New Page 1
إسرائيل تعرف من تغتال/ أحمد ابراهيم الحاج
21/02/2010 10:27:00
وترجل فارس فلسطيني عن فرسه الأصيل ، لقد سقط محمود المبحوح شهيداً في سبيل قضيته ووطنه بغض النظر عن جهلنا بمهمته ، ولكن يكفي أنه كان هدفاً لإسرائيل ، ووصلت اليه اسرائيل في المجال العربي ، ولكن في هذه المرة لم تسلم الجرة، ووصلت اليه يد الجبن والعار كما وصلت الى من سبقوه من الشهداء مثل غسان كنفاني وكمال عدوان وكمال ناصر وابويوسف النجار وابو حسن سلامة وخليل الوزير، وعماد مغنية .....الخ، كما امتدت يد الإثم والعدوان الى خارج المجال العربي واغتالت كثيراً من الفرسان الشرفاء الشهداء، مثل محمود الهمشري وماجد ابو شرار وفتحي الشقاقي وقائمة طويلة من الأبطال الشهداء الذين كانوا يقاومون المحتل والمعتدي على أوطانهم وأراضيهم مقاومة مشروعة كما أقرها القانون الدولي، والذين أصابوا وأوجعوا العدو المحتل والمعتدي، وتمكنوا من إيلامه بصدق وطنيتهم وشراستهم وجديتهم في معركة المصير سواءً بالسيف أو بالقلم ، فالكلمة المقاومة لها تأثير الرصاصة المقاومة لا بل أكثر من ذلك. لأن الصراع محتدم بكل مكوناته الثقافية والفكرية والعملياتية والجغرافية والتاريخية والديمغرافية والمتبادلة على ميادين المعركة والصراع ، ولأن كل الفرسان الذين اغتالتهم اسرائيل من أصحاب الكلمة المقاومة ، ومن أصحاب الفعل الحقيقي المقاوم على الأرض، وكل هذه القافلة الطويلة من الشهداء الصناديد لم نكن نسمع منهم خطباً وتصريحات عصماء ،ولم نكن نسمع منهم تنظيراً على شاشات التلفزة ووسائل الإعلام ، وتخويناً لهذا وذاك ، فإن تحدثوا كان حديثهم صادقاً ومختصراً ومعبراً عن فعل المقاومة وعن المصلحة العليا للوطن، وجميعهم كانوا يعملون بصمت ، فهم رجال بلا وجوه، ولا يحبون الهالات الإعلامية ، ولا تلمس في حديثهم أو عيونهم شهوة السلطة ، ولا تشتم منهم رائحة النفاق الوطني ، إن أفعالهم وتأثيرهم قد تجاوز بكثير وسبق بزمن طويل أقوالهم، هؤلاء هم الأهداف الحقيقية للعدو ، وليس من نراهم يومياً على شاشات التلفزة ينظرون ويلقون الخطب والتهديدات والتهم والتخوين التي سمعناها في زمن العنتريات العربية في الخمسينيات والستينيات دون أن تقترن بالفعل الحقيقي ، ويطلقون الشعارات التي تلعب على وتر الوطنية والعواطف لعامة الناس. لقد سمع الناس إعلامياً باسم المبحوح يوم اغتياله ، فأدركوا أنه الجندي المجهول في حماس ، تماماً كما سمع الناس إعلامياً بأبي جهاد ولأول مرة في حصار بيروت ، وظل قليل الكلام كثير الأفعال حتى لحظة اغتياله في تونس. ولا يُعد هذا تفوقاً اسرائيلياً على الفلسطينيين والعرب بالمعركة والصراع بقدر ما هو خلل بموازين القوى والإمكانيات والتواطؤ الدولي مع اسرائيل ،والخذلان العربي والإسلامي والكيل بمكيالين ، فكل الأجواء الدولية مباحة للعدو ، ويعتبره العالم دفاعاً عن النفس ، ويتعامل معه بصمت مطبق ، بينما هو قمة الإرهاب الدولي المنظم والمدعوم أممياً من دولة يعترف بها العالم ويعاملها فوق القانون الدولي ، ويتغاضى عن استباحتها للساحات الدولية في خرق واضح للقانون الدولي ، واعتداءٍ صارخ على الحرمة الوطنية لدول أعضاء في الأمم المتحدة ، وتزوير لوثائق سفر تعود لدول داعمة وصديقة لإسرائيل ، إنها مجمعٌ من الجرائم في عملية واحدة ، والسؤال المطروح اليوم على الدول التي تأوي قتلة المبحوح، هل ستتجاوب هذه الدول مع دولة الإمارات العربية المتحدة وتسلم المجرمين للعدالة والقضاء الإماراتي كما أذعنت ليبيا للمطالب الدولية تحت الضغط والتهديد بالحصار وسلمت المقرحي للعدالة الدولية ذات المكيالين والمنحازة باتجاه بوصلة القوة والبطش؟ بالقطع لا ، وسوف تقوم هذه الدول بلفلفة الموضوع وطويه حتى يتناسى. والذي يؤسف له أن اسرائيل وجدت من يتعاون مع مجرميها لوجستياً في تصفية المقاومين الحقيقيين في كل المجالات التي يتحرك وتحرك فيها رجال مخابراتها، وكل هذا بفعل التناقضات والخلافات العربية العربية والفلسطينية الفلسطينية وشهوة المال وحب الرشوة الحقيرة عند فئة حقيرة فاقدة للضمير ومنحطة القيمة. والسؤال أيضاً كيف وصل العدو الى معلومات عن رحلة الشهيد السرية من دمشق الى دبي ، وبحجم هذا القائد المؤثر. سؤال مطروح على حماس ولا يتحمل مسئوليته غيرها مهما كانت التهم الموزعة جزافاً، وهي وحدها التي يجب أن تعرف الجواب. لا أن تلقي باللائمة على شماعة الخلافات مع السلطة ومع فتح، فإلى متى نستمر في لعبة تلطيخ السمعة الوطنية الفلسطينية التي ظلت نظيفة منذ بداية المأساة الى أن ظهرت على الساحة وفي الوقت بدل الضائع منظمات غابرة في التاريخ العربي وعابرة على الجهاد المزعوم والتي تتخذ من الدين شعاراً للولوج من بوابة الدخول الى عالم السلطة والحكم، ومستنقع السياسة الموبوء، شغلها الشاغل التشهير والتعهير بالناس، فتح ليست أفراداً ولا تختصر في أشخاص ، وكذلك حماس ، فهما منظمتان ومظلتان قامتا ونصبتا من أجل تحرير الوطن والإنسان ، تتشكلان من من معظم الشعب الفلسطيني الذي يجهل بنوايا القيادات وخططها وأهدافها الباطنية، ولجأ اليهما سواد الشعب الفلسطيني بحثاً عن طريق لتحرير وطنه بصفتهما أكبر حاضنتين، وأصبحتا (فتح وحماس) في هذه الأيام خيارين للشعب أحلاهما مر في هذا الزمن العلقم ، من جراء الإنقسام والتشرذم وغياب القيادات الحكيمة، فعندما يتم تراشق وتبادل التهم بين فتح وحماس بالخيانة والتواطؤ في استباق لنتائج التحقيق، إنما يتهم هذا التراشق من قيادتي الفصيلين شعباً كاملاً بهذه التهم في استخدام لهوياته السياسية الغالبة على أطيافه المتعددة، لا يجب أن تستغل الخلافات الشخصية والأحقاد بين بعض قادة من حماس وقادة من فتح على إثر خلاف قبلي أو خلاف بين لاجيء وابن بلد، وتستخدم في تلطيخ سمعة الشعب الفلسطيني والإساءة لهذا الإنسان الفلسطيني المناضل المعذب الذي يجوب الأرض بحثاً عن هويته المستهدفة. وإن ثبت تورط فلسطيني في العملية فهو تورط فردي من نفسيات حقيرة ودنيئة توجد في كل الشعوب بدون استثناء، وهذا العمل الخسيس يعبر عن شخصيات المتورطين فيه وينحصر فيهم، ولا يعبر عن منظمة أو حركة قدمت الشهداء على دروب التحرير. هذا هو الجواب الذي يجب أن يجمع عليه كل الفلسطينيين في ردهم على وسائل الإعلام حول التورط الفلسطيني إن ثبت، مهما اختلفت مشاربهم وانتماءاتهم ، حتى وإن ثبت تورط فلسطيني على مستوى مؤسسة أو منظمة أو سلطة، (وهذا ما هو مستبعد بالتأكيد). فقد تشكلت في الساحة الفلسطينية عصابات تعمل لشخصيات متنفذة في جناحي الوطن، تلعب على هوامش المقاومة وما زالت بقاياها تعبث في مصالح الناس والوطن.
