جديد وزارة الشؤون الاجتماعية: البرنامج الوطني الفلسطيني
لتمكين الفقراء والفئات المهمشة على طريق الانعتاق من الفقر والاحتلال وبناء الدولة المستقلة.
تتطلع وزارة الشؤون الاجتماعية إلى بناء مجتمع فلسطيني متماسك وإلى تحسين جودة الحياة للفئات الفقيرة والمهمشة. وتسعى الوزارة إلى تحقيق ذلك من خلال توفير نظام حماية اجتماعية كفؤ وفعال وشامل من شأنه مكافحة الفقر والحد منه، وكذلك تنمية قدرات الأسر الفقيرة والمحرومة والمهمشة وتمكينها من الاعتماد على الذات والخروج من دائرة الفقر. ويتمثل ذلك في توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة لكل أبناء الشعب وفئاته الاجتماعية وضمان توفير وتطوير الخدمات الأساسية الاجتماعية والصحية والتعليمية باعتبارها حقوقا أساسية من حقوق المواطنة، بما في ذلك الجمع بين الخدمات ذات الطابع الإغاثي والخدمات ذات الأفق التنموي مع الاتجاه التدريجي الثابت لتشجيع ودعم المستفيدين للانتقال إلى مواقع الإنتاج والتنمية.
لقد دأبت الوزارة على تقديم مساعدات نقدية ومساعدات غذائية وتأمين صحي لحوالي (60.000) أسرة في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويتم تقديم المساعدات النقدية من خلال برنامجين منفصلين ومختلفين تماما من حيث قيمة المساعدة ومن حيث طبيعة المستهدفين ومعايير الاستحقاق. فبرنامج الحالات الصعبة الممول من الاتحاد الأوروبي يستهدف فئات وأفرادا ويقدم مساعدة نقدية لحوالي 50,000 أسرة بقيمة ألف شيكل لكل أسرة كل ثلاثة أشهر بغض النظر عن حجم الأسرة أو خصائصها. وبرنامج الحماية الاجتماعية الممول من البنك الدولي يستهدف أسرا، ويقدم مساعدة نقدية لحوالي 5,000 أسرة بقيمة 500 شيكل لكل أسرة كل شهرين.
إن من أبرز المعيقات التي تواجه الوزارة في العمل على تحقيق رؤيتها وتوجهاتها الإستراتيجية وبرامجها هو استمرار تعرض مستويات المعيشة للأسر الفلسطينية إلى هزات وتقلبات قوية ومتكررة منذ الربع الأخير لسنة 2000 حتى اليوم. وتعود هذه التقلبات والهزات إلى إغلاق سوق العمل الإسرائيلي أمام العمالة الفلسطينية، وحرمانها من مخصصاتها، وترك عشرات الآلاف من الأسر الفلسطينية بدون دخل لشهور عديدة. وقد تلا ذلك اجتياحات قوات الاحتلال الإسرائيلي العديدة والمتكررة للمناطق والمدن والقرى الفلسطينية لفترات طويلة والتي لا تزال مستمرة، وكذلك القيود المالية والاقتصادية والتجارية، وتأثيرات كل ذلك على الأوضاع الاجتماعية. كما أن حالة الانقسام نتيجة انقلاب حماس في العام 2006، أثرت سلبا على الوضع الفلسطيني وتحديداً في غزة. يُضاف إلى ذلك النتائج والآثار الكارثية طويلة الأمد والناجمة عن حالة الحصار والحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة.
وقد انعكست هذه الآثار السلبية وتراكماتها على الأسر الفلسطينية طيلة الأعوام الماضية. وللتغلب عليها ولو جزئياً، أو على الأقل تجميد التدهور المستمر في أوضاعها، اضطرت الأسر الفلسطينية إلى اللجوء إلى استراتيجيات وآليات تأقلم قاسية لم تكن لتلجأ إليها لولا شدة سوء الأوضاع، ومنها: تخفيض الاستهلاك خاصة على المواد الغذائية واللحوم، والاستدانة وتأجيل دفع الفواتير المستحقة وصرف المدخرات النقدية والعينية (الحلي على سبيل المثال). وقد استنفذت الأسر جميع وسائل التأقلم، ومن ثم تحولت إلى برامج الرعاية الاجتماعية الحكومية والأهلية مما أدى إلى زيادة الضغط على مزودي الخدمة.
