهودي دون معالجة قضية السلام؟ أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وفي مقابلة له مع جريدة "الجارديان" البريطانية 1/2/2010، أكد أن استمرار احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وعدم تبني حل الدولتين، سيؤدي إلى حل الدولة الواحدة ثنائية القومية، وهذا أكثر ما يقلق إسرائيل.
هذه الأقوال والأمثلة التي أوردناها على لسان مسؤولين إسرائيليين وغيرهم تؤكد أن هناك نقاشاً حاداً يدور في إسرائيل، بين الذين يؤيدون حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل، وبين الذين يعارضون هذا الحل، الذي سيؤدي إلى دولة ثنائية القومية، وهو نظام نادر في هذا العالم، وصعوبة التوصل لاتفاق حول دستور الدولة الواحدة، وهذا الحل سيؤدي إلى إلغاء دولة إسرائيل كما يقولون، إذ أن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، خلق واقعاً جديداً لا مفر منه في حال استمر الاحتلال، وهذا الواقع يفرض خلق دولة ثنائية القومية، فلليهود مشكلة ديمغرافية، بينما لا يوجد للفلسطينيين مثل هذه المشكلة، وأن وجود دولة واحدة سيشكل الفلسطينيون فيها أغلبية مضمونة، لكن السؤال: هل يمكن التعايش بسلام واحترام بين اليهود والعرب في دولة واحدة؟
في بحث لمعهد بحوث القدس، أكد بأن إسرائيل ستفقد الأغلبية اليهودية عام 2035 وسيتساوى عدد الجانبين، فقد بلغ عدد سكان إسرائيل حتى نهاية عام 2009- وفقاً لمكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي- 7,509,5 نسمة، يشكل اليهود نسبة 75,4% أما عرب الداخل فيشكلون 20,3% وهناك 4,3% أصحاب ديانات أخرى، غير معترف بيهوديتهم، أما الفلسطينيون- وفقاً للإحصائية الصادرة عن مكتب الإحصاء الفلسطيني- فقد بلغ عددهم (10.9) مليون نسمة، علماً أن أكثر من نصفهم يعيشون في الشتات، بينما يتواجد 3,99 مليون في الأراضي الفلسطينية، منهم 62,1% في الضفة الغربية - وبالأرقام 2,484 مليون نسمة- و37,9% في قطاع غزة - وبالأرقام 1,516 مليون- ومن مجموع عدد السكان في إسرائيل وفقاً لمكتب الإحصاء الإسرائيلي، 1,300 مليون في مناطق 1948، و(250) ألفاً في القدس الشرقية، و(22) ألفاً في هضبة الجولان السورية.
إن أكثر ما يقلق إسرائيل، إضافة للمشكلة الديمغرافية، أن ما بين (750) ألفاً إلى مليون يهودي من حملة الجنسية الإسرائيلية يقيمون بشكل دائم خارج إسرائيل، وأن نحو نصفهم من الشباب، منهم من لم يزر إسرائيل منذ عشرات السنين، ومع أنهم يعتبرون مهاجرين، إلا أن القانون الإسرائيلي لا يلزمهم بالتخلي عن جنسيتهم، ولا زالوا مسجلين في سجلات الأحوال المدنية الإسرائيلية كمواطنين، ووفقاً للإحصائيات الإسرائيلية الرسمية، فإن (22) ألف إسرائيلي يهاجرون من إسرائيل سنوياً، يعود إليها سنوياً أقل من (11) ألفاً، وهذا يعني بأن معدل الهجرة اليهودية إلى الخارج ما بين 12-13 ألف مهاجر، ووفقاً لاستطلاع للرأي العام الإسرائيلي فإن نصف الإسرائيليين لا يستبعدون الهجرة لدول أخرى، من منطلق الخطر على مستقبل الدولة العبرية وما يطلقون عليه بالقنبلة الديمغرافية، "جريدة إسرائيل اليوم 20/1/2010" وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين فثمة خطر هجرة الكثير من أبناء الجيل الإسرائيلي الجديد منها، وفي إحصائية أخرى يتبين أن نحو 2.5 مليون إسرائيلي يحملون جنسيات مزدوجة، وجوازات دول أخرى، خاصة الدول التي هاجروا منها.
مؤسسات الأبحاث الإسرائيلية، منشغلة بالبحث عن مستقبل الدولة العبرية، والخطر الديمغرافي، لكن الآراء منقسمة، فمنهم من يرى بأن إقامة دولة فلسطينية هو الحل لدرء الأخطار عن إسرائيل، بينما تعمل الحكومة الإسرائيلية على المزيد من التوسع وإقامة المستوطنات، وفي نفس الوقت زيادة الإجراءات والضغوط على الفلسطينيين لحملهم على الرحيل إلى الخارج، فوزير الخارجية "افيغدور ليبرمان" يطالب جهاراً بطرد الفلسطينيين إلى الخارج، فهناك ارتباك في تطلعات مستقبل اليهود، وهناك مؤتمرات تعقد سنوياً، من قبل مركز "تخطيط السياسات للشعب اليهودي"، في الوقت الذي تحدثت فيه جريدة "معاريف 11/7/2007" عن احتمال اختفاء الشعب اليهودي عام 2030، ففي دراسة قدمت إلى "مركز تخطيط السياسات للشعب اليهودي"، جاء فيها أن مستقبل اليهود ليس مضموناً، وأن إسرائيل ستغيب عن الوجود نهائياً وذلك لسببين- وفقاً للدراسة- الأول: قيام اليهود بالزواج من غير يهوديات، والثاني: بسبب ما أسمته بالإسلام المتطرف في العالم الذي يزداد قوة، وهذه الدراسة من إعداد البروفيسور "يحزقئيل درور" جاء فيها أيضاً، أن عدد اليهود في العام (13,5) مليون يهودي، وهذا الرقم لا ينمو إذ أن التكاثر الطبيعي لا يزداد بالمرة، مؤكدا أن مستقبل الشعب اليهودي في دائرة الخطر.
