New Page 1
ماذا يريد الإسرائيليون منا ؟/ بكر أبوبكر
28/02/2010 09:48:00
بكر أبوبكر
ليس اعتباطا أن تثار الكثير من القضايا السلبية في وجه الشعب الفلسطيني، وليس غريبا في ذات الوقت أن تكون وراء مجمل هذه القضايا الأصابع الصهيونية حيث دأبت على مثل هذه الأفعال منذ زمن بعيد تحقيقا للإستراتيجية القاضية بضرورة الحفاظ على التفوق من جهة وإضعاف الخصوم من جهة أخرى في إطار العقيدة الاسرائيلية.
بنيت العقيدة الصهيونية على الهجرة والاستيطان من جهة وعلى العدوان والحرب من جهة ثانية وتواصلت تحافظ على تماسكها (القومي) ، في ظل هاتين الركيزتين ، واستخدمت لتحقيقهما كل ما تملك من إستراتيجية تفوق بأدوات عسكرية واقتصادية وسياسية ودبلوماسية واستخبارية.
استطاع الرئيس أبو مازن أن يعيد كشف الوجه الحقيقي لهذه الإستراتيجية والعقيدة التي بنتيجتها لا تريد الاندراج الفعلي في عملية السلام وترغب في الاحتفاظ على ما تعتقد إنها تملكه، فهي مالكة الأرض والمياه والسماء والبشر على ما تظن بدعاوى تورا تيه وتاريخية وبتكريس الأمر الواقع .
الرئيس الفلسطيني الذي اعتقد الخصوم انه خاضع للاملاءات الإسرائيلية اكتشفوا مدى صلابة هذا الرجل وحنكته ومدى قدرته على الحركة والمناورة ، في ظل تمسكه الصلب بالثوابت الفلسطينية.
منذ الخطاب الشهير للرئيس أبومازن ذي النقاط الثمانية التي أكدت على الحق الفلسطيني والتي أوضحت أن المفاوضات الفلسطينية كانت كالنحت بالصخر ولكنها توصلت مع الحكومة الإسرائيلية السابقة لمجموعة من النقاط التي لا يمكن التنازل عنها ما مثل اختراقا فلسطينيا في المفاوضات ، ومن ذلك اليوم وحتى اليوم والآلة الدعائية الإسرائيلية -في إطار إستراتيجيتها وإدارتها للأزمة دون الولوج لحلها- تحاول النيل من هذا الرجل كما تحاول النيل من الشعب الفلسطيني عامة وقضيته.
لقد ثارت في الشهور القليلة الماضية جملة من القضايا التي منها تهويد القدس عبر تواصل الهدم للمنازل العربية في القدس ، وسرقة البيوت والحفر تحت الأقصى والاستيلاء على آلاف الدونمات وإقرار البناء لمئات وآلاف المنازل في المستوطنات ما تلاها من دعاوى الاتهام والفضائح المفبركة ضد رجال في السلطة الوطنية وقتل محمود المبحوح ومؤخرا ضم كل من مسجد بلال بن رباح (قبة راحيل) والحرم الإبراهيمي، والاتهامات لرجال في حماس بالعمالة لإسرائيل على رأسهم مصعب حسن يوسف ابن القيادي البارز في حماس في الضفة الغربية حسن يوسف.
ان كل هذه القضايا والحرب النفسية المتصلة بها تأتي في سياق الحرب المشرعة ليس ضد الرئيس الفلسطيني فقط أو ضد حركة فتح وضد الفصائل الفلسطينية الأخرى ولكنها أيضا حرب موجهة ضد القضية الفلسطينية ذاتها من حيث هي مقدسة في أعين العرب والمسلمين، وضد الوحدة الوطنية، وضد النسيج الاجتماعي الفلسطيني في محاولة أو محاولات حثيثة لاستكمال الهدم والتفكيك والتشكيك والتشويه للصورة الفلسطينية عامة ، وفض لبكارة الطهارة الوطنية التي ابتدأت باراقة الدم الفلسطيني الفلسطيني.
كما تسعى الحكومة الإسرائيلية الحالية لغلق الباب على المطالب الفلسطينية المشروعة التي حددها الرئيس لاستئناف المفاوضات بالمطالبة بوقف الاستيطان أو تحديد حدود الدولة أو الاتفاق على مرجعية المفاوضات بوضوح وتحديد سقف زمني واتفاق ملزم لها.
أن الانخراط في آليات التشويه والتفكيك والهدم للكل الفلسطيني من أصوات فلسطينية او عربية او محطات وصحف موبوءة تصدر هنا أو هناك يزيد الوضع وبالا، وينتقص من القضية الفلسطينية وحظوتها كقضية عربية وإسلامية مركزية، ويدخل في النفوس عوامل التيئيس والانفضاض عن كل ما هو وطني او سياسي ما يريده اليمين الإسرائيلي العنصري ويسعى له، في ظل وجهات نظر أخرى لاسرائيلين في أحزاب ومؤسسات مخالفة.