صورة نمطية مغلوطة
يسود انطباع عام بأن وزارة الشؤون الاجتماعية هي وكالة مساعدات مالية أو مستودع طحين وسردين، أو وكالة لخدمة "الأرامل والمطلقات والعجزة" مع احترامنا الشديد لهذه الفئات وحرصنا على خدمتها والتزامنا بتلبية حقوقها. وزارة الشؤون الاجتماعية ليست كذلك وتعمل على تغيير الصورة النمطية من خلال إحداث تغيير استراتيجي يطال فلسفة عملها وتوجهاتها وبرامجها.
إن ما تسعى إليه الوزارة ينطلق من رؤية وطنية تستند إلى منظور التنمية الانعتاقية التي تضع الإنسان الفلسطيني وخياراته في صلب اهتمامها وقراراتها، وتركز على أولوية الإنعتاق الوطني، أي الاستقلال والحرية، ومضامين التحول والنهوض الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وتمكين "الجبهة الداخلية".
ومن هذا المنطلق، فإن الوزارة تهدف من جملة ما تهدف إليه إلى حماية المجتمع الفلسطيني وتعزيز صموده والحفاظ على وحدته وتماسك نسيجه الاجتماعي وحماية وحدة الأسرة. كل ذلك أساسي لمواصلة مسيرة التحرر وإنجاز المشروع الوطني الفلسطيني بإنهاء الاحتلال وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة.
هذه هي الخلفية التي تستند إليها الوزارة وهي تقوم بعملية مراجعة شاملة لفلسفة عملها وبرامجها. ففي مطلع العام 2009، أجرت الوزارة تحليلا معمقا لوضعها بهدف استخلاص العبر وتقييم التجربة وتشخيص الواقع. إن الوزارة وهي تراجع وتقيم مسيرتها أخذت بعين الاعتبار الواقع الفلسطيني العام حيث استمرار الاحتلال وممارساته يعرض مستويات المعيشة للأسر الفلسطينية إلى هزات وتقلبات قوية ومتكررة ويعمق الفقر ويزيد من الضغط والطلب على الخدمات الاجتماعية. كما أن القيود الصارمة التي فرضتها وتفرضها الحكومات الإسرائيلية المختلفة على جميع المستويات حدت من قدرة السلطة الوطنية الفلسطينية على تنفيذ خطواتها الإصلاحية بخطى ثابتة، وأدت إلى تراجع خطوات التنمية الاجتماعية والاقتصادية تراجعا كبيرا.
بالمقابل، فإن تمويل مختلف البرامج الاجتماعية التي تقدمها السلطة يعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية. ناهيك عن أن جهود السلطة والمساعدات الخارجية المخصصة لمكافحة الفقر لم تؤت ثمارها بالشكل المطلوب. وبقليل من الفحص والتدقيق، تبين وجود ضعف في سياسات مكافحة الفقر واستراتيجيات ومنهجيات الاستهداف وتقديم الخدمة لمستحقيها، في ظل غياب سياسة أو إستراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية، وفي ظل خدمات اجتماعية مجزأة وغير متكاملة ولا ينظمها إطار استراتيجي، كذلك ضعف وقصور في البيئة القانونية، ونقص الموارد المالية والبنية التحتية والموارد البشرية ، وعدم توفر نظام معلومات وطني أو قاعدة بيانات وطنية للفقر. وبصراحة، لم تكن وزارة الشؤون الاجتماعية تحظى بالدعم الكامل من قبل الحكومات المتعاقبة لا من حيث تخصيص موازنات كافية لها، ولا من حيث رفدها بالكوادر المؤهلة والكفؤة، ولا من حيث دعم بناها التحتية من مراكز وتجهيزات ووسائط نقل.