من جانبه يؤكد نائب رئيس بلدية القدس اليهودية السابق "ميرون بنبنستي" في دراسة ظهرت في الملحق الأسبوعي لجريدة "هآرتس 22/1/2010، بأن استمرار الاستيطان في الضفة الغربية وعرقلة إقامة دولة فلسطينية فرض نفسه بأن تصبح إسرائيل دولة ثنائية القومية وجلبت الخطر الحقيقي عليها على المدى البعيد.
وجاء في تقرير للبروفيسور الإسرائيلي "فرغولا"، أنه في عام 2025 ستنخفض نسبة سكان إسرائيل اليهود، وتبدأ الدولة بفقدان طابعها اليهودي، ويقول البروفيسور "شفارتس" بأن نبوءة اندثار إسرائيل تؤكد فشل المشروع الصهيوني في التغلب على العائق الديمغرافي، فيما يقترح الخبيران البروفيسور "فرغولا" والبروفيسور "سوفير" بأن الحل الأمثل لإسرائيل هو الانفصال عن الأراضي الفلسطينية وشرقي القدس، وتبادل الكتل الاستيطانية بالمثلث-"منطقة وادي عارة"- الواقع على حدود الضفة الغربية، للتخلص من كثافة سكانه الفلسطينيين، وضمه للدولة الفلسطينية، بينما جاء في تقرير "لمعهد تخطيط السياسات للشعب اليهودي"، بأن الفساد الإسرائيلي، والقنبلة النووية الإيرانية، يشكلان التهديد الأكبر لإسرائيل، بينما يعتبر د. يوسي بيلين وزير العدل السابق، بأن الحل لإزالة الخطر عن إسرائيل، يتطلب إقامة دولة فلسطينية مستقرة ومزدهرة.
لقد أكد بحث إسرائيلي جديد، أعده معهد "حاييم هرتسوغ" للإعلام والمجتمع والسياسة في جامعة تل أبيب، أن المعنويات العامة للجمهور الإسرائيلي منخفضة جداً، مقارنة مع معنويات الإسرائيليين قبل (20) عاماً، ووفقاً لاستطلاع للرأي العام الإسرائيلي أجراه المعهد المذكور، قال 45,8% أن الوضع سييء، فيما أشار 72% إلى أنهم غير واثقين من قدرة قيادتهم على مواجهة التحديات والمخاطر، ويعتقد 73% من المستطلعين، بأن كل واحد من العاملين في السلك الحكومي متورط بالفساد، فالفساد الذي ينخر الجسد الإسرائيلي كفيل وحده بتدمير إسرائيل.
وخلاصة القول، فإن الهاجس الديمغرافي يشكل مشكلة المشاكل لدى الإسرائيليين ومستقبلهم، وهناك تراجع شعور اليهود بالانتماء لدولتهم، والقلق الإسرائيلي من استمرار الهجرة المعاكسة للخارج، حتى أنهم يصفون المسألة الديمغرافية بالشيطان، ونهاية الحلم الصهيوني، ويشكل تهديداً للوجود اليهودي في دولتهم، حتى أن بعض المؤرخين الإسرائيليين، وبعض السياسيين يتساءلون: هل ستحتفل إسرائيل بذكرى المئة عام لإقامتها؟ أما نحن فنقول، بأن علينا عدم الانتظار لخراب إسرائيل، بل إننا ندعوها لاستغلال هذه الفرصة التي لا تعوض لقبول مبادرة السلام العربية، وإقامة الدولة الفلسطينية، وتركيز دراساتهم على تطبيق هذه المبادرة، وعن كيفية تعايش الشعبين مع بعضهما البعض بوئام وأمن وسلام، لكن إسرائيل لا تتعظ وتراجع حساباتها، فقد تشكل قبل أيام لوبي في الكنيست يضم وزراء ونواب، هدفه تبني برنامج حزب "الليكود"، بأن تصبح دولة إسرائيل من البحر إلى النهر، وهذا إذا ما تحقق لا سمح الله، فستكون إسرائيل أمام خيارين، ما بين منح الجنسية الإسرائيلية، وحق الانتخابات لجميع الفلسطينيين في الضفة والقطاع، وهذا سيترجم إلى أغلبية عربية ستشارك في التصويت للكنيست، وسيصبح للعرب أغلبية في البرلمان الإسرائيلي، أما الخيار الآخر إذا ما رفضت إسرائيل الخيار الأول، فإنها ستصبح دولة (أبرتهايد) يؤدي إلى إضعافها وابتعاد دول العالم عنها.
|