New Page 1
في البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين؟؟ أ.عدنان السمان
15/02/2010 11:21:00
هذه القضية الفلسطينية التي تعود بجذورها إلى أواخر القرن التاسع عشر، وإلى ما قبل ذلك بكثير، إذا نحن ربطنا بين هذا التاريخ الذي يعود إلى أكثر من مئة عام بقليل، وبين تلك الحروب التي تكالبت فيها أوروبا على بلاد الشام ومصر، وعلى فلسطين قلب هذين القطرين، وعلى القدس قلب فلسطين.. هذه القضية الفلسطينية المزمنة المتجددة على مر العصور والدهور لا زالت الشغل الشاغل للسياسيين، والعسكريين، ورؤساء الدول، وقادة الفكر والرأي، وأصحاب الضمير الحيّ في هذا العالم... هذه القضية الفلسطينية التي ما زالت تبحث عن حل بعد الذي جرى في العام الثامن والأربعين من القرن الماضي، وبعد الذي تلا ذلك في العام السابع والستين، وبعد كل ما جرى بعد ذلك من حوادث وأحداث وتطورات ونكبات ظنها صانعوها حلولاً لهذه القضية،أو مفاتيح تؤدي بالضرورة والحتمية إلى هذه الحلول، وحسبها كثير من قصار النظر نهاية المطاف، وما هي كذلك، بل لقد ظلت هذه القضية قائمة في عز ظهيرة أعتى حوادثها وأحداثها، وظلت تفرض نفسها فرضًا، وتلقي بثقلها تحت وقع أشرس تطوراتها، وأبشع أهوالها ونكباتها... ولقد بقيت نارًا متأججة تحت الرماد في أسوأ أحوالها... نيران هذه القضية لم تنطفئ يومًا، وإن توهم كثير من الناس في هذا العالم خلاف ذلك.
قالوا إن الشعب سينسى، وإن اللاجئ سيألف وطنه الجديد، وإن من يعرفون فلسطين من أبنائها سيموتون مع الزمن، ولن يبقى هنالك من يطالب بها، لأنه لن يكون هنالك من يذكرها، أو يعرفها من غالبية أبنائها الذين هجروها، أو هُجّروا منها.. وقالوا إن الزمن كفيل بحلّها، وإن المال كفيل بشراء الصمت، وكفيل بخلق البدائل، وكفيل أيضًا بفرض الحلول، وحسم الخلاف، وإنهاء هذه القضية، ودفنها حيّة أو ميتة!!
راحوا يروّجون لأفكارهم، وراحوا ينفّّذون خططهم ومخططاتهم، وراحوا يسومون هذا الشعب سوء العذاب، وينكلون به أبشع تنكيل، ويعملون المستحيل من أجل تركيعه، وتيئيسه، وإحباطه، وتفريغه من مضامينه النضالية، وتحويله إلى أرقام لا وزن لها ولا قيمة... وراحوا يضعون الحلول وفق هواهم، ويفرضونها كما يشاءون ظنًّا منهم أنهم قد نجحوا في إخضاع الناس، وأنهم قد أوصلوهم إلى حافة اليأس والانهيار، وأنهم قد باتوا يسيطرون سيطرة كاملة على مصائرهم، وأن أحدًا لن يتكلم، ولن يمانع، أو يعارض، أو يعترض لسبب بسيط هو لأنه لا يمكن أن يغامر بطعامه وشرابه ودوائه، ولا يمكن أن يستمرئ العيش بدون كل هذه المكاسب والمكتسبات، وبدون كل هذه المزايا التي لم يحلم بها يومًا!!
وأدركوا أن كل محاولاتهم قد باءت بالفشل، وأن تجارتهم قد باءت بالخسران، وأن كل جهودهم قد ذهبت أدراج الرياح... لقد أدركوا أن الشعب لا ينسى، وأن اللاجئ لم يألف وطنه الجديد، وأن من مات من أبناء هذه الأرض لم يمت قبل أن يزرع حب هذه الأرض وعشقها في قلوب الناس من حوله، ولم يمت قبل أن يطمئن على مصير أبناء هذه الأرض الذين راحوا يزدادون من فلسطين قربًا كلما أبعدتهم عنها الأيام، وأمعنت في تشريدهم الليالي والخطوب، إنه لم يمت قبل أن يكون ندًّا.