ما العمل؟؟
أيقنت الوزارة والحكومة كذلك بأن لا بد من تغيير التوجهات الإستراتيجية في ضوء ما تم من تحليل للواقع واستخلاص للعبر. لقد حددت خطة الإصلاح والتنمية للسنوات (2008-2010) التي أقرتها الحكومة الفلسطينية الثانية عشرة جملة أهداف من أهمها: تحسين نوعية الحياة وتوفير الحماية الاجتماعية للمحتاجين،ودمج وإصلاح نظام الحماية الاجتماعية وشبكات الأمان الاجتماعي نحو مزيد من العدالة والكفاءة والشفافية، وتمكين الفقراء والمهمشين من خلال برامج التمكين الاقتصادي
(تمويل مشاريع صغيرة(
أما خطة إنهاء الاحتلال وبناء الدولة للسنوات (2011-2013) التي تبنتها الحكومة الحالية، فقد استفادت من تجربة الخطة السابقة وحاولت تلافي مواطن الخلل والقصور وتحديدا في منهجية التخطيط من خلال تجسيد شراكة حقيقة بين جميع مكونات المجتمع والمؤسسات واللاعبين الرئيسيين في الحقل الاجتماعي من مؤسسات حكومية وغير حكومية وقطاع خاص. وتوجهت نحو تخطيط قطاعي لجميع قطاعات العمل وفي مقدمتها قطاع الحماية الاجتماعية. لقد حددت هذه الخطة لقطاع الحماية الاجتماعية الذي تقوده وزارة الشؤون الاجتماعية مجموعة أهداف: توفير الحماية الاجتماعية للفقراء والمهمشين من خلال التحويلات النقدية، والمساعدات الغذائية والتأمين الصحي للأسر الفقيرة، توفير الرعاية والتأهيل والحماية والإيواء للأشخاص ذوي الإعاقة والمسنين الفقراء والأحداث والنساء المعنفات والأطفال. ومن خلال التمكين الاقتصادي للأسر الفقيرة والأسر المحرومة من خلال التدريب والمنح والقروض للمشروعات الصغيرة. وزيادة النجاعة والإنصاف لأنشطة الحماية الاجتماعية. وبناء إستراتيجية وطنية لقطاع الحماية الاجتماعية.
ما الجديد في وزارة الشؤون الاجتماعية؟؟؟
إن الوزارة وهي تشرع بإحداث تغيير استراتيجي في الرؤى والمفاهيم وفلسفة العمل في مجال الحماية الاجتماعية ومكافحة الفقر، لا تعيش بمعزل عما يدور حولنا في العالم. فالأزمة المالية العالمية وأزمة الغذاء العالمي وحالة الركود الاقتصادي دقّت جدران الخزان لدى مختلف دول العالم نظرا للآثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي هزت مجتمعاتها. هذا الوضع استدعى ويستدعي البحث عن تعريف جديد لمفهوم الفقر أبعد من حيث مداه عن المفهوم التقليدي. فلم يعد تعريف الفقر يقتصر على فقر الدخل والموارد الإنتاجية كمقاربة اقتصادية فقط، بل يتعداه ليشمل أبعادا اجتماعية وسياسية. إن تعريف الفقر من منطلق حقوقي يركز على الحرمان من القدرات التي من شأنها تأمين سبل المعيشة المستدامة للإنسان. إنه يشمل رزمة حقوق كالحق في عيش كريم، الحق في الغذاء، الحق في التعليم، الحق في الصحة، الحق في سكن ملائم، الحق في المشاركة السياسية.
من هذا المنطلق، فإن عملية الحد من الفقر أصبحت ضرورة حتمية وأخلاقية واجتماعية وسياسة واقتصادية على البشرية، وتستدعي مكافحة جذور وأسباب الفقر، وتوفير الاحتياجات الأساسية للمجتمع والتأكد من أن الفقراء يمكنهم الوصول إلى مصادر الإنتاج بما فيها الاقتراض والتعليم والتدريب.
