New Page 1
تقييم ورسم السياسات الإسرائيلية/ غازي السعدي
25/02/2010 09:35:00
تقييم ورسم السياسات الإسرائيلية المستقبلية في مؤتمر هرتسيليا العاشر
"إسرائيل تحت الحصار" هذا الشعار كان عنوان مؤتمر "هرتسيليا" العاشر للأمن القومي، الذي عقد بتاريخ 31/1/2010 واختتم بتاريخ 3/2/2010، وهذا الشعار اختير كمحاولة يائسة لمواجهة حملات تقوم بها منظمات دولية نجحت في نقل وإيصال جزء من معاناة سكان قطاع غزة إلى الرأي العام الدولي، وذلك خلال العام الذي تلا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذين رفعوا شعار "غزة تحت الحصار"، فمؤتمر "هرتسيليا"، تأسس عام 2000 بمبادرة من مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الجنرال "عوزي أراد"، في أعقاب فشل مؤتمر كامب ديفيد (2)، ويعقد سنوياً من قبل "معهد الدراسات الإستراتيجية"، بهدف مراجعة وتقييم السياسات الإسرائيلية، وتحديد معالم السياسات للعام المقبل، ومراحل أخرى قادمة، ويشارك في هذا المؤتمر كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين بدءاً من رئيس الدولة، ورئيس الحكومة ووزير الحرب، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي وآخرين، حيث يدلون بدلوهم حول السياسات الإسرائيلية المستقبلية. وأضيف في هذا العام الدكتور سلام فياض رئيس الحكومة الفلسطينية، الذي نقل وجهة نظر السلطة الفلسطينية حول إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، علماً أن ما يتوصل إليه المؤتمر من خلاصات واستنتاجات يعد مرجعاً أساسياً للحكومات الإسرائيلية المتتالية، في القرارات الهامة والمصيرية التي تواجه إسرائيل.
لقد ركز المؤتمر على إبراز ما تعتبره إسرائيل مخاطر تهدد أمنها ووجودها، وبخاصة من قبل جيرانها، مطالبة العالم بمزيد من الدعم، معتبرة نفسها "ضحية" وسط محيط عربي وإسلامي يعد العدة للقضاء عليها - على حد قول رئيس المؤتمر الجنرال احتياط "داني روتشيلد"- بينما العكس هو الصحيح، وقد وضع على جدول أعمال المؤتمر: التهديدات الداخلية، والتهديدات الخارجية، وتحليل الوضع المستقبلي، وتقييم الحالة الإسرائيلية للسنوات الخمس القادمة، والبحث في بعض الملفات للعشرين عاماً القادمة، ووفقاً لـ"روتشيلد"، فإن التهديدات التي تحيط بإسرائيل تأتي من الشمال ممثلة بحزب الله اللبناني، ومن الجنوب ممثلة بحركة حماس، ومن الشرق ممثلة بإيران، أما بالنسبة للتهديدات الداخلية، فإن إسرائيل وفي القرن الـ (21) لم تحسم بعد جوهرها "اليهودي"، وهي ما زالت تعيش في حالة قلق متشعب.
لقد ذكرنا مشاركة سلام فياض في هذا المؤتمر ولا نعرف أسباب ودوافع الحملة ضده، والانتقادات التي وجهت إليه فلسطينياً على خلفية مشاركته في المؤتمر، كما أنه لم يسلم من الإسرائيليين لهذه المشاركة التي لم تستقبل بالود والترحاب، حتى أن نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي "سيلفان شالوم"، شن هجوماً كاسحاً على هذه المشاركة، متهماً "فياض" بأنه يحاول الظهور بمظهر رجل سلام، ولكنه في الحقيقة لا يسعى لأي سلام- حسب "شالوم"- بل اتهمه بتبني مواقف متشددة تجاه عملية السلام مع إسرائيل.