ما هكذا يتصرف القادة الحكماء والوطنيون. وصدق غيفرا حينما قال " الثورات يصنعها الشرفاء ويرثها الأوغاد". لماذا نستغل كل مناسبة لجلد الذات الفلسطينية بدلاً من جلد العدو؟ وبدلاً من أن نوجه الإتهام للعدو وحده نجد أننا نوجهه لأنفسنا. فليس غريباً أن يخرج الله الميت من الحي وأن يوجد بيننا من مات ضميره تحت وطأة الإحتلال وشظف العيش وشهوة السلطة وحب المال. وهم معدودون على الأصابع ولا يعبرون الاّ عن أنفسهم.
ومن جانب آخر فإن القضية الفلسطينية ليست مسألة ثأر وانتقام من العدو ، ولا يجب تنويمها وتغيبها عن الوعي وايقاظها فقط في إطار الثأر والإنتقام ، ليرد العدو بانتقام فظيع يدفع ثمنه الأبرياء من النساء والأطفال، في حرب مواجهة علنية محسومة نتيجتها لصالح العدو لتفوقه علينا عسكرياً وتقنياً، وهذه بالقطع ليست أعمال مقاومة كما يدعيها القادة الحاليون، إنها عمليات سياسية لخلط الأوراق وذلك للتهرب من موقف وطني تفرضه المصلحة الوطنية، القضية هي مشروع وطني متكامل متفاضل بين أطياف الشعب الفلسطيني ، هي قضية تحرير ودحر احتلال وانتزاع استقلال وطني ، تحتاج الى الحكمة والتعقل والعمل الصامت بعيداً عن وسائل الإعلام ، ولا تنحصر أعمال المقاومة في قضايا الثأر والإنتقام وردود الأفعال، ربما يدخل في حسابات المقاومة والعمل الوطني وفي هوامشه أعمال الإنتقام والثأر لدم الشهداء ، وحينها وإن حدثت فيجب تأطيرها وتوظيفها في خدمة المقاومة التي هي وسيلة للوصول الى الهدف ، لتكون في الوقت المناسب والمكان المناسب وتحقق هدفها العام وليس الهدف الخاص، ولا يعلن عنها الاّ بعد نجاحها، ولا يجب التهديد بها قبل حلول استحقاقها لتكون ثمرة من ثمرات شجرة المقاومة المتفرعة أغصانها والممتدة جذورها في أغوار الأرض للوصول الى الهدف الذي هو أسمى من أعمال الإنتقام والثأر. هنالك من الإخوة العرب من ضربه واعتدى عليه العدو مراراً منذ وقت موغل في القدم ويضربه ويعتدي عليه ويهدده ليلاً نهاراً ، سراً وجهراً وعدواناً سافرا.ً وهذا الشقيق العربي يملك مقومات الدولة ووسائل الردع من جيش وتسليح واقتصاد وجغرافيا ممتدة، لكنه وبحساباته سيكون مستدرجاً الى معركة ومواجهة قررها العدو ولن تكون لصالحه في نهايتها ونتائجها، وتخرج حكومته على شعبها وعلى العالم وتقول "نحتفظ لأنفسنا بحق الرد في الوقت المناسب والمكان المناسب". ولغاية الآن لم يحن الوقت المناسب ولم يتحدد المكان الملائم ، وذلك لكي لا تجر على شعبها الويلات والمآسي. فسلاح الصبر وتقوية المناعة وتطوير وسائل الهجوم بصمت دائماً أنجع من سلاح الإستفزاز والتهديد والوعيد.
وهنا لا بد من الإشادة بالإجراءات الأمنية في دولة الإمارات العربية المتحدة والتي تملك التقنية العالية والكفاءات الأمنية المتميزة ، حيث وضعت يدها على الجناة بسرعة قياسية لم يتوقعها أحد ، وتتعامل مع الموضوع بجدية وحزم وصمت، وكانت سبباً في إفشال هذه العملية القذرة فنياً واستراتيجياً، وقلبت النصر في تحقيق الهدف الى هزيمة منكرة جلبت العار والحرج والفشل للمجرمين ، وتسببت في حرج سياسي ومهني وأخلاقي لدولة القراصنة والإرهاب الدولي.
|