الوزارة تؤمن بأن من حق الذين يرزحون تحت وطأة الفقر أن يشاركوا في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من خلال المشاركة في وضع الخطط والسياسات وأيضا تطبيقها، وخصوصا تلك التي من شأنها التأثير على مستقبل الفقراء والمهمشين في المجتمع.
إن الحاجة الآن إلى إستراتجية متكاملة للحماية الاجتماعية والحد من الفقر تستوجب تطبيق خطط وسياسات تتحرك باتجاه تحقيق المزيد من المساواة في توزيع الثروة والدخل وتوفير الحماية الاجتماعية.
إن الحماية الاجتماعية تتمحور حول مجابهة أخطار آنية تحدق بفئات معينة في المجتمع أو أخطار محتملة قد تضرب في أي مكان أو زمان. وللحماية الاجتماعية شكلان: حماية مباشرة للفئات الفقيرة والضعيفة من خلال جملة من التدخلات كالتحويلات النقدية والمواد الغذائية والتأمين الصحي وخلافها، وحماية غير مباشرة من خلال سياسات اقتصادية واجتماعية وربما حتى سياسية عامة دائمة، تنفذها وتشرف عليها الحكومة.
من هذه المنطلقات، ومن وحي خطط الحكومات المتعاقبة، وتحديدا خطة إنهاء الاحتلال وبناء الدولة، حددت وزارة الشؤون الاجتماعية توجهها الاستراتيجي للسنوات القادمة باتجاه توفير الحماية الاجتماعية للفئات الفقيرة والمهمشة وللفئات الأكثر هشاشة وعرضة للانزلاق في دائرتي الفقر والتهميش. وشرعت الوزارة بترجمة هذا التوجه إلى خطط إستراتيجية وتخطيط برامجي من خلال اتخاذ خطوات وإجراءات لبناء " البرنامج الوطني الفلسطيني للحماية الاجتماعية". هذا البرنامج هو بمثابة خارطة طريق للوزارة لتنفيذ مختلف أنشطتها وبرامجها في مجال الحماية الاجتماعية.
لقد ارتكزت الوزارة وهي تصمم وتبني هذا البرنامج على عدة مبادئ توجيهية من أهمها: العدالة الاجتماعية، والمساواة وعدم التمييز، وتبني النهج المبني على الحقوق بدلا من النهج المبني على الاحتياجات، والشراكة، والمتابعة والتقييم وقياس الأثر، وأخيرا الشفافية والمساءلة.
ما هو البرنامج الوطني الفلسطيني للحماية الاجتماعية؟؟؟
هو باختصار خارطة التدخلات الحمائية والرعائية والتمكينية والوقائية التي ستنفذها الوزارة لتوفير الحماية الاجتماعية للفئات الفقيرة والضعيفة والهشة. وتتراوح هذه التدخلات بين تدخلات ذات طبيعة مالية واقتصادية من تحويلات نقدية، تأمين صحي، مواد غذائية، مساعدات طارئة، مساعدات نقدية للأيتام "كفالات أيتام". كذلك برامج تمكين اقتصادي للأسر المحرومة اقتصاديا على شكل منح مالية ومن ثم قروض. وصندوق تأهيل المعوقين الذي يقدم قروضا بدون فائدة للأشخاص ذوي الإعاقة بهدف مساعدتهم على إنشاء مشاريع صغيرة مدرة للدخل. وتنطلق برامج التمكين الاقتصادي من فلسفة الوزارة بشأن تنمية قدرات الأسر الفقيرة والاستثمار في رأسمالها البشري لأن الوزارة تؤمن بان المساعدات النقدية هي مساعدات إغاثية مهما كان حجمها ويجب أن تبقى مؤقتة وليست دائمة لأن إبقاء الأسرة تعتمد على هذه المساعدات معناه إطالة أمد فقرها.
وإلى جانب التدخلات المالية والاقتصادية ذات الطابع الحمائي، يشتمل البرنامج الوطني الفلسطيني للحماية الاجتماعية على تدخلات وقائية ورعائية للفئات الضعيفة والهشة. وذلك من خلال عدة برامج مثل: برنامج حماية ورعاية الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال تدابير قانونية وتشريعية، إرشاد حركي، إيواء، أجهزة مساندة، والإعفاء الجمركي لسيارات المعوقين. وأخيرا من خلال سعي الوزارة لإصدار بطاقة المعوق والتي ستنطلق مرحلتها الأولى خلال العام الحالي بتنفيذ مسح الإعاقة بالتنسيق مع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. والبطاقة هي رزمة حقوق وخدمات تقدم للمعوقين حسب نوع إعاقتهم.
ويأتي برنامج الرعاية الاجتماعية الذي يستهدف المسنين، والأطفال في صراع مع القانون، والأيتام، ومتعاطي المخدرات أو المدمنين عليها، وتأهيل الأطفال المتسربين من المدارس. وبرنامج حماية المرأة والطفل والذي يعمل على حماية وتمكين النساء في ضائقة وتوفير بيوت آمنة لهن، وحماية الطفل من العنف والإساءة والإيذاء، وحماية الطفولة المبكرة، وتوفير أسر بديلة والاحتضان، والإشراف على دور الحضانة. بالإضافة إلى برامج الإرشاد والتوعية ومكافحة الظواهر الاجتماعية السلبية كالتشرد والتسول وغيرها.
إن الوزارة تدرك وتؤمن أن هذه الشبكة منن التدخلات لا يمكن تحقيقها من خلال جهد المؤسسات الحكومية فقط. وبالتالي، فإن البرنامج المكمل للبرامج التي ذكرت سابقا، هو برنامج تعزيز وتجسيد الشراكة مع المجتمع المدني والقطاع الخاص. لقد أثبتت التجربة أن غياب إستراتيجية شراكة حقيقة بين كافة مزودي الخدمة أدت إلى هدر الأموال والموارد المالية، وأدت إلى الارتجالية والتداخل والازدواجية. من هنا، بادرت الوزارة إلى تأسيس مجلس استشاري لسياسات قطاع الحماية الاجتماعية يضم كافة الشركاء الذي أصبحوا شركاء في رسم السياسات والتخطيط وبالتأكيد شركاء في التنفيذ. وتولي الوزارة في إستراتيجيتها الجديدة اهتماما عاليا للجمعيات الخيرية الفاعلة والمصوبة لأوضاعها حسب القانون والتي تقدم خدمات نوعية للمواطنين. وتعمل الوزارة على توسيع الشراكة معها على مستوى التخطيط وعلى مستوى التنفيذ من خلال شراء خدماتها، وتقديم دعم مالي لها، وتسويق مشاريعها.
إن تطبيق البرنامج الوطني الفلسطيني للحماية الاجتماعية يتطلب عدة برامج وروافع مساندة له. وهو ما تعكف الوزارة على إعداده وتوفيره من خلال موازنة الحكومة ومن خلال الجهات الداعمة والممولة لبرامج الوزارة ومشاريعها:برنامج بناء قدرات الوزارة ومديرياتها ومراكزها وتنمية مواردها البشرية، تطوير إستراتيجية أنظمة معلومات، إستراتيجية إعلامية وتسويق اجتماعي وتسويق التغيير وإدارته، إعادة هيكلة الوزارة بما ينسجم مع التوجه الاستراتيجي الجديد، خطة تشريعية شاملة، أدلة إجراءات وأنظمة عمل، تطوير نظام قياس أداء وتقييم ومتابعة، نظام شكاوى وتظلم، ورقابة داخلية فاعلة.
برنامج التحويلات النقدية الجديد؟؟؟
يأتي برنامج التحويلات النقدية(المساعدات النقدية) في مقدمة مكونات البرنامج الوطني الفلسطيني للحماية الاجتماعية. لم يعد مقبولا على الوزارة أن تبقى تعمل من خلال برنامجين مختلفين للمساعدات النقدية. وبعد الفحص والدراسة والمراجعة، قررت الوزارة مدعومة بقرار مجلس الوزراء في الربع الأول من عام 2009، دمج برامج المساعدات النقدية في برامج واحد بمعايير وشروط وآليات موحدة. وخولت الحكومة الوزارة اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتحقيق هذا الدمج.
ومنذ ذلك الحين، والوزارة تمضي قدما في التحضير لتأسيس برنامج تحويلات نقدية واحد وموحد. وعملت الوزارة على إعداد إستراتيجية للتحويلات النقدية تبني على إيجابيات التجارب السابقة، وتتلافى سلبياتها في نفس الوقت. لقد حددت إستراتيجية التحويلات النقدية للوزارة توجهين استراتيجيين في مجال تقديم المساعدات النقدية. التوجه الأول يتعلق بالاستهداف، ويقضي بتقديم المساعدات النقدية المنتظمة للأسر التي تقع تحت خط الفقر الشديد (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني هو المرجعية الإحصائية الوطنية لتحديد خطوط الفقر). وحسب تقديرات جهاز الإحصاء يوجد في الأراضي الفلسطينية حوالي (160,000) أسرة تحت خط الفقر الشديد. الوزارة حاليا تقدم مساعداتها لحوالي (60,000) أسرة، هذا إذا افترضنا أن جميع من يستفيدون من مساعدات الوزارة هم فعلا يستحقون ذلك.
التوجه الاستراتيجي الثاني هو تحديد قيمة المنفعة (المساعدة) بناء على إستراتيجية جسر الفجوة (الفجوة بين مستوى معيشة الأسرة وبين مستواها على خط الفقر). بمعنى، أن الوزارة ستعمل على سد هذه الفجوة بنسبة معينة (50-60%) وذلك حسب الموارد المالية المتوفرة. إذا لن يتم تقديم مبلغ موحد لجميع الأسر بل كل أسرة حسب مستوى معيشتها. إذ ليس من العدالة أن تتلقى الأسر نفس المبلغ بغض النظر عن حجمها ونفقاتها واستهلاكها!!. وستعمل الوزارة على تحديد حد أدنى وحد أقصى للمساعدة.
بعد حسم هذين التوجهين الاستراتيجيين، شرعت الوزارة بتحديث بيانات جميع الأسر المسجلة في قاعدة بياناتها، بهدف تحديد من هذه الأسر ستستحق المساعدة حسب النظام الجديد!!.وفعلا تم زيارة جميع الأسر في محافظات الضفة الغربية (36,000 أسرة). وللأسف لم نتمكن من تحديث بيانات الأسر في قطاع غزة (35,000 أسرة) ، بسبب رفض حكومة الأمر الواقع في غزة التعاون مع الوزارة رغم جميع المحاولات والجهود لتوحيد البرنامج بين شطري الوطن. ومن منطلق التزامها وحرصها على الأسر الفقيرة في قطاع غزة، فستستمر الوزارة بتقديم المساعدات النقدية لها وفق النظام القديم.
ولأغراض تحديد من يستحق من هذه الأسر للمساعدة النقدية حسب نظام التحويلات النقدية الجديد، عملت الوزارة وبمساعدة تقنية من خبراء دوليين، وبالتعاون والتنسيق مع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني على بناء معادلة استهداف تتسم بالمرونة وتحاول تفسير الفقر من خلال جملة من المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية للأسرة (34 متغير) ، بحيث يحمل كل من هذه المتغيرات وزنا إحصائيا. ويتم تشغيل المعادلة على قاعدة بيانات الأسر وتقوم المعادلة بقياس مستوى معيشة كل أسرة بالمقارنة مع خط الفقر الشديد الخاص بها.(جهاز الإحصاء الفلسطيني يحدد خط الفقر الشديد لأسرة معيارية فيها 2بالغين و4 أطفال ب 1975 ش(.
يبقى أن نعترف، بأن أية معادلة لقياس الفقر تبقى أداة إحصائية جامدة وتحتمل نسبة خطأ في الشمول والإقصاء تصل حسب المعيار العالمي إلى 34%. مع ذلك فإن الوزارة تعمل ما في وسعها للتحقق من دقة بيانات الأسر ومن تمحيص وتدقيق المعادلة لمحاصرة هامش الخطأ.
إن الوزارة تسعى لتنفيذ البرنامج الجديد في النصف الأول من هذا العام 2010، لكن ومن منطلق حرصنا على الأسر التي كانت تتلقى مساعدات منتظمة من الوزارة، فإن أيا منها لن تقطع عنه المساعدة حتى لو كان غير مستحقا حسب المعادلة الجديدة. وسيتم تحويل هذه الأسر إلى برنامج المساعدة المؤقتة أو الانتقالية لمدة قد تصل إلى 12 شهر. وهذا يعطينا الوقت الكافي للتحقق والتأكد من وضع الأسرة. كذلك، فإن خارطة تدخلات البرنامج الوطني للحماية الاجتماعية، لا تقتصر على المساعدة النقدية فقط، بل يمكن للأسرة أن تستفيد من برامج أخرى كالمساعدات الطارئة، أو برامج المنح والتمكين الاقتصادي وغيرها. كما أن النظام الجديد يتيح المجال أمام الأسر للتظلم أو الشكوى إذا ارتأت هذه الأسر أن النظام الجديد مجحف بحقها.
إن قاعدة البيانات التي تم تحديثها لدى وزارة الشؤون الاجتماعية، سيتم البناء عليها لبناء قاعدة بيانات وطنية للفقراء( السجلّ الوطني للفقراء). من هنا تأتي أهمية تجسيد الشراكة والتعاون بين مختلف مزودي الخدمة. بحيث يتم توسيع قاعدة البيانات والتي يمكن استخدامها ليس فقط لتقديم المساعدات النقدية، بل لتصميم جملة من التدخلات والبرامج الهادفة إلى توفير الحماية الاجتماعية للفقراء والمهمشين. إن وجود قاعدة بيانات وطنية للفقراء، تضمن عدم الازدواجية في تقديم الخدمات لأسرة واحدة من أكثر من جهة في ظل وجود آلاف الأسر لا تتلقى مساعدات من أية جهة. من هنا تتوجه الوزارة إلى جميع الشركاء وجميع مزودي الخدمة ومقدمي المساعدات وتحديدا الجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني ولجان الزكاة وغيرها من المنظمات والوكالات الإقليمية والدولية من أجل التنسيق والتعاون والإفصاح عن برامجها وخدماتها ونشاطاتها في مجال الحماية الاجتماعية، وعن المستفيدين منها ليتم بناء قاعدة البيانات الوطنية وليتم توزيع الموارد المالية واستثمارها على أحسن وجه بما يحقق الشفافية والعدالة والنزاهة.
أخيرا، فلا بد من القول أن الوزارة وهي تخوض غمار عملية التغيير والإصلاح تحظى بدعم وتشجيع الحكومة، وتتطلع الوزارة إلى ترجمة هذا الدعم والتشجيع من خلال توفير بيئة ممكنة للوزارة لمساعدتها على إنجاز المطلوب منها سواء على صعيد توفير باحثين وأخصائيين اجتماعيين وغيرهم من الكوادر المتخصصة في مختلف المجالات، وكذلك زيادة نصيب الوزارة في الموازنة العامة، ودعم الوزارة بوسائط نقل تسهل عمل الباحثين الاجتماعيين. بالمقابل، فإن الوزارة تشرك شركاءها المحليين والدوليين وتنسق معهم سواء منظمات الأمم المتحدة، أو الاتحاد الأوروبي أكبر شريك وممول لبرنامج التحويلات النقدية، أو البنك الدولي.