في الوقت الذي نواجه ضعفاً في إعلامنا العربي، ولم ننجح إلى اليوم في اختراق المجتمع الإسرائيلي، ونشكو دائماً من هذا الفشل، ونسعى لاستقطاب الرأي العام الإسرائيلي بجانب قضايانا، جاءت مشاركة "فياض" في المؤتمر كفرصة نادرة، لإسماع وجهات النظر الفلسطينية، أمام متخذي القرار في إسرائيل، وبالتالي إسماعها للإسرائيليين عامة، إذ أن للرأي العام الإسرائيلي تأثيراً كبيراً على متخذي القرار، وإذا كان من يريد توجيه الانتقاد "لفياض" فلسطينياً، فليكن انتقاده حول طروحاته وأقواله ووجهات نظره، وليس على خلفية المشاركة وتهديده بالقتل.
لقد أكد فياض في خطابه أمام المؤتمرين، على ضرورة إنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية، التي احتلتها إسرائيل عام 1967، ودعا الفلسطينيين والإسرائيليين للتوصل إلى اتفاق سلام يقوم على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية حتى عام 2011، مشيراً إلى أن الحكومة الفلسطينية استطاعت إنجاز الكثير من القضايا الحيوية في الضفة الغربية، لا سيما في مجالات الأمن والاقتصاد والصحة والتعليم، واصفاً التوغلات الإسرائيلية اليومية في الضفة الغربية بأنها تؤثر سلباً على حالة الأمن التي تحققت عبر السنوات الماضية، مطالباً-أمام حشد كبير من الشخصيات السياسية والأمنية الإسرائيلية- بضرورة وقف هذه التوغلات، والكف عن تدخل إسرائيل بالشؤون الفلسطينية، مؤكداً التزام السلطة الفلسطينية بقرارات الشرعية الدولية، وبخطة خارطة الطريق، وفك الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، معتبراً أن هذا الحصار ليس في مصلحة الفلسطينيين ولا الإسرائيليين، وكان رده على المتحدثين بذريعة الأمن الإسرائيلي أن للفلسطينيين مطالب أمنية أيضاً، وليس لإسرائيل فقط، مؤكداً بأن القدس أرض فلسطينية محتلة، وهي جزء لا يتجزأ من الأراضي التي احتلت عام 1967، ويجب أن تكون عاصمة دولة فلسطين، وطالب بوقف الاستيطان الكامل، لإعطاء مصداقية للعملية السياسية، كما طالب الجانبين الاستفادة من دروس الإخفاق من فشل المفاوضات التي استمرت (16) عاماً، دون تحقيق الهدف بإنهاء الاحتلال، وتمكين الشعب الفلسطيني العيش بحرية وكرامة، على أرض مساحتها 22% من أراضي فلسطين التاريخية، فإذا كان لمنتقديه أية تحفظات أو اتهامات على هذه الطروحات عليهم التعرض لها ومناقشتها.
خلال الكلمات التي ألقيت من قبل كبار المسؤولين الإسرائيليين، ألقوا بالمسؤولية عن تعثر عملية السلام على كافة المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية، على كاهل الدول العربية والإسلامية المجاورة، دون أية إشارة إلى مسؤولية إسرائيل، وهذا الادعاء فيه مغالطة كبيرة وتشويه للحقيقة والواقع، فلا غرابة في هذا الادعاء الذي يسوقه الجنرال "عوزي أراد"، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، الذي يفوق "نتنياهو" تطرفاً عبر اتهامه للفلسطينيين برفضهم التفاوض، وهذا الرفض يعود لسياسة المماطلة الإسرائيلية، وعدم التزامها بقرارات الشرعية الدولية، ولا بالاتفاقات الموقعة، وحتى أنهم دمروا خارطة الطريق التي قدمت من قبل الأميركان ووافقت عليها إسرائيل، والتي تنص على عدم القيام بأية إجراءات أحادية الجانب، بل أن إسرائيل تقوم بجميع التجاوزات والمخالفات، فإذا لم يتوقف البناء في المستوطنات ولم تعتمد إسرائيل المرجعيات التفاوضية، فإنه لا يجوز في حال تغيير الحكومة الإسرائيلية العودة إلى المفاوضات من نقطة الصفر، فإسرائيل هي التي عليها أن تتحمل مسؤولية عدم استئناف المفاوضات وفشلها وليس نحن.
رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" كرر في خطابه أمام المؤتمر ما سبق أن قاله عشرات المرات من قبل، فهو يريد استئناف المفاوضات دون شروط مسبقة، أي أن المفاوضات من أجل المفاوضات وليس من أجل الحل، بل أخذها كغطاء للظهور أمام العالم بأن العملية السلمية مستمرة، مع مواصلة البناء في المستوطنات، وعندما يقول "نتنياهو" بأن هناك فرصة لإنجاز السلام مع جيرانه، فهذه الأقوال تندرج في أسلوبه المخادع الذي يتميز به، ملوحاً بقوة إسرائيل العسكرية، التي دونها من الصعب على إسرائيل البقاء في هذه المنطقة - والقول "لنتنياهو"- داعياً إلى مواصلة تعزيز قوة إسرائيل العسكرية، موضحاً أن الضعفاء لن يستطيعوا العيش في هذه المنطقة الجغرافية، وأن بقاء إسرائيل قوية هو الضمان لوجودها، فإسرائيل لا تزال تعتمد على القوة وعلى العصا الغليظة، وليس على السلام العادل الذي هو الضمانة للأمن والسلام في هذه المنطقة.
وفي الوقت الذي أعلن فيه رئيس الأركان الجنرال "غابي اشكنازي" في خطابه أن جيشه يواصل التعاظم، وله قدرت قتالية تليق بأفضل جيوش العالم، فقد اعتبر "ايهود باراك" - وزير الحرب - في خطابه أيضاً أن الأمن بالنسبة لإسرائيل فوق كل شيء، وإذا كانت إسرائيل قوية فإنها ستسمح لنفسها بالتفاوض السياسي، وهو هنا يناقض نفسه بنفسه، حين قال بأن إسرائيل تعتبر اليوم أقوى من أي كيان آخر، من طرابلس في ليبيا، إلى طهران في إيران، فالقول بأن إسرائيل قوية تستطيع التفاوض لتحقيق السلام لهي مغالطة ونحن نقول بأن قوة إسرائيل العسكرية، واعتمادها على القوة، هو العائق أمام تحقيق السلام، وبينما يطالب "باراك"، الدول العربية والأوروبية بمساعدة الفلسطينيين في إقامة دولتهم، متجاهلاً أن العائق الحقيقي أمام إقامة الدولة الفلسطينية هي حكومة إسرائيل، واحتلالها للأراضي الفلسطينية، ومشاريعها الاستيطانية، وإجراءاتها التعسفية.
صحيح أن حل الدولتين للشعبين – كما قال "باراك"- ليس إحساناً منه تجاه الفلسطينيين، بل هو ضرورة يجب أن تتجسد لتمكين تجسيد الحلم الصهيوني بدولته اليهودية الديمقراطية، محذراً من الخطر الديمغرافي القادم على إسرائيل، حيث يتواجد نحو (12) مليون نسمة بين النهر والبحر، منهم سبعة ملايين ونصف إسرائيلي (بينهم نحو مليون ونصف فلسطيني)، وأربعة ملايين من الفلسطينيين في الضفة والقطاع، فإن بقاء كيان سياسي واحد في هذه المنطقة، هي إسرائيل- والقول "لباراك"- فإنها ستصبح في نهاية المطاف، إما دولة غير يهودية، أو ليست ديمقراطية، فوجود هذا الكم الهائل من الفلسطينيين الذين يحملون فكراً قومياً، وإذا لم يسمح لهم بالتصويت في انتخابات الكنيست، ستصبح إسرائيل –والقول أيضاً "لباراك" - دولة تمييز عنصري كامل مثل دولة جنوب أفريقيا قبل (20) عاماً وفي كلا الحالتين لا يتجسد الحلم الصهيوني حسب "باراك".
وختاماً .... فإن الاستنتاج الذي أريد الخروج به، إضافة إلى معرفة التوجهات والمخططات الإسرائيلية، فإنني أتألم جداً لعدم قيام الفلسطينيين، ولا الدول العربية، بعقد المؤتمرات المشابهة لهذا المؤتمر لمراجعة السياسات العربية التي لم تحقق الأهداف المعلنة حتى اليوم.
|