كل أحلامهم وأوهامهم تبخرت وتلاشت، وكل بدائلهم التي صنعوها واصطنعوها لم تغن عنهم من الحق شيئًا، ولم تَثْبت في وجه الإرادة والعزم والإصرار، ولم تنجح في ثني أهل هذه الأرض عن أهدافهم وغاياتهم.. فما هي هذه البدائل التي أعدوها، وما هي أهداف أبناء هذه الأرض وغاياتهم؟ وماذا يريدون؟؟
الأساليب والخطط والمخططات والبدائل والسياسات التي اتبعوها مع أبناء هذه الأرض منذ مطلع القرن الماضي مرورًا بالنكبة، وبالسنوات العجاف التي تلتها، ومرورًا بالنكسة وبالمرارة القاتلة التي رافقتها وأعقبتها، وما تمخضت عنه من نتائج وآثار نعدّ منها ولا نعدّدها.. هذه الأساليب والخطط والمخططات والبدائل والسياسات أكثر من أن تُحصى، وإن كانت في مجملها ومؤداها ومضمونها تتمحور باختصار شديد حول إبعاد أبناء هذه الأرض عنها بشتى الوسائل ومختلف الأساليب حتى تصبح هذه الأرض خالصة لهم من دون الناس، وحتى يتخذوا منها منطلقاً للسيطرة على ما وراءها من أرض وبشر على امتداد هذين العالمين العربي والإسلامي اللذين يضمان أكثر من مليار ونصف المليار من البشر، وأكثر من خمسة وعشرين مليوناً من الكيلومترات المربعة!!
الشعوب في هذين العالمين العربي والإسلامي يجب أن تظل شعوبًا مستهلِكة، ومجرد أفواه تأكل كل ما يصدّرونه إليها، لتظل تجارتهم رائجة، وأرباحهم وفيرة، ولتظل هذه الشعوب متخلفة يحكمونها كما يريدون، ويتحكمون بها كما يشاءون ويبتغون.. ولتظل ثروات هذه الأرض في هذين العالمين العربي والإسلامي ملكاً خالصاً لهم , ينفقون منه على مشاريعهم ,ومؤسساتهم, وبحوثهم، وأبحاثهم، وجامعاتهم، ومعاهدهم، وتطور شعوبهم على هذا الكوكب، وتطور مشاريعهم ووسائلهم لغزو الفضاء والكواكب الأخرى في هذا الكون الهائل الذي ما زال الإنسان يقف مشدوهًا أمام أسراره وعظمته، عاجزًا عن فهم هذه الأسرار في معظم الأحوال.. وينفقون منه أيضاً على هؤلاء الذين يحكمون الناس في هذين العالمين العربي والإسلامي لحساب أولئك الأسياد!!
أبناء هذه الأرض إذن يجب أن يُبعَدوا عنها، ويجب أن يزدادوا منها بعدًا، وعنها غربةً بكل وسيلة ممكنة، ويجب أن تخضع أدق تفصيلات حياتهم، وأدق تفصيلات قضاياهم لسياسة المراحل التي تقوم لاحقتها على سابقتها وصولاً إلى الهدف الذي من الصعب أن نحدده، وإن كنا على يقين أنه يقف من أهدافنا ومصالحنا على طرفي نقيض، وأنه لا يكاد يعترف لنا من معاني الحياة ومضامينها إلا بما يُبقي علينا مجرد أدوات وأرقام في عجلة إنتاجه، وفي حواسيب صناعته وتجارته، وما يرتبط بكل هذا وبكثير غيره من بحوث وأبحاث وتجارب!!
ولعل من أكثر هذه البدائل إثارة للاهتمام، وأشدها خطرًا على هذه القضية الفلسطينية، وعلى تطوراتها ومضاعفاتها وسلبياتها بديلٌ قديمٌ جديد تحدثت عنه وسائل الإعلام مؤخرًا يروّج لدولة فلسطينية في غزة، وجزء من شمال سيناء، وبعض مناطق الضفة الغربية، وتقول وسائل الإعلام الإسرائيلية إن هذا المشروع الذي أعده مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق قد عُرض في منتصف شهر كانون الثاني الماضي، وأُقرّ إلى جانب عدد آخر من المشروعات التي يُعدها واضعوها لتصفية هذه القضية الفلسطينية.
هذه الدولة التي يتحدث عنها هذا البديل يقول فلاسفتها والمروجون لفكرتها إنها ستقام في قطاع غزة مضافًا إليه جزءٌ من شمال سيناء تبلغ مساحته سبعمائة وعشرين كيلومترًا مربعاً (720) وبهذا تصبح المساحة ألفًا وثمانين كيلومترًا مربعاً (1080) ثم إن هذا المشروع (البديل) يتحدث عن أنفاق ومكاسب لدول الجوار، وعن مطار وميناء لهذه الدولة الفلسطينية الذي يتحدث عنها، ولا ينسى مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق صاحب هذه الأفكار أن يشير إلى إمكانية ضم أجزاء من الضفة الغربية إلى تلك الدولة بعد أن يوضح أهمية هذه الضفة بالنسبة للإسرائيليين من النواحي الدينية والاقتصادية والديموغرافية والأمنية، وبعد أن يلمس القارئ بوضوح هذه النية لضم معظم أراضي الضفة الغربية إلى الدولة اليهودية التي يتحدثون عنها في مقابل الدولة الفلسطينية المقترحة ضمن هذا الحل القائم على فكرة "دولتين لشعبين" هذا الحل الذي بات يحظى بموافقة معظم الأطراف من الرسميين!!
