New Page 1
الــــدروس الـمستفـادة / حماده فراعنة
25/02/2010 09:38:00
ليست هذه المرة الأولى التي يخسر فيها شعبنا الفلسطيني أحد كوادره المميزة بالاغتيال الممنهج على أيدي الموساد الإسرائيلي، فقد سبق خسارة الشهيد محمود المبحوح، آخر ضحايا التخطيط الإسرائيلي والإهمال الفلسطيني عشرات القيادات الأمنية والعسكرية، إضافة إلى أمثالهم من القيادات السياسية، بدءاً من غسان كنفاني وانتهاءً بشهداء نابلس الثلاثة، مروراً بعشرات العمليات التي أدت إلى خسائر قيادية فادحة، من كافة الفصائل والقوى والتنظيمات الفلسطينية، وصلت إلى حد الاغتيال الصريح والمفتوح للأمناء العامين فتحي الشقاقي وأحمد ياسين وأبو على مصطفى وقبلهم خليل الوزير، ناهيك عن عمليات فاشلة كان أبرزها محاولة اغتيال بسام أبو شريف عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية في ذلك الوقت وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.
ولكن وعلى الرغم من الخسائر الفادحة، لم يملك فصيل فلسطيني واحد شجاعة الاعتراف بأن لديه اختراقاً من قبل العدو، أو تقصيراً في الاحتياطات الأمنية التي تحول دون تحقيق العدو لأهدافه المعلنة والمستترة، حيث لا محرمات لديه، كمعاهدات سلام أو اتفاقات أمنية، أو عدم المس بحرمة الأصدقاء، وعدم التطاول على سيادتهم باستعمال جوازاتهم أو أراضيهم أو غيرها من التجاوزات غير القانونية وغير الأخلاقية.
محمود المبحوح تم اغتياله في دبي، ولكن رفيقه وشريكه في ذات المهام، عز الدين الشيخ خليل تم اغتياله في دمشق، فهذا يعني أن الاستهداف قائم والأماكن غير محصنة والاختراق حاصل، سواء من دبي أو من دمشق، وفي الحالتين ثمة دليل قاطع على أن الخروقات موجودة من داخل الفريق المحيط بالعمل العسكري والأمني لحركة حماس، وأن الدائرة الأمنية العليا المغلقة هي التي تعرف وحدها حركة أعضاء القيادة الأمنية العسكرية، وهي وحدها المفترض أن لديها سلطة إجراء الاتصالات وأجندة التحركات وهويات الجوازات والأماكن التي يتم التحرك منها وإليها، وبالتالي فإن ما جرى لشحنة الأسلحة التي جرى قصفها وتدمير ناقلاتها المحمولة في حلايب أقصى شمال السودان، على خط إيران سيناء مروراً باليمن ما يؤكد عمليات الاختراق، وبالتالي فإن محاولات التهرب من المسؤولية وإلقاء التبعات على الآخرين ما هي إلا تغطية على الوقائع والتنصل من تحمل النتائج وعدم معالجتها بشجاعة ومسؤولية، والإدعاء بالتطهر بعدم وجود خروقات في جسم الحركة والتنظيم.
اغتيال المبحوح قد لا تكون العملية الأخيرة أو نهاية لمسلسل الخسائر الفادحة في الكوادر والقيادات، ولكن من الواجب التوقف والتقييم والاستفادة واستخلاص العبر والدروس من مثل هذه العمليات، وعدم الركون لرحمة العدو أو خوفه أو أن شيئاً يردعه عن ارتكاب الجرائم، فالمشروع التوسعي الاستعماري الإسرائيلي متواصل في تنفيذ أهدافه، مستفيداً من عاملين:
أولاً تفوقه التكنولوجي والاستخباري والعسكري ونفوذه السياسي وقوته الاقتصادية، ومجال تحركه الحيوي على المستوى العالمي، وثانياً، ضعف القدرة الفلسطينية وضآلة مجالها المحدود وإمكاناتها المتواضعة، ما يحتم بالضرورة على كل عاقل فلسطيني أن يبحث عن أسباب القوة الذاتية ويمسك بها ويحدد عوامل الضعف ويتحاشاها.
وأول عوامل القوة هذه هي وحدة الشعب وتماسك قواه السياسية ووحدة إرادته وبرنامجه، ومن ثم استعمال وسائل النضال التي تربك العدو ولا تضعف الصديق، وأول عوامل الضعف هو الانقسام والشرذمة والسماح بتمزيق الصفوف وسهولة اختراقها.
لقد حان الوقت للتراجع عن الانقلاب والانقسام والتناحر الداخلي والتقدم خطوات نحو العودة لصفوف الشراكة والشرعية والعمل المؤسسي، فالشعب الفلسطيني بكافة قواه هو الحلقة الضعيفة في الصراع، فكيف يكون ذلك إذا كان الشعب ممزقاً وقواه متناحرة، ومؤسسته منقسمة أمام التفوق الإسرائيلي الكاسح؟؟
إسرائيل تعمل على تهويد القدس وأسرلتها بشكل تدريجي، وهناك عجز فلسطيني وعربي وإسلامي ومسيحي وعدم قدرة على حماية هوية المدينة المقدسة والحفاظ على عروبتها وحماية مقدساتها الإسلامية والمسيحية، وها هي إسرائيل تتقدم خطوات عملية معلنة في ضم مسجد إبراهيم الخليل للتراث اليهودي غير آبهة بكل القيم والقوانين ومشاعر المسلمين ومقدساتهم، فماذا ستكون ردة الفعل الإسلامية غير الشجب والاستنكار والاستكانة للفعل الإسرائيلي، الذي تجاوز كل الحدود ومسّ كل المحرمات وأغلق الأبواب أمام أي حل واقعي يقوم على قيام دولتين متجاورتين للشعبين تعيشان بأمن وسلام إلى جانب بعضهما وفق قرارات الأمم المتحدة المنصفة للطرفين.
ستمر عملية الاغتيال، كما مرت سابقاتها وستبقى الحقيقة مرة، وهي أن المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي فوق القانون الدولي، لا رادع له، وأن الإمكانات المتوفرة للشعب الفلسطيني غير مستغلة وغير موظفة بالشكل الصحيح، لأن النزوع الحزبي والفئوية الفصائلية والإدعاءات الكاذبة هي الطاغية على حساب العمل الجبهوي والوحدة الوطنية والعقل المؤسسي، وإذا كانت النصائح غير مجدية، وألف باء الانتصار غير متوفرة، فهل العمل الإسرائيلي في القدس والخليل وجدار تمزيق الوطن، واغتيال الشهداء الثلاثة في نابلس والمبحوح في دبي يمكن أن تكون أجراس اليقظة لمواجهة الخطر الداهم ومجابهة العدو القائم، ولتعرف غزة أن لا طريق أمامها سوى شرعية رام الله، وأن كلتيهما مستهدفتان؟!
حركة حماس ومن قبلها مرجعيتها، حركة الإخوان المسلمين، لا تعترف بالخطأ ولا تقر به ولا تعتذر عنه، لأنها ترى نفسها مالكة للحقيقة وحدها دون غيرها، وما تصريحات الناطقين باسمها، وما أكثرهم، لهو دليل على الوقوع في سلسلة الأخطاء المتتالية مع التمسك المسبق في الإدعاء بعدم الوقوع فيها.
h.faraneh@yahoo.com
|