كان من المستوجب أن يقف الفلسطينيون جميعا ضد كل ممارسات العدو في القدس التي تخضع لعملية التهويد الكامل، وكان من المتوجب أن ينشط النضال الوطني في الضفة -بشكل أكبر مما هو حاصل- وفي غزة ردا للعدوان الإسرائيلي اليومي ، وكان من الأجدر أن تقف الحملات الإعلامية الفلسطينية – الفلسطينية، ويقف التراشق الإعلامي من أصوات مبحوحة في السلطة الفلسطينية، وأخرى في حركة حماس التي يستريح عدد من قادتها في (بانيو) السلطة في غزة، ولكن ضعف الوعي الوطني وانهيار القيمة والضرورة لتحقيق التآزر الوطني و القومي اقعد الكثيرين عن التفكير السليم، فتحقق للإسرائيليين -وبالتحديد اليمين العنصري والعقائدية الصهيونية- ما يريدونه منا.
توقفنا مطولا عند عمليات بناء المستوطنات والحرب والإسرائيلية على الأرض في الضفة ، وفي غزة التي أصبح بينها وبين الطرف الأخر مساحة فاصلة تابعة للإسرائيليين أي محتلة بالأمر الواقع لخضوعها الكامل لمرمى الهدف العسكري الإسرائيلي ما يحتاج لنضال دؤوب.
كما توقفنا عند سيطرة الإسرائيليين على البحر والسماء والمعابر في غزة حيث لا مقاومة ولا كفاح ضد هذه الممارسات حتى السلمي منه ، وتوقفنا مطولا عند حرب المستوطنين في الضفة المدعومة من الحكم اليميني في إسرائيل والتي تواجهه جماهيرنا في بلعين ونعلين والمعصرة والنبي صالح وغيرها، واليوم في بيت لحم ورام الله ، توقفنا أمام كل ذلك ما نراه يحصل بسياق مقصود اسرائيليا، وبسياق غير مكتمل فلسطينيا يحتاج لاكتماله لوحدة فكرية وسياسية وبرامجية، وتخلي حقيقي عن مساحات نظن إننا نحكمها سواء في الضفة أو غزة وهي في حقيقية الأمر محتلة ومحاصرة من العدو.
كما توقفنا أمام مسلسل الاتهامات للسلطة الوطنية والاتهامات بالفساد أو العمالة وما حصل مع المبحوح وقلنا أن التراشق المتبادل هو مقصود من الإسرائيليين ما يعني ضرورة ألا نسئ لبعضنا البعض وألا نسيء لنسيجنا الاجتماعي ولقضيتنا بان نلقى التهم فيما بيننا وحقيقتها أن اللاعب الذي يمسك بكل هذه الخيوط لتحقيق استراتيجيته هو العدو الإسرائيلي.
لقد نقضت الحكومة الإسرائيلية الحالية مجموعة من التفاهمات الهامة التي أحدثها المفاوض الفلسطيني كاختراق رئيس مع الحكومة السابقة، ولرغبتها بعدم التسليم بما حصل وتطبيقا للعقيدة الصهيونية المحددة بالتوسع والعدوان والاستيطان والهجرة وللإستراتيجية القاضية بالتفوق من جهة وتفتيت الآخر، فإنها لم تتوانى عن شن حملة مسعورة ضد كل ما هو فلسطيني للأسف الشديد جاراهم فيها الكثير من الفلسطينيين غير واعيين لمقدار الضرر الذي يعود علينا ولا يفيد سلطة تحت الاحتلال في الضفة أو سلطة انقلاب تحت الاحتلال في غزة .
أن القضية الفلسطينية لمن يحب فلسطين من الفلسطينيين والعرب والمسلمين وأحرار العالم، وليس لمن يستخدمها لهدف التشبث بسلطان بائس أو انتمائه لمحور عالمي أو إقليمي يسعى لمصالحه اولا، والقضية الفلسطينية كما كان يقول عنها الخالد ياسر عرفات كما الشعب الفلسطيني أكبر من كل قياداته، ما يستدعى منا وعي اكبر ومواقف قد تكون صعبة على البعض هي أهم بكثير من مسميات مقاومة لم تعد موجودة او سيارات فارهة تنهب شوارع غزة تحت اسم الحكومة المقالة ، او أخرى في نابلس وبيت لحم ورام الله .
أننا في مفصل تاريخي نستطيع من خلاله أن نستعيد لحمة فقدت وان نستعيد وعيا ضعف وان نستعيد قرارا صودر فلن تشفع لنا الأجيال ولا التاريخ .
|