لقد نسي صاحب هذا المشروع، كما نسي من وافقوا عليه في "مركز بيغن- السادات للدراسات الاستراتيجية" أن مساحة هذه الدولة الفلسطينية التي يتحدثون عنها في غزة وشمال سيناء (والتي ينتظر الشروع في تنفيذها معرفة من سيكون الرئيس المصري القادم بعد انتخابات الرئاسة المصرية المقبلة، هذا الرئيس الذي لا بد من موافقة البيت الأبيض عليه حتى يتمكن من الوصول إلى منصب الرئاسة بموجب اتفاقات كامب ديفيد!!) هي أقل من مساحة لواء غزة في زمن الانتداب البريطاني على فلسطين، حيث كانت مساحة هذا اللواء آنذاك ألفًا ومئة وتسعين كيلومتراً مربعاً (1190) كما نسي صاحب هذا المشروع، ونسي من وافقوا عليه في ذلك المركز أن الفلسطينيين دون أدنى استثناء لا يوافقون على حل كهذا، وبإمكان كل من يعنيهم الأمر من عُربٍ ومن عجمٍ أن يلجأوا إلى استطلاعات الرأي النزيهة الموضوعية الصادقة حتى يتحققوا من صحة هذا القول، وبإمكان من يعنيهم الأم من عُربٍ وعجمٍ أيضاً (وكلمة العجم لغةً تقال لكل من هو غير عربي) أن يعودوا إلى تاريخ هذه القضية الفلسطينية ليروا بأم أعينهم كيف سقطت كافة المشاريع التي لم تضع في اعتبارها حقوق عرب فلسطين منذ بدء الصراع، وكيف فشلت كافة اللجان والوساطات والمحاولات والقرارات التي تجاهلت بصورة أو بأخرى حقوق عرب هذه الديار في بلادهم فلسطين.
أما أهداف أبناء هذه الأرض وغاياتهم، وأما ما يريدونه، ويطالبون به علنًا وعلى رؤوس الأشهاد، فهو عودة سائر أبناء فلسطين إليها عملاً بالقرار (194) بما في ذلك سكان مخيمات الضفة الغربية، وقطاع غزة حتى لا يبقى لاجئ واحد بعيدًا عن بيته وأرضه ومسقط رأس جده الذي أُبعد عن بلده في العام الثامن والأربعين من القرن الماضي... وبدون عودة هؤلاء اللاجئين والمهجَّرين لا يعتقد المراقبون والمحللون السياسيون أن بإمكان أحد أن يدعي المقدرة على حل هذه القضية الفلسطينية، وعليه، فإن هؤلاء المراقبين والمحللين يَرَون ضرورة البدء بهذه المعضلة، لأنها جوهر هذه القضية، ولأن عودة هؤلاء اللاجئين والمهجَّرين إلى ديارهم التي أُخرجوا منها ليست بحاجة لأكثر من ساعات، لأن غالبية هؤلاء اللاجئين والمُهجَّرين تعيش في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأقطار الجوار في المخيمات ومساكن لا تبعد كثيرًا عن بيوتهم ومدنهم وقراهم التي هُجّروا منها، وربما تمكن كثير منهم من العودة إلى بيته وأرضه مشيًا على الأقدام!!
وأما أهدافهم وغاياتهم في الأمن والأمان والتسامح والإخاء والسلام فهي أمور لا يشك أحد في صحتها ودقتها، على الرغم من الدعاية المغرضة التي صورت الفلسطيني على أنه إرهابي يهوى العنف وسفك الدماء، وعلى الرغم من كل ما أُثير حول الفلسطيني على امتداد العقود الماضية من إشاعات هو بريء منها.
الفلسطيني محب للحياة والحق والحرية، وهو كريم شهم متسامح محبٌّ للآخرين، يحب وطنه، ويتشبث به، ولا ينساه، أو يتنازل عنه... وهذا هو تاريخه يشهد على ذلك، وها هو واقعه أيضًا، وبعد عقود من التشرد والشتات خير شاهد على صحة ما نقول.
هذا الشعب العربي الفلسطيني يريد العيش في بلاده مثل كل الشعوب، ولا يفكر لحظة في إلحاق الأذى والضرر بغيره من الناس، ولا يسمح لأحد أن يُلحق به الأذى والضرر... إنه شعب حرٌّ حيٌّ يؤمن بحقه في العيش الآمن الكريم فوق تراب وطنه، ولا ينكر حق الشعوب الأخرى في العيش بأمن وأمان.. لا تَظلمون، ولا تُظلمون!! فعل يدرك أصحابُ البدائل الإقليمية، وأصحابُ المشاريع والأفكار الخرافية، والحلول الوهمية أنهم مخطئون؟ وهل يحسنون النوايا ليعيش جميع خلق الله في هذه الديار بمحبة وأمن وأمان وسلام؟؟
www.samman.co.nr
11/2